بانوراما الصيف: القذافي… نيرون ليبيا (الحلقة الثامنة)

القذافي والغرب... "توم وجيري" اتهمه الغرب بتدبير حادث لوكربي وفرض عليه الحظر الجوي والحصار الاقتصادي هو حاكم لا يشبه غيره من الحكام العرب، رغم أن القاسم المشترك بينهم يكاد يكون واحدا، هو كثير من تسلط وجبروت، وتاريخ مليء بالدم وفترة حكم طويلة عنوانها الظلم، وشعارها، الطغيان أولا وأخيرا. وإذا كان قدر الشعوب العربية أن يحكمها الجبابرة، فإن قدر الشعب الليبي كان أشد قسوة، لأنه ظل، ولمدة حوالي 42 سنة، يحاول العيش تحت سطوة حاكم طاغية جبار، ومجنون مريض، اسمه القذافي.لا يعتبر القذافي نفسه حاكما عاديا. إنه ليس رئيس دولة، ولا هو بملك. إنه "القائد"، "ملك ملوك إفريقيا"، صاحب أطول فترة حكم عرفتها ليبيا منذ أن أصبحت ولاية عثمانية سنة1551، وأقدم حاكم على وجه الأرض.وحتى في عز "الربيع العربي"، ظل القذافي يشكل الاستثناء. صحيح أنه تمسك بالكرسي بشكل غريب مثلما تمسك به، إلى آخر قطرة دم، جميع من سبقه من الرؤساء العرب المخلوعين والهاربين، إلا أن "صموده" أمام ثورة الشعب كان له شكل خاص جدا.تمسك القذافي بكرسي الحكم كان مسرحية من نوع الكوميديا السوداء، أضحكت العالم حد البكاء. وفي عز الحرب التي شنها على أبناء شعبه، "زنكة زنكة"، لم يكن الرئيس الليبي يتوانى عن إلقاء خطاباته المثيرة للدهشة والسخرية حد الغثيان، التي كان العالم العربي يتابعها بكثير من الشغف، وينتظرها بغير قليل من اللهفة، حتى يستمتع بآخر "قفشات" صاحب الكتاب الأخضر، الذي فاق حسه الكوميدي العفوي، موهبة أكبر زعماء الإضحاك في العالم كله.اليوم، يختبئ القذافي في مكان ما من "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى"، هاربا من قصف قوات "الناتو"، متوعدا الغرب بهزيمة نكراء، في وقت يتنبأ فيه الكثير من المراقبين والمحللين الدوليين بسقوطه خلال مدة وجيزة. من خلال هذه الحلقات، نستعرض محطات مهمة من حياة العقيد وبعض أفراد أسرته، ونقدم للقراء "بورتريها" مطولا عن حاكم غير عاد، اسمه معمر القذافي... "نيرون" ليبيا. لم تكن مواقف القذافي تجاه الغرب، يوما على حالها. فهو تارة يعاديه صراحة، وأحيانا يناور، ومرات ينصاع تماما ويحول موقفه 180 درجة. ولعل قضية "لوكربي" الشهيرة، كانت السبب المباشر في تصنيف العقيد ضمن الزعماء الداعمين للإرهاب الدولي من طرف القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي شنت هجوما على طرابلس سنة 1986 على خلفية ما عرف بقضية خليج سرت (حين أعلنت ليبيا رسميا أن كامل خليج سرت جزء من مياهها الإقليمية، ورفضت الولايات المتحدة هذا الإعلان دون دول العالم الأخرى، متذرعة بأن ليبيا لاتملك مقومات السيطرة على هذا الخليج الكبير)، تسبب (الهجوم)، في مقتل ابنة القذافي المتبناة، إضافة إلى العديد من المدنيين، قبل أن تتهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا النظام الليبي بتدبير سقوط طائرة شركة الخطوط الجوية الأمريكية «بان أمريكان» فوق بلدة لوكربي الأسكتلندية سنة 1988، وهو الحادث الذي تسبب في مقتل 259 راكبا، إضافة إلى 11 مدنيا من سكان لوكربي، وأدى إلى فرض الحظر الجوي والحصار الاقتصادي على ليبيا. ورغم العقوبات المفروضة على ليبيا بسبب أزمة «لوكربي»، إلا أن «العقيد» لم يلتزم بها تماما، بل كان يقبلها مرات ثم يتفاوض مرات أخرى، وأحيانا يتحداها. ففي إحدى المرات، نقلت الطائرات الليبية الحجيج دون إذن من الأمم المتحدة، بل إن القذافي نفسه، انتقل غير ما مرة إلى بلدان عربية وإفريقية، كما استطاع، بفضل شبكة مؤسسات مالية أقامها على مدى سنوات وبفضل علاقاته الدولية، الالتفاف على الحظر الاقتصادي، قبل أن يتمكن، في النهاية، من الخروج من الأزمة بعد قبول الولايات المتحدة الأمريكية محاكمة الليبيين المشتبه فيهما عبد الباسط المقرحي والأمين فحيمة، في دولة محايدة، ليقدم النظام الليبي، في آخر المطاف، مبلغ تعويض بلغ 2.7 مليار دولار، بمعدل 10 ملايين دولار لكل ضحية. بعد التسوية، عرفت العلاقة بين ليبيا والغرب انفراجا ملموسا، وتعززت العلاقة بعد قبول القذافي تفكيك برنامجه النووي وتسليم جميع الوثائق والمعدات والمعلومات للولايات المتحدة الأمريكية، بل قيل إنه قدم معطيات ومعلومات وخرائط هامة وحساسة للأمريكيين حول البرامج النووية لعدد من البلدان الإسلامية. وكانت نتيجة السياسة الجديدة للنظام الليبي رفع العقوبات المفروضة على ليبيا من طرف مجلس الأمن سنة 2003. بعدها حل العقيد ضيفا على المفوضية الأوربية في بروكسيل كما زار البرتغال وإسبانيا وفرنسا، واستقبل في بلاده أهم القادة الغربيين والفاعلين في السياسة الدولية، ومن بينهم توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، والمستشار الألماني وقتها جيرهارد شرودر، إضافة إلى الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك.ومن بين الأزمات التي خلقها النظام الليبي وتحدث عنها العالم بأسره، أزمة الممرضات البلغاريات اللواتي سجنهن القذافي، رفقة طبيب فلسطيني، بتهمة حقن أطفال ليبيين بفيروس السيدا. وهي الاتهامات الغامضة التي حامت حولها الكثير من الشكوك، وكانت نهاية القصة أقل مصداقية وأكثر إثارة للجدل حين انتهت بعفو عن الممرضات البلغاريات مقابل تعويض تلقاه القذافي بلغ نحو نصف مليار دولار، قيل إن بلغاريا دفعتها إلى أسر الأطفال المصابين، رغم أن البلغاريين نفوا الأمر تماما. نورا الفواري

بانوراما الصيف: القذافي… نيرون ليبيا (الحلقة الثامنة)

القذافي والغرب… “توم وجيري”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

القذافي والغرب… “توم وجيري”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بانوراما الصيف: رائد الأغنية الأمازيغية 6

بانوراما الصيف: ساحات التحرير (الحلقة العاشرة)

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات