الحباشي: التذبذب بين الحداثة والتقليدانية يبصم سلوك الأفراد

الباحث في علم الاجتماع قال إن مواقف الشباب تجاه الجنس تكشف اختلالات في أدوار مؤسسات التنشئة أكد الباحث في علم الاجتماع، عبد اللطيف الحباشي، أن المجتمع المغربي كغيره من البلدان خضع إلى جملة تحولات مست جميع بنياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقيمية وذلك في غياب استعدادات بالشكل اللازم لمواجهة ما تطرحه من تحديات أمام مجتمعات كالمجتمع المغربي، وطبعا يخلص الحباشي إلى أن لذلك انعكاسات مهمة على التنشئة الاجتماعية للشباب الذين يجدون أنفسهم مؤطرين بقيم جديدة عبر قنوات غير تقليدية تعتمد الإغراء والإختراق. تفاصيل أخرى في الحوار التالي: أكد 99 في المائة من الشباب المغربي، في دراسة أجرتها جريدة «ليكونوميست»، أن مرض السيدا هو الوحيد المعدي جنسيا، فيما أهملوا باقي الأمراض التي تنقل العدوى أثناء الممارسة الجنسية، فهل يترجم ذلك الأمية الجنسية لدى الشباب المغربي، وكذا غياب التربية الجنسية؟ أود أولا أن أشير إلى أن الحاجة إلى مثل هذه الدراسات أمر قائم، من شأنه أن يستجيب لبعض الطلبات الكثيرة والمتزايدة لكل من الباحث وصاحب القرار، وثانيا، إن الواقع المدروس يتميز بخاصيتي التعقيد والتركيب، مما يستدعي تظافر عدة مجالات معرفية وتنوع المقاربات للاقتراب من تحليله وفهمه. وجوابا على سؤالكم، فالأمر، في اعتقادي، يتعلق بتغييب التربية الجنسية بمعناها الواسع والمتداول في أدبيات المنظمات الدولية ذات الاختصاص، سيما أن المغرب قد عرف خلال الحقبة الكولونيالية عدة محاولات في مكافحة الأوبئة خاصة ‘’الأمراض المنقولة جنسيا’’ كأحد الأوجه ذات الأولوية للتربية الجنسية للمغاربة، وهذا، طبعا، من منظور المسؤولين الاستعماريين، فتم اقتراح تلقين بعض مبادئ التربية الجنسية للمربين من باب طلبة مدارس المعلمين والمعلمات الذين يتهيؤون للمساعدة الاجتماعية بالخصوص، كما شملت العملية المكلفين داخل الأسر بتعليم الأبناء والبنات ك’’الفقيه’’ بالنسبة إلى الذكور و’’الفقيهة’’ بالنسبة إلى الإناث مع مراعاة التقاليد الراسخة بشكل صارم.أسوق هذا المثال للتدليل على أن مفهوم التربية الجنسية في المجتمع المغربي التقليدي لم يعد له التوجه نفسه عندما احتك بالغرب، كما أنه منذ تلك الفترة، تميز باللااستقرار لكثرة تنوع البرامج والسياسات العمومية، ويرى بعض الباحثين أن وباء «السيدا» منح مفهوم التربية الجنسية نوعا من ‘’المشروعية الإجرائية’’، نظرا للوسائل التواصلية والتحسيسية المرصودة سواء من طرف مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، ونظرا أيضا للبعد التجاري الذي تحدثت عنه دراسة ‘’ليكونوميست’’، كدعم المؤسسات الدولية المستفيدة من برامج مكافحة هذا الداء على حساب باقي الأمراض المنقولة جنسيا لأنها غير مربحة.ينبغي أن أشير، أيضا، إلى أن مفهوم التربية الجنسية بالمغرب قد تم التعامل مع مضامينه في السياسات العمومية بشكل انتقائي، وهي مضامين متعارف عليها دوليا ضمنها المضمون البيولوجي ومضمون منع الحمل الذي يهدف إلى التفريق بين النشاط الجنسي والإنجاب، والمضمون الوقائي للأمراض المنقولة جنسيا (مرض السيدا)، ومضمون إيروسي (الرغبة، اللذة، الاختلالات الوظيفية للسلوك الجنسي)، وأخيرا المضمون المعياري وهو الذي يحدد المعايير الجديدة للمسؤولية والمساواة بين الرجال والنساء. تتحدث نسبة مهمة من الشباب عن العلاقات الجنسية باقتضاب، خاصة الإناث، فهل يعني ذلك أن المجتمع المغربي مازال يعتبر الموضوع «طابو»؟ للإجابة على هذا السؤال ينبغي توضيح التالي: يخضع المجتمع المغربي كغيره من البلدان لعدة تحولات مست جميع بنياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقيمية ساعدت عليها الطفرة التكنولوجية لوسائل الإعلام ووسائط الاتصال من انترنيت وفضائيات وهواتف محمولة ونظام اقتصادي معولم ومفهوم جديد للزمن ولتنقل البضائع والأفكار. وحدث كل ذلك في غياب استعدادات بالشكل اللازم لمواجهة ما تطرحه هذه التحولات من تحديات أمام مجتمعات كالمجتمع المغربي، ولذلك انعكاسات مهمة على التنشئة الاجتماعية للشباب الذين يجدون أنفسهم مؤطرين بقيم جديدة عبر قنوات غير تقليدية تعتمد الإغراء والاختراق. وتقدم دراسة «ليكونوميست « في هذا الباب أرقاما دالة، فالطابوات مازالت حاضرة، لكن تتم مقاومتها عبر استراتيجيات سلوكية مراوغة la feinte، تستجيب لضغط قيم جديدة تخترق بنية القيم التقليدية، فوسائط الإتصال الحديثة تشكل وسائل اختراق ذات فاعلية رغم تجذر العديد من التقاليد. مما يؤدي إلى اختلالات في أدوار مؤسسات التنشئة الإجتماعية، بل تعطلها أحيانا. وما التناقضات التي قد تسم سلوكات الشباب ومواقفهم تجاه الجنس إلا أحد السمات التي كشفتها الدراسة.وهذا التذبذب بين الحداثة والتقليدانية يبصم سلوك الأفراد والجماعات أحيانا، بل نلمسه في مجالات السياسة والاقتصاد وغيرها. البرامج التعليمية المغربية تتضمن إشارات محتشمة في ما يخص التربية الجنسية، فهل يساهم ذلك في استمرار جهل شريحة الشباب بالحياة الجنسية، واصطدامهم بمشاكل مستقبلية في هذا الإطار؟ سبق أن أشرت في البداية إلى أن هناك تغييبا للتربية الجنسية وليس غيابا، وتحدثت عن مضامين تعريف التربية الجنسية والتي لم تكن للسياسات العمومية جرأة تطبيقها كاملة، والأسباب معروفة ، فالأمر يتعلق بثقافة سائدة يمتزج فيها التأويل الديني بالأخلاقي ولا يتم النظر فيها إلى الجنس كسلطة، بل يتم أحيانا اللجوء إلى التحايل على اللغة من أجل التواصل، فعوض التربية الجنسية هناك التربية الصحية والتخطيط العائلي ثم التنظيم الأسري، والتربية النسوية والتربية السكانية...إلخ. كما يطرح مشكل تكوين الفاعلين والمربين أنفسهم في مجال التربية الجنسية، وأيضا اختيار لغة ووسائط التواصل في مقابل الفئات المستهدفة (قروي – حضري – أمي - متعلم ...). وتشير بعض الدراسات إلى صعوبة التدليل على تسمية الأمراض المنقولة جنسيا، إذ أن في بعض المناطق تستعمل تسميات مثل «البرد « و»النوار» و»الكميلة»...إلخ. ويمكن الرجوع في هذا الباب إلى دراسة عبد الصمد الديالمي «jeunesse ,sida et islam au Maroc1997»فبالنسبة إلى الشباب ، يلاحظ أنه عندما تغيب المعرفة العلمية، فإنه يحل محلها المعتقدات الشعبية والصور والأحكام المسبقة والإشاعة. أجرت الحوار : ضحى زين الدين

الحباشي: التذبذب بين الحداثة والتقليدانية يبصم سلوك الأفراد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الشباب يقيم علاقات جنسية في سن مبكرة

الدريبي: كفى من اعتبار نسائنا عورات ينبغي حجبها

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات