الملكية البرلمانية في مشروع الدستور

المشاركون في ندوة الصباح أكدوا أن المشروع فتح مدخلا إلى الملكية البرلمانية أنهى مشروع الدستور الجديد مع ما كان يعرف بالفصل 19، الذي يبقى في نظر عدد من الفاعلين والمحللين، من الفصول التي أسيئ فهمها في الدستور الحالي، وحاول تأسيس ملكية برلمانية دستورية ديمقراطية اجتماعية. لتعميق النقاش حول ما إذا تضمنت فصول المشروع الحالي مبادئ الملكية البرلمانية، استضافت "الصباح" في مكتبها بالرباط، سعيد السعدي، القيادي في حزب التقدم والاشتراكية، وعبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، والباحث طارق أتلاتي، أستاذ متخصص في العلوم السياسية بكلية الحقوق المحمدية. اقترح حزب التقدم والاشتراكية في مذكرته بشأن إصلاح الدستور رفع القداسة، وتحدث عن الملكية البرلمانية، هل عكس مشروع الدستور قناعات الحزب في هذا المجال؟ سعيد السعدي: قناعات التقدم والاشتراكية تتقاطع مع قناعات أحزاب اليسار التي شددت على الملكية البرلمانية كمفهوم سياسي يمكن من التوفيق بين الطابع الملكي الوراثي للنظام السياسي، والديمقراطية، كقيمة إنسانية عالمية، وكطريقة لتدبير الاختلاف، وتعزيز المشاركة الشعبية في رفع تحديات التنمية.لكن لدي فقط ملاحظة، لما ندرس مذكرات الأحزاب، نلاحظ أن مفهوم الملكية البرلمانية لم يطرح في كل المذكرات، بل فقط من قبل بعض الأحزاب، التي بالنسبة إلينا طرحت الموضوع بتباين في تقديمها لمفهوم الملكية البرلمانية. هناك من أكد ضرورة تكييف المفهوم مع التطور التاريخي للمغرب، والتطور التاريخي السياسي، وموازين القوى، والدور المركزي الذي كانت دائما تلعبه الملكية في النظام السياسي، وبالتالي ضرورة أن تبقى للملك صلاحيات مهمة، بالنظر إلى دوره التاريخي. وهناك أحزاب أخرى أكدت أن الملكية البرلمانية يجب أن تكون بمفهومها الكوني، أي أن الملك يسود ولا يحكم، وهنا سجل نوع من التباين، لكن الأساسي، أنه وقع التأكيد على مطلب إعادة توزيع السلط، وجعل البرلمان نقطة الثقل، ومركز اتخاذ القرار السياسي، وجعل تركيز السلطات في إطار ملكية تنفيذية، بمثابة توجه جديد نحو جعل البرلمان مركز الصراع السياسي، ومركز اتخاذ القرار. هنا، فعلا، ما يلاحظ في ما يخص مشروع الدستور الجديد، أنه يعتبر مدخلا للملكية البرلمانية، بل إنه يشرع لملكية نصف برلمانية. عبد العالي حامي الدين: مقارنة مع دستور عام 1996، فإن الطابع البرلماني تقوى أكثر في مشروع دستور 2011، لكن هل وصلنا إلى الملكية البرلمانية، أم لا؟، أقول إننا لسنا بصدد دستور الملكية البرلمانية، سواء كما هي مسطرة في الأنظمة الدستورية المتعارف عليها عالميا، أو كما جاء في بعض المذكرات التي تحدثت عن مفهوم معين للملكية البرلمانية، الذي يجرد المؤسسة الملكية من جميع الاختصاصات ذات الطابع التنفيذي، ويجعل وظائفها محصورة فقط في الوظائف الرمزية، أو في بعض الوظائف التحكيمية. الآن، نحن أمام وثيقة دستورية، تبرز فيها جوانب الطابع البرلماني بشكل قوي، مثل الفصل 88، الذي يتحدث عن تنصيب البرلمان للحكومة من طرف الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، الشيء الذي كان غائبا في المرحلة السابقة، التي كانت تعتمد على التنصيب الأحادي المرتبط بقرار سيادي للملك، ودور مجلس النواب محصور فقط في سحب الثقة، وليس في منحها. نحن الآن أمام وضع لا تعتبر فيه الحكومة منصبة إلا بالتصويت الواضح للأغلبية المطلقة لمجلس النواب، وهنا يبرز الطابع البرلماني، لكن هناك فصولا أخرى تتضمن الطابع التنفيذي للمؤسسة الملكية، مثل الفصل 49 المتعلق بالمجلس الوزاري، الذي يترأسه الملك، حيث تظهر بعض الاختصاصات ذات الطابع التنفيذي، مثل التوجهات العامة لقانون المالية، أو السياسة العامة للدولة. كما يبرز الطابع التنفيذي للمؤسسة الملكية في الفصل 47، حيث يمتلك الملك سلطة الإعفاء التلقائي للوزراء، وهذا يجعل الوزراء يستشعرون أن رئيسهم الفعلي، هو من يملك سلطة الإعفاء، وليس من يملك فقط سلطة اقتراحهم على الملك من أجل تعيينهم، لأنه بمجرد تعيين الوزراء، يصبحون أمام معطى ثنائية الرئاسة للسلطة التنفيذية، إن صح القول، بين رئيس الحكومة، الذي يترأس مجلس الحكومة، وبين رئيس المجلس الوزاري، الذي هو الملك. إن التأويل والممارسة هي التي ستعطي المضمون المطلوب، فإذا أردنا أن نقوي الطابع البرلماني، يمكن أن تكون هناك اختصاصات موجودة لدى الملك في الوثيقة الدستورية، لكن دون ممارستها عمليا.أيضا يمكن القول إننا لسنا أمام دستور ملكية برلمانية، ليس فقط بالنظر إلى اختصاصات الملك، بل أيضا بالنظر إلى اختصاصات البرلمان، لأن الطابع البرلماني لا يظهر فقط من خلال العلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، بل في الاختصاصات الموكولة إلى المؤسسة البرلمانية. ونلاحظ أنه لم يحصل تطور كبير في ما يتعلق باختصاصات البرلمان، اللهم إضافة بعض الاختصاصات في مجال التشريع، إذ هناك توسعا كميا، لكن من الناحية النوعية، وقع تفكيك لما كان عليه الأمر في المرحلة السابقة من 30 إلى 60 اختصاصا، لكن في الجوهر، هناك فقط ثلاثة أمور أساسية تمت إضافتها، تتجلى في التقطيع الانتخابي، والعفو العام، ثم الاتفاقيات الدولية. هذه هي الأمور الأساسية التي أضيفت في مجال التشريع، لكن في ما يتعلق بالرقابة، نلاحظ أنه لم تتم الاستجابة إلى مجموعة من المطالب التي تضمنتها مذكرات، من بينها مذكرة العدالة والتنمية التي من شأن تفعيلها أن تقوي دور البرلمان، وتقوي الطابع البرلماني للوثيقة ككل، من ذلك مثلا، حق استجواب الوزراء، الذي لم يتم إقراره، علما أن هذه آلية مهمة لمراقبة الحكومة، وأيضا لمراقبة الأداء الفردي للقطاعات الوزارية. كما لم تتم الاستجابة لمطلب تشكيل لجن للتحقيق في بعض المعطيات، غير لجن تقصي الحقائق، مثلا عندما يطرح سؤال شفوي من قبل أحد النواب بشأن وضعية طريق معينة، يأتي الوزير ويجيب بأن هذه الطريق صالحة، وأنه خصص لها ميزانية مالية معينة، و...، إذن ما العمل؟، ففي مثل هذه الحالة، لا يمكن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، بل يمكن إنشاء لجنة تحقيق في النازلة، من طرف ممثلي الفرق الأغلبية، بطلب من رئيس فريق برلماني، وتذهب للتو إلى عين المكان، لتتأكد مما قيل، ثم تأتي بتقريرها، فمثل هذه الممارسة تخلق مصداقية البرلمانيين، وأيضا تقوي مصداقية الوزراء.لذلك، أعتقد أن تقوية الطابع البرلماني مرتبط بالتأويل الديمقراطي، ومرتبط أيضا باختصاصات البرلمان، ومرتبط أيضا بما ستكشف عنه الممارسة من تنزيل. وليس فقط باختصاصات الملك أو الحكومة. طارق اتلاتي: في سياق الموضوع، أعتقد أنه يجب أن ننطلق بأن المرحلة قد أسست فعلا للدخول لأول مرة لشيء جديد، قوامه الحل الوسط في المغرب. حل جاء بين المؤسسة الملكية والشعب، على اعتبار أن الوسائط الدستورية كانت دائما غائبة في إحداث الحراك، وفي إحداث الجديد. سواء الحكومة أو البرلمان أو الأحزاب، مع بعض الاستثناءات بالنسبة إلى بعض الأحزاب التي كانت بين الفينة والأخرى تتحدث عن موضوع ما، لا يرقى إلى المنظور الشمولي المطلوب للمرحلة، وبالتالي، فإن الحل الوسط أفرز معطى جديدا يتمثل في أن المؤسسة الملكية دخلت مرحلة التفاعل الواقعي والجدي مع متطلبات الشعب، وهذا لمسناه كرونولوجيا من حيث الشكل، بأن كل ما أعلن عنه الملك في خطاب تاسع مارس، تم الوفاء به إلى حدود الساعة. أما ما الذي تحقق، وما لم يتحقق، بطبيعة الحال، لجنة صياغة الدستور نجحت إلى حد ما، ولم ترق إلى وضع الملكية البرلمانية بالمفهوم الفقهي الدستوري، لكنها حاولت أن تزاوج بين المتطلبات. فرهانها هو تعريف سقف مطالب الأحزاب، الذي لم يرق إلى بعض الأمور، فهي حاولت إذن أن تزاوج بين الحق الأقصى المعبر عنه من قبل الشارع، أي من قبل حركة 20 فبراير وباقي الحركات الأخرى، وبين ما جاء في بعض مذكرات الأحزاب والهيآت النقابية، بالخصوص، ومدى استجابة الملك لهذه الأمور، وخرجت بهذه الصياغة التي تشير في التصدير إلى أن النظام السياسي في المغرب هو نظام الملكية البرلمانية، الديمقراطية، الدستورية، الاجتماعية. حقيقة أن هذه المسألة لا توجد في الفقه الدستوري، إذ نجد إما ملكية برلمانية أو ملكية دستورية، لكن هنا، ظهرت تلك المزاوجة، ومحاولة خلق الحل الوسط للانتقال إلى تلك المرحلة. ولنكن واقعيين، هل نتوفر الآن على النضج الكافي لتطبيق ملكية برلمانية؟، لا أعتقد، الآن حينما يلزم الملك نفسه في خطابه بأن المسؤولية يجب أن ترتبط بالمحاسبة، فهذا أقوى شيء موجود حاليا في الدستور، بمعنى يجب اللعب على هذه المسألة بشكل قوي لجعل الحد الفاصل بين هذه المرحلة والمراحل السابقة. نحن الآن أمام توسيع صلاحيات البرلمان، كما وليس نوعا. ففي برلمان المرحلة السابقة، كم من لجنة تقصي الحقائق تشكلت وأين وصلت تقاريرها، وماذا أخرجت إلى الوجود؟ آخرها تشكلت لجنة تقصي حقائق أحداث اكديم ازيك بالعيون، ورأينا كيف أن أحزابا، بعد الإعلان عن التقرير بشأن هذه الأحداث، بدأت تطالب بإعادة تشكيل لجنة أخرى لتقصي الحقائق. وقع هذا في إطار المزايدات التي ظهرت مع ظهور حركة 20 فبراير. ومن هنا، أقول إذا استطعنا أن نفعل الملكية الدستورية، فإننا سننتقل تلقائيا إلى الملكية البرلمانية، على اعتبار أن كل الفاعلين في الساحة، سيكون اشتغالهم محددا بشكل منطقي ومعقول. الآن إذا تحدثنا عن البرلمان، الفئة الحاضرة فيه لا علاقة لها بالواقع المغربي، ويتعلق الأمر هنا بالفئة العريضة، ونقول إن دور البرلمان هو التنظير للمجتمع، وإنتاج القوانين على المدى القصير والمتوسط، إلا أننا واقعيا، نجد شريحة عريضة، مع احترامنا للمهن، «هذا مول التبن، وهذا مول الفاخر وغير..»، فهل نضج المغرب لهذه المرحلة التي يتخلى فيها الملك فعليا عن اختصاصاته كاملة، خصوصا على مستوى السلطة التنفيذية، لتتضح الأمور في باقي علاقاتها مع السلطة التشريعية والسلطة القضائية.نحن هنا، لا نبرر منطقا معينا، لكننا ننظر باستقلال، وبنظرة تخدم المرحلة، ونعتقد أن ما جاءت به لجنة صياغة الدستور، ليس ملكية برلمانية، لكن لأول مرة، سيتم التأسيس لملكية برلمانية دستورية فعلية، بمعنى أن الملك يكون حاضرا في علاقاته مع باقي السلط، على أساس ترك مرونة أكبر للسلط الأخرى لكي تشتغل وتبرهن على مدى اشتغالها بشكل فعلي على أرض الواقع. إن الذي سيحدد هو نتائج المرحلة، التي يبقى محددها الأساسي هو الرهان الانتخابي. وإذا سلمنا بالاستفتاء على مشروع الدستور والتصويت عليه بنعم، ستأتي مرحلة الانتخابات، وهذا هو ما ينتظره الشعب في هذه المرحلة بالذات. وهنا نتساءل إن كانت الأحزاب ستدخل المحطة الانتخابية بالوجوه نفسها، إذا تم ذلك، فلدي اليقين أنها لم تستوعب أصلا ما يجري من أحداث في المغرب ، وإذا دخلت بالأدوات نفسها، وبالمقاربة نفسها، فهذا دليل على أنها لم تستوعب ما يجري في الساحة. فالأحزاب يتوقف عليها كل شيء، هي التي ستفرز البرلمان، وستفرز الحكومة. وإذا لم تعد النظر في هياكلها، وفي وضعها الداخلي، وفي تصوراتها، ومقاربتها، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننتظر حتى الملكية الدستورية العادية، لأن التوازن الذي أبرزته لجنة الدستور يتطلب معرفة كيفية استغلاله بشكل جيد للارتقاء إلى ملكية برلمانية، التي نعتقد بأننا سنصلها تدريجيا، وبصورة تلقائية إن نجحت هذه التجربة التي حققت الحل الوسط. السعدي: في ما يخص النضج السياسي، الذي أثاره الأستاذ أتلاتي، الحق في ما قاله، لكن بالنسبة إلى المجال السياسي وعمل الأحزاب السياسية، فإنه تاريخيا يعرف مدا وجزرا. الآن بينت الأحزاب فعلا أنها لم تواكب مرحلة معينة، خاصة منذ تعيين إدريس جطو، مع احترامي له. فالانتقال إلى الملكية التنفيذية، معناه أن الملك يقوم تقريبا بكل شيء، يحاول أن يحتل الساحة، لأنه يرى أن المشاريع لا تتقدم، ويتنقل لتفعيلها، وبالتالي، فإن دور الأحزاب توارى أوتوماتيكيا. أضف إلى ذلك أن الدولة فاعل أساسي داخل الأحزاب، وعندما نحمل المسؤولية للأحزاب، نقول فقط نصف الحقيقة. وستكون مرحلة التكيف والانتقال، وربما نوع من عدم التطبيق السلس للدستور الجديد. هذه مرحلة ضرورية، لأن الأحزاب مطالبة بإعادة تأهيل ذاتها، لكن في المقابل، على الدولة كذلك أن ترفع يدها على الأحزاب وإذا ما لم تحترم إرادة الناخب، وتدخلت بدعوة أن الأحزاب غير مؤهلة، بإعادة توزيع الريع السياسي، وربما اعتمدت منطق الكوطا، فإننا سنكون مثل من سكب الماء في الرمل، ونتمنى أن لا يقع هذا، لأن الدستور الجديد سيكون متقدما، لكن الممارسة شيء آخر.وكما قال شال دوغول، «الدستور هو النص، هو روح النص، هو الممارسة». وبالتالي، فإن روح النص فعلا هو كيف سيحترم الملك وسيتفاعل مع الروح الحداثية التي أدخلت في الدستور الجديد، وكيف يمكن من خلال الممارسة، أن ترفع وزارة الداخلية يدها عن الانتخابات، ويقع التباري الحر، والتنافس وفق البرامج المقدمة من طرف الأحزاب. إذا تحقق هذا السيناريو، سنكون مرتاحين للتنزيل السلس للدستور، وإلا أتخوف أن تطول المرحلة الملكية النصف برلمانية، حيث سيبقى الملك مركز الثقل في النظام المؤسساتي والسياسي المغربي. في إطار الملكية البرلمانية وإعادة توزيع الاختصاصات، لاحظنا أن الجانب التشريعي للنصوص الدينية بقيت من اختصاص الملك، وهناك تحفظ عن هذا الأمر من قبل قياديين في العدالة والتنمية، ما هو تعليقك؟ حامي الدين: قبل الجواب عن هذا السؤال، اسمحي لي أن أتفاعل مع ما قيل. هل يمكن أن تنضج لدينا نخب حزبية في ظل ملكية تنفيذية؟، أعتقد أنه إذا تغلب الطابع التنفيذي على المؤسسة الملكية، لا يمكن أن نحلم ببروز نخب حزبية مؤهلة غدا لتحمل مسؤوليتها. ولا بد أن تتنازل المؤسسة الملكية، وهذا ما حصل حاليا في الدستور الجديد، ويفرض على الأحزاب أن تتفاعل مع التطورات الجديدة في الدستور، بأن توفر فعلا نخبا مؤهلة لتفعيل النص، وللتخلص من ثقافة سياسية سادت لمرحلة طويلة، أفقدت الأحزاب القدرة على المبادرة، لأنها دائما كانت تنتظر التعليمات. إذن كان بإمكان الأحزاب أن تقولها صراحة وتعلن رفضها لتدخل الإدارة؟ حامي الدين: إنه ليس تدخلا مباشرا، بل نتاج طبيعي لوضع مؤسساتي. عندما يتم تعيين الوزير الأول، فأول تصريح يدلي به، يقول فيه إنه عين من قبل الملك، وسيقوم بتنفيذ تعليماته، لأنه أصلا ليس معينا بناء على برنامج أو بناء على رؤية حزبية، أو على شرعية انتخابية، بل يستمد مشروعيته وشرعيته وكل أفكاره من مصدر التعيين، الذي هو الملك، وبالتالي لا يمكن في ظل هذا المناخ المؤسساتي أن تبرز نخب حزبية مؤهلة، فهذا إفراز طبيعي لوضع مؤسساتي مختل. وينبغي طرح سؤال إن كان دستور 1996 أفرز نخبا حزبية مؤهلة؟أعتقد أن الجواب هو لا، أما دستور 2011، فبإمكانه أن يساعد في ذلك، لكن سنمر بالتأكيد من مرحلة انتقالية، نتجاوز فيها مخلفات الثقافة السياسية للمرحلة السابقة. بمعنى آخر، سنمر من مرحلة «الرداءة»، لكن إذا اضطلعت الأحزاب السياسية بما هو مطلوب منها، يمكن أن نصل إلى نخب قادرة على تقوية الطابع البرلماني الموجود في الدستور الحالي، وهناك مساحات شاسعة، سواء لدى رئيس الحكومة، أو الحكومة، أو البرلمان. في ما يتعلق باختصاصات الملك في المجال الديني، الفصل 19 كان يقرأ قراءة فضفاضة وعامة، تتجاوز روح النص. الآن تم إدخال الفصل 19 إلى النص الدستوري، ونقرؤه في إطار الفصلين 41 و42، وشخصيا لا أعتقد أن الفصل 41 يعطينا الحق لكي نتحدث عما يشبه «كهنوت» المؤسسة الدينية، كما هو متعارف عليه في التجربة المسيحية، هذا غير موجود، بل وغير ممكن. لكن ما تم تنظيمه هو أن الملك باعتباره أمير المؤمنين، يرأس المجلس العلمي الأعلى الذي يقوم بدراسة القضايا التي يعرضها عليه الملك، وهو الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا، بشأن المسائل المحالة عليه، هذا لا يلغي حق الناس الآخرين في الاجتهاد، وفي الفتوى وإبداء الرأي، لكن المعتمد الرسمي، هي الفتاوى الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى الذي يترأسه الملك، استنادا إلى أحكام ومبادئ الدين الحنيف مقاصده السمحة، ولا نحتاج إلى تأكيد أن في الإسلام، لا وجود لكهنوت، ولا وجود لسلطة دينية، ولا وجود لمؤسسة يمكن أن تشكل الوساطة بين الإنسان وربه، لكن هذا المجال يحتاج إلى تنظيم وإلى أن يعرف الناس أن هناك مصدر يعبر عن الاتجاه الرسمي الذي تعتمده الدولة، في بعض القضايا، تفاديا للفوضى، دون مصادرة حق الناس في إبداء الرأي، فليس هذا هو المقصود، أو كما ذهب البعض إليه بأنه لا يجتمع الدين والسياسة إلا في شخص أمير المؤمنين، هذا لا يمكن، الدين جزء من وجدان الناس، ومن حياتهم الخاصة والعامة. هل ما تضمنه الفصل 41 سيقطع مع الفتوى بشكل نهائي، ولن يكون لأي أحد حق الإفتاء؟ حامي الدين: إذا كان المقصود الفتوى الملزمة للناس التي تتخذ طابعا رسميا، لا يحق لأحد أن يقوم بها إلا المجلس العلمي الأعلى في إطار القضايا المعروضة عليه، لكن طلب إبداء الرأي من طرف علماء أو فقهاء أو خطباء وغيرهم، هذا أمر لن يستطيع الدستور أن يمنعه، حتى لو ورد فيه. فلا يمكن أن ندستر أشياء غير واقعية. ففي حياة المواطنين، هناك طلب مستمر للفتوى، لكن ما سيعرض على المجلس العلمي الأعلى من طرف الملك، حينما يصدر فيه قرار، سيصدر بظهير، ويصبح هو المعبر عن الاتجاه الرسمي، لهذا، فالفصل 41 يعتبر المجلس الجهة الوحيدة التي تصدر الفتاوى التي تعتمد رسميا، في شأن المسائل المحالة إليه، وإلا سنكون أمام الايكليرو، إذا قلنا بأن هذه هي الجهة الوحيدة التي لها الحق في التحدث في الشؤون الدينية، وهذا غير ممكن. حامي الدين: الملكية الديمقراطية القائمة على إمارة المؤمنين، هذا عنوان فقط، وليس له أي مضمون على مستوى الآليات، من شأنه أن يخلق لدينا الخلط، بين الملك بصفته رئيس دولة، وبين الملك بصفته أمير المؤمنين. بالعكس، نحن قلنا إن الصيغة التي جاءت في الفصلين 41 و42 منسجمة تماما مع المقترح الذي تقدمنا به في العدالة والتنمية، أي اعتبار الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، وبصفته أمير المؤمنين، فهو حامي حمى الملة والدين، فهذه هي العبارة التي استخدمناها من حيث المقترح الدستوري، الآن نحن أمام نوع من التمييز، بين المجال الذي يتدخل فيه الملك بصفته أمير المؤمنين، وبين المجال الذي يتدخل فيه بصفته رئيس الدولة. هذا لا يعني العلمانية الحادة، كما هو متعارف عليها في السياق الغربي، لكن هذا النوع من التمييز كان موجودا منذ المرحلة النبوية الأولى، إذ كان الصحابة يسألون النبي عليه الصلاة والسلام ويطلبون منه معرفة إن هو رأي أم الوحي؟. فالقضايا المحسومة بالوحي لا يتدخل فيها الناس، لكن القضايا المتعلقة بالمجال السياسي، والرسول عليه الصلاة والسلام بصفته رئيسا للدولة، وكان أصحابه يناقشونه ويجادلونه، لأنه لا توجد أي عصمة في هذا المجال، أما في القضايا الذي كان يتكلم فيها بصفته رسولا، كانوا يسلمون، فهذا النوع من التمييز موجود منذ البداية، لكن قدرتنا على الفهم هي التي لم تكن واضحة، وتركت عددا من الناس يعتبرون أن الدولة في الإسلام هي دولة دينية، وهذا غير صحيح، فالدولة منذ البداية دولة مدنية، فيها شق تشريعي محسوم بالقرآن والسنة، وقطعي، وهذا قليل جدا، أما الأمور الأخرى، فهي للأخذ والرد.النص الحالي في مشروع الدستور ينسجم ويستجيب مع التصور الأصلي، الذي ينظم المجال الديني، دون أن يحتكره، و يهيئ مؤسسة ليتم إضفاء الطابع الرسمي على قراراتها، لتكون ملزمة للجميع. اتلاتي: ملاحظة ترتبط بإنتاج النخب، هناك نقاش فكري يثار بشأن هذه القضية. يحضر معنا اليوم قيادي في حزب التقدم والاشتراكية ونسأله إن كان الأمر مرتبطا بقوة تدخل الدولة أو بقوة إنتاج الحزب.كان المرحوم علي يعتة، الوحيد الذي يمثل حزب التقدم والاشتراكية داخل البرلمان. والجميع يعرفه من طنجة إلى الكويرة. الآن، الحزب يتوفر على فريقين في مجلسي النواب والمستشارين، لكن عمليا، تطرح علامة استفهام. معناه أن المسألة مرتبطة بقوة الحزب في هياكله، ومدى إنتاجها داخليا نخبا فعلية للساحة، والساحة التي كان فيها علي يعتة، ليست هي الساحة الموجودة حاليا. الآن، كل شيء متاح. وعودة إلى حدود الملكية البرلمانية، هناك أمثلة واضحة وصريحة في هذا المضمار التي خضعت، ليس إلى المزايدات أو المضاربات، بل إلى اللوبيات الضاغطة. أولا في ما يرتبط بإسلامية الدولة علانية وصراحة، لاحظنا ممارسة نوع من الضغط من القوى والحركات الإسلامية ليبقى هذا الطابع حاضرا، وحتى لا نصل إلى الملكية البرلمانية المبنية على الحداثة. هناك جانب، آخر خضع بدوره لنوع من المزايدات، يتعلق بالهيآت النقابية، ومع احترامي لها، وأنا لست ضدها، إذ لاحظنا أن الملك أعلن في خطاب 9 مارس أن الإطار المنطقي والطبيعي للنقابات هو المجلس الاقتصادي والاجتماعي، نجد أن هذه النقابات احتفظت، في مسودة الدستور، بمكانتها تحت قبة البرلمان، هذا يسير في سياق مجريات الأحداث، بمعنى هناك نوع من تطييب الخواطر تفاديا للتصعيد والاحتقان في الشارع، لأنه في حال دخول النقابات على الخط، سنجد أنفسنا أمام أمور أكبر، وبالتالي، أقول إنه لا يمكن فقط إثارة مسألة تدخل الدولة في الأحزاب، لأن الأحزاب بدورها غير مؤمنة بالمرحلة المقبلة، لأن الإيمان بالدور الواجب الاضطلاع به فعليا، كما هو منصوص عليه فقهيا ودستوريا، يؤدي إلى احترام الموقع، الآن هذا الأمر غائب، وكل واحد يبحث عن الموقع الذي سيخول له سلطة أكبر. وهذه هي عملية الأخذ والرد بين المؤسسة الملكية، وبين باقي المؤسسات الفاعلة الأخرى، منها الأحزاب السياسية والهيآت النقابية. نحن قطعنا مسيرة، وأشواطا طويلة. فبعد حكومة عبد الرحمن اليوسفي، لم نكن ننتظر أحزابا قوية، بل أحزابا تفوق نظيرتها في الدول المجاورة في البحر الأبيض المتوسط مثل إسبانيا وفرنسا، لأننا نقول إننا قمنا بقفزة وننتمي إلى شريحة المجتمعات التي تعرف التغيير عن طريق التدرج وليس بالقطيعة، وهي ثابتة على مستوى السياق الإقليمي في المنطقة العربية، إذن المطلوب الآن هو الثلاثي الفاعل الدولة والأحزاب والمواطن، ولا ننسى أن الدور الأساسي للأحزاب هو تأطير المواطن. وهناك مقاربة لا بد من الإشارة إليها، أن الأصوات التي تدعو، من منطلق مقاربة إلى تقسيم المجتمع بين راغب في الاحتجاج وبين متصدي للاحتجاج، تلعب بالنار. إننا في المغرب، دخلنا عهد الديمقراطية، وإذا كان الاتحاد الأوربي منح للمغرب صفة شريك الديمقراطية، فيجب إعطاء الحق لآخر صوت أن يعبر عن رأيه، هذه هي الديمقراطية الحقيقية، شريطة الالتزام بثوابت الدولة، والاشتغال داخل إطار الشرعية.خارج هذا السياق، تصبح أمور أخرى، لكن هذا لا يمنع إعطاء الحق لجميع الألوان في التعبير عن نفسها، ونعطي الحق للمواطن لاختيار بين هذه الألوان، وهذا ما يجسد المشاركة الحقيقية والفعلية للمواطن في بناء الدولة المغربية. السعدي: لدي ملاحظة أولى تتعلق بالتفاعل مع الديمقراطية بمفهومها العالمي. فالدستور الحالي دستور توافقي، وكل واحد يجد فيه نفسه، إلى حد ما، هذا النوع من التوافق جعل أنه لابد من التعامل مع الديمقراطية بشكل تدريجي، ولا نذهب إلى الملكية البرلمانية بشكل مباشر، بل نؤسس ونفتح الباب للدخول إلى الملكية البرلمانية.ربما لا بد من النظر إلى الأشياء في إطار الحركية والديناميكية الإستراتيجية على المدى المتوسط، وهنا فتحنا بابا أساسيا، كيف سنتعامل معه لنصل إلى الملكية البرلمانية التي الآن لا أقول إنها على مرمى حجر، بل الانفتاحات التي ظهرت في الدستور الجديد، تؤشر على أنه ليست هناك معارضة من حيث المبدأ، للانتقال بالنظام السياسي المغربي إلى نظام ملكية برلمانية. الملاحظة الثانية، تتعلق بنضج الأحزاب والنخب، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تاريخ المغرب ليس تاريخ خط مستقيم. فمفهوم الملكية التنفيذية ظهر منذ عام 2002، ولم يكن من قبل، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني وبعد تربع الملك محمد السادس على العرش عام 1999، لم يكن هناك مفهوم للملكية البرلمانية، وكانت النخب تلعب دورها بدرجات متفاوتة في ما يخص تلبية مطامح الشعب، والالتقاء حول القضايا المركزية والأساسية، الانفتاح السياسي، هذه كلها مكاسب أسست للمرحلة التي نعيشها اليوم. وفعلا رغم أن حركة 20 فبراير خلقت ميزان قوى جديدا، لم يكن أي أحد يحلم به أو يتوقعه، لذلك أقول إن مسألة النضج السياسي مسألة نسبية...أنا أول المنتقدين لأداء الأحزاب، عشت واقعها منذ 76 لما التحقت بصفوف حزب التقدم والاشتراكية، أعرف المد والجزر، وبالتالي ممكن أن تسترجع الأحزاب المبادرة، ربما ستكون مرحلة التردد، والرداءة، كما قال حامي الدين، لكن لا بد من النظر إلى المستقبل بتفاؤل. الآن الكرة في معسكر الأحزاب السياسية، ولا مانع يجعلها لا تعيد حساباتها، لترقى إلى المستوى المطلوب.لكن هناك الذاتية الحزبية التي تطغى داخل الأحزاب؟ السعدي: صحيح هناك الذاتية الحزبية، وهناك أيضا واقع جديد، إما تتكيف، أو تنقرض. وربما تظهر نخب سياسية جديدة، فشباب 20 فبراير مثلا، شباب يمارس السياسية، وهناك طاقات وبعضهم التحق بأحزاب سياسية، وهذا ما وقع أيضا في مصر، حيث عمد الشباب إلى تأسيس حزب. لذلك أقول لا يجب أن تحكمنا النظرة الستاتيكية للأمور، والحركية لها ما بعدها، وتؤشر على أننا دخلنا فعلا مرحلة جديدة في تاريخ المغرب السياسي. نحن مقبلون على انتخابات تشريعية، هل تعتقد أن هناك نخبة جديدة يمكنها أن تكون في مستوى الدستور الجديد؟ حامي الدين: أولا، تجدر الإشارة إلى أن الممارسة هي التي ستعطي المضمون الحقيقي للدستور، ونحن الآن في مرحلة تاريخية، تتطلب من الجميع استحضار المسؤولية الملقاة عليهم، ولا ينبغي على الأحزاب السياسية أن تتعامل مع المرحلة كأنها عادية وطبيعية، إذا أعادت إنتاج الأساليب نفسها فستذهب بنا إلى الهاوية. وليست مسألة وضع عادي طبيعي كما كنا عليه من قبل، بمعنى أن اعتماد الأساليب نفسها، فإننا سنكون أمام كارثة حقيقية، مفتوحة على جميع الاحتمالات، بما في ذلك إمكانية انهيار المؤسسات القائمة.إذا لم يسترجع المواطن ثقته في الأحزاب، معناه أن سيذهب في اتجاه بدائل تعبر عن نفسها بأشكال مختلفة في مناطق أخرى في العالم العربي، والمغرب ليس استثناء. على الجميع أن يتحمل المسؤولية من أجل إعادة المصداقية في المؤسسات، وإعادة الثقة للمواطن في المؤسسات الوسيطة على رأسها الأحزاب. إذن مسؤولية الأحزاب تتمثل في تطوير النخب، وتجديدها وإبراز كفاءات جديدة، في إعطاء قيمة للأفكار والبرامج وتجديد الرؤى. وفي اتجاه التحرر من الثقافة السياسية السابقة التي تنتظر التعليمات، لكن أيضا يمكن للمؤسسة الملكية أن تلعب دورا أساسيا وبيداغوجيا في هذه المرحلة، مثلا الفصل 48 يتحدث عن إمكانية أن يترأس رئيس الحكومة المجلس الوزاري، ولا ضير بين الفينة والأخرى رئيس الحكومة يفعل ذلك، في اتجاه خلق تمارين ديمقراطية، ثم النصوص التي يبرز فيها الطابع التنفيذي للمؤسسة الملكية يمكن الاستغناء عن تفعيلها، مثل إعفاء الوزراء، إذ يجب احترام الفريق الذي سيشتغل مع الوزير الأول لإعطاء قيمة للوزير الأول، لأن هذا يجعل المواطن يستشعر بأن السلطة موجودة في تلك المؤسسات، ويستشعر بأن الصوت الانتخابي له قيمة في إنتاج حكومة أو إسقاطها، وبالتالي، فإنه يرفض أن يبيع صوته بمائة أو مائتي درهم، طبعا مع الإشارة إلى ضرورة أن ترفع وزارة الداخلية يدها عن الانتخابات، ولها مسؤولية تاريخية أكبر بكثير من الجميع في المرحلة المقبلة، لأنني شخصيا سوف أجد كافة المبررات والتفسيرات لما يمكن أن يعبر عنه الشارع في المرحلة المقبلة، إذا ما استمرت وزارة الداخلية في نهج الأساليب السابقة، أي الحياد السلبي تجاه استخدام المال أو دعم بعض المرشحين أو وضع إمكانيات الإدارة رهن إشارة بعض الأحزاب، إذا لم يقع تغيير في عدد من الولاة والعمال المعروفة علاقتهم مع حزب الأصالة والمعاصرة، لا يمكن أن أثق شخصيا، وليس المواطن العادي، في الانتخابات المقبلة، ولا يمكن أن أؤمن بأن الدولة اتخذت مسافة الحياد الكاملة تجاه عملية الانتخابات. ينبغي أن نكون واضحين، هناك مسؤولية تاريخية ملقاة على عاتق الجميع، وحينما أقول وزارة الداخلية، معنى ذلك أن مركز السلطة ينبغي أن يتحمل مسؤوليته في هذه المرحلة التاريخية، فلا ينبغي أن نلعب باستقرار البلد. الدستور الجديد يفتح نافذة الأمل، لكن علينا تعزيزها بتظافر مجهودات الجميع، وزارة الداخلية وأحزاب ومؤسسة ملكية، وطبعا النخب الجديدة التي سوف تكون في البرلمان، أو في الحكومة، التي عليها أن تعطي جميع الأدلة على أننا إزاء مؤسسات تحظى بالشرعية وبالاحترام المناسب، وهناك نصوص أخرى داخل الدستور تتيح هذه الإمكانية، وهي التي يمكن أن تضعها بالممارسة أمام الملكية البرلمانية، مثلا التوجهات العامة لقانون المالية يمكن أن أفهم منها أنها تندرج في إطار الدور التحكيمي للمؤسسة الملكية، حتى لا تتخذ الحكومة الحالية الإجراءات التي ترهن بها الحكومة المقبلة، في ما يخص مثلا مستوى العجز، إذ أنه في حال تجاوز النفقات، يمكن في هذه الحالة أن نفهم دور المجلس الوزاري، لكن أن يدخل في تفاصيل قانون المالية، معناه أننا أمام ملكية تنفيذية. السعدي: ارتباطا بقانون المالية، وما أثاره حامي الدين في هذا المجال، أعتقد أن هذه نقطة فيها جدل ونقاش عميق. فدسترة التوازن المالي، معناه محاولة تقليد الاتحاد الأوربي، والحال أن الجميع يتكلم عن الحلول "الكينيزية"، والجميع يلجأ إلى عجز الموازنة لضخ العديد من الإمكانيات للدفع بالاقتصاد، وبالتالي، يجب تجاوز المفهوم الدوغمائي للتوازن المالي. في النظرية الاقتصادية، لا أحد يمنع أنه في بعض اللحظات، وحين يسجل الركود الاقتصادي، من تدخل الدولة عن طريق العجز، لكن هذا سيف ذو حدين، وسنرى كيف سنتعامل مع هذا الأمر، وهذا مرتبط بالممارسة، فالتوازن، من حيث المهام ومستلزمات التنمية والتنشيط الاقتصادي، يجب في حالات معينة، أن تطرح إمكانية استعمال العجز المالي. الآن، انتهت مرحلة النيو ليبرالية، ودخلنا مرحلة جديدة، ومسألة تدخل الدولة لم تعد محط جدل. كلمة أخيرة: حامي الدين: أعتقد أن كل شيء في مشروع الدستور مرتبط بالممارسة. ولا بد من التعايش بين المؤسسات، مؤسسة رئيس الحكومة، والمؤسسة الملكية، وإذا سرنا نحو تعزيز الديمقراطية، وإضفاء الطابع البرلماني على المؤسسات، سوف نكون أمام إمكانيات لإعطاء مضمون الملكية البرلمانية. أتلاتي: هناك مسألة حساسة تعتبر بمثابة مؤشر للمرحلة المقبلة. لا ننكر، كمستقلين نتتبع ونرصد، أن هناك تخوفا يرتبط أساسا بالتعيينات التي تمت وارتباطها بالدستور، مثلا تعيينات الهاكا، وتعيينات المجلس الدستوري. وخارج سياق التعيينات المرتبطة بحق الملك، لم نتمكن من قراءتها من الناحية السلبية، لكن عندما ارتبطت بالأحزاب، خلصنا إلى مسألة أساسية وخطيرة تمثلت في أن البرلمان لا يمثل الشعب بقدر ما يمثل صاحب المسؤولية في التعيين، أي حزبه فقط، وهذا المنطق الحزبي إذا ظل حاضرا في المرحلة التي نؤسس لها مستقبلا، ستكون الأمور، لا قدر الله، خارج السياق الذي نطمح له، ونغذي بعض التوجهات والتيارات دافعة إلى اتجاهات سلبية. الآن نحن أمام محك ورهان قوي يفوق كل المراحل السابقة، وبالتالي كيف سنستطيع أن نعيد الثقة إلى المواطنين؟ إذا كان الملك يقول بربط المسؤولية بالمحاسبة، ويتحدث عن ملكية مواطنة، ويرفع سن الرشد من 16 إلى 18 سنة، بمعنى فتح الباب للمساواة ولتكافؤ الفرص، حتى لا يحتكر أي أحد لتعيين معين، لأننا وجدنا أنفسنا أمام عائلات تحكم، وأن الدبلوماسية لا يتدخل فيها أي أحد، وفي بعض المؤسسات العمومية، لا يتدخل الوزير في المسؤوليات، أمور كلها، إذا استطاع المغرب أن يقطع معها جديا وفعليا، سنتمكن ليس فقط من القفز على الاحتقان الذي تشكل في الشارع، بل ندخل فعليا في الملكية البرلمانية، حتى بدون التنصيص عليها في الدستور. السعدي: النقاش كان مهم جدا ، ويجب التركيز على أننا بصدد صفحة جديدة في التاريخ السياسي للمغرب المعاصر. وأن مشروع الدستور الجديد يفتح آفاقا واعدة في مجال التطور الديمقراطي، لكن الذي بقي هو كيف نحترم روح الدستور، الروح الحداثية، وكيف نجعل الممارسة ترقى إلى تفعيل الملكية البرلمانية على أرض الواقع، ولو أن الدستور فعلا لا يذهب إلى حد دسترتها، كما هي متعارف عليها دوليا، وأقول إن الكرة في معترك جميع الفاعلين السياسيين، وليس فقط في مرمى الأحزاب. حامي الدين: مذكرتنا لم تتضمن لفظ الملكية البرلمانية صحيح أن مذكرة العدالة والتنمية، لم تتطرق إلى الملكية البرلمانية كلفظ، لكن تحدثنا عن مواصفات الملكية البرلمانية، فجاءت في مذكرتنا بنسبة 90 في المائة، مرتبطة باختصاصات المؤسسة الملكية، أو ما يتعلق بتوسيع صلاحيات الحكومة والبرلمان، فالمقصود هو الجوهر. ونحن اخترنا اسم الملكية الديمقراطية، وإن كان في المجلس الوطني اتجاه عام طالب باستعمال الملكية البرلمانية، وتم التحفظ على هذا من طرف البعض، لكن على العموم مواصفات الملكية البرلمانية تم احترامها بنسبة محترمة في الوثيقة الجديدة. السعدي: نتقدم نحو العلمانية إن حزب العدالة والتنمية ربط الملكية الديمقراطية بإمارة المؤمنين. المذكرة تشير إلى ملكية ديمقراطية قائمة على إمارة المؤمنين، هنا تربطون تدخل الملك في المجال السياسي بصفته كأمير للمؤمنين، في حين أن ما جاء في مشروع الدستور، جديد وواضح. إن مجال التدخل الديني واضح، وتدخل الملك كرئيس دولة في القضايا السياسية موجود في الفصل 42، بمعنى أنه أردنا أم كرهنا، فإن مشروع الدستور الجديد، يؤسس فيه نوعا من فصل السياسة عن الدين، باعتبار أن الفصل 19 كان الملك بصفته أميرا للمؤمنين يتدخل في العديد من القضايا الدنيوية، لهذا، يظهر نوع من التمييز، والفرق يجب أن نقوم به في ما يخص قضية إمارة المؤمنين، من الضروري الإلحاح على الصفة والصيغة التي وردت في الدستور الجديد هو صمام الأمان، لتكون الأمور الدنيوية من اختصاص فعل البشر، بمعنى تصبح قابلة للمساءلة وللمراجعة، في حين أن المجال الديني له قدسيته، واحترامه وطابعه المتوافق عليه، ومن هذه الزاوية، هناك تقدم نحو نوع من العلمانية في المستقبل. أتلاتي: ليست هناك ملكية برلمانية بخصوصية مغربية وإذا سرنا على هذا النحو، لن نستطيع الوصول إلى الملكية البرلمانية التي نطمح إليها، فلا يمكن القول هناك ملكية برلمانية بخصوصية مغربية، لقد انخرطنا مع الدول الديمقراطية، ونحن في وضع متقدم مع الاتحاد الأوربي، هذه أمور وصلنا إليها باعتماد معايير دولية، وليس بخصوصية مغربية. أما إذا أردنا الاشتغال في إطار الخصوصية المغربية، علينا أن نحتفظ بأمورنا، وننعزل عن العالم، ولا ندخل الحداثة، ونبقى في ظل الأحزاب التقليدية الكلاسيكية، ونكون أمام شيئين اثنين، إما الزاوية، أو الحزب. علينا أن نتحلى بالوضوح، لأنه حذار من الفتن بين من يكسب لنفسه المشروعية الدينية، وبين من يكسب لنفسه مشروعية الحداثة والديمقراطية، وهذا يعيدنا إلى ما وقع في مدونة الأسرة، وسياق الجدل الذي دخلنا على مستوى الشارع. هذه مجموعة من القضايا تجعلنا نقف أمام ما يمكن وصفه ب"التوعكات" السياسية للوضع المغربي، على اعتبار أن النضج مازال غير موجود، وهذا ليس فيه تنقيص للأحزاب، بالعكس، أي دولة تمارس العمل السياسي خارج الأحزاب، ليست دولة ديمقراطية. إنما نحن لا نقارن أنفسنا بأناس بصدد البداية،

الملكية البرلمانية في مشروع الدستور

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

15 ألف مشارك في مسيرة مؤيدة للدستور بأكادير

"فقراء" الطريقة البودشيشية لبوا نداء الشيخ حمزة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات