درب البلدية بالبيضاء… لوحة تشكيلية تبهر البيضاويين

علاقات اجتماعية متشابكة تقاوم زحف "الفراشة" يُنصح زوار درب البلدية بدرب السلطان بالبيضاء، خلال شهر رمضان، بتعطيل حاستي الشم والسمع إلى حين أذان صلاة المغرب، وفي حالة الاخلال بذلك يتحمل الصائم رائحة تبعات شهية من «شباكية هتلر» وزيتون يسيل ما تبقى من لعاب الصائم، أو يسمع ما طاب له من سب وشتم «المترمضنين». إنها طقوس درب البلدية الشهير الذي يشبه كثيرا أحياء مسلسل « ليالي الحلمية» لمؤلفه المصري أسامة أنور عكاشة، فهناك أحداث يومية متشابكة، وعلاقات اجتماعية غريبة، وديكور بنكهة المعمار القديم حيث الأزقة الضيقة والمتشعبة تتخللها حركة سير فريدة من نوعها.. إنه درب البلدية الذي عجز المخرجون السينمائيون عن سبر أغواره الشيقة، حتى أن بيضاويين أصيبوا بحمى التعلق به فتارهم يواظبون، يوميا، على زيارة دروبه والغوص في متاهة أزقته. تحيط بدرب البلدية، جنوبا، أقواس حي الحبوس العتيقة، وشمالا تلفه فوضى قيسارية الحفاري، وهي ميزة جعلت الحي فضاء تجاريا بنكهة خاصة جدا، إذ يشتهر بمطاعم تقدم وجبات اللحم الشهية التي تستغل وجود عشرات محلات الجزارة، في حين توجد بضع محلات تجارية أخرى لبيع الألبسة التقليدية، امتدادا للتجارة التي اشتهر بها حي الحبوس.يتفكه أحد سكان البيضاء قائلا «إن من لا يعرف درب البلدية عليه أن يراجع ألف مرة خريطة المدينة»، فهو من الأحياء الساحرة ببساطتها وعلاقات سكانها ومحلاتها التجارية وعمران منازلها البديعة، حتى يخيل لزائر أن الحي عبارة عن لوحة تشكيلية كبيرة لرسام انبهر بالألوان والإضاءة.لم يستسلم درب البلدية إلى زحف العصرنة أو رضخ لطابع البداوة، فحافظ على خصوصيته، علما أنه محاط بآلاف البائعين المتجولين، أو ما يعرف بـ»تجارة الرصيف»، و»الفراشة»، الذين يزحفون بقوة لضم الملك العمومي إلى نفوذهم، سيما مع اقتراب المناسبات والأعياد الدينية، مثل عيد الأضحى ورمضان والدخول المدرسي، إذ تشتد المنافسة على الحي، في حين يفضل بعض الشباب نصب طاولات خشبية في الشارع الرئيسي تختص في بيع بعض السلع الغذائية المستوردة، وآخرين يختصون في بيع التين الشوكي، في حين تحظى المحلات بيع اللحم وطهيه بالإقبال.يلبس درب البلدية، خلال شهر رمضان، لباسا خاصا، ففترة بعد الزوال تعلن بداية ازدحام الحي، إذ يقصده الصائمون لاقتناء مالذ وطاب لتقديمه على موائد الإفطار، في حين يختار آخرون شراء كل المنتوجات، خصوصا ملابس النساء والأطفال، وتغوص النساء في محلات التجهيزات المنزلية والمنتوجات الإلكترونية، الصينية على الخصوص، أو تنقب شابات في كتب الحلويات، وأدوات الطهي التقليدية... ففي الحي لا معنى للزمن إطلاقا، وجولة قصيرة داخله، ربما، تستغرق ساعات إلى حين موعد الإفطار.في رمضان أيضا، تشهد المنتوجات المعروضة ارتفاعا في أسعارها، لكن تنوع العرض بالحي يمكن كل متسوق من اقتناء ما يحتاجه، حسب إمكانياته، سيما أن أسواق المنطقة تتميز بأنها «شعبية»، وتناسب قدرات ميزانيات الأسر المنتمية إلى الطبقتين الفقيرة والمتوسطة. كما تتميز المعروضات بأسعارها المعتدلة، مقارنة مع الأسواق المنظمة، مثل درب عمر، والمساحات التجارية الكبرى.ويبقى «هتلر» أشهر من «نار على علم، ليس في درب البلدية وحده، بل في العاصمة الاقتصادية، إذ تخصص في بيع «الشباكية» منذ سنوات ويلقى إقبالا منقطع النظير حتى أن طوابير كبيرة تسعى لاقتناء «شباكيته» اللذيذة، حسب المدمنين عليها.يُجمع سكان الحي أن اسم «هتلر» الذي أطلق على محل بيع الحلويات يعود أساسا إلى الإقبال الكبير عليه، ما يضطر الزبناء إلى رفع أياديهم من أجل الحصول على الشباكية في حركة تشبه كثيرا التحية التي كان يلقيها الألمان على زعيم النازية. اضطر صاحب المحل، منذ سنوات، من أجل التخفيف من الإزدحام إلى وضع قضبان حديدية، ضمانا لمبدأ تكافؤ الفرص في الحصول على «الشباكية». كما حرص على وضع ورقة تحدد ثمنها في 50 درهما للكيلوغرام، علما أن محلات قريبة جدا منه تبيعها بسعر أقل، إلا أنها لا تحظى بالإقبال نفسه. فما السر وراء الاقبال على شباكية هتلر؟ لا أحد يعلم الجواب، لكن الأكيد أن سرها يشبه كثيرا أسرار الشركات الكبرى التي يستحيل الحصول عليها «ولو دفعت مال قارون»، يقول أحد شباب الحي مبتسما بعد أن تأبط ورقا مقوى وبداخله «شباكية» هتلر العجيبة. خالد العطاوي

درب البلدية بالبيضاء… لوحة تشكيلية تبهر البيضاويين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصقلي: وحدة حماية الطفولة بالبيضاء تواجه عدة صعوبات

11 دوارا و4 أحياء بميسور تعاني العطش

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات