الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ومعارك المغرب الحديث 5

الحكومة تميع الحوار لربح الوقت واقتلاع الكونفدرالية من الأرض المغربية في سيرة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ومعاركها الاجتماعية بالمغرب الحديث "معارك الفجر وهو يُحرر الليل من ظنونه"، كتاب تنشره جريدة "الصباح" في حلقات للكاتب والناقد الأدبي والأكاديمي شعيب حليفي، وهو كما يقول الكاتب مساهمة في التاريخ الاجتماعي بشكل عام، والتاريخ النقابي، بشكل خاص، وتحديدا مسيرة الكونفدرالية الديمقراطية للشغـل ومعاركها الاجتماعية بالمغرب الحديث، وهو أيضا، يضيف الكاتب، قراءة لا تدعي لنفسها أنها تكتب كل التاريخ بتفاصيله التي تحتاج إلى مجلدات وشهادات الفاعلين الذين شكلوا روح هذه المنظمة النقابية.. إنما هي شهادة مثقف مغربي يروي عن تجربة مغربية تهم كافة المغاربة من بعيد أو قريب. وفي تقديمه للكتاب قال حليفي "لم يكن في خلدي أبدا التأريخ للمنظمة النقابية المغربية: الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، التي رسمت تواريخ جديدة في عمق التاريخ المغربي منذ 1978، ولكنني كنت أفكر، منذ فترة طويلة، في عمل تخييلي يستلهم كل تلك الدينامية الاجتماعية للكونفدرالية وما شيدته من أحداث وحركات وحوارات أفرزت شكلا من الصراع "الشرس" الذي بلغ حد الاقتتال في لحظات كثيرة عاشها المغاربة مشاركين أو متعاطفين أو ملاحظين". واعتبر حليفي أن ما كتبه تلخيص شديد "لآلاف الوقائع، وفي ما أراه التقاطا لبعض الأثر وبعض الضوء من أرشيف كبير قد يعكس جزءا مهما من تاريخ الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وقد صنعت تاريخا جديدا في المغرب الحديث، أو على الأقل، حفرت طريقا واضحا وعامرا بالصراع والانتصار، خلق حركية عنيفة ورجات في المجتمع المغربي عبر مراحل- غير متشابهة في عمقها- يمكن الآن قراءتها وتصنيفها وفهم العديد من أسبابها. أبريل شهر الأحابيل، يخرج المارد الكونفدرالي إلى الساحة برجاله التاريخيين ونسائه النبيلات، الحاملات لبذور الخصوبة، من أجل مواجهة ما سيأتي من تقتيل وتغييب... لا خيار لهم غير الحقيقة، وقد توضؤوا من النهر المغربي وعانوا، مثلما رأوا وعاشوا، معاناة الشعب المغربي.الحكومة تكشف أقنعتهاففي نهاية السبعينات، كما لو أنها تعكس بدايتها، تلجأ الحكومة إلى تمييع الحوار من أجل ربح الوقت لتنفيذ خطط البحث عن سبل «دموية غير نظيفة» لاجتثاث الكونفدرالية من الأرض المغربية، وكذلك كان موقف أرباب العمل الذين فتحوا قنوات مباشرة مع السلطات الحاكمة فصاروا ينفذون الطرد والدسائس والمؤامرات ضد النقابيين الكونفدراليين من أجل إرغامهم على الانسلاخ والخنوع.ورغم الوعود الحكومية، في فبراير ومارس 1979، فإن سياسة الاعتقال والعزل والطرد والحصار ومراقبة المناضلين والمقرات في كل المغرب كانت حاضرة، والتعبئة في صفوف الكونفدرالية قائمة إلى أن حان موعد من مواعيد الامتحان، فتُقرر أيام 9-10-11 أبريل1979 إضرابا عاما وطنيا في قطاعات التعليم والصحة والصناعة البترولية والسكرية، والذي عرف نجاحا ساحقا ورجَّة في الجسد الاجتماعي المغربي، وقد تصدت الآلة القمعية للسلطة بكل أشكالها وأنواعها قبل وأثناء وبعد الإضراب للمناضلين والمناضلات والمتعاطفين مع الكونفدرالية فابتدأت بالترهيب ثم الاعتقال والجلد والفلقة والتهديد بشكل مباشر عبر الإذاعة والتلفزة، كما لجؤوا إلى الطرد في حق عدد كبير فيتم اعتقال أزيد من 17000 نقابي، ثم محاكمة 9000 منهم بظهير «كل ما من شأنه»، ويجري طرد 7000 من رجال التعليم والصحة والعمال من مختلف القطاعات. وتستمر الاحتجاجات داخل المغرب خارجه حول ما وقع للمضربين من انتهاك حقوقهم وممارسة كل أشكال القمع والاضطهاد عليهم، فقدمت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل دعوى ضد الحكومة في هذا الصدد إلى منظمة العمل الدولية، كما ردت على خطاب الوزير الأول ووزير العدل في نهاية أبريل بخطاب مفصل يكشف الواقع وهشاشة الخطاب الحكومي.الشجرة تورق هويتها يتواصل التأسيس والبناء على أرض الكفاح من أجل إثبات الذات وتشكيل الهوية، عبر بناء التنظيم ومؤتمرات تأسيسية لنقابات وطنية في القطاع العام والشبه العام والخاص. وفي جو من الحماس والتضامن والنقاش الديمقراطي والإحساس بالمسؤولية والشموخ، فهي الآن تقود بالقوة والفعل، النضال الاجتماعي دون تخاذل، وتدعم الصف الديمقراطي الحزبي بالمغرب في الاستحقاقات السياسية والمواقف الوطنية.وهكذا دعت الكونفدرالية إلى مقاطعة استفتاء 30 ماي 1980 وقدمت احتجاجات على الزيادة في أسعار المحروقات (28 يونيو 1980) والزيادات المهولة في أسعار المواد الأساسية (29 شتنبر1980)، مما جعل بوادر أزمة اجتماعية حقيقية تلوحُ في جو مشحون بالاعتقالات والتضييق وكافة الممارسات القمعية، ولم تنس الكونفدرالية الدعم اللامشروط من المنظمات النقابية الدولية، لذلك حرصت على المشاركة في الدورة 66 لمنظمة العمل الدولية بجنيف (يونيو1980) وفي أشغال المؤتمر الثالث لمنظمة الوحدة الإفريقية (أكتوبر1980).جراح يونيو 1981كل شيء كان يخطو بأقدام مشتعلة نحو ساحة الانفجار بثلاثة عناصر حاسمة: الضغط والعنف ضد الطبقة العاملة المغربية، تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والقدرة الشرائية، ثم الزيادات المفاجئة في أسعار المواد الأساسية.هذه بعض أهم العناصر التي شكلت فتيلا سريع الاشتعال، وقد دقت الكونفدرالية أجراس الخطر سواء خلال مقابلتها مع الوزير الأول (24 أبريل 1981) أو في فاتح ماي الكونفدرالي والذي تعرض للعراقيل أثناء استعراضاته بالدار البيضاء.وجددت الكونفدرالية التنديد بالزيادات في الأسعار خلال مهرجان خطابي في السابع من يونيو، وكذلك الأمر في الندوة الصحفية بالرباط، والمجلس الوطني الكونفدرالي، وفي رسالة إلى الوزير الأول تطالبه فيها بالتراجع عن الزيادة، كما بعث نوبير الأموي برسالة إلى المركزيات النقابية الأخرى (13 يونيو) يدعوها لاتخاذ مواقف وحدوية في النضال.وأخيرا تُقرر الكونفدرالية إضرابا وطنيا إنذاريا عاما لمدة 24 ساعة يوم السبت 20 يونيو 1981.استجابة واسعة من الطبقة العاملة لقرار الإضراب وحماس كبير لتنفيذه في جو سلمي تعبيرا عن احتجاج المغاربة وغضبهم، لكن صبيحة يوم السبت عرفت إنزالات أمنية وعسكرية وفئات مدنية من كل أصناف المخابرات مهمتهم الاستفزاز وخلق حالات من الاستنفار والرعب، مما هيأ ..وبعد ساعات قليلة لانفجار الشارع وسط البنادق والدبابات والطلقات التي بدأت تسمع في كل الدار البيضاء فانهارت جثث الأبرياء والأمهات والشيوخ والعمال.. تقتيل واعتقالات في اليوم الأول والثاني، وفي اليوم الثالث بدأت المحاكمات الصورية السريعة في 17 مدينة بتهم ملفقة.في اليوم الأول، اعتقل نوبير الأموي رفقة أعضاء من المكتب التنفيذي للكدش وعدد من مناضلي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحوصرت المقرات فأصبحت حالة الاستثناء قائمة، وأزيد من عشرة آلاف قتيل دفن أغلبهم في مقابر جماعية بالجرافات، واعتقلت ما يوازيهم، وشردت عائلات برمتها. شعيب حليفي

الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ومعارك المغرب الحديث 5

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"مسرح الجريمة" جديد "ميدي 1 تي في"

سيارة أمن بالبيضاء تضع حدا لحياة مواطن

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات