تركيا بوابة المنطقة العربية بعد حركات التغيير

تلعب ورقة الوساطة لكن نفوذها في المغرب العربي لازال هشا وحديث العهد قد تؤدي الثورات في العالم العربي إلى إجبار تركيا على إعادة التركيز على الأمن، وتحديدا إذا انتشرت الانتفاضات السياسية في مناطق قريبة من حدودها، وإذا بدأ بعض الأنظمة الجديدة في المنطقة بالتصادم مع إسرائيل أو إيران. ويرى المراقبون الإستراتيجيون أن تركيا نفسها قد تعاني اضطرابات عدة إذا لم يتعلم حزب العدالة والتنمية كيفية إدارة الأمور والتصدي لأي شرارات ثورية. لكن في المقابل، من المهم جدا الإشارة إلى أن تركيا دعمت الإصلاحات وثورات التغيير في العالم العربي، وبالتالي سوف تربطها علاقات متينة جدا مع الأنظمة الجديدة التي ستعقب الأنظمة السابقة، من هنا قد تكون تركيا بوابة أوربا إلى الشرق الأوسط، وقد يطلب الاتحاد الأوربي إليها إن تكون طريق العبور له إلى المنطقة العربية، لكن ماذا سيكون الثمن في المقابل؟ وهل ستتحسن العلاقات بين تركيا وجيرانها الأوربيين الذين يرفضون انضمامها إلى الاتحاد؟ترتبط تركيا بعلاقات تجارية وسياسية واجتماعية مع معظم البلدان في منطقة الشرق الأوسط. ومع تخبط الاتحاد الأوربي لإعادة تجديد سياسته الخاصة في منطقة المتوسط، فهو قد يستفيد من توثيق روابطه مع تركيا التي ستكسب بدورها منافع عدة جراء الصداقات التي تربطها بالأنظمة الجديدة التي دعمت ثورتها، لكن لسوء الحظ، تقل المؤشرات على قيام تعاون مماثل حتى الآن.يعود السبب الرئيسي في الوضع القائم إلى أن تركيا تخوض مفاوضات بشأن انتسابها إلى الاتحاد الأوربي، لكن تلك المفاوضات لا تحقق أي نتائج ولايزال الاتحاد يماطل بشأن قبول طلب الانتساب التركي. إعاقة الانتسابيعمد الاتحاد الأوربي وعواصمه إلى إعاقة نصف محادثات الانتساب، بينما لا تظهر تركيا أي استعداد لإجراء إصلاحات إضافية. بالتالي، لا تسمح الضوابط الضيقة المفروضة على عملية الانتساب بإقرار أي سياسة خارجية فعلية أو تعاون أمني حقيقي بين تركيا وبروكسل. لقد عرض الاتحاد الأوربي، اعترافا منه بتنامي نفوذ تركيا على الساحة الدولية، إقامة حوار جانبي مع أنقرة بشأن السياسة الخارجية خارج إطار مفاوضات عملية الانتساب، لكن لم يبدأ الحوار بشكل جدي بعد، إذ لا تشعر الحكومة التركية بالحماسة تجاه هذا الحوار لأنها تخشى أن يرغب الاتحاد الأوربي في إقامة نوع من «الشراكة المميزة» على حساب الانتماء إلى الاتحاد من جهة، ولأن الأتراك يعتبرون السياسة الخارجية التي يتبناها الاتحاد الأوربي ضعيفة وغير متماسكة من جهة أخرى.لكن يجب أن يعيد الأتراك التفكير في العرض. صحيح أن تركيا تريد أن تضطلع اليوم بدور القائد الإقليمي، غير أن نفوذها في الشرق الأوسط، وتحديدا في المغرب العربي، لايزال هشا وحديث العهد. خلال سنوات الحرب الباردة، كانت تركيا معزولة عن الدول المجاورة لها، فقد تمسكت بحلفائها في حلف شمال الأطلسي بينما كانت تعتبر الدول الجنوبية المجاورة لها مصدرا للتطرف الإسلامي والنزعة الانفصالية الكردية، فضلا عن تهديدات أمنية أخرى. وخلال التسعينات، حصلت محاولات أولية للتصالح مع خصوم قدامى مثل سوريا وإيران، ثم تسارعت هذه المحاولات بعد أن تسلم حزب العدالة والتنمية زمام الحكم في عام 2002. في السنوات الأخيرة، كان وزير الخارجية التركي العبقري أحمد داود أوغلو يسعى إلى تبني سياسة جوار «تخلو من المشاكل». لقد أدت الجهود التركية للعب دور الوساطة في الصراعات الإقليمية، بين إسرائيل وسوريا مثلا أو إيران والغرب، إلى بعض النتائج الملموسة. أما الخطوة الأنجح، فتمثلت في تعزيز الروابط الاقتصادية والسياسية. لقد ألغت تركيا تدابير تأشيرات السفر للسوريين، والتونسيين، واللبنانيين، والليبيين، والمغاربة، وهي تعمل على إنشاء منطقة تجارة حرة مع بلدان متوسطية متنوعة. كذلك، ينشط التجار والمقاولون والمصرفيون الأتراك في أنحاء المنطقة، كما تنشط شركات الأعمال وغيرها من المنظمات غير الحكومية التركية إقليميا.إيجاد التوازنلقد تخلت سياسة الجوار التركية عن جذورها القديمة المهووسة بالوضع الأمني وانتقلت إلى تبني النزعة الوظيفية الأوربية التقليدية الفاعلة، أي أن التكامل الاقتصادي وتكثيف التبادلات المتدنية المستوى سيؤديان إلى إرساء الاستقرار والتفاهم السياسي، لكن قد تؤدي الثورات في العالم العربي إلى إجبار تركيا على إعادة التركيز في الأمن، وتحديدا إذا انتشرت الانتفاضات السياسية في مناطق قريبة من حدودها، وإذا بدأ بعض الأنظمة الجديدة في المنطقة بالتصادم مع إسرائيل أو إيران.في غضون ذلك، يعمل الاتحاد الأوربي أيضا على تجديد سياسة الجوار التي يتبعها بوتيرة سريعة. تماما مثل تركيا، ألغت اوربا معظم الحواجز التجارية مع الدول المتوسطية جنوبا، لكن في حين تتحدث الوثائق الرسمية بإيجابية عن أهمية الديمقراطية والحكم الرشيد وحقوق الإنسان، اتخذت سياسة الجوار في الاتحاد الأوربي مقاربة تضع الشأن الأمني قبل المسائل الأخرى. كان التركيز يتمحور حول محاربة الإرهاب والأصولية والهجرة غير الشرعية. وها هي الثورات الحاصلة في شمال إفريقيا تجبر الاتحاد الأوربي على التفكير مليا في الطريقة المناسبة لإرساء الديمقراطية وتوفير الفرص الاقتصادية في الدول الجنوبية المجاورة لها. ستواجه تركيا والاتحاد الأوربي صعوبة في إيجاد توازن بين هدفَي الاستقرار والديمقراطية في سياساتهما تجاه الدول المجاورة. لكن على عكس الاتحاد الأوربي، لم تَدَّعِ تركيا في الماضي سعيها إلى ترويج الديمقراطية في العالم العربي. فقد نجح رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في كسب إعجاب الشارع العربي ويعود ذلك جزئيا إلى دعمه للفلسطينيين وانتقاده لإسرائيل، لكن كانت ردة فعل أردوغان الأولية على الانتفاضات العربية متخبطة أيضا، فهو دعا الرئيس المصري السابق حسني مبارك إلى التنحي ورحب بالتحرك التونسي في سبيل تحقيق الديمقراطية. لكن في الشأن الليبي، أبدى أردوغان ترددا في دعم العقوبات أو أي نوع من التدخل العسكري. كما أنه لم ينتقد يوما محمود أحمدي نجاد بسبب تزوير الانتخابات ولا الأسد. في ظل الجو السياسي المستجد، سيواجه الموقع التركي في العالم العربي مصاعب كبرى إلا إذا أصبحت مقاربة تركيا لنشر الديمقراطية أكثر تناغما وتماسكا.على صعيد آخر لا يخرج عن هذا السياق، لقد عمد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا إلى تعزيز روابطه مع «الإخوان المسلمين» في مصر وحركات إسلامية أخرى. يمكن أن يساعد حزب العدالة والتنمية على تحويل هذه الحركات إلى أحزاب سياسية منتخبة. لكن في زمن تُتهم فيه حكومة أردوغان بالميل نحو النزعة المحافظة الدينية والاستبداد السياسي، قد يثير التعاون مع الإسلاميين في أماكن أخرى بعض الشكوك حول إذا ما كان حزب العدالة والتنمية يروج لمبادئ الديمقراطية في سياسته الخارجية أو للنزعة الإسلامية وهي تهمة لطالما التصقت به ووجهها اليه العلمانيون الاتراك. يمكن التخفيف من حدة هذه الشبهات في حال تبني تركيا خطة مبتكرة لترويج الديمقراطية فعلا. الإفادة من التعاون كذلك، سيستفيد الاتحاد الأوربي كثيرا من التعاون مع تركيا ولا يعود ذلك حصرا إلى الخبرة والروابط الإقليمية القيمة التي يمكن أن توفرها تركيا. بعد أن فقد الاتحاد الأوربي نسبة كبيرة من هيبته بسبب تركيزه في مساعدة الأنظمة ومنحها اهتماما سياسيا مبالغا فيه، قد يستعيد الاتحاد قوته الدبلوماسية عبر التعاون مع تركيا هذا البلد الذي يتمتع حتى الآن باحترام كبير في أنحاء العالم العربي. وقد يشكل إحياء سياسات الجوار فرصة للاتحاد الأوربي وتركيا من أجل التفاوض بجدية حول تنسيق جهود السياسة الخارجية المشتركة. بتصرف عن «أورينت برس»

تركيا بوابة المنطقة العربية بعد حركات التغيير

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بانوراما الصيف: الزمزمي... صاحب الفتاوى المثيرة للجدل 4

السلطات السورية أمام اختبار حماة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات