ربورتاج: حكايات ومشاهد حية من ميدان التحرير

أصبح المزار السياحي الأول في مصر وتركيا المستفيد الأول من مظاهراته هناك أماكن، كما الرجال العظماء، تدخل التاريخ من بابه الواسع. يكتب التاريخ على ترابها ويشهد تحولات جذرية في تاريخ الشعوب، بل في تاريخ البشرية قاطبة. ميدان التحرير واحد من هذه الأماكن التي شهدت خروج الشعب المصري من ظلام الدكتاتورية إلى نور الحرية والكرامة. تحول بين ليلة وضحاها إلى رمز للثورة وقدرة الشعوب على التغيير رغم قيود الديكتاتورية والقمع طيلة السنين الماضية. خلال الرحلة التي قادتنا إلى مصر المحروسة، تأكد لنا أن الشعب المصري قرر أن يجعل منه المقر الدائم لحزب الأغلبية الصامتة طيلة العقود الماضية، مقرا لحزب الكادحين الراغبين في العيش الكريم. لم يكن أحد يعتقد في يوم من الأيام أن هذا الشعب الذي عاش تحت رحمة الحزب الوطني المصري ثلاثة عقود من الزمن، سيستطيع الخروج إلى الشارع ليقول لا وهو الشعب الذي لم يفتح فمه إلا عند طبيب الأسنان، كما يتندر بذلك المصريون.عندما خرج الشعب لقول لا للظلم اختار الميدان الذي قال فيه الطلبة لا لجمال عبد الناصر بعد الأحكام الصادرة على المتسببين في نكسة سنة 1967، ولا لأنور السادات بعد تلكئه في الرد على إسرائيل بعد النكسة.الميدان نزهة وثورةاستغل المصريون يوم الجمعة الماضي للخروج ى إلميدان التحرير ليس فقط من أجل التظاهر ولكن للنزهة والتفرج على المتظاهرين الذين بدوؤا في التوافد على الميدان منذ الساعات الأولى لصباح الجمعة. وشهدت مسيرة الجمعة التي سميت بجمعة الإنذار الأخير انقساما ظاهرا للعيان بين من يدعو إلى المشاركة وبين من يدعو إلى إلغائها، كما ظهر الاختلاف والانقسام أيضا بين من يدعو إلى تسميتها بجمعة الإنذار الأخير، وبين من يدعو إلى تسميتها بمليونية الشرعية في الميدان.الذين اختاروا النزهة فضلوا جلب كراس بلاستكية ومظلات شمسية واصطفوا على جانب أحد الجسور أو كما تسمى هنا في مصر الكباري، للتفرج على المتظاهرين وهم ينادون بمحاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك وسرعة محاكمة قتلة الشهداء ووضع حدين أدنى للأجور وتشكيل حكومة إنقاذ وطني.ميدان كل الطلباتاللافتات المرفوعة في ميدان التحرير لا تهم كلها الإصلاحات السياسية وإنقاذ مصر من الفتنة التي تعيشها أو سرعة محاكمة الفساد والمفسدين، بل هناك من اختار أن يرفع شعارات تهم مساره المهني والظلم الذي تعرض له طيلة السنوات الماضية من طرف مديره ورغبته الكبيرة في أن تتم إقالته خلال الإصلاحات المرتقبة.شعارات ومطالب البعض بميدان التحرير تعدت كل الحدود، بل وصلت بالبعض إلى حد توفير شقة له ولخطيبته التي رفضت عودته إلى بيت والديها إلا بعد أن يستطيع توفير شقة، ما فرض عليه البقاء في الميدان.غرائب وعجائب الميدان لا تنتهي، ففي كل الشوارع المحيطة به سمة من السمات الخاصة بالشعب المصري وبقدرته الكبيرة على الخلق والإبداع، ففي إحدى مفترقات الطرق المؤدية مباشرة إلى الميدان اختار البعض أن ينشأ بعض الاكشاك الصغيرة الخاصة بكتابة الشعارات والمطالب وفي مكان قريب هناك من اختار الاختلاء بمجموعة صغيرة يذكرها بالشعارات التي يجب أن ترفع وفي زاوية أخرى هناك فرق خاصة من المتظاهرين. للسياحة دور بعد تنحي حسني مبارك، ورغم إخلاء ميدان التحرير من المتظاهرين، أضحت صخرة الشهداء، كما تسمى هنا في الميدان والتي تضم صور شهداء ثورة 25 يناير مزارا سياحيا يقصده الناس من كل المدن المصرية، يتوافدون عليها لقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء ويضعون أكاليل الزهور حولها، في مشهد تمتزج فيه مشاعر الحزن بالفخر على شباب ضحوا بشبابهم من أجل إسقاط نظام عمر لأكثر من ثلاثة عقود.ليس المصريون وحدهم من اختاروا الحضور إلى الميدان للساحة وأخذ صور تذكارية رفقة المتظاهرين والأعلام المصرية، بل يعتبر السياح الخليجيون الأكثر حضورا بسيارات الهامر والشبح، بنسائهم وأطفالهم من أجل أخذ صور تذكارية.قانون خاص يلزم كل شخص أراد الدخول إلى ميدان التحرير الخضوع للتفتيش من طرف لجان شعبية خاصة مكونة من شابين وفتاة عند كل بوابة من بوابات الميدان، وإظهار بطاقة تعريفه الوطنية، وذلك كإجراء احترازي مخافة تسرب أحد المعادين للثورة أو كما يسمونهم هنا البلطجية أو فلول الحزب الوطني، لخلق البلبلة.أحد المسؤولين عن إحدى البوابات قال للصباح "الثورة ملك لشباب هذا البلد وكل قواه الحية ويجب حمايتها، مقرنا الدائم هو ميدان التحرير ويجب هو الآخر حمايته من البلطجية وأعداء الثورة، وإذا غفلنا عنهم فالأمور ستتحول إلى كارثة، ففي حالة دخول أحدهم إلى هنا فيمكن أن تحدث مجزرة ونعطي بالتالي الفرص لقوى الأمن الجيش بالتدخل".المراقبة ليست فقط في البوابات بل جرى أيضا تشكيل أيضا لجان شعبية خاصة بالمراقبة لضبط المتسللين إلى داخل الميدان من البلطجية، وهي لجان تستمر في الهتاف والمراقبة المستمرة. الباعة... حكايات آخرى في ميدان التحرير ليس هناك فقط المثقفون والثوار الذين يرغبون حقيقة في التغيير ورؤية مصر نموذجا للديمقراطية والحرية في العالم العربي، وليس هناك حاملو الهم السياسي من أحزاب المعارضة، بل هناك أيضا أشخاص استغلوا التجمع الكبير للمتظاهرين وقاموا بعرض سلعهم، وأشهر ما يباع في ميدان التحرير الترمس وهو الحمص والساندويتشات من الفول والجبن وأصحاب الشاي والقهوة والذين يعتبرون من أكثر المستفيدين من الثورة ومن ميدان التحرير.أحد مراقبي البوابات قال للصباح "هؤلاء الباعة لا يهمهم إلا بيع منتجاتهم فقط، بل هناك من أقفل محلا صغيرا كان يؤجره في مكان ما وجاء إلى الميدان من أجل التجارة، لأنه يعلم جيدا أنها تجارة مربحة خصاة بالنسبة إلى باعة الساندويتشات والشاي والقهوة".وأضاف "في النهاية هم أيضا مواطنون مصريون ويبحثون عن لقمة العيش ويساعدوننا في الكثير من الأعمال، كما أن دورهم حيوي فنحن نشبههم بمسؤولي التموين". تركيا المستفيدة الأولى من ميدان التحريرقال هشام عبد الفتاح، عضو بمجلس إدارة غرفة السياحة المصرية، أن تركيا استفادت كثيرا مما وقع في ميدان التحرير، بالنظر إلى استقبالها أكثر من ثمانين في المائة من عدد الأفواج السياحية التي كانت تفد إلى مصر في فصل الصيف من كل سنة، مضيفا أنها استفادت أيضا مما يحدث حاليا في سوريا وقدمت منتوجات سياحية مناسبة لكل الوافيدن عليها.وأوضح هشام، في حديث ل"الصباح" على هامش حضوره إلى مقر إقامة الوداد بأحد فنادق القاهرة، أنه إذا لم تحل المشاكل العالقة وتحقق مطالب المتظاهرين فإن سياحة مصر ستتوقف بالكامل رغم بعض الارتفاع خلال الشهرين الماضيين لخوف السياح من الانفالاتات الأمنية وعدم الاستقرار.وبخصوص دور الإعلام في غياب السياح خاصة المغاربة بكثرة خلال الفترة الماضية قال "بعض القنوات العربية حولت مصر إلى مادة رئيسية في نشراتها الإخبارية من أجل إبعاد السياح وبثت سمومها طيلة الفترة الماضية، لأنها لم تنقل الصورة صحيحة والدليل أنكم هنا الآن وتزورون كل المناطق السياحية ووسط المدينة، وليس هناك شيء فالأمور تسير بشكل جيد ولا خوف على أحد صحيح كانت هناك مشاكل لكن الآن بدات الأمور تعود إلى طبيعتها وبدأ الأوربيون يعودون إلى شرم الشيخ والغردقة ولم تحدث إصابات أو اعتداءات".وعن رسالته إلى المغاربة الذي كان عددهم يتراوح في فصل الصيف بين 8 و 10 آلاف قال "المغاربة أعرفهم منذ عشرين سنة يحبون مصر بشكل جنوني ورسالتي إليهم هي أن مصر لم تتضرر كثيرا، فالمظاهرات في ميدان التحرير سلمية وزيارتك لمصر لن تكون دموية كما تقول بعض القنوات، كما أن السياحة الشاطئية تشتغل بشكل جيد والأفواج السياحية تصل بشكل جيد إلى شرم الشيخ والغردقة كل يوم من أيام الصيف".وختم هشام عبد الفتاح تصريحه بدعوة كل الإعلاميين إلى توخي الدقة في نقل الأخبار عن مصر، لأنهم حسب قوله يزورون الحقائق ولا يملون من الحديث عن محاكمات المفسدين والمظاهرات الدموية، رغم أن هناك أشياء جميلة كثيرة في مصر على حد قوله. أحمد نعيم (موفد الصباح إلى القاهرة)

ربورتاج: حكايات ومشاهد حية من ميدان التحرير

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اليزمي يتهم الرئيس التونسي السابق باختطاف المانوزي

بانوراما الصيف:صلاح الوديع... حكايات ما بعد السجن الأخيرة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات