بانوراما الصيف:صلاح الوديع… حكايات ما بعد السجن (10)

بعد الجلسة الأولى عانقت اليازمي وقلت له "on a gagné" فضل الشاعر والحقوقي صلاح الوديع أن يعود بذاكرته قليلا إلى الوراء ويتحفنا في هذه الدردشة المتحررة من كل القيود، بوقائع عاشها وساهم فيها من موقعه الحقوقي بعد خروجه من السجن.فضل الوديع تذكر ما جرى في حوالي العشرين سنة الأخيرة من منظور حميمي، ليروي ل"الصباح" أهم حدث عرفته عشرية حكم الملك محمد السادس، والمتمثل في تأسيس هيأة الانصاف والمصالحة التي جاءت بقرار سياسي من ملك جديد أراد أن يطوي صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، وأن يكون ضحاياها فاعلين في وضع سياسة العدالة الانتقالية بالمغرب، ومن ثمة كان ميلاد المنتدى المغربي للحقيقة والانصاف الذي كان المرحوم ادريس بنزكري أول رئيس له، إلى جانب كل من الوديع ومصدق والرويسي والصبار وآخرين، بداية مرحلة البحث عن الحقيقة ورسم معالم عدالة انتقالية وفق تصور استراتيجي يروم جبر ضرر الضحايا ضمن مقاربة شاملة هدفها دمقرطة مؤسسات الدولة وضمان عدم تكرار ما جرى.بوح الوديع المتحرر من كل القيود بتفاصيل رحلته الحقوقية إلى جانب رفيق دربه بنزكري وآخرين، يأتي في لحظة مفصلية من تاريخ المغرب تتسم بتبني دستور جديد، و دسترة توصيات هيأة الانصاف والمصالحة، كما أن التجاذبات التي يعرفها حزب البام اليوم، الذي جعل من تقرير هيأة الانصاف والمصالحة مرجعية له، تعيد طرح الأسئلة حول علاقة مؤسسه فؤاد عالي الهمة بعناصر من اليسار التي أثمرت تجربة المصالحة، ما يعني أن فهم ما جرى خلال أزيد من عقد من حكم الملك محمد السادس، لن تكتمل صورته دون النبش في أغوار حدث طي صفحة الماضي بالمغرب، وهو الحدث الذي أدى إلى تحولات سياسية هامة كان لها ما بعدها... الشاعر الوديع يروي تجربة البحث عن الحقيقة كما عاشها وساهم في تفاصيلها. < ماهي أهم المحطات التي اعتبرت أساسية وحاسمة لإنجاح هذه التجربة الأولى في المغرب؟< كانت الجلسات الداخلية لتحضير الضحايا لجلسات الاستماع العمومية مناسبة للاتفاق معهم على أمرين اثنين: لهم أن يحكوا كما شاؤوا على كل المعاناة التي عاشوها، مع احترام التزامين: ألا يستعمل هذا المنبر لمدح أو قدح أي فريق حزبي في البلاد، وألا يتم ذكر أسماء الجلادين ممن يعتبرون مسؤولين على ما جرى دون أن يعني ذلك منع الضحايا من الحديث عن الأجهزة المعنية، طبقا للدور الموكول لهيأة الأنصاف والمصالحة، التي لم يكن لها أن تلعب دور القضاء.اللحظات التي سبقت ورافقت وتلت الجلسة الأولى التي عقدت بالرباط كانت لها نكهة خاصة. كنا قررنا في هيأة أن تُنظم الجلستان الأولى والثانية بالرباط وأن يفسح فيها المجال للضحايا من كل الأطياف دون استثناء لتقديم شهاداتهم. لقد اتخذنا القرار بأن يكون البث مباشرا على الإذاعة والتلفزة. ولم يكن بمقدورنا أن نتكهن بكل ما سيحدث. لقد كانت أي حبة رمل في آخر دقيقة قادرة على أن تعصف بهذا العمل الجبار، أو على الأقل أن تؤثر سلبا على مجرياته. < هل تذكر بعض لحظات الجلسة الأولى؟< بعد جلسات التحضير والمرافقة، حان موعد الجلسة الأولى. غصت القاعة بجميع الأطياف السياسية والنقابية والحقوقية والثقافية، بل حضر أحد مستشاري الملك كذلك. وصل الشهود إلى مقر الجلسة الأولى، ثم حان وقت ولوجهم إلى القاعة المكتظة والجلوس إلى المنصة. أذكر الألم المرسوم على وجه حميد برادة وهو يستعد للجلوس في المنصة مع الضحايا خلف صف الشهود. لقد كان مرشحا للحديث عن مظالم ما بعد الاستقلال لكنه اعتذر عن ذلك. وفهمت من النظارات السوداء التي وضعها على عينيه حتى داخل القاعة أنه متأثر حد البكاء. عند استعداد الصديق جمال مزيان المتحدر من آلام الريف، لولوج القاعة استدار نحوي قائلا في وجوم: "لن أشارك. سأعود من حيث أتيت..."، أجبته "كيف الأمر ولماذا ونحن على بعد دقائق من انطلاق الجلسة"؟ حاول عرض حججه، لكنني أوقفته بلا تردد قائلا: "مهما تكن حججك، أنت بعد قليل لن تحدث أحدا غير الوطن والتاريخ والأجيال المقبلة، هل تريد حقا أن تخلف موعدك مع كل هؤلاء؟". تردد جمال للحظةٍ حسبتها دهرا ثم استدار بسرعة نحو باب القاعة وتقدم إلى مقعده وجلس قبالة الجمهور إلى جوار إدريس بنزكري. أخذ إدريس الكلمة وسط صمت كأنه الصلاة، ليعلن في كلمة مقتضبة افتتاح الجلسات، ثم التحق بمقعده بين عدد من أعضاء الهيأة على أحد جانبي المنصة. يمكن للجلسة الأولى أن تبدأ الآن... غادرتُ القاعة، وصوت الصديق عبد الحي المودن، عضو الهيأة الذي ترأس الجلسة الأولى يعيد على مسامع الحاضرين مسطرة الجلسة: لا تصفيق، لا تدخل، لا سؤال، صوت الضحايا يعلو اليوم فوق كل شيء، كدت أقول: حتى فوق صوت التاريخ. فضلت أن أتابع الجلسة على شاشة التلفزة خارج القاعة. في الواقع كان الأمر في غاية الصعوبة. ظللت أروح وأغدو بلا توقف. عرفت ساعتها ما تتحمله النساء ساعة المخاض... حين رأيت المودن يعلن اختتام الجلسة الأولى، شعرت بفرح غامر. كانت الشهادات كلها في مستوى الانتظارات، وكان الضحايا عند الوفاء بالتزاماتهم، مرة أخرى... أول من وجدته "في متناولي" من بين أعضاء الهيأة هو إدريس اليازمي، عانقته بقوة وأنا أردد بفرح غامر: "on a gagné" ...لقد كان نجاح هذه الجلسة وما تلاها بالفعل لحظة انعطاف نوعي في عمل الهيأة. التقاه : رشيد باحة في الحلقة الأخيرة يخوض الوديع في تجربة عمل فريق التحريات

بانوراما الصيف:صلاح الوديع… حكايات ما بعد السجن (10)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مطالبة بمفتشين لمراقبة نفقات الحملة الانتخابية

بانوراما الصيف: كرة القدم..أشهر قصص التلاعب في النتائج 3

مقالات ذات صلة