الحمداوي: اضطرابات النمو والتنشئة من أسباب العنف ضد الفروع

الباحث في علم الاجتماع يرى أن تفكك العائلة الممتدة ساهم في تنامي النزوعات العدوانية عند الأفراد يرى الباحث ابراهيم الحمداوي أن الشعور بالاغتراب عن العائلة والأصدقاء والمعايير وغياب الضبط، بفعل التطورات المتسارعة التي يعرفها النسيج الاجتماعي، خاصة على مستوى الأسرة والعائلة الممتدة، يسهل الارتماء في أحضان الجريمة، خصوصا جرائم الأخلاق وتعاطي المخدرات والقتل كرد فعل على الإحباط والعزلة والمشاكل الأسرية. ولا يتردد الباحث في هذا الحوار في إرجاع تنامي جرائم الفروع إلى العطب الذي يعتري قنوات التنشئة الاجتماعية عند الآباء، ذلك أن الاندماج الاجتماعي واحترام الآخرين واحترام المبادئ الأخلاقية ليسا طبيعيا و لا يولد مع الإنسان، ولكن يكتسب داخل الأسرة والمدرسة والمؤسسات الأخرى الاجتماعية. انطلاقا من ذلك فالحرمان والاختلالات داخل هذه المؤسسات تؤدي، حسب الباحث، إلى اضطرابات في النمو وفي التنشئة كما يتسبب في السلوكات المنحرفة من خلال القيام بأعمال شنيعة أقصاها قتل الآباء لأبنائهم. < ما هي الأسباب النفسية والاجتماعية، في نظرك، التي تدفع أما أو أبا إلى قتل أبنائه؟< عرف المجتمع المغربي تغيرات مست جميع جوانب حياته وخلخلت بنياته الاقتصادية والسياسية والقيمية والاجتماعية, إضافة إلى التحولات السريعة التي عرفها من خلال التحضر السريع والزيادة السكانية والهجرة الداخلية التي خلقت أحياء ومدنا شبه حضرية، وتكاليف المعيشة والارتباط بالسوق العالمية، وما صاحب ذلك من تغيرات في القيم والمفاهيم الاجتماعية واكتساب أنماط عيش حضرية جديدة وانتشار القيم المادية التي أعلت من المادة على حساب القيم المعنوية والأخلاقية، وأعلت أيضا من قيم الكسب والثراء السريع وساهمت في إضعاف روح التضامن والتعاون والاجتماعي، مقابل التركيز على الحاجات الاستهلاكية وانتشار الاستهلاك التفاخري مع ما صاحب ذلك من ارتفاع في معدلات الجريمة والسلوك الانحرافي خلال فترة التغيرات هاته.ساهمت عوامل عدة في انحلال الروابط الأسرية وانخفاض المعايير الأخلاقية ومستويات الذوق العام. وزيادة على ذلك فإن التنافس والصراع والعداء الفردي والجماعي ونفسية الجماعات...، يدفع إلى الصدام والعنف وبالتالي الجريمة بأنواعها، خصوصا جرائم الفروع كنوع جديد من الجرائم التي انتقلت من التخلص من الأجنة غير الشرعيين خوفا من الفضيحة والعار، سابقا، إلى قتل الأبناء بدعاوى لا يمكن تفسيرها إلا بالاضطرابات النفسية والاختلالات العقلية.فقدان الصلة والروابط بالمقربين والجيران وبدء حياة أو علاقات جديدة يتطلب معايير جديدة ومجهودات للتوفيق بين القديم والجديد، أي لتحقيق الاندماج الاجتماعي. إن هذا الاغتراب عن العائلة والأصدقاء والمعايير وغياب الضبط يسهل الارتماء في أحضان الجريمة، خصوصا جرائم الأخلاق وتعاطي المخدرات والقتل كرد فعل على الإحباط والعزلة والمشاكل الأسرية.< كيف تفسر تطور ظاهرة جرائم الفروع في المغرب في السنوات الأخيرة؟< يمكن القول إنه يصعب تطويق ظاهرة جرائم الفروع في المغرب في السنوات الأخيرة، أو التحكم فيها، كما أن عواملها تتشابك، فمن النقص والاختلال في المؤسسات الذي يترجم بعدم احترام القانون والتخلي عن الفكر المدني، إلى انعدام صيررة التنشئة داخل الأسرة إضافة إلى الصيرورة التربوية التي تمكن الطفل من النمو المتناغم، وهي في مجملها صيرورة تنشئة تمكن من المرور من الخضوع المطلق للرغبات نحو خضوع لمبادئ الواقع (الشيء الذي يعني القدرة على تأجيل البحث عن الرغبة وقبول قواعد ومعايير المجتمع). يتعلق الأمر بتجاوز التمركز حول الذات الذي يجعلنا نأخذ بعين الاعتبار وجهات نظر ومصالح الغير والمرور إلى الموضوعية والقواعد والمبادئ الأخلاقية وأخيرا الأحكام الجيدة أو الضبط الجيد للانفعال والتوتر والانجذاب. هذا التطور متعدد الأبعاد؛ إنه أيضا معرفي وثقافي أكثر منه عاطفي واجتماعي. الاندماج الاجتماعي واحترام الآخرين واحترام المبادئ الأخلاقية ليسا طبيعيا و لا يولد مع الإنسان، ولكن يكتسب داخل الأسرة والمدرسة والمؤسسات الأخرى الاجتماعية. انطلاقا من ذلك فالحرمان والاختلالات داخل المؤسسات يؤدي إلى اضطرابات في النمو وفي التنشئة ويتسبب في السلوكات المنحرفة والهروب من الأسرة والانتقام منها من خلال القيام بأعمال شنيعة أقصاها القتل.إذا كانت بعض عوامل جرائم قتل الفروع عالمية فإن بعضها له خصوصية مرتبطة بالسياق السوسيو اقتصادي والثقافي المغربي، خصوصا ما يتعلق منها بطبيعة الأسرة المغربية وأيضا التحولات والتغيرات الجماعية التي عرفتها في السنوات الأخيرة، فالعائلة المغربية تعرضت بدرجات مختلفة لتغيرات كبيرة: التمدن وتطور أشكال السكن وتوسع العمل المأجور والعمل النسائي وتطور التربية خصوصا تربية البنات وتعميم الصحة ونقص حجم الأسرة بتحديد النسل وأخيرا الحركة المعاصرة لإنعاش مدونة الطفل. كل هذه التغيرات ساهمت في التطور الاقتصادي والاجتماعي للأسرة؛ بالموازاة مع ارتفاع حالات الطلاق ونسبة العنف والمشاكل الأسرية.تشظي العائلة الممتدة، يمثل أحد المظاهر الرئيسية والأكثر أهمية في التطور والتغيرات التي مست الأسرة، والتوترات التي لاحقتها، والذي نجم عنه ضعف قدرتها على المحافظة على أفرادها والإبقاء على التلاحم في صفوفها وضمان وظائفها الاجتماعية والتربوية، إضافة إلى مشاكل تأمين شروط الحياة العادية. التمايز الاجتماعي، تفكك الروابط التقليدية للتضامن وصعوبات إيجاد تضامن مؤسساتي منظم من طرف الدولة يعوض نقص التضامن العائلي، ساهم أيضا في هشاشة المجتمع و في بروز مشاكل لم تكن معروفة من قبل كجرائم الفروع والأصول.فخلية الأسرة أصيبت وتأثرت في أصالتها وفي وحدتها.وهؤلاء الآباء يتأثرون بعدة عوامل أهمها فشل الحياة الزوجية وما ينتج عنه من اضطرابات نفسية وأثر على صحتهم العقلية، ويحتمل أن ينحرف العديد منهم ويقوم بأعمال غير عادية وغير طبيعية قد تصل إلى القتل. ويمكن أن ينحرفوا لأسباب عديدة: الفقر وانعدام الحاجيات الضرورية والحرمان من السلطة الأبوية والعجز في بناء الذات بغياب تصور حول تحديد أو تعريف الأنا المثالي... رأي علم النفس الاجتماعي كيف ترى موقع علم النفس الاجتماعي في تحليل الظواهر الاجتماعية التي لها تأثيرات نفسية بالمغرب، خاصة تطور ظاهرة العنف الأسري؟التفسير العلمي للظاهرة الإجرامية يأخذ منحيين، الأول بالرجوع إلى العوامل التي تحدث أثرها في الوقت الذي تقع فيه الجريمة، أو إلى العامل اللحظي أو الفوري أو موقف الفرد مقرر السلوك الإجرامي، وهو ما يطلق عليه التفسير الميكانيكي أو الديناميكي. أما التفسير الثاني والذي يطلق عليه التفسير التكويني أو التاريخي فهو يأخذ بعين الاعتبار التفسير الديناميكي، ويضيف إليه العناصر التي تكون قد توافرت في تاريخ سابق والتي تهيء الفرصة للعمل الإجرامي. ويجد ذلك تبريره في عدم القدرة على الفصل بين أحداث الموقف الشخصي أثناء وقوع الجريمة وبين تجارب وخبرات الحياة السابقة. ويقول سدرلاند بهذا الصدد: "وهذا يعني أنه حيث توجد الجريمة فإنه يوجد دورها" لأن هناك نوعين من التفسير للسلوك الإجرامي: تفسير يتقرر إما من خلال واقع العمليات التي تجري وقت حدوث الجريمة، وإما من واقع العمليات التي تتم في التاريخ السابق للمجرم. وفي الحالة الأولى قد يسمى التفسير ميكانيكيا أو موقفا أو حركيا، وفي الثانية يسمى تاريخيا أو تكوينيا، وكلا النوعين من التفسير مرغوب فيه، وقد لاقى التفسير الميكانيكي قبولا عند علماء الطبيعة والإحياء، وقد يكون أكثر أنواع التفسير كفاية للسلوك الإجرامي. ومع هذا فقد كانت التفسيرات الإجرامية من النوع المكانيكي بعيدة عن النجاح بشكل ملموس، وقد يرجع هذا إلى أنها محاولة لعزل الأمراض الاجتماعية والشخصية التي تصيب المجرمين. تتحدد علاقات الفرد داخل الإطار العام للتنظيم الاجتماعي، وبالتالي فإن ارتفاع نسبة الجريمة في جماعة ما يجد سببه في سوء التنظيم الاجتماعي أو ما يسميه سدرلاند التنظيم الاجتماعي التفاضلي. والفرضية التي تقوم عليها هذه الفكرة هو أن الجريمة متأصلة في التنظيم الاجتماعي، وهي تعبير عنه. لأنها ليست سلوكا موروثا أو عضويا بل هي سلوك مكتسب، ويتحقق هذا الاكتساب عن طريق الاحتكاك ومجموعة من الاتصالات داخل جماعة محدودة من الأفراد وثيقة الصلة. وتتوزع سلوكات الأفراد بين النمط الإجرامي والنمط الذي ينبذ ويعادي الإجرام ويلتزم بالقوانين والنمط الثالث هو النمط المحايد لا يتورط أصحابه في الجريمة، ولكن ليس لديهم موقف واضح منها.إن اللجوء إلى إصلاحات في سياق أزمة متعددة الجوانب والأبعاد، أحدث سلسلة من المشاكل. ذلك أن ضعف القدرة الشرائية الشعبية يرجع أساسا إلى غلاء تكاليف الحياة الذي مس الأسر التي أحست بصدمة ارتفاع الأثمان المواد الضرورية وانخفاض عائدات الأجور الحقيقية. البطالة وضعف الأجور من جهة، تنوع وتعدد الخدمات الاستهلاكية، الدفع أو التحريض على الاستهلاك وخلق رغبات جديدة صعب الأمور على الأسر. الأسر التي تعاني أكثر من الأزمة، تجد نفسها في مواجهة نمو وكثرة الرغبات الاستهلاكية لأطفالها وعدم قدرتها على الاستجابة لها، ما أحدث كبتا وحرمانا لدى أفرادها، وهو ما ينتج عنه بروز جميع الاختلالات وميلاد ظواهر شاذة واحتدام الصراع بين أفراد الأسرة الذي قد يصل إلى حد التصفية الجسدية. أجرى الحوار: رشيد باحة

الحمداوي: اضطرابات النمو والتنشئة من أسباب العنف ضد الفروع

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سوس تشهد جرائم مروعة لقتل الأبناء

الزمزمي: الإسلام حرم القصاص من قاتل ابنه

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات