“عمر قتلني”… يعيد محاكمة عمر الرداد

رشدي زم تحمل مهمة الدفاع عن البستاني المغربي بعد أن أدانه القضاء أعاد فيلم «عمر قتلني»، الذي نزل إلى القاعات السينمائية الفرنسية والمغربية أخيرا، إلى الأذهان القصة التي هزت فرنسا قبل أزيد من 15 عاما، والتي كان بطلها البستاني المغربي عمر الرداد الذي اتهم بقتل مشغلته الفرنسية. وبعيدا عن القيمة الفنية للعمل الذي يخرجه رشدي زم وينتجه رشيد بوشارب، فإن الفيلم يثير الجدل بتقديمه صورة ينكرها كثيرون عن فرنسا، ويظهر جانبها العنصري في أكثر حالاته قسوة، «عنصرية العدالة»، رغم أن رشدي زم يصر على الحديث عن تقصير القضاء وليس عن عنصريته.يحمل الفيلم عنوان «عمر قتلني»، العبارة الشهيرة التي وجدت مكتوبة بالدم في أحد أبواب منزل ثرية فرنسية في الخامسة والستين من العمر وجدت مقتولة سنة 1991، وزج بسببها بالبستاني المغربي عمر الرداد، الذي كان يعمل عندها، في السجن لسبع سنوات، بعد إدانته بقتلها، قبل الإفراج عنه سنة 2001 إثر عفو رئاسي أصدره الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك.وكانت قضية عمر الرداد أثارت جدلا واسعا في فرنسا بسبب غرابتها وطول مدة المحاكمة، إذ تمت إدانة عمر دون إجراء تحاليل مطابقة الحمض النووي، بالإضافة إلى وجود خطأ لغوي في العبارة لا يمكن أن يرتكب من قبل الضحية التي كانت متعلمة، ولما اعتبره الرأي العام الفرنسي، الذي تعاطف كثيرا مع عمر، تقصيرا من القضاء الفرنسي. واعتبرت جمعيات حقوقية ومثقفون فرنسيون أن عمر كان ضحية مؤامرة شنيعة ذات خلفيات عنصرية، بينما يصر آخرون على إدانة عمر، معتبرين أن الإعلام، وتحديدا بعض الصحافيين، حاولوا أن يصنعوا منه بطلا بريئا، رغم وجود ما يكفي من الأدلة لإدانته.وظهر عمر الرداد على الشاشة الفضية بجسد نحيل وسحنة أكثر قتامة ونظرة عميقة تعبر عن قهر وإحساس بالغبن، بعدسة المخرج والممثل رشدي زم. تعاطف زم مع الرداد، الذي جسد دوره في الفيلم ببراعة الممثل الفرنسي من أصل تونسي سامي أبو عجيلة، كان واضحا. فالفنان، الذي يخوض في الفيلم ثاني تجاربه الإخراجية بعد فيلم «نية سيئة»، تحمل مهمة الدفاع عن الرداد، الذي أدانه القضاء الفرنسي، بشكل واضح في الفيلم، وهو ما يؤكده زم نفسه، الذي وإن كان يشدد على حيادية الفيلم، فإنه يؤكد أن ما دفعه إلى إخراجه هو يقينه بوجود ثغرات كثيرة في التحقيق، واكتشافه، عند اطلاعه على القضية، عناصر جديدة تم إغفالها، كان من شأنها، حسب زم، التأثير بشكل كبير على نتيجة الحكم، الذي أدان عمر الرداد.يسلط الفيلم الضوء على تفاصيل صغيرة يحاول زم وكاتبا السيناريو رشيد بوشارب وأوليفيي لوريل، من خلالها التركيز على نقاط ضعف مفترضة في مسار التحقيق، والتي يستعرضها الكاتب جان ماري روار، الذي يحمل في الفيلم اسم بيير إيمانويل فوغرونار، ويجسد دوره دنيس بوداليديس، من بينها التشكيك في إمكانية أن تكون القتيلة جيزلين مارشال هي التي كتبت «عمر قتلني»، العبارة التي كانت سببا في إدانة عمر الرداد بقتل مشغلته، والسيارة رباعية الدفع المرقمة في سويسرا التي شوهدت قرب منزل الضحية يوم وفاتها، بالإضافة إلى دلائل الطب الشرعي التي تؤكد وجود آثار حمض نووي ممزوجة بدم الضحية.ولجمع كل هذه المعلومات، التقى زم عمر الرداد، وقرأ كتابه «لماذا أنا»، كما التقى محاميه ومحامي الطرف المدني، واطلع على كتاب «عمر: صناعة مذنب» لجان ماري روار، مما جعله يخرج بأسئلة جديدة من قبيل «لماذا لم يتم العثور على دم الرداد في الملابس التي ارتداها يوم الحادث رغم أنها لم تغسل، ولا على أي بصمة له في مكان الحادث؟ ولماذا دمر أفراد الدرك آلة تصوير التقطت بها الضحية صورا يوم مقتلها؟»، وأسئلة أخرى زادت يقينه بأنه، مثلما هناك عناصر كثيرة تدين الرداد، هناك عناصر كثيرة أخرى تبرئه.وحاول رشدي زم التركيز على الجانب النفسي للشخوص، خصوصا بطل الفيلم عمر الرداد، في طريقة تعامله مع اعتقاله ثم إدانته، وعلاقته بأفراد أسرته، وطبعه الهادئ الذي يحافظ عليه حتى في أكثر الظروف قسوة، بطريقة تدفع المشاهد، مهما كان موقفه من القضية، إلى التعاطف مع عمر الرداد، الذي يظهر في آخر الفيلم محطما نفسيا، رغم الإفراج عنه بعفو رئاسي، لأنه ما زال مجرما في نظر الجميع، طالما أن القضاء لم يثبت براءته.ويظهر في جينريك الفيلم عدد من الأسماء المعروفة في السينما الفرنسية بمواقفها المعادية للعنصرية، منها بشكل خاص الثلاثي رشدي زم، مخرج الفيلم، ومنتجه رشيد بوشارب، وبطله سامي بوعجيلة، الذين يجتمعون في فيلم «عمر قتلني» للمرة الثانية بعد فيلم «أنديجان»، الذي حقق حينها نجاحا باهرا، بتسليطه الضوء على قضية الجنود المغاربيين الذين قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي أثناء الاستعمار، وفاز أبطاله بجائزة أفضل أداء رجالي في مهرجان كان السينمائي.ويتزامن نزول الفيلم إلى القاعات السينمائية مع تنامي نفوذ اليمين المتطرف في فرنسا الذي يتبنى خطابات معادية للعرب والمسلمين، بعدما نجحت مارين لوبين، زعيمة حزب الجبهة الوطنية، في كسب ود اليهود بعد تراجعها عن مواقف والدها من المحرقة ومن خطاباته المعادية لليهود، وزيارتها أخيرا إلى إسرائيل، في محاولة لكسب التأييد اليهودي للانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة لسنة 2012، والتي يبدو أن كل الأسلحة ستستعمل في حملاتها الانتخابية، التي انطلقت قبل أوانها. صفاء النوينو

“عمر قتلني”… يعيد محاكمة عمر الرداد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الموت يغيب المؤرخ خوان برنيت

"السوق اليومي" و"الانتظار" تصدران بالفرنسية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات