حـيـاة الـمـلـيـونـيـرات فـي ضـوء الـربـيـع الـعـربـي

الأثرياء يختارون السرية ويبتعدون عن الأضواء رغم الحديث الذي كثر عن الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها على الدول والمؤسسات الاقتصادية حلى حد سواء، لم تطل تأثيراتها ميليارديرات العالم، الذين يزدادون غنى يوما بعد يوم. لكن، ورغم ذلك، فإن رياح الاحتجاج التي هبت أخيرا على العالم العربي، تدفعهم إلى انتهاج المزيد من السرية. هم محط إعجاب وغيرة من طرف كثيرين. في إفريقيا، أرض التناقضات بامتياز، والتي تعرف موجة من الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية، يحاول الأغنياء التأقلم مع الظروف الجديدة التي فرضتها هذه الحركات الاحتجاجية، من خلال الحرص على السرية، خصوصا الذين قد يتهمون بالقرب من السلطات، وبأنهم بنوا ثروتهم على ظهور الناس البسطاء.لم يكن الأغنياء يوما يتمتعون بالشفافية، في ما عدا استثناءات قليلة، من بينهم عمالقة الصناعة الذي فرضوا أنفسهم في مجالات مثل الاتصالات والمعادن والأبناك والعقار والإنشاءات والسيارات أو الطاقة. تمكنت شركاتهم من فرض نفسها، بعضها تتداول أسهمه في البورصة، وتتمتع حساباته بالشفافية المطلقة. من بين هؤلاء، 14 ميليارديرا إفريقيا ضمهم تقرير مجلة فوربس الأمريكية، ويحملون الجنسيات المصرية والنيجيرية والجنوب إفريقية. دانغوت وموتسيبي وأوبنهيمر والأخوان منصور أو سويرس...يحلم كثير من أبناء بلدانهم بأن يصبحوا مثلهم، أو بلقاء يجمعهم بهم ويغير حياتهم. الآخرون، الأغلبية القصوى من الأغنياء، يشكلون قبيلة محاطة بالسرية، تضم ملوك «القطاع غير المهيكل». إنهم رجال كل الأعمال، تجارا كانوا أو مهربين، لأن الحدود بين الاثنين عادة ما تختفي، يعيشون على العلاوات الكبيرة التي يحصلون عليها جراء القيام بأعمال بطرق غير مشروعة. المغرب... صيف ساخندفعت موجة الحر الصيفي التي ضربت مدينة مراكش سكانها وزوارها إلى التزام المنازل. محبو الأجواء الاحتفالية، من جانبهم، يقضون أوقاتهم في فيلات خاصة، حيث يمكن السهر والاحتفال. «الأجواء أكثر حميمية. يمكننا متابعة الاحتفال في الظل، مع الراحة التي توفرها الخدمة المنزلية»، تقول كاميليا، برجوازية مراكشية شابة.عند حلول الليل، حوالي الساعة الحادية عشرة ليلا، تقول كاميليا، يحين وقت الاحتفال. الوجهة هي الحي الراقي للمدينة الذي يضم محلات «على الموضة»، حيث الجميع يعرف بعضه العض، ولا مكان للدخلاء. تتحدث كاميليا عن عميلة فرز تلقائية تفرضها أساسا الأثمنة المرتفعة للمشروبات الروحية هناك. فثمن القنينة يبدأ من 1800 درهم، الراتب الشهري للنادلين، الذين يحرصون على إظهار سعادتهم للمحتفلين، حتى وإن كان الحنق يقتلهم. ألقت الفضائح التي تفجرت أخيرا في فرنسا (قضية دومينيك ستروس كان، والاتهام الذي أطلقه لوك فيري ضد أحد الوزراء السابقين....)، وتفجير مقهى أركانة، (ألقت) بظلالها على الأجواء في مراكش، وأثرت على نفسية الشباب المراكشي. فكانت النتيجة انخفاضا في عدد السياح والحفلات. «أبناء الطبقة الراقية يفضلون البقاء في المنازل»، يقول عامر، شاب مراكشي.المهنيون بدورهم، يتحدثون عن انخفاض كبير في عدد السياح. «انخفض الإقبال على الفنادق والمطاعم والملاهي بنحو 40 إلى 60 في المائة خلال شهري ماي ويونيو»، يكشف أحد العاملين بالولاية، الذي ينتقد عدم وجود سياسة تواصلية خاصة بالأزمات.تونس... انتهى الحفلالأثر الثانوي الفوري للثورة التونسية كان ظهور طبقة من رجال الأعمال الذين كانوا مقربين من النظام السابق، والذين يحاولون الانصهار في النسيج الجديد. لم تعد السيارات الفخمة تجوب الشوارع بين المرسى وسيدي بوسعيد، وأصبح أصحابها أكثر حرصا على إبقائها في مرائب خاصة، وتعويض سيارات «البورش كايان» بأخرى أقل فخامة أو مستأجرة. يخبئون مجوهراتهم ويستبدلون ملابس الماركات العالمية بسراويل «الجينز»، ويبتعدون أكثر ما يمكن عن الأماكن الفاخرة التي كانوا يرتادونها سابقا. علياء حمزة وسعيدة الشتيوي، مثل الكثير من أعضاء نادي «إليسا» الفاخر، الذي تشرف عليه سميرة الطرابلسي، شقيقة زوجة الرئيس السابق بن علي، لا تحضران المناسبات الفنية كما في السابق، بينما توقف سامي فهري عن عادته في قضاء نهاية الأسبوع بأحد المنتجعات الفاخرة بجزيرة جربة. التنافس على «الفخامة» الذي كان منتشرا في الأوساط المخملية التونسية أصبح شيئا من الماضي. «هذه السنة، لن يقضي رؤسائي في العمل عطلهم بالحمامات. إنهم غير مطمئنين ويفضلون استئجار منزل»، يقول رجل يعمل لدى إحدى العائلات الغنية المعروفة. وتكشف طباخة، تعمل بدورها في منزل إحدى العائلات الغنية في تونس، أنها لم تحضر ولو عشاء استقبال واحد منذ أشهر. «لقد أصبحوا أقل قسوة مع العاملين لديهم. الوقت تغير». الأمر نفسه مع أبناء الأغنياء الذين تبنوا نمط حياة أكثر حذرا، ولم يعودوا يحجزون طاولات بثمن 500 أورو للفرد في المراقص. السبب وراء هذا السعي المفاجئ لأصحاب الثروات إلى «التخفي»، هو الخوف من أن يدفعوا ضريبة علاقاتهم السابقة مع محيط بن علي، فيفضلون بالتالي أن يتم تناسيهم. وما زال زبناء مطعم سندباد في العاصمة، يتذكرون السهرات الوردية لصخر الماطري، صهر بن علي، الذي يتنقل حاليا ما بين دبي وقطر.مصر...نهاية الوحوش المقدسة«اليوم، ثلث رجال الأعمال وراء القضبان، الثلث الثاني هارب، والبقية ممنوعون من السفر»، يقول نجيب ساويرس، رجل الأعمال المصري المعروف. في ما يتعلق بالثلث الأول، تظل حالة أحمد عز الأكثر إثارة للجدل. هذا النائب البرلماني الذي كان يسيطر على ما يقارب 70 في المائة من سوق الصلب وجزء هام من الاقتصاد المصري، هو الآن خلف القضبان. علاقته المقربة بعائلة مبارك، وبشكل أكثر تحديدا، مع ابنه الأصغر جمال، عجلت بسقوطه. يوم 17 فبراير، ستة أيام بعد تنحي «الريس»، تم إيداع عز السجن الاحترازي، وتم تجميد كل أرصدته...وطالبت زوجته بالطلاق.اتهم عز بنهب الأموال العامة والاغتناء غير المشروع، وظهر لأول مرة في المحكمة يوم 23 فبراير الماضي، بصورة مختلفة عما ألفناه، واستبدل بذلته السوداء الأنيقة بملابس السجن البيضاء.بعد التغيرات التي حصلت في المشهد الاقتصادي المصري، قدم نجيب ساويرس استقالته من منصب الرئيس التنفيذي لأوراسكوم تيليكوم، يوم 16 ماي، من أجل التفرغ لعمله في حزب المصريين الأحرار، الذي أسس أبريل الماضي. منذئذ، ضاعف ساويرس إطلالاته العمومية والإعلامية، والتي يظهر فيها بصورة أقل رسمية، يتحدث عن مواقفه بكل صراحة، حتى تلك التي يعلم أنها لن تعجب كثيرين، مثل دعوته إلى العفو عن الرئيس السابق، في الوقت الذي يطالب الجميع بمحاكمته. الميلياردير المصري يتصرف أحيانا بطريقة تزعج كثيرين، كما كان الحال عندما نشر على صفحته على «تويتر» رسما ل»ميكي ماوس» سلفي و»ميني ماوس» ترتدي النقاب، ليعود ويعترف أنه أساء التصرف.الجزائر وبركة سيدي يحيىتغير سيدي يحيى تماما في الفترة الأخيرة. فالواد الذي جف تم تحويله إلى شارع كبير وأصبح الحي الأكثر عصرية في العاصمة الجزائر، والأغلى أيضا، بضمه محلات ملابس ومجوهرات ومطاعم راقية.خلال بضع سنوات، عرف ثمن العقار ارتفاعا كبيرا، أصبح معه ثمن المتر المربع غير المبني في حدود 800 ألف دينار جزائري، أي ما يعادل 7 ألاف و500 أورو. «في الجزائر، كل من لديه حب الظهور ويرغب في التفاخر أمام الآخرين، عليه أن يأتي إلى سيدي يحيى. إذا كنت تملك سيارة جديدة، فإن لا قيمة لذلك طالما لم تجب بها هذا الشارع»، يقول سفيان، 35 سنة، وهو يقلب خاتمه الذهبي حول أصبعه. تمكن هذا الشاب أن يصبح غنيا بفضل عمله في تركيب المكيفات الهوائية. منذ بضعة أشهر، يقضي أغلب وقته في «كابوتشينو»، مقهى عصري ملائم للقاءات الأعمال ومعاكسة الفتيات. على طاولته، «عدة يحياوية» بامتياز: مفاتيح سيارة راقية، هاتفا «أي فون» ونظارات «راي بان»، علبة سجائر وقداحة «زيبو».لا توجد بعد طبقة «جيت سيت» حقيقية في العاصمة الجزائرية، لكن، على غرار سفيان، فالذين يملكون المال لا يضيعون الفرصة من أجل إظهار نجاحهم، سواء عبر اقتناء سيارة ألمانية فاخرة أو منزل بمجموعة سكنية راقية بضواحي المدينة، أو حتى المدرسة الخاصة التي يدرس فيها الأبناء. أما الأعراس، فتنقلب إلى منافسة حقيقية في الظهور والتباهي بكمية مجوهرات الذهب التي تضعها كل امرأة. «جيل الأغنياء الذي ظهر في السنوات الأخيرة، لا يجد أي حرج في إظهار ما يملكه من أموال، أيا كان مصدرها»، يقول سفيان.في هذه الفترة التي تعرف فيها الجزائر توترات مجتمعية، يبدو أن هذا الغنى الذي يعمد كثيرون على إبرازه لا يثير إزعاج الطبقات الاجتماعية الفقيرة، التي تشعر بالغيرة، لا محالة، لكنها لا تحمل رغبة انتقامية. خلال المعرض الأخير للسيارات، عبر سكان المدينة عن حنقهم من إحدى المظاهرات، وأوقفوها من أجل متابعة معرض سيارات «البورش»!ليبيا والعزلة الذهبية لجزيرة جربةتضع المرأة تنورة طويلة وحجابا يغطي الرأس، وتلهو مع أبنائها بجانب مسبح فندق من خمسة نجوم. إنها ليست سائحة. «استغرقنا أكثر من 12 ساعة للوصول إلى طرابلس. اعتقدنا أننا لن نتمكن أبدا من عبور الحدود. في الماضي، كنا نأتي إلى جربة للاستجمام أو العلاج. الآن، نحن هنا لاجئون في انتظار رحلة جوية إلى مونريال»، تقول عائشة، التي ترتدي ملابس أنيقة وتضع ساعة ذهبية فاخرة.بينما يرتشف الجعة، يؤكد حافظ أنه في عطلة طويلة الأمد في فندق رويال غاردن. في الطاولة المجاورة، تجلس ست نساء من عائلته، يرتدين الحجاب كاملا، ويتبادلن أطراف الحديث. رغم استياء بعض أصحاب الفنادق من هذه الشريحة من السياح التي يظنون أنها قد تبعد السائح الغربي، إلا أن أغنياء ليبيا هم من أنقذوا السياحة هذا العام في جربة. «إن الذين يقيمون في أجنحة ب800 أورو لليلة الواحدة، ولا يتقشفون في توزيع النقود على العاملين في الفندق، هم رجال أعمال لا يغادرون غرفهم إلا مساء، من أجل الذهاب إلى الحانات»، يقول أحد عاملي الفندق. هم في الحقيقة أصحاب شركات بترولية، مقربون أحيانا من النظام، مسؤولو بنوك، أو مستوردون تضررت أعمالهم من ضربات «الناتو». آخرون يساندون الثوار ويتخذون من جربة قاعدة لوجستيكية. لكن، في عشرين مؤسسة فخمة تضمها الجزيرة، فإن عددهم لا يتجاوز 200 شخص! إعداد: صفاء النوينو عن مجلة «جون أفريك»

حـيـاة الـمـلـيـونـيـرات فـي ضـوء الـربـيـع الـعـربـي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ملاسنات بين "البام" والعدالة والتنمية في لجنة الداخلية

محمدينا: سأكمل عقدي مع أولمبيك خريبكة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات