دراسة: من القضاء إلى سلطة القضاء (الحلقة الأخيرة)

كل متضرر من خطأ قضائي كيفما كان يحصل على تعويض تتحمل الدولة أداءه اعتبر الدستور الجديد أن القضاء أصبح سلطة مثل باقي السلط، كما تحدث عن استقلاليته عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، والسؤال الذي يطرح هل هذا كاف لإصلاح حاله؟ ما يجعل دولتنا دولة تريد أن تلحق بركب الدول الديمقراطية في المحاكمات العادلة تنصيصها بكلمات لا لبس فيها على حق كل شخص في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر في أجل معقول، وضمن للمتقاضين حقوق الدفاع، وجعل التقاضي مجانيا لفقراء المتقاضين (الفصلين 120 و 121 من الدستور المقبل). وهذه التركيبة الرباعية المشار إليها في الفصلين 120 و 121 هي الخلطة القضائية التي ينادي بها كل حقوقيي العالم، ويعتبرون إقرارها ووجودها والعمل بها الضمان بكون المحاكمة ستكون عادلة .ووضع الدستور المنتظر الأصبع على أهم مبادئ المحاكمة العادلة في هذه الفصول السابقة المتعارف عليها عالميا، ولم يشبع ويكتفي بل قدم لنا ضمانة كبيرة لكل من تضرر من خطأ قضائي، وهي قاعدة مازالت مطلوبة في قوانين الكثير من الدول العربية والغربية منها، وما يجعلنا نثق بأن من سطروا المبدأ آمنوا به إلى حدود وشواطئ غير معروفة، هو عدم تحديدهم لنوع هذا الخطأ، فقد ترك المجال واسعا ولم يقيد بصدور قانون تنظيمي، فلكل متضرر من خطأ قضائي كيفما كان أن يحصل على تعويض تتحمل الدولة أداءه ( الفصل 122).وهذا المبدأ هو في الوقت نفسه منحة للمتضرر وإشارة إلى القضاة تحثهم على محاولة تجنب الأحكام القضائية الخاطئة في أحكامهم التي ستبدأ مستقبلا في تكليف الدولة الغالي والنفيس بتعويض المتضررين من أخطاء قضاتها، فإطلاق سراح مائة مذنب خير من إدانة بريء، كما يقال، كما أن الجلبة التي قامت من قبل، حول هل يجب أن تصدر الأحكام باسم الشعب أم باسم الملك أم باسم القانون؟ جاء الفصل 124 ليجيب أصحاب الجلبة وأصحاب الأصوات المرتفعة ويقبض بتنصيصاته الواضحة على حناجرهم حتى تجحظ عيونهم لترى أن الأحكام بعد التصويت على الدستور المقبل ستصدر باسم الملك لأنه هو الضامن لاستقلال القضاة وطبقا للقانون، فالقاضي حين ينطق بحكمه باسم الملك وطبقا للقانون، تضمن استقلاليته وبعده عن كل مساءلة، شرط أن يكون الحكم طبقا للقانون.فالسلطة القضائية ومحركها المحوري في شخص القاضي حينما منحت له الاستقلالية وتم الرفع به إلى أعلى عليين في الدستور المرتقب، كذلك كبلته تكبيلا، فالقضاة أصبحوا ملزمين بمبدأ دستوري خطير على القضاة الكسالى، تم التنصيص عليه في الفصل 125 بالقول إن الأحكام يجب أن تكون معللة، والتعليل يعني أن يبرر كل حكم بالقانون أو بالاجتهاد القضائي إذا غاب النص أو الاجتهاد الشخصي التي جعلت القاضي يصل إلى الحكم الذي حكم به، وستدفن إلى الأبد بعض الأحكام التي كانت تصدر بدون تعليل وسينتهي زمنها.والدستور القريب من المغاربة في فصله 126 يلزم الجميع باحترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ويلزم السلطات العمومية بتقديم المساعدة اللازمة أثناء المحاكمة وأثناء تنفيذها.وزاد الدستور في سرعته القضائية في فصله 127 حينما أدخل المحاكم الاستثنائية إلى أرشيف التاريخ في المغرب الجديد، وجعل رجال الشرطة القضائية بمقتضى فصـل دستوري (الفصل 128) يعملون تحت سلطة النيابة العامة وقضاة التحقيق بخصوص صلاحيات التحري والأبحاث في الجرائم وضبط مرتكبيها للوصول إلى الحقيقة فيها .المرحلة التي تمر بها المملكة المغربية هي من الأهمية بما كان، هي جسر سنقطعه بإذن الله، سيجعلنا بالارادات الصافية والصادقة لجلالة الملك والمسؤولين وللشعب المغربي نلحق بركب الدول المتقدمة ونحن نركب سفينة الدستور الجديد. والدستور الوحيد من خلال مطالعتي الذي وجدت به معطى لم ينص عليه دستورنا هو دستور فلسطين الذي يتفرد ويجعل جريمة التأثير على القضاء والقضاة جريمة لا تتقادم، أما ما عدا ذلك من محتويات في الدساتير التي اطلعت عليها، وجدت أن دستورنا في تنظيمه للقضاء وسلطة القضاء وحقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة أفضل هذه الدساتير وأعتاها، حتى دستور فرنسا، العظيمة في نظر الكثيرين، وجدته فقيرا في هذا المجال بالمقارنة مع دستورنا، وربما إذا فكرت فرنسا يوما في تغيير دستور 1958 ستحتاج إلى مقويات وفيتامينات من دستورنا لإغناء فقرها في هذا المجال، ولا غرو أن دستورنا حبل بالكثير من المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية التي اعتمدت في مؤتمر الأمم المتحدة لسنة 1985. ذ. رشيد وهابي: محام بالجديدة

دراسة: من القضاء إلى سلطة القضاء (الحلقة الأخيرة)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الهاكا تمنع إشهار منتوج مضر بالصحة

غموض يلف أحداث الشغب بتازة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات