بانوراما الصيـف: التحكم في مسار شخصيات سياسية وحكومية

هناك حكاية مُعبرة عن النفوذ القوي لليلى الطرابلسي، زوجة بن علي، وقدراتها على الإزعاج، وتحكمها في عزل أو تعيين شخصيات، ومسؤولين حكوميين ودبلوماسيين. يتعلق الأمر، بالخصوص، بمسار محمد جغام، السياسي التونسي المعروف. إن المسار المهني والشخصي لمحمد جغام، كان كفيلا بأن يجعله، في الواقع، رجل ثقة للرئيس التونسي، بن علي، فهو يتحدر، كما الرئيس، من حمام سوس، وسبق أن شغل منصب وزير الدفاع، ووزير الداخلية، ومستشار خاص للرئاسة. ويتمتع جغام بصيت جيد، باعتباره رجلا طيبا وصادقا. لكن ذلك لم يُعفه من غضب ليلى. فذات يوم من أيام سنة 2007، اعتبر جغام، أنه من الأفيد أن يُحيط الرئيس بن علي بما يحدث في محيط أسرته، ويُخبره بأن أفراد عائلة الطرابلسي منغمسون، بشكل مبالغ فيه، في الفساد. هذه الخطوة التي أقدم عليها كانت سببا في "نفيه" إلى روما سفيرا، قبل أن يُقترح عليه المنصب ذاته في بكين، غير أنه رفض، مفضلا أن يخلد إلى التقاعد، ويتفرغ إلى الأعمال. لكن التخصص المفضل لدى ليلى، يتجلى في بسط النفوذ على الاقتصاد لفائدة أفراد عائلتها، فبعد 17 سنة من زواجها من بن علي، لم تعد تكتفي بعقد اجتماعات مع أفراد أسرتها بالقصر الرئاسي، لتحديد العقار الذي ينبغي أن تبسط عليه نفوذها. إنها أصبحت، بحسب شهادة أحد الصحافيين المنفيين في باريس، سليم باغا، تسافر، وتنخرط في الأعمال على الصعيد الدولي، وتنكب على تعيين وتوظيف أصدقائها. وفي هذا السياق، أمرت الإدارات بأن تُخبرها عن كل مشروع أو صفقة، تفوق قيمتها 600 ألف أورو. وإذا حصل أن أثار اهتمامها مشروع معين، فإنها هي التي تُحدد من من أفراد عائلتها سيستفيد منه. إنها تلعب دور الحكم، بين، على سبيل المثال، عماد، ابن أخيها، وصخر المطري، صهر الرئيس، وبهذا المعنى فهي تلعب دور العرابة في هذا النظام المافيوزي، الذي استقر بتونس. لكن ماذا عن الرئيس بن علي؟ إن المتتبعين للحريم، يتفقون على أن هذا الشرطي الممتاز ينشغل بما هو أمني، مع ميل لقراءة تقارير أجهزة المخابرات حول هذه الشخصية أو تلك، ويستمع، رغم ذلك إلى مستشاريه، المشهود لهم بكفاءتهم، في تدبير التوازنات الاقتصادية الكبرى للبلد، وكذا بالنسبة إلى القضايا الدبلوماسية. لكن المواقف تختلف، بالمقابل، بالنسبة إلى وظيفته السياسية. وفي هذا الصدد تساءلت وثيقة ثلاثية معنونة بـ "جوضار في قصر قرطاج"، نُشرت في سنة 2006، على موقع أخبار تونس، عن موقع الرئيس في كل ما يحدث في تونس تحت سيطرة ليلى. وتؤكد الوثيقة، بالخصوص، أن المحيطين بزوجة الرئيس، كانوا يدفعون به إلى تنفيذ مخططاتهم، من خلال شحذ كراهيته لكل المناوئين لهم، وعزله عمن كانوا يتخوفون من تأثيراتهم، إلى درجة أن بعض الساعات من الراحة في اليوم، بعد العلاج المكثف بالهرمونات، التي كان يسمح بها للرئيس، والتي كانت تجعله يحس أنه رئيس فعلا، كانت تكرس من طرف بن علي لتنفيذ مخططات من سيخلفه على السلطة. هل كان بن علي متجاوزا؟ الجواب بالنفي، حسب الإعلامية سهام بنسدرين، التي تعتبر أنه إذا كانت ليلى الطرابلسي تمضي معظم وقتها في نسج المؤامرات والدسائس، فإن بن علي ظل يحافظ على موقعه، وإذا كانت تلعب دور الحكم بين أفراد عائلتها، فإن زوجها، بالمقابل، كان يلعب الدور نفسه، بين مختلف الأجنحة التي تتقاسم السلطة. كان دائما يسعى إلى أن يكون الملجأ، ولذلك لم يكن يُزعجه أن ينظر الرأي العام التونسي إلى ليلى باعتبارها "شريرة"، لأن همه كان أن يلعب دور الضحية لزوجته. جمال بورفيسي

بانوراما الصيـف: التحكم في مسار شخصيات سياسية وحكومية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بانوراما الصيـف: حاكـمـة قـرطـاج (الحلقة السادسة)

بانوراما الصيف: ربع قرن من التعذيب (الحلقة الخامسة)

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات