رأي: التصويت بـ “نعم” على الدستور يؤسس للشرعية السياسية للملك

التصويت على الدستور مرحلة أولى يتوقف نجاحها على مدى تأهيل مؤسسات الدولة والأحزاب والمواطنين شارك المغاربة بكثافة في الاستفتاء على الدستور بعد عشرة أيام من الحملة التي خاضها المؤيدون والمعارضون عبر تنظيم التجمعات الخطابية أو استعمال وسائل الإعلام العمومية التي سمحت بها الدولة للمعارضة لأول مرة في تاريخ المغرب المستقل. 1 ـ القطع مع سياسة الإكراه والإقصاءعُدّت هذه الخطوة دليل عزم النظام على التغيير والقطع مع أسلوب الإقصاء أو العقاب ضد الأحزاب المعارضة، كما حدث مع منظمة العمل الديمقراطي الشعبي التي قررت الدولة شقها لما رفضت التصويت بنعم على دستور 1996، حيث اتصل وزير الداخلية حينها، الراحل إدريس البصري، ببنسعيد أيت يدر، أمين عام المنظمة، ليخبره بأن الملك الراحل الحسن الثاني غير راض عن موقف المقاطعة، لهذا يحذره من تبعاتها، وكان انشقاق المنظمة وإغلاق صحيفتها "أنوال". أكيد أن هذا الأسلوب في التعامل مع الأحزاب المعارضة للدستور انتهى اليوم لصالح إقرار حرية التعبير والتصويت، بل الدعاية الحرة لموقف المقاطعة وبحماية من الدولة نفسها، فالديمقراطية لا تبنى بالإكراه.2 ـ الثورات لا تكون دائما بالعنف وإراقة الدماء بالتأكيد أن الأجواء التي سادت مكاتب التصويت الـ40 ألف التي وضعتها السلطات رهن إشارة الناخبين داخل المغرب و520 مكتبا بالقنصليات والسفارات بالخارج لفائدة الجالية المغربية، هي أجواء تختلف جذريا عن مثيلاتها في الاستفتاءات السابقة، ويتعلق الأمر بأجواء الحرية، ليس فقط في التعبير عن الرأي، ولكن أساسا حرية التصويت بـ "نعم" أو بـ "لا"، إذ كثيرا ما كانت السلطات تعمد إلى إخفاء الأوراق الخاصة بـ "لا" من مكاتب التصويت. كل هذه الإجراءات وغيرها تم القطع معها، وشارك المواطنون بحرية دون تزوير إرادتهم أو تضخيم نسب المشاركة والتصويت بنعم كما كانت العادة لتصل 99،99 في المائة، بما يعني مشاركة حتى الأموات. إذن، شارك المواطنون بحرية وبكثافة معقولة دلت على نزاهة التصويت. تجدر الإشارة إلى أن الأطراف المؤيدة للدستور تضم كل الأحزاب الممثلة في البرلمان باستثناء الحزب الاشتراكي الموحد الذي دعا إلى المقاطعة، فضلا عن أحزاب أخرى خارج البرلمان ومعظم النقابات والجمعيات المهنية وهيآت المجتمع المدني. كل هذا الطيف السياسي والمدني دعا مناضليه وعموم المواطنين إلى التصويت بـ "نعم" على الدستور. ويشكل هذا الطيف كتلة ناخبة هامة، يضاف إليها فئات من المواطنين تنشد الاستقرار والإصلاح في إطار الاستمرارية ودون ركوب المغامرة التي يلمس المواطنون مآسيها في كثير من الأقطار العربية التي يسحقها العنف المسلح أو تتهددها الفتن الداخلية والحروب الأهلية. من هذا المنطلق، قرر المغاربة رسم معالم مستقبلهم بكل حرية، وتحويل المغرب إلى ورش للإصلاحات الدستورية والسياسية تكرس تجربة تاريخية متميزة أساسها التشارك بين المؤسسة الملكية والأحزاب السياسية وهيآت المجتمع المدني. إنها تجربة تؤسس لثورة سلمية وهادئة دون عنف أو تخريب، فالثورات لا تكون دائما بالدماء.3 ـ نتائج الاستفتاء تؤسس لشرعية جديدة للمؤسسة الملكيةوالآن، وبعد أن ظهرت النتائج المؤقتة تؤكد حقيقتين: أولاها تتعلق بنسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور، حيث بلغت 73 في المائة، وفق بلاغ لوزير الداخلية، ما يعني أن المقاطعة التي دعت إليها بعض الأحزاب لم تلق تأييدا وسط المواطنين. وجاءت النتائج التي أعلن عنها وزير الداخلية، وتخص 94 في المائة من مكاتب التصويت كالتالي: عدد المصوتين بلغ 9228020، أي بنسبة مشاركة بلغت 72.65 في المائة، عدد الأصوات المعبر عنها بلغ 9151103 أصوات، عدد الأصوات الملغاة 76917 أصوات، أي بنسبة 0.83 في المائة، نسبة المصوتين بـ "نعم" بلغت .0498، فيما بلغت نسبة المصوتين بـ "لا"1.51 في المائة.وتؤكد هذه النتائج توقعات المراقبين الدوليين بحصول الدستور على الموافقة الواسعة للشعب المغربي. ومن أجل ضمان نزاهة الاستفتاء، تم إشراك المجلس الوطني لحقوق الإنسان في عملية المراقبة، فضلا عن المراقبين الدوليين والمنتدبين الإعلاميين. وتعكس النتائج المعلن عنها مستوى التواصل بين الأحزاب والهيآت النقابية والمهنية، إذ تجاوز عدد الأنشطة الجماهيرية التي نظمتها الهيآت المؤيدة للدستور أربعة آلاف نشاط، فيما نظم دعاة المقاطعة 168 نشاطا. ولا شك أن ارتفاع نسبة المشاركة والتصويت بنعم يؤسس لشرعية جديدة للملكية، هي الشرعية السياسية لتنضاف إلى الشرعية التاريخية والدينية، فالدستور الجديد هو تعاقد واع وإرادي بين المواطنين، وبين الملك أساسه بناء دولة ديمقراطية تضمن الحرية والكرامة والمساواة لجميع المواطنين، وهذا يقتضي أن تغير الدولة نهجها، وتتخلى عن أسلوب الاستبداد الذي ظلت تتعامل به مع المواطنين على مدى عقود. إن الرهان الحقيقي هو كيف يسترجع المواطن العادي ثقته في الدولة ومؤسساتها، ويعتبرهما في خدمته، ذلك أن الحركات الاحتجاجية التي تقودها حركة 20 فبراير ظلت مطالبها محصورة في محاربة الاستبداد والفساد وتحقيق الحرية والكرامة، ما يعني أن التصويت على الدستور ما هو إلا مرحلة أولى يتوقف نجاحها على مدى تأهيل مؤسسات الدولة والأحزاب والمواطنين لاكتساب ثقافة جديدة متشبعة بقيم حقوق الإنسان وبروح المسؤولية والمحاسبة حتى تتم أجرأة بنود الدستور وترجمتها إلى ممارسة يومية يشعر معها المواطن العادي بوجود تغير ملموس يمس كل مناحي الحياة. حينها ستختفي مظاهر العزوف السياسي، وكل أشكال الاحتجاجات التي تغص بها شوارع المدن ضد الفساد والرشوة والاستبداد. إن الجواب الحقيقي الذي ينبغي تقديمه للمحتجين من داخل حركة 20 فبراير ومن خارجها، ليس المنع والقمع، بل الإقناع عبر الممارسة المؤسساتية التي تضبطها القوانين، والقطع مع الأساليب القديمة المنفلتة من كل رقابة أو محاسبة، وفي مقدمتها أساليب تزوير إرادة المواطنين. فالمغرب بحاجة إلى إرادة سياسية قوية تقدم الدليل الواضح على الانخراط الجدي في التغيير. لهذا يتوجب الإسراع بفتح ملفات الفساد ومحاكمة المتورطين في نهب المال العام وكذا تصفية الأجواء بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتسوية الأوضاع المادية والإدارية للمستفيدين من العفو الملكي. 4 ـ إقرار المجلس الوطني لحقوق الإنسان بمصداقية الاستفتاء ونتائجهوفقا للبلاغ الذي أصدره المجلس، فإن ملاحظات عمليات التصويت التي تمت من طرف الملاحظين 48 التابعين للمجلس أو الـ184 ملاحظ الممثلين للنسيج الجمعوي والموزعين على 36 عمالة وإقليم؛ تبين الملاحظات أن العمليات"تمت في الأحوال المقررة في القانون ودون تسجيل أي إخلال أو شوائب تذكر"، ما يعني أن عمليات التصويت كانت في عموميتها سليمة على امتداد التراب الوطني، الأمر الذي يؤسس لتجربة جديدة تعيد الاعتبار للاستشارات الشعبية التي ظلت "مخدومة" على مدى العهد السابق، علما أن الملاحظين خضعوا لـ "دورة تكوينية خاصة في موضوع ملاحظة الانتخابات طبقا للمعايير الدولية المعمول بها في هذا الصدد، وكذا القوانين الوطنية ذات الصلة، أطرها خبير دولي وخبير وطني" و"شملت العديد من المدن في مختلف جهات المملكة، حيث همت الدار البيضاء والرباط والعيون وأكادير وآسفي والداخلة وطنجة وبوجدور وبوعرفة والسمارة". وإذا كانت بعض الاختلالات المسجلة لا تمس جوهر الاستفتاء، فإنها تقتضي وقفة نقدية وتأملية تأخذ في الاعتبار مستقبل الوطن ومصداقية الدولة، ذلك أن الدعوة إلى التصويت بنعم على الدستور عبر منابر الجمعة هو توظيف واستغلال للدين في السياسة الذي ترفضه القواعد الديمقراطية. وكان حريا بالدولة أن تحافظ على حياد المؤسسات العمومية ضمانا للنزاهة والمصداقية، فالمساجد ينبغي أن تظل بيوتا لله يرفع فيها ذكره دون أن تتحول إلى أداة سياسية أو ساحة للصراعات الحزبية. إنها أماكن أسست للعبادة تلم المواطنين وتجمع شملهم، وعليها أن تظل كذلك. سعيد الكحل باحث في الحركات الإسلامية

رأي: التصويت بـ “نعم” على الدستور يؤسس للشرعية السياسية للملك

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مشاركة مكثفة في التصويت على الدستور ببادية الجديدة

بانوراما الصيـف: مذكرات فنــــــان 3

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات