أياد “رحيمة” تنزع الروح من فلذات أكبادها

في أقل من سنة أبوان يجهزان على أبنائهما والقاسم المشترك مرضهما النفسي مريم، غيثة، ياسر وبسمة.. ضحايا قتل بأيادي "رحيمة" منزوعة من أفئدة أصحابها الرحمة. هم "طيور الجنة" الذين عصفت بهم جريمتا شعبان في سنتين متتاليتين، في حادثين منفصلين زلزلا مشاعر سكان الأدارسة وزازا .مهما اختلفت الطرق والوسائل والأدوات، فالقتل واحد عمق الجراح وضرب استقرار أسرتين اختلفت ظروفهما الاجتماعية، في حادثين مرا في لمح البصر ولحظة نفسية معينة، لكن وقعهما سيبقى مهما تناست أما الضحايا، المصدومتين، فاجعتي قتل زوجيهما فلذات كبديهما المجروحين. نحر والدين19 يوما، هي المدة الفاصلة بين نحر شاب لوالديه بالبورنيات، وخنق أب لفلذتي كبده بزازا، في جريمتين بشعتين سيذكرهما التاريخ، في مدينة لم تألف جرائم مماثلة ضد الأصول والفروع، اللهم إلا قتل شاب لوالده بالمدينة القديمة، قبل نحو 5 سنوات، لأنه أنبه على استهلاك المخدرات. في فجر الجمعة 7 يوليوز الماضي، استفاق سكان البورنيات، على دوي جريمة قتل مزدوجة شهدها المنزل رقم 5، ضحيتاها أب وأم، قتلا على يد ابنهما المريض نفسانيا والمدمن على استهلاك المخدرات و»القرقوبي»، العائد، قبل أسبوعين من غياب دام 6 أشهر قضاها في طنجة.نحر عبد الفتاح، الشاب الثلاثيني، والده الجيلالي المتقاعد ووالدته الحسنية، لا لشيء سوى لإصرارهما على اصطحابه إلى طبيب نفساني، دون أن يستفيق ضميره أو ينتبه إلى بشاعة ما سيلي ما أقدم عليه. والنتيجة مواراة جثمانيهما القبر، وإيداعه السجن، وتشتيت عائلة في أمس حاجة إلى التلاحم.القاسم المشترك بين كل تلك الجرائم، معاناة منفذيها أمراضا نفسية وعصبية، تلقوا علاجا منها قبل أن يخلى سبيلهم.حديث لا ينتهيرغم مرور أكثر من أسبوع على حادث زازا، ما زالت الألسن تلوك خبر خنق أب لفلذتي كبده في غياب زوجته، في «بانيو» الحمام بمنزل بزنقة الفلين بمدخل الحي من جهة السوق البلدي. في المقهى والمتاجر المجاورة والواقعة بشارع سان لوي، وبكل ربوع المدينة، لا حديث إلا عن الحادث. الحوقلة كانت سلاح تاجر ملابس، وهو يتذكر الضحية ياسر ابن الثلاث سنوات، حين كان قريبه يصطحبه معه إلى محله التجاري بحي السعادة أحد الأحياء التي «سرقت» من المدينة العتيقة، شهرتها التجارية. «كان وسيما ومرحا ومحبوبا. وسبحان الله» يقول حين مشاركته حديثا في الموضوع أمام بقال.الحسرة والأسى، كانت بادية على محيا كل مؤثثي تلك الجلسة، كما كل واحد من حي زازا قد تصادفه أو يشاركك الحديث حول هذه الفاجعة. الجميع بمن فيهم أقارب الجاني، مصدومون لهول ما أقدم عليه ذاك الأب التقني السابق في شركة عقارية، والمنسق الأول في فندق مصنف بالمدينة. «الله يكتب ف راسنا خير».. عبارة تكررت على أكثر من لسان، فيما اكتفى بعض الذين جالستهم الصباح، بالحديث عن الحادث، بعيدا عن أي غوص في أسبابه وظروفه وملابساته، تحاشيا لأي تأويل، مكتفين بالكلام عن حالته النفسية وعدم اختلاط الفاعل بالناس خلال الأسابيع والأيام الأخيرة. لكن الثابت أن الأب خنق ياسر وبسمة، في الماء إلى أن لفظا أنفاسهما، وهو تحت تأثير تناول كمية زائدة من أدوية مهدئة للأعصاب، لعلاج مرض نفسي ألم به قبل نحو 4 سنوات، المدة المتزامنة مع زواجه بأم ابنيه قبل أن يستقرا تحت سقف واحد بمنزلهما رقم 2 بالزنقة المذكورة. الدفن بتمارةاستعانت أم ياسر وبسمة، بسيارة إسعاف تابعة لإحدى الجمعيات الخيرية بتمارة، لنقل جثتي فلذتي كبدها ودفنهما بتلك المدينة التي يستقر بها بعض أفراد عائلتها، بعد إخضاعهما للتشريح الطبي بمستشفى الغساني، الذي نقلا إليه مباشرة بعد إنجاز الشرطة القضائية محضر المعاينة. سيارة الإسعاف ركنت مساء اليوم الموالي للحادث، بجانب مركز مغلق للأمن قرب السوق، أمام محطة سيارة الأجرة الصغيرة، لما كان سائقها ومرافقه بصدد نسخ الوثائق القانونية للتكفل بنقل الجثتين إلى مدينة تمارة حيث دفنا في مقبرة بها، في جو جنائزي رهيب شارك فيه أفراد العائلتين.الأم المكلومة كانت مصدومة لما وقع، واختارت الابتعاد عن المنزل الذي شهد خنق صغيريها من قبل الزوج الذي شاركته عش الزوحية طيلة نحو نصف عقد. وأحكمت إغلاقه، مفضلة الاستقرار عند أفراد عائلتها بعيدا عن الأجواء التي تركت في نفسيتها ندوبا وجروحا عميقة لن تندمل بمرور الأيام. وإن كانت أم ياسر وبسمة، لم تصدق ما وقع، فالزوج كان ما يزال بين الحياة والموت في قسم المستعجلات بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني، تحت الحراسة الأمنية في انتظار شفائه من الجرح الخفيف الذي بعنقه، بعد محاولته الانتحار بذبح نفسه، مباشرة بعد ارتكابه الجريمة.بعض المصادر قالت إن الزوجة أحيلت بدورها على طبيب نفساني لعلاجها من آثار الصدمة، فيما زار طبيب مختص من مستشفى ابن الحسن للأمراض العقلية والنفسية، زوجها، حيث يرقد، للتأكد من مدى إصابته بمرض نفسي، قد يكون سببا في ارتكابه تلك الجريمة البشعة في حق ابنيه. حالة صعبةالمصادر نفسها وصفت الحالة الصحية للزوجة المكلومة بالصعبة، متحدثة عن عرضها على مستشفى الأمراض العقلية والنفسية، بعد ساعات من مرافقتها عناصر الشرطة، مباشرة بعد اكتشافها حقيقة ما وقع، إذ مكثت بالمستشفى لعدة ساعات قبل انتقالها إلى مدينة تمارة. وأبرزت أن الأم صدمت لتلك المأساة التي لم تكن تتوقعها أبدا بالنظر إلى تعلق الزوج بابنيه وحبه الشديد لهما، وإغداقه عليهما بالهدايا وكل ما يطلبانه خاصة الصغير ياسر الذي "كان سريع الانسجام مع الجميع"، إذ "كانا محبوبين لدى كل أفراد العائلة، من جهتي الأب والأم".ولم تستبعد أن تكون نوبة عصبية انتابت الأب في لحظة قصيرة، لم يكن فيها مسؤولا عن تصرفاته، ما جعله يخنق الصغيرين في الحمام، باستعمال الماء، ويحاول الانتحار. وقالت مصادر أخرى إن المتهم كان لا يغادر منزله إلا لماما في الأسابيع الأخيرة، حيث كان يتحاشى لقاء الناس، بسبب حالته النفسية، التي كانت سببا في ذلك، مشيرة إلى تناوله أقراصا مهدئة للأعصاب، إلا أنه زاد في الجرعة في ذاك اليوم. وتؤكد مصادر مقربة من العائلة، أن الجاني كان يدخل في غيبوبة بمجرد استفاقته وتذكره الحادث، وهو في قسم الإنعاش، نافية وجود أي مشاكل أو سوء تفاهم مع زوجته، وقع في ذاك اليوم وقد يكون سببا لهذه الجريمة النكراء. غموضوحده الاستماع إلى المتهم، كفيل بفك "شفرة" هذه الجريمة المزدوجة في حق الفروع، لأنه الأدرى بأسباب إقدامه عليها، وما إذا كانت ناتجة عن تناوله جرعات زائدة من دواءي "أتيميل" و"سيروبليكس"، المستعملين في علاجه، أو لدواعي وأسباب أخرى ما تزال مجهولة.وتحدثت بعض الروايات عن أن الزوجة لم تكن داخل المنزل حين ارتكاب الجريمة، بعد توجهها إلى سوق عشوائي قرب مسجد بحي السعادة، للتبضع وشراء حاجيات الأسرة من الخضر والفواكه، المواد التي تناثرت أمام باب المنزل، بعد عودتها وعلمها بمقتل فلذتي كبدها على يد أقرب الناس إليهما. حينها وبعد أن وجدت الباب مقفلا من الداخل وفشلها في فتحه، استنجدت ببعض الجيران لفتحه لتعاين ما لم يخطر ببالها. الزوج مجروح في عنقه بعد محاولته الانتحار. لقد كان أب ابنيها، غارقا في بركة من الدم بغرفة مجاورة للحمام، حيث كانت جثتا بسمة وياسر ملتصقتان ببعضهما. صدفة غريبةمن غريب الصدف، أن هذه الجريمة، وتلك التي شهدها حي الأدارسة قبل نحو سنة، وقعتا في الشهر نفسه (شعبان) على بعد أيام معدودة من حلول رمضان الكريم، في ظل غياب الزوجتين عن البيتين، مع وجود اختلاف في التوقيت بحدوث الأولى نحو الواحدة زوالا، والثانية حوالي العاشرة ليلا. زوال الثلاثاء 18 غشت 2010، نحر «خ. ت» الموظف بالإنعاش الوطني بالملحقة الإدارية للأدارسة الذي يبلغ من العمر 49 سنة، ابنتيه مريم وغيتة البالغتين من العمر 6 و3 سنوات.«القتل العمد في حق الفروع»، هي التهمة التي توبع بها هذا الأب، أمام غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف، بعد إحالته على طبيب مختص لتحديد وتقويم قدرته العقلية ودرجة مسؤوليته ووعيه، أياما بعد توجيهه طعنات عشوائية إلى أنحاء مختلفة من جسمي غيتة ومريم. أما «ل. م» الذي تقول بعض المصادر إن اسمه العائلي هو «ت» ويتحدر من نواحي تاونات، فانتظر يوم 28 يوليوز الماضي، لتنفيذ جريمة مماثلة في حق صغيريه ياسر وبسمة، بطريقة مختلفة، باعتماد الماء لخنقهما، عكس الأب الأول، الذي استعمل سكينا في ذبح فلذتي كبده.لكن القاسم المشترك بين الحالتين، أن مرتكبي الجريمتين، كانا يتناولان أدوية مهدئة للأعصاب وسبق أن عرضا على أطباء نفسانيين، في مستشفى ابن الحسن للأمراض العقلية والنفسية بفاس، للأول، ولدى طبيب معروف، للثاني الموجود حاليا في المستشفى. جوانب مشتركةإضافة إلى مرضهما النفسي والعصبي، توجد بين جريمتي الأدارسة وزازا، قوائم مشتركة، بينها وجود الزوجتين خارج المنزلين، الأولى عند جارتها لحضور عقيقة، والثانية في سوق للتبضع، في وقت تكفل الزوجان برعاية ابنيهما، قبل عودتهما دقائق بعد الحادثين، ومفاجأتهما لما حدث من قتل. وإن كان الزوج «ل. م» حاول الانتحار ويبدو أن «في الأمر سرا لا يعلمه إلا الجاني وزوجته»، فالأول «خ. ت» تعامل ببرودة مع الحادث، إذ غادر المنزل متوجها إلى مقهى تناول فيها قهوته، وثانية في مقهى أخرى قبل أن يقصد مقر ولاية الأمن، لتسليم نفسه، حين كانت عناصر الأمن بمنزله.وتؤكد شهادات المقربين من المتهمين، أنهما كانا هادءي الطباع، وعاديين ولم تكن تظهر عليهما آثار القلق والتوتر والهيجان، أو أي شيء يثبت مرضهما، لكنهما كانا لا يخالطان الناس، إذ تؤكد المصادر أن «ل. م» لم يرتد الأماكن العمومية والمقاهي، قبل أسابيع خلت من ارتكابه تلك الجريمة. أوجه الاختلاف بين الحالتين أن الطفلين الأخيرين، كانا هادئين قبل خنقهما، عكس الحالة الأولى، حيث كانت الضحيتان تلعبان في الحي قبل صعودهما إلى الشقة، واستمرارهما في الشغب، ليقدم على نحرهما وتركهما، إلى حين وصول والدتهما بعد دقائق. رأي طـــبـــيـــبيؤكد الدكتور إدريس اجعيط الاختصاصي في الأمراض العصبية والنفسية بفاس، أن غالبية جرائم الفروع والأصول، مرتبطة بأشخاص يعانون مرض "السكيزوفرينيا". وأشار إلى أنهم في لحظة وجيزة جدا، يرتكبون تلك الجرائم في حق الآخر الذي يعتبرونه مسؤولا عن معاناتهم ومشاكلهم. وأوضح أن "السكيزوفرينيا" مرض عقلي وراثي يمثل واحدا في الألف، وتعرفه كل دول العالم وليس المغرب لوحده، مشيرا إلى لزوم إيداع مرضاه المتورطين في جرائم معينة، في المصحات والمستشفيات المختصة في الأمراض العقلية والنفسية، لضمان علاجهم ومتابعة حالتهم. وقال إنهم "يفقدون كل قدراتهم العقلية، في لحظة وجيزة معينة يصبح فيها الأب أو الأم أو الابن أو الآخر، هو الخصم والعدو المسؤول عن مرضهم". وهي اللحظة التي قد يرتكبون فيها جرائم فظيعة وبشعة، سرعان ما يشعرون بالندم الكبير على ما اقترفت أيديهم في حق آبائهم أو أبنائهم أو أشقائهم.وأبرز أن نسبة مهمة من هؤلاء الأشخاص الذين يقدمون على ارتكاب جرائم في حق الأصول أو الفروع، يعمدون إلى الانتحار، لإحساسهم بالذنب وخوفهم من العقاب، بعد أن يستعيدوا تدريجيا وعيهم، مشيرا إلى أن الجرائم المرتبطة بهذا المرض الوراثي، تنفذ باستعمال الأسلحة البيضاء.ويضيف اجعيط أن نية القتل لدى مثل هذه الحالات، غالبا ما لا تكون موجودة، حتى في حالة الخلاف والعداوة بين الفروع أو الأصول، مشيرا إلى حضورها في حالة الثأر والانتقام لأعراف اجتماعية ومجتمعية تقليدية.ويؤكد أن الاختلال العقلي، سبب وعامل حاسم في الكثير من جرائم الأصول والفروع، وليس إدمان استهلاك المخدرات، الذي في حالته "هناك حالة وحيدة محتملة قد تؤدي إلى ارتكاب جريمة في ظل حاجة المدمن إلى جرعات والكمية المستهلكة وعجزه عن تدبر تكاليفها المادية". حميد الأبيض (فاس)

أياد “رحيمة” تنزع الروح من فلذات أكبادها

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المشاكل النفسية وراء قتل الآباء أبناءهم

عندما تتحول الأمومة والأبوة إلى وحش كاسر

مقالات ذات صلة