دراسة: حصيلة المؤتمر الاستعراضي لنظام المحكمة الجنائية الدولية (3/3)

المطلوب من الدول الأطراف تقويم الإخلالات والهفوات التي تعتري نظام المحكمة يوم 17 يوليوز 1998 صادقت 120 دولة على النظام المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، المعروف بنظام روما، ودخل هذا النظام حيز التطبيق يوم فاتح يوليوز 2002 بعد استكمال النصاب القانوني المحدد في 60 مصادقة، ومرور أجل 60 يوما على إيداع الصك الستين للتصديق. ثاني خرق يناقض مبادئ النظام يتجلى في المنهجية التي عالج بها واضعو النظام مسألة العدوان، خلال المؤتمر التأسيسي لسنة 1998.فالمادة 5 من النظام تحدد أصلا اختصاص المحكمة في أربعة أصناف الجرائم منها جريمة العدوان.والدول التي صادقت أو انضمت إلى النظام كانت تعلم وقت التزامها أنها تقبل باختصاص المحكمة الجنائية الدولية بكامله، وهذا ما ترتبه صراحة الفقرة الأولى من المادة 12 التي تنص على أن الدولة التي تصبح طرفا في النظام الأساسي، تقبل بذلك اختصاص المحكمة في ما يتعلق بالجرائم المشار إليها في المادة 5.فالاختصاص إذن شيء مسلم به وقت الدخول في النظام، إلا أن المؤتمر التأسيسي قفز على هذا المبدأ نتيجة الضغوط والمفاوضات المطولة التي تمخض عنها نص النظام الأساسي للمحكمة وأحال على المدة 121 التي تعالج مشكل التعديلات. وهكذا وبفعل هذا الالتواء المسطري أصبح من حق كل دولة طرف في النظام الأساسي، قبلت به على شموليته وقبلت باختصاص المحكمة، أن تصرح به بعد 2017 أنها لا تقبل اختصاص المحكمة بشأن جريمة العدوان عندما ترتكب هذه الجريمة من طرف مواطني تلك الدولة أو ترتكب على أراضيها.استثناء لا تقبل به المادتان 12 و 120 من النظام الأساسي ولا تقبل به المبادئ المعلن عنها في ديباجته.والأمل ضعيف جدا أن يعالج هذا الإخلال، لأن الحلول العسكرية مازالت معتمدة لفرض الهيمنة أو فض النزعات الدولية، ومازالت دول معينة تبذل قصارى جهدها للحفاظ على حريتها المطلقة في استعمال آلياتها العسكرية خارج أقاليمها.III ) جانب آخر من أوجه التناقض التي تطبع النظام الأساسي يتجلى في خرق مبدأ المساواة المنصوص عليه في المادتين 21-3 و 27 إذ تقضي هذه المادة الأخيرة بتطبيق النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بالصفة الرسمية، ولا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص سواء كانت في إطار القانون الوطني أو الدولي دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص.مبدأ واضح وجلي لا يعتريه أي غموض، لكن تخرقه المادة 98 التي لا تجيز في فقرتها الأولى للمحكمة أن توجه إلى دولة طرف طلبت تقديم شخص مشبوه فيه، أو طلب تقديم مساعدة، يقتضي من الدولة المذكورة أن تتصرف على نحو يتنافى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي في ما يتعلق بحصانات الدولة أو الحصانة الدبلوماسية لشخص.........IV ) وجه آخر من أوجه قصور النظام الأساسي يتجلى في الليونة التي تطبع إجراءات التعاون والمساعدة القضائية التي تتحملها الدول الأطراف إزاء المحكمة، بمقتضى القسم التاسع من النظام بالخصوص.أ – فالمادة 73 تسمح لكل دولة طرف أن لا تكشف للمحكمة عن وثائق أو معلومات تهم دولة أخرى لوجود التزام سابق من جانبها بالحفاظ على السرية إزاء الدولة المصدر.ب – والفقرة الثانية من المادة 98 تمنع على المحكمة أن توجه طلب تقديم شخص إلى دولة تفرض عليها التزاماتها الدولية الحصول مسبقا على موافقة الدولة التابع لها ذلك الشخص، قبل التقديم.ج –المقتضى نفسه أوردته المادة 90 التي تعالج حالات تزامن طلب التقديم الصادر عن المحكمة مع طلب تقديم صادر عن دولة أخرى، ترتبط بها الدولة الموجهة إليها طلبات التقديم، بالتزام دولي بتسليم الشخص المعني، إذ في جميع الحالات التي عالجتها المادة المذكورة، أعطى النظام الأولوية للالتزام الدولي على ضرورة تقديم المساعدة اللازمة للمحكمة. د – قاعدة تقديم الالتزامات الدولية ـ ثنائية كانت أم جماعية ـ على الالتزامات المترتبة عن النظام الأساسي ـ الذي يعد التزاما دوليا جوهريا، متميزا لأنه يؤسس لنظام جنائي دولي تتطلع إليه كل شعوب العمور ـ أوردتها بكل صراحة الفقرة ج من المدة 97 التي تسمح لأي دولة طرف أن لا تستجيب لأي طلب يقدم إليها بموجب الباب التاسع ـ التعاون الدولي والمساعدة القضائية ـ يمس بالتزام تعاهدي سابق قائم من جانبها إزاء دولة أخرى.هذا المقتضى ستستغله الولايات المتحدة الأمريكية بقوة منذ سنة 2002 لإبرام عدة اتفاقيات تمنع على الدول المتعاقدة تقديم مواطنين أمريكيين إلى العدالة الدولية أو تقديم أي من أوجه المساعدة إلى المحكمة لما يتعلق الأمر برعايا أمريكيين.والمطلوب من جمعية الدول الأطراف أن تأخذ بعين الاعتبار كل الإخلالات والهفوات التي تعتري نظام المحكمة الجنائية الدولية، لأن من واجبها مساندة هذا النظام الفريد حتى تضطلع المحكمة بمهامها كاملة إزاء كل مقترفي جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب والعدوان، على قدم تام من المساواة وأن تمارس اختصاصاتها بكل استقلالية في ظل المبادئ المؤسسة للنظام وما يفرضه القانون الإنساني الدولي من قواعد تحفظ سلامة وكرامة كل شخص دون أي نوع من أنواع التمييز، وأن تحظى هذه اللبنة الفتية بدعم ومساعدة الدول الأطراف في النظام في انتظار أن يتحقق إجماع كل دول المعمور عليها.والمطلوب من الأمم المتحدة بموازاة مع ذلك أن تشجع الدول الأعضاء وتحفزها على ملاءمة تشريعاتها مع نظام روما واعتماد مفهوم الولاية القضائية الكونية بالنسبة للجرائم التي تختص بها المحكم الجنائية الدولية لتضييق الخناق على مقترفي هذه الجرائم أين ما حلوا وارتحلوا. بقلم: محمد بن عبد الصادق محام

دراسة: حصيلة المؤتمر الاستعراضي لنظام المحكمة الجنائية الدولية (3/3)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اعتقال متهم بالنصب على مستثمر مصري بابن سليمان

تفاصيل اغتصاب قاصر وسرقة مولودتها بمستشفى آسفي (1/2)

مقالات ذات صلة