شعباني: الاعتقاد بتسريح الجن وراء الإقبال على الفقهاء

أستاذ علم الاجتماع أكد أن وعي الناس قلل التعاطي للسحر والشعوذة في رمضان اعتبر علي شعباني، أستاذ باحث في علم الاجتماع أن نشر الوعي بين الناس أثر كثيرا على تحجيم نسبة المتعاطين إلى الدجل والشعوذة خلال ليلة القدر، موضحا أن إقبال المغاربة على «الفقها» وإحياء بعض الطقوس المرتبطة بالدجل والشعوذة والسحر ليلة القدر، يرجع إلى الاعتقاد السائد في المغرب كما في الدول الإسلامية، أن الجن يعتقلون خلال أيام شهر رمضان، ويسرحون بعد ليلة القدر. تفاصيل أكثر حول الموضوع في الحوار التالي: هل اختلف إحياء ليلة القدر في السنوات الحالية؟ أم أنه ظل شبيها بما كان عليه الأمر في المغرب فيما مضى؟لا يمكن للأمور والأشياء أن تبقى على حالها مع توالي الأيام والسنوات، فالتغيرات التي تحدث لا يمكن أن تهم فقط البنيات الاقتصادية في المجتمع ولكن تهم، وبشكل قوي أيضا، البنيات الثقافية والاجتماعية فيه، خاصة في ما يتعلق ببعض الطقوس والاحتفالات المرتبطة بالمعتقدات الدينية والأخلاقية والاجتماعية في شهر رمضان الكريم، وفي غيره من الشهور الأخرى من السنة الهجرية. والمجتمع المغربي، ومنذ قرون، ظل متشبثا بتخليد بعض الاحتفالات بمناسبة الأعياد الدينية، وإحياء بعض الطقوس المرتبطة بذلك. وقد تميز شهر رمضان أكثر من غيره من الشهور، بالتعلق وإحياء بعض الطقوس، والإقبال المكثف على التعبد وارتياد المساجد، والعودة إلى الصلاة بالنسبة إلى عدد كبير من الناس، ذكورا وإناثا، وحتى بالنسبة إلى من لا يصلي بانتظام خارج شهر رمضان. وقد تصاحب هذا الإقبال على الصلاة، كثرة الزيارات العائلية وممارسة بعض أنشطة الترفيه، سواء فيما يعود لارتياد المقاهي، أو الترويح عن النفس بواسطة أنشطة أخرى. وهناك من يكثر من زيارة القبور أو الأضرحة أو بعض أماكن التعبد الأخرى، كما توجد فئة أخرى، تحلو لها ممارسة الدجل وعيادة المشعوذين «والشوافات» و»قراء وقارئات الطالع». وتتميز ليلة السابع والعشرين من رمضان عند المغاربة بطابع خاص، إذ يقبل الناس بكثافة على المساجد، وتطول فيها مدة صلاة التراويح أكثر من الوقت الذي تستغرقه هذه الشعيرة، خلال الأيام الأخرى لشهر رمضان، ويتم فيها ختم القرآن الكريم.وعلى المستوى الاجتماعي تكثر الزيارات العائلية، وزيارة الأضرحة ومقرات بعض الزوايا، وتهيأ فيها وجبات خاصة. وتحرص فيها بعض العائلات على الاحتفال باليوم الأول لصيام الأطفال الذين أدركوا سن الصيام، بإلباسهم ألبسة خاصة والطواف بهم في المدينة، أو مصاحبتهم لصلاة التراويح المسائية.طبعا، هذه الطقوس ليست موحدة، وقد لا نجدها في كل المدن والقرى المغربية، ولكن فقط عند بعض العائلات، وبصفة خاصة في المدن العريقة. هذه الطقوس، تأثرت بمعالم التغيرات التي همت المجتمع المغربي خاصة في جانبه الروحي، وظهرت طقوس واحتفالات أخرى، ذات بعد اقتصادي وتجاري، وابتعاد الكثير منها عن بعدها الديني والروحي التي كانت تتميز به في السابق.لماذا برأيكم، هذا التشبث بطقوس الدجل والشعوذة، الذي يبلغ ذروته ليلة القدر تحديدا، رغم التطورات التي طرأت على المجتمع؟ لقد ساد الاعتقاد في المغرب، وفي الدول الإسلامية، أن الجن يعتقلون خلال أيام شهر رمضان، ويسرحون بعد ليلة القدر. لهذا قد نجد بعض الفئات من النساء، وحتى من الرجال تقبل على إحياء بعض الطقوس المرتبطة بالدجل والشعوذة والسحر. ومن أهمها زيارة المقابر، لا للترحم على الأموات من الأهل والأحباب، ولكن، في اعتقاد العديد من الناس، بأن المقابر، من بين الأماكن المفضلة التي يوجد فيها الجن بكثرة. كما تتكثف عيادة أضرحة بعض الأولياء الذين اشتهروا بصرعهم للجن أو الذين كانت لهم سطوة عليهم، أو يتحكمون في تسخيرهم. هذا علاوة على عيادة بعض الدجالين والمشعوذين من الرجال والنساء، لمساعدة زوارهم على القيام ببعض أعمال السحر والشعوذة.إلا أنه من الملاحظ، أن مثل هذه الأعمال والطقوس بدأت في التقلص، وقل روادها، إلا من بعض الفئات الجاهلة أو التي يغلب عليها الميل لأعمال الشر وإلحاق الأذى بالآخرين. وقد كان لنشر الوعي بين الناس أثر كبير على تحجيم نسبة المتعاطين للدجل والشعوذة خلال ليلة القدر، أو في غيرها من شهور وأيام السنة. هل تعتقدون أن ليلة القدر تحولت من ليلة للعبادة إلى ليلة لممارسة الشعوذة وكتابة التعويذات ووضع السحر، أم أن ذلك منحصر في فئة معينة؟ مازالت ليلة القدر، في المجتمع المغربي، مرتبطة عند فئات واسعة من المغاربة، بروح «سورة القدر» التي نزل بها القرآن الكريم. وهي ليلة ميزها الله عن باقي الليالي، وجعلها خيرا من ألف شهر، وهي الليلة التي يقبل فيها المغاربة على التعبد وقراءة القرآن بكثافة، ويحضرون فيها الصلاة في المساجد، ويعم فيها عمل الخير. وإذا كانت هناك بعض الممارسات التي تخرج عن هذا السياق، فنسبتها لا تتجاوز ما هو معروف في باقي أيام السنة. وقد يكون من المبالغة القول بأن ليلة القدر تحولت إلى ليلة ممارسة أعمال السحر والشعوذة، والإقبال على الدجالين والسحرة. يمكن القول إن التغير الذي بدأ يظهر خلال شهر رمضان، على عكس الشهور الأخرى من السنة، هو الذي يرتبط بارتياد المقاهي ليلا، التي تحول نشاطها وخدماتها من النهار إلى الليل، وهو ما دفع الكثير من الناس إلى كثرة السهر والبقاء خارج البيت إلى وقت متأخر من الليل.هل النساء وحدهن من يعمدن إلى اللجوء إلى هذه الممارسات، خلال هذه الليلة المقدسة، أم أن الرجال أيضا لهم نصيبهم في التعويذات؟كما سبق القول، فإن زبناء السحرة والمشعوذين، من الرجال والنساء، من ذوي النفوس المريضة والعقول المتكلسة والمتخلفة. والإقبال على الدجالين والمشعوذين، لا يكون فقط خلال ليلة القدر، بل نلاحظ مثل هذه الأعمال، طيلة أيام وشهور السنة، وفي أوساط كل الطبقات والفئات الاجتماعية في المجتمع.إلا أنه من الملاحظ أيضا، ومن خلال الكثير من البحوث والاستطلاعات حول هذا الموضوع، أن نسبة النساء قد تفوق قليلا نسبة الرجال. ذلك لأن الجهل واحد، قد يصيب النساء كما قد يصيب الرجال. والنزوع لأفعال الشر وإلحاق الأذى بالناس، كما قد يظهر عند بعض النساء، يمكن أن يظهر أيضا عند بعض الرجال.وإذا كان هناك من تفاوت في نسبة المتعاطين للدجل والسحر والشعوذة بين النساء والرجال، فذلك قد يعود إلى طبيعة البنيات الثقافية والاجتماعية في المجتمع التي تعطي أفضلية للرجال على النساء.وفي الوقت الذي تحس فيه المرأة على أنها قد لا تقدر على ضمان حقوقها، أو تحقيق بعض الامتيازات في بيت الزوجية أو بين أفراد العائلة التي تعيش وسطها، قد تلجأ إلى «الاستعانة بأعمال السحر والشعوذة»، علها تحقق ما ترى بأنها محرومة منه. وهذه الممارسات، إن كانت تأخذ بعض الحظوة خلال هذه الليلة، والليالي التي تليها، فإنها قد تأتي من ذلك المعتقد الباطل، بأن الجن والأرواح الشريرة، لها استعداد كبير لإلحاق الأذى لفائدة من يستنجدون بها، ويطلبونهم في أعمال السحر والشعوذة. خاصة وأنهم، حسب المعتقدات الشائعة، حديثة «التحرر من الأغلال والقيود» التي كانت مكبلة بها طيلة أيام شهر رمضان. أجرت الحوار: هجر المغلي

شعباني: الاعتقاد بتسريح الجن وراء الإقبال على الفقهاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تفكيك عصابة بالبيضاء تنصب بـ "السحر الأسود"

"العواشر" مناسبة لإيقاظ عادات وطقوس بالية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات