بانوراما رمضان: في رحاب الزوايا 10

الزاوية الناصرية... دور بارز في التربية الروحية تعاظم نفوذ الزوايا بالمغرب، رغم التحولات التي عرفها البلد في اللحظة المعاصرة، ما يؤشر على مدى تجذرها في المجتمع، والارتباط القوي للعديد من الناس بها.وانتشرت الطرق والزوايا على فترات متلاحقة في المغرب، إلى درجة أنه لا تكاد تخلو منطقة، قريبة أو نائية، من زاوية تأوي ضريح ولي صالح، يشكل مزارا للعديد من الناس. ولعبت الزوايا أدوارا معقدة، دينية(روحية)، ووطنية، (الجهاد ضد المستعمر)، ونفسية (البركة وطلب الاستشفاء من الأمراض). ورغم التحولات التي عرفها المغرب، سياسيا، واجتماعيا، واقتصاديا، طيلة مراحله التاريخية المختلفة، فإن الزوايا شكلت مجالا لاستقطاب الزوار الباحثين عن الطمأنينة الروحية، من خلال التعبد، أو الراحة النفسية.يقول «ميشو بيلير»، إن الطوائف الدينية اضطلعت بدور كبير في تاريخ الإسلام، خاصة في منطقة شمال إفريقيا، مشيرا، بهذا الخصوص، إلى تأسيس الدولتين المرابطين والموحدية، ومذكرا بوجود صعوبة في تحديد من كان وراء جلب المذاهب الصوفية إلى المغرب لأول مرة، انطلاقا من الشرق، مبرزا أن تلك المذاهب دخلت إلى المغرب ابتداء من القرن الرابع الهجري. بمناسبة شهر رمضان ، تسلط « الصباح» الضوء على أهم الزوايا المعروفة بالمغرب، والتي تستقطب أعدادا كبيرة من الناس، مع التركيز على سياقها التأسيسي، ومنهاجها التربوي والروحي... ارتبطت الزاوية الناصرية، جعرافيا، بتامكروت، وتعتبر من بين الزوايا الكبرى بالمغرب، بفعل عدد أتباعها الذين ما فتئوا يتزايدون. اضطلعت بدور بارز في مجال التربية الروحية، وحتى على المستوى الاجتماعي، من خلال لعبها دور الحكم في النزاعات التي كانت تندلع بين الأفراد أوالقبائل.تشتهر تمكروت، التي تأوي الزاوية، بمعهدها الأصيل، وخزانتها التي أنشأها الشيوخ الناصريون الذين تعاقبوا على الزاوية، منذ القرن العاشر الهجري، والتي لعبت دورا بارزا، في إشاعة الثقافة الإسلامية، بما تضمه من مؤلفات في التراث الإسلامي والعربي. تأسست الزاوية، استنادا إلى موقع أقطاب، في عصر ازدهار الحركة الصوفية بالمغرب، أواخر القرن العاشر الهجري، وتوسعت منذ تأسيسها، إذ انتقلت من مجرد مسجد إلى قرية كبيرة. وحسب الباحث عبد الحق ابرجي، استنادا إلى عدد من الباحثين والمؤرخين، فإن الغرض الأساسي من تأسيس هذه الزاوية، كان هو هداية الناس، وتهذيب أخلاقهم، من خلال نشر تعاليم الطريقة الشاذلية، قبل أن يتطور نشاطها، لتُصبح مركزا علميا، ودينيا، هاما تشد إليه الرحال. تأسست الزاوية الناصرية على يد الشيـخ عمرو بن أحمد الأنصاري سنة 983 هـ، وارتبط اسم الزاوية باسمه، ثم أطلق عليها اسم الزاوية الحسينية، نسبة إلى الشيخ عبد الله بن حسين الرقي المتوفى سنة 1045 هـ ، وبتولية محمد بن ناصر، سميت بالزاوية الناصرية. ويتصل سند الشيخ محمد ابن ناصر بأبي الحسن الشاذلي، من طريقي الإمامين الجزولي وزروق. تأسست الطريقة، وفق أساس صوفي، يرتكز على كتاب الله وسنة رسول الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتقول الروايات، إن الشيخ كان يدعو أتباعه إلى الابتعاد عن البدع، والبحث عن الرخص، بدون تشدد، وهو ما جعل البعض يصفها بالمرونة ، ومراعاة أحوال المريدين، إذ كان الشيخ يختار من الأوراد ما يناسب الوقت وأهله. وكان يحث مريديه على التزام الأذكار المأثورة أولا، ثم بعد ذلك التفرغ للورد الذي رتبه عليهم، وهو ورد عام بسيط، يقرؤه المريد بعد صلاة الصبح. ويتكون من الاستغفار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، و”لا إله إلا الله”. ويزاد عند تمام كل مائة “محمد رسول الله”. لكنه يحبذ أن يظل المريد منشغلا بـ”لا إله إلا الله”، حتى في أثناء عمله، إن استطاع. وإلى جانب هذا، فقد راعى الشيخ أحوال المريدين الذين قسم وردهم إلى ثلاثة أنواع، ورد من يستطيعون القراءة، ويقتصرون على ما ذكر، ورد العوام الذين يلتزمون أيضا بالاستغفار والصلاة على النبي بالقدر المذكور، لكنهم يضطرون إلى إضافة سبعة آلاف من”لا إله إلا الله”،وهناك ورد النساء، ويقتصر على مائة لكل من الاستغفار والصلاة على النبي ولا إله إلا الله، لكن الطريقة الناصرية شهدت، بمرور الزمن، إضافات في الأوراد مثل تلاوة بعض سور القرآن الكريم، ودلائل الخيرات، وبعض منظومات الشيخ. وإلى جانب نشاط الزاوية، الديني، والعلمي، والاجتماعي، لعبت دورا سياسيا بارزا، يتمثل في المحافظة على الأمن والاستقرار، سواء في المناطق المجاورة أو البعيدة عنها، وإقامة الهدنة بين المتنازعين، وتأمين طرق التجارة والمبادلات، خاصة بعد وفاة السلطان السعدي أحمد المنصور، وخلو منطقة درعة من سلطة مخزنية قادرة على تأدية واجبها تجاه أهالي هذه المنطقة النائية، فأصبح السكان يلجؤون إلى شيوخ تمكروت لعقد الأوقاف والتفاوض من أجل السلم والتجارة. تحقق انتقال أمر زاوية تامكروت إلى الناصريين، بفضل زهد أحد أحفاد الشيخ سيدي احمد بن إبراهيم الأنصاري، المعروف بـ" سيدي عمر”، الذي يتوسط ضريحه بلدة تامكروت، لكن بعض المصادر تذهب إلى أن هذا الانتقال تم بعد اغتيال سيدي احمد بن إبراهيم الأنصاري، وعودة محمد بناصر الدرعي بشكل نهائي إلى الزاوية سنة 1055م، الذي استطاع وضع حد للاضطرابات التي عرفتها المنطقة بعد اغتيال سيدي احمد بن إبراهيم الأنصاري، فاستقر له أمر الجمع بين مشيختي العلم والتصوف بالزاوية. إن تقوية الدور الإشعاعي لزاوية تامكروت، تم بفضل الإجراءات التي قام بها سيدي احمد بن برا هيم الأنصاري الذي تولى أمر الزاوية بين 1045 و 1052 هـ، خاصة في ما يتعلق ببناء مسجدها، الذي كان يستقبل طلاب العلم الذين يستفيدون من النفقة مجانا بفضل عائدات الأملاك العقارية التي حبسها لصالح الزاوية، بحسب عدد من المصادر والروايات. جمال بورفيسي

بانوراما رمضان: أهداف في الذاكرة - الحلقة الثانية -

العدالة والتنمية يقود كتيبة المشككين في الانتخابات

مقالات ذات صلة