خمسة أشهر من الاحتجاجات تشعل النار بآسفي

مخربون استولوا على مبالغ مالية وحواسيب وأضرموا النار في ممتلكات عامة وخاصة لم تكن الأحداث التي جرت أول أمس (الاثنين) بآسفي، سوى كرة ثلج بدأت تتدحرج منذ أسابيع، بعدما قرر العشرات من العاطلين بآسفي وكذا بمدن فوسفاطية مجاورة كاليوسفية والكنتور، اعتراض القطارات وإيقاف حركاتها، إذ اعتبرت السلطة ذلك في بادئ الأمر أمرا عاديا، وفتحت باب الحوار مع المحتجين، منهم المنضوون تحت لواء جمعيات تقول السلطة إنها غير قانونية، وتم الاتفاق على إيجاد تسوية للملف وضمان حقهم في الشغل. لكن يوم أول أمس (الاثنين)، انتبهت السلطة إلى أن شل حركة القطارات أمر لم يعد مستساغا، في حين صار سلوكا مألوفا من قبل المحتجين، إذاك تحركت في محاولة "لتحرير" خط السكة الحديدية بآسفي، وفتحت حوارا جديدا مع المحتجين بُغية التوصل إلى حل ينهي حالة شلل السكة بالمدينة، لكن سرعان ما تطورت الأمور إلى مواجهات بين المحتجين وعناصر الأمن، وانتقلت "المعركة" إلى مطاردات وتراشق بالحجارة وسط الأحياء السكنية، قبل أن تطول ممتلكات الدولة، ويتم إضرام النار في وثائق رسمية بالملحقة الإدارية التاسعة بحي القليعة، ثم إضرام النار في سجلات وأرشيفات الدائرة الأمنية الخامسة بكاوكي، وإتلاف معدات وآليات الدائرة الأمنية ذاتها.واستنكر مواطنون تلك الأحداث، ووقفوا مشدوهين أمام ما وقع بمدينة ما عادت عقارب الزمن تتحرك بها، وتوالت عليها "النكبات" والأحداث الدرامية لترسم عنها صورة سوداوية. منذ مارس الماضي، انطلقت أولى شرارت احتجاج العاطلين بشكل منتظم، وكانت الوجهة المألوفة هي مقر ولاية جهة دكالة عبدة، حيث يقضون هناك قرابة ساعتين إلى ثلاث ساعات في اليوم، احتجاجا على عدم تشغيلهم، ويبدعون كل مرة أساليب جديدة، للفت الانتباه إليهم.عناصر بالزي المدني وأخرى بالزي الرسمي وأجهزة استخباراتية تراقب الوضع من بعيد، دون أي تدخل أمني، حتى صار طبيعيا أن ترى يوميا وقفات احتجاجية للعاطلين أمام مقر الولاية، وهو ما يؤكده "س.ن" سائق سيارة أجرة من الصنف الثاني، إذ يقول "اعتدت أن أرى يوميا عشرات الشباب من حاملي الشهادات يحتجون، إنه مظهر طبيعي لبلد يخطو نحو الديمقراطية".لكن بعد مرور قرابة ثلاثة أسابيع، بدأت الأمور تتطور شيئا فشيئا، إذ تعددت أماكن الاحتجاج، وتحولت من وقفات احتجاجية إلى اعتصامات، انطلقت بمحاولة اقتحام مقر عمالة آسفي، ما أدى إلى تدخل أمني أسفر عن إصابة عدة أشخاص في صفوف المحتجين.لم يكن ذلك ليمنع جمعيات العاطلين من مواصلة احتجاجاتها التي أخذت تتطور، في حين سارعت السلطات إلى فتح مكتب الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل (لانبيك) الذي تقاطر عليه آلاف العاطلين من المدينة والنواحي طلبا للشغل.واعتبر العديد من المعطلين أن الطريقة التي تشتغل بها الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل غير سليمة، إذ نظموا اعتصاما مفتوحا أمام إدارتها، توج باقتحام مقرها، واحتلال مكاتبها، واستمرت المفاوضات إلى ساعات متأخرة من الليل، ليتم إخلاء المقر باستعمال القوة، حسب ما ذكره محتجون آنذاك.استمر الوضع على ما هو عليه، وأصبحت السلطات الأمنية في حالة شد وجذب مع المعطلين، إذ ما أن تنشغل السلطات الأمنية بمراقبة احتجاجات العاطلين السلمية أمام مقر ولاية جهة دكالة عبدة، حتى تتوصل بمعلومات تفيد بخوض اعتصام ونصب للخيام، قرب مغرب فوسفور بالمنطقة الجنوبية للمدينة، لكن العناصر الأمنية كانت دائما تتدخل لإجلاء المحتجين من هناك، ومنع نصب الخيام.مسؤول أمني، رفض الكشف عن اسمه، أكد ل "الصباح"، أن السلطات الأمنية كانت تتساهل مع الاحتجاجات التي تعرفها الإدارات العمومية بمركز المدينة، لكن نصب الخيام أمام إدارة مغرب فوسفور، لم يكن مقبولا، في حين يرد المحتجون أن ذلك كان أقرب طريقة لإيصال صوتهم إلى الجهات المسؤولة، ومنها المغرب الشريف للفوسفاط، قصد فتح باب التوظيف.بارقة أمل تشعل الاحتجاجاتفجأة اعتقد العديد من العاطلين أن إشكالية التشغيل وجدت طريقها نحو الحل، بعد تعهد إدارة الفوسفاط بتشغيل اليد العاملة، إذ سجل قرابة 19 ألف شاب منهم من يتوفرون على شهادات مختلفة ومنهم دون ذلك.بل الأكثر من هذا، فمصدر مسؤول بالمركز الجهوي للاستثمار بجهة دكالة عبدة، أكد ل "الصباح"، أن هناك أشخاصا سجلوا في أكثر من مركز فوسفاطي، وحالات لأشخاص في وظائف عمومية سجلوا أنفسهم.لكن مباشرة بعد توصل العشرات من الشباب برسائل الالتحاق بالعمل أو الخضوع لتكوين مؤدى عنه، ثارت ثائرة آخرين، اعتبروا أن طريقة الانتقاء ارتكبت فيها أخطاء فادحة.انطلقت شرارة الاحتجاج من خريبكة، وتلتها اليوسفية وآسفي، إذ بدأت بوقفات احتجاجية أمام مغرب فوسفور، لتنتقل إلى محاصرة ميناء المدينة، والخط السككي، ما كبّد إدارة الفوسفاط خسائر وُصفت بالجسيمة، لكن ذلك لم يمنع المحتجين من مواصلة احتجاجهم.أمام تواصل احتجاجات العاطلين، عقدت ولاية جهة دكالة عبدة في شخص عامل إقليم آسفي بالنيابة لقاء مع المحتجين بحضور المندوب الإقليمي لوزارة التشغيل ومسؤولي إدارة الفوسفاط ولانبيك، تم خلاله وضع جدول زمني لتقويم الاختلالات التي عرفتها عملية الانتقاء، والشروع في التوظيف انطلاقا من تاريخ محدد.وكان الاثنين الماضي الموعد المحدد لانطلاق عملية التشغيل، وتسوية ملف العاطلين بالمدينة الذين لم يقبلوا بإخلال السلطات الإقليمية بتعهداتها، لكن الأخيرة اعتبرت أنها لم تتملص من التزاماتها، وأن ظروف العطلة وتزامن ذلك مع رمضان وإكراهات أخرى، فرضت تأجيل الشروع في ذلك إلى أجل قريب يتم تحديده، لكن الشباب العاطلين كان لهم رأي آخر، والوجهة هي خط السكة الحديدية، وتوقيف رحلات نقل الفوسفاط بين آسفي واليوسفية، ودخلت السلطات مع المحتجين في حوار لإخلاء خط السكك الحديدية، قبل أن تتطور الأمور إلى مواجهات انتقلت إلى شوارع القليعة وبوعودة وكاوكي، قبل أن يتم إضرام النار في الدائرة الأمنية الخامسة والمحلقة الإدارية العاشرة.جرحى يلملمون جراحهمخلفت المواجهات الأمنية عدة إصابات في صفوف المحتجين وكذا عناصر الأمن، إذ عاينت "الصباح" العشرات من الحالات التي ولجت المستشفى، منها 15 حالة إصابة في صفوف المحتجين. وأكد مصدر طبي أن جلها لا يدعو إلى القلق، في حين سجلت 52حالة إصابة في صفوف رجال الأمن، أحدهم أصيب بكسر بالغ في رجله اليسرى، ما تطلب خضوعه لعملية جراحية، وست حالات في صفوف عناصر القوات المساعدة، واحدة منها تتطلب المراقبة الطبية، وفق ما ذكرته مصادر طبية ل "الصباح".وأبدى العديد من رجال الأمن والقوات المساعدة أسفهم لما وقع.استنكار وتنديد"هاذ الشي راه عيب، واش هاذ الدول العربية اليوم اللي عرفت مثل هاذ الأحداث عايش هانية، راه الفوضى والشعور بغياب الأمن"، يقول بائع خضر في 60 سنة من عمره، وهو يعلق على الأحداث الأخيرة التي عاشتها مدينة آسفي قبل يومين.هذه الشهادة تتقاطع مع عشرات الشهادات لمواطنين، استنكروا ما جرى، ووضعوا أيديهم على قلوبهم خوفا مما لا تحمد عقباه، في حين تطوعت نساء وشباب وشيوخ لإنقاذ ما يمكن إنقاذ من وثائق بمقر الملحقة الإدارية العاشرة، إذ ينتشلون السجلات التي يرونها تحترق أمامهم ويقولون "إنها وثائقنا، تضمن هوياتنا، والله عار على من قام بهذا الفعل، ما ذنب مواطنين يصيرون اليوم وغدا بدون هوية بعد إتلاف وثائق هوياتهم"، يقول أحد المواطنين، في حين يضع شاب في عقده الثالث رأسه بين راحتيه، وهو لا يكاد يستوعب أنه قبل ساعتين، ترك كناش الحالة المدنية لدى أحد لموظفين من أجل الحصول على وثيقة إدارية، ليجد فجأة كل شيء ضاع. ما أن سمعت موظفة بالملحقة الإدارية بخبر إضرام النار في المقاطعة التي تشتغل بها، حتى توجهت مسرعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، إذ لم تمنعها رائحة الدخان المتصاعدة، من ولوج أحد المكاتب، بحثا عن وثائق تركها مواطن مهاجر بالديار الإسبانية قصد الحصول على وثيقة إدارية تتعلق بأحد أبنائه..وتشير موظفة أخرى التقتها "الصباح"، أول أمس (الثلاثاء)، إلى أنه في حدود الساعة الثالثة إلا ربعا، عمد محتجون إلى رشق نوافذ الملحقة الإدارية بالحجارة، والفرار، واستمر الوضع هكذا لمدة نصف ساعة، حين تمكنوا من الفرار، بينما اقتحم آخرون مقر الملحقة الإدارية بعدما كسروا أبوابها، وأضرموا النار في الوثائق والأرشيف.وتشير المتحدثة ذاتها، إلى أن أجهزة حاسوب تعرضت للسرقة وأخرى أضرمت فيها النار، كما استولى المقتحمون على مبالغ مالية وخواتم وطوابع مخزنية من قسم الحالة المدنية..مصدر آخر، أكد تعرض دراجة نارية في ملكية عنصر من القوات المساعدة إلى إضرام النار، شأنه في ذلك شأن رجل أمن أُحرقت دراجته النارية. إعداد: محمد العوال

خمسة أشهر من الاحتجاجات تشعل النار بآسفي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اللائحة الوطنية تهدد الأحزاب بالانفجار

مغاربة بالشمال... الباحثون عن العلاج بسبتة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات