الصباح تناقش المرجعية الإسلامية في مشروع الدستور

المشاركون في الندوة أكدوا أن لحظة الدستور انتصار للمغاربة جميعا بعد تسرب بعض مضامين مشروع الدستور الجديد، اشتد النقاش في أوساط بعض الأحزاب التي حذرت من عدم إعطاء المرجعية الإسلامية مكانتها في الدستور المقبل. وجاء المشروع بعد الخطاب الملكي ليهدئ من روع المتوجسين من «ضرب المرجعية الإسلامية». ولإثراء النقاش حول ما دار في الكواليس، استضاف مكتب «الصباح» في الرباط مصطفى الرميد، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، والحبيب بالكوش، عضو المكتب الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، ومصطفى منار، أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في القانون الدستوري في كلية الحقوق بسلا الجديدة. أثار موضوع المرجعية الإسلامية جدلا كبيرا عند التحضير للدستور، إلى درجة أن حزب العدالة والتنمية هدد بالمقاطعة إذا ما وقع أي تساهل في هذا المضمار. ما هو تعليقك على ما جاء في مشروع الدستور بشأن المرجعية والهوية؟ الرميد: أعتقد أن اللجنة الاستشارية التي تم تعيينها كان ينبغي أن تتشكل من ممثلي الحساسيات الفكرية والسياسية المختلفة، ليكون العمل الذي تقترحه عملا يأخذ بعين الاعتبار كافة رؤى وتوجهات هذه الحساسيات. وإذا لم يكن ممكنا تمثيل كافة الحساسيات، فعلى الأقل تمثيل أهمها وأكثرها امتدادا داخل المجتمع. الذي وقع هو العكس. ولاحظنا أنه تم تغليب ممثلي الحساسية العلمانية على حساب الحساسية الإسلامية، والفرانكفونية والأمازيغية على حساب ممثلي الحساسية العروبية. لذلك، فإن الصيغة التي اقترحتها اللجنة تضمنت تراجعات على مستوى التنصيصات المتعلقة بالهوية الإسلامية والعربية، فكان لا بد من التحذير من هذا الانزلاق الخطير من طرف من يهمهم الأمر. في هذا الصدد، كانت هناك مواقف واضحة لكل من حركة التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية، ويمكن أن أؤكد أنهما نابا عن قطاع عريض من الشعب، بل يمكن أن أدعي بدون مبالغة أو مزايدة، أنهما مثلا في هذا الموضوع رأي أغلبية الشعب المغربي. وأقول جازما إن أكثرية المغاربة لن تقبل أن يتحول موقع الإسلام في البلد من دين رسمي إلى أن يصبح دين المواطنين المغاربة، حسب الصيغة التي كانت مقترحة. ولا أتصور أن ذلك لو تم سيكون بدون ثمن سياسي. لذلك، فإن الدولة وعت الرسالة، ورجعت إلى ما ينبغي أن ترجع إليه. وللتذكير، فإن ما تضمنه مشروع الدستور الحالي هو فقط استرجاع لتنصيصات الدستور المعمول به حاليا، ولهذا منطقه، فهناك تيار إسلامي يريد مزيدا من التمكين للمرجعية الإسلامية، إذ ستلاحظون أن اقتراحات هذا التيار تدعو إلى أن يتضمن الدستور بندا يبطل أي تشريع يخالف أحكام الشريعة، في حين هناك اقتراحات أخرى داخل التيار العلماني تجر إلى الخلف وتحاول أن تؤسس لدولة علمانية أو شبه علمانية. المهم أن تبتعد عن المرجعية الإسلامية قليلا أو كثيرا. ولو أردنا أن نحتكم إلى قواعد الديمقراطية، فالعلمانيون لا يمثلون الأغلبية، لكن حيث إنه لا سبيل إلى الخوض في هذا الموضوع، أو التطرق إلى الموضوع لفائدة حساسية على حساب حساسية أخرى، فإنه كما لم يكن من الممكن التقدم إلى الأمام في التمكين للمرجعية الإسلامية، فإنه أيضا لم يكن ممكنا التراجع إلى الخلف، في ما يخص موقع المرجعية والهوية الإسلامية. لذلك رجعت الأمور إلى نصابها، واعتمدت المقتضيات الدستورية التي كانت في النص الحالي، مع بعض التغيرات الطفيفة التي لا تؤثر على المعاني العامة التي تم استيحاؤها من الدستور الحالي لفائدة الدستور المقترح. بلكوش: اللحظة الدستورية تتوج لمسارات ومصالحات تمت في العهد الجديد، سواء في مجال الإشراك أو حقوق الإنسان أو الديمقراطية وغيرها. ففي هذه الدينامية، كان لابد من أن نصل إلى مرحلة «الهوية الدستورية» لهذا المشروع الديمقراطي الحداثي، الذي أعلنه جلالة الملك، منذ توليه العرش. إنه تتويج بالتوافقات والاجتهادات التي أفرزها المسار، وعالجت مختلف القضايا من قانون الأسرة إلى الإنصاف والمصالحة إلى الأمازيغية وغيرها. إن الدستور ليس وثيقة تقنية، بل تعكس تطور مجتمع في لحظة تاريخية معينة، وموازين قوى وتوافق بين الفرقاء السياسيين لتدشين تعاقد جديد على مستوى الحقل السياسي. وبالتالي، فإن إحداث الآليتين، (اللجنة الاستشارية والآلية السياسية)، أخذ بعين الاعتبار مختلف هذه المكونات. ونعتقد أن ليس هناك حزب سياسي يقبل بأن يزعزع الإسلام عن موقعه ومستواه الرسمي، بل الأكثر من هذا تم التأكيد والتنصيص في مختلف المذكرات التي قدمت على مكانة إمارة المؤمنين ضمن النسق الدستوري. إنه تكريس لهذا الاختيار، ونعتقد أن النقاش الذي حدث داخل المجتمع، نقاش اللحظة مفيد. إنها لحظة لبلورة ثقافة الحوار باختلافات الرؤى والمقاربات، دون مناقشة الثوابت، فلا أحد يشكك فيها، فلم يكن هناك حريق في البيت لتأخذ الحجم الذي أخذته على مستوى الساحة. ولو أن لها مشروعيتها، هي مسالة دينامية التأثير والتفاعل مع اللحظة لكي لا نصل إلى ما قد لا نقبله، والأساس في المنطلق أنه من المستحيل أن نصل إلى لحظة بناء الدولة العلمانية. فهذا ليس مطلبا سياسيا لأي فريق من الفرقاء السياسيين، وبقيت مكانة الإسلام كما كان يجب أن تكون. في هذا الباب، أدخلنا ضمن الثوابت، ثابت الاختيار الديمقراطي. وأعتقد أن خطاب تاسع مارس كان موجها ومحددا للتوجهات التي سيسير وفقها الإصلاح الدستوري، وحدد ضمن ثوابتها، سواء مكانة الدين الإسلامي أو مكانة الاختيار الديمقراطي، وهذا كان يؤسس لمحطة جديدة باجتهاداتها المختلفة. الإعلان عن مشروع المسودة أثار ملاحظات بشأن المرجعية، كيف قرأت تثبيتها في المشروع الحالي؟ منار: كمتتبع للحراك القائم، هناك جدل حاد حول المرجعية الإسلامية وحول شكل الدولة وأيضا حول اللغة العربية. وعندما نقول المرجعية الإسلامية فقد تمت إضافة حرية العقيدة التي معناها «لا إكراه في الدين»، وعندما نقول حرية العقيدة، الذي طرح بالشكل الحالي اليوم، فإن هذا لا يعني أن الأشخاص سيغيرون دينهم الإسلامي، أو هناك من سيفطرون رمضان جهارا، أو غير ذلك من الأمور. وهنا استحضر القانون الأساسي لعام 1961 ومشروع 1908 الذي وضعه شباب مغاربة في طنجة، إنهم تحدثوا عن المملكة المغربية الشريفة، لغتها العربية الرسمية، وأشاروا إلى المذهب المالكي. وعندما نتحدث عن حرية العقيدة نتحدث عن تنصيص بشكل أساسي على احترام حقوق الآخر من الذين لهم عقائد أخرى، مع احترام المبادئ العامة السائدة في الوسط المغربي. ولو تم إدراج حرية العقيدة، لكانت ستطرح إشكالا على مستوى الممارسة، ولكن نحن نتوجه إلى دولة حديثة ومتطورة، من شأنها أن تخوض في مسار التنمية على مستوى أكبر ويبقى الحراك بالنسبة إلى العقيدة حراكا حول المرجعية الإسلامية. فالمذكرات التي رفعت إلى اللجنة الاستشارية لم تتحدث عن الهوية أو المرجعية الإسلامية، ما عدا مذكرات حزب الطليعة وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي وبعض الحركات الأمازيغية، التي كانت تنص صراحة على الفصل بين الدين والدولة، وعندما تم ترسيم الأمازيغية، فإن الملكية الآن يجب أن تتعامل مع الأمازيغية ومع الشباب والنساء. وكباحث اعتقد أن الخوض في الهوية بشكلها العام، قنبلة سياسية خطيرة، ويمكن أن تؤدي في المستقبل إلى ما لا تحمد عقباه، خاصة على مستوى إقرار وحدة البلاد. فالخوض والغلو في مسألة الهوية من شانه أن تؤدي إلى ضرب الديمقراطية. في الوقت نفسه، فإن الدولة تبقى دولة مسلمة إسلامية، علما أنه سابقا كان الحديث عن الدولة العربية الإسلامية، وإذا لم يتم التنصيص على الدولة الإسلامية، فإن هذا ضرب للمرجعية الإسلامية، ولن يقبل أي أحد بهذا الأمر.كما أنه من الواجب التأكيد أننا اليوم نؤدي ضريبة الانفتاح، علما أن الانتقال الديمقراطي يتم عبر ثلاث مراحل، مرحلة الانفتاح ثم التأسيس وأخيرا التثبيت. فالانفتاح والتأسيس يجعلنا نخوض الحراك، ونأخذ بعين الاعتبار كل المقومات التي لها مطالب، دون أن تكون لها خلفية سياسية من شأنها أن تؤدي بالبلاد إلى مزالق خطيرة. ما تأثير التنصيص على المرجعية الإسلامية وما مدى تعارضها مع المواثيق الدولية؟ بلكوش: لقد استطاع المغاربة عبر التاريخ أن يجدوا الصيغ المناسبة للاحتفاظ على بمختلف مكوناتهم. ودخول الإسلام لم يلغ الأمازيغية، ولا العبرية، ولا غيرها من المكونات. المغاربة تمكنوا من صقل الهوية بهذا التعدد والحفاظ على بلد بهذه الوحدة. فالتضخيم والغلو في أي اتجاه يشكل خطرا، لكن علينا أن نقر أن هذا واقع تاريخي بناه المغاربة بدون تنظير. فالأمازيغية مثلا دخلت المنظومة التعليمية، وأعتقد أن التنصيص عليها في الدستور لم يكن ضروريا. لقد طرح الحرف إشكالا داخل المعهد الملكي للأمازيغية، وكان السؤال حول أي حرف سنختار. إنه صراع قديم وسط الحركة الأمازيغية بمختلف مكوناتها، فكان لا بد من إيجاد صيغة الجواب عن الإشكاليات التي كانت محط صراعات. فهذا التتويج إقرار بواقع فيه رفع الحيف، وتركيز على اختيار على المعهد وتدريس اللغة والقنوات الأمازيغية، هذا كله جاء في مسار التدرج، وهذا يجيب بالفعل في البلد بشكل سليم على واقع ثقافي وهوياتي. أما القضايا الأخرى مثل حرية العقيدة، فإن المغاربة متشبثون بدينهم سواء بالتنصيص على حرية العقيدة أم بدونها. إن ملايين المغاربة الذين يعيشون في دول علمانية، جلهم متشبثون بهويتهم المغربية، ونعرف مكانة الإسلام وسط الجالية عبر العالم، أي أن الخروج إلى عالم يسمح بتغيير الديانة بكاملها، بين مدى تشبث المغاربة بالإسلام. علينا أن ننظر إلى الجانب القوي، ولا نتخوف من الحالات الشاذة. وهناك قوانين في البلاد تضبط مجموعة من الممارسات مثل الإفطار في رمضان..ولا ننسى أن الدولة صادقت على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية عام 79 ، ولم تضع أي تحفظ على هذه المادة، ولم يثر الموضوع إشكالا إلى الآن. وبعد 30 سنة، نعيد طرح إشكالات. إن الظرفية واللحظة تستوجب استحضار هذا البعد مع وضعه في سياقه العادي والطبيعي حتى لا يأخذ حجما أكبر من حجمه، وحتى لا نتصور أنه إذا تم التنصيص على حرية المعتقد، فإن المغاربة سيرتدون عن الإسلام. المغاربة متشبثون بدينهم وبالقيم والثقافة تنتشر داخل المجتمع، مع أننا نسير في إطار توسيع فضاءات للحريات في البلاد. التزاماتنا الدولية وسياسة الانفتاح داخل المجتمع لم تمس أي شيء من مقوماتنا، وهذا سيطرح إشكالية تدبير المؤسسات العمومية في مجالات متعددة، لكن هذه مسؤولية فاعلين متعددين، والسياسيات العمومية يجب أن تتبلور لتحافظ على المقومات. وهذا ينطبق على باقي المقومات لأن الهوية، كما جاء في تعريف مشروع الدستور، تتحدث عن المقومات الإفريقية والعبرية والأندلسية والصحراوية والمتوسطية، وغيرها. إن هذا الزخم يحتاج إلى استثمار المكونات المتعددة لإثراء الهوية المغربية، بما في ذلك مقوم الانخراط في القيم الكونية، التي كرست ثقافة حقوق الإنسان على المستوى الدولي. هل تعتبرون أن حزب العدالة والتنمية خرج منتصرا من معركة» الهوية» بعد الانتصار الذي حققه في معركة الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، بمعنى هل هذا انتصار ثان يحققه الحزب ؟ في السياق نفسه، لماذا تتخوفون من «حرية المعتقد»، ماهي مخاطرها، عمليا؟ الرميد: أعتبر نفسي من الذين يعتقدون أن مطالب ربيع الديمقراطيات العربية واضحة، سواء على مستوى ما نسمع من شعارات ترفعها الجماهير العربية في أكثر من بلد، أو في الشعارات التي رُفعت في السياق المغربي، في إطار حراك الشباب المغربي. كان من المفروض، والمرحلة تتطلب ذلك، أن نترك موضوع الهوية جانبا، وأن نركز، بجميع توجهاتنا، وحساسياتنا، ومكوناتنا، على مطلب دمقرطة المؤسسات، لكي نُنتج دولة ديمقراطية، بالمعايير الدولية. موضوع الهوية سيؤدي إلى تشتيت الجهود وإثارة النزاعات التي يمكن أن تدفع بنا بعيدا، فكان ينبغي أن نتركها جانبا. لاحظتم أن التيار الذي يمتح من المرجعة الإسلامية، ركز أكثر على مطامحه في بناء الديمقراطية الحديثة، وجاءت إشارته إلى موضوع الهوية، كما تظاهراته، وكافة أنشطته، بشكل باهت. الذي خلق الإشكال هو محاولة البعض استغلال هذه المرحلة لإعادة إنتاج هوية جديدة للدولة المغربية، وبالتالي، كان ذلك يمثل استفزازا للتيارات ذات المرجعية الإسلامية، سواء تلك التي عبرت عن ذلك صراحة، أو تلك التي كان ذلك سيُغيضها ذلك كثيرا، وكانت ستعبر عن ذلك بتعبيرات أخرى في أي وقت. أنا لا أقول بأننا انتصرنا، والحديث هنا ليس حول الانتصار، بل أؤكد أننا ساهمنا في إنقاذ هذه اللحظة من السقوط في تقاطبات مجتمعية خطيرة. كنت مُطمئنا، إلى حد كبير، إلى أن صفة أمير المؤمنين، لا يمكن أن تسمح بهذا النوع من الاستغلال. كيف يمكن أن يكون الملك أميرا للمؤمنين، ويسمح، في الوقت نفسه، بتحول في هذا الحجم، خاصة أن الدستور الجديد في المادة 106 ينص صراحة على أن النشاط المتعلق بالدين الإسلامي غير قابل للتغيير. ونحن تأسفنا كثيرا، على تركيبة اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور، إذ تم اصطفاؤها بالشكل الذي يُغلب جهة على حساب أخرى، ورغم ذلك كظمنا غيظنا، أما أن يصل الأمر، إلى اقتناص اللحظة، ومحاولة إنتاج دستور تدعي هذه الجهة أنه بمواصفات الهوية الأساسية للمرحلة الحالية، فهذا لا يمكن السماح به مطلقا. أما بخصوص موضوع حرية المعتقد، فأنا أتساءل: هل هناك، اليوم، إشكال لدى المغاربة، أو جزء مهم منهم، من قمع يستهدف عقائدهم؟ صحيح، أن الدولة أخطأت حينما تصدت، في وقت ما، بتلك الطريقة المتخلفة لمن اعتبروا شيعة، لكن هذا موضوع يتعلق بالمذهب، وليس الدين، وهي مسألة سياسية. لاحظوا أن إغلاق المدرسة العراقية، جاء بعد قطع العلاقة مع إيران، فالقضية، إذن ليست قضية دينية، بل سياسية. لكن ماذا عن الشباب الذين أفطروا في رمضان؟ لدي تساؤل، هنا، وهو ماذا لو أفطر هؤلاء الشباب، بدون تلك الضجة التي أحدثوها من خلال الجهر والإعلان عن خطوة الإفطار. هل كان ذلك سيُثير إشكالا؟ إن المشكل يتجلى، بالتأكيد، في جهرهم بأنهم سيتوجهون إلى مكان معين، وسيمارسون حقهم في الإفطار، أقول إنه كان من واجب الدولة أن تتدخل، لماذا؟ لأن من منظور حقوق الإنسان، والعهد الدولي في المادة 12 ، واضح، إذ لا يجعل حرية المعتقد حقا مطلقا، هناك قيود. ويمكن أن تتدخل الدولة ،إذا كان هذا الحق سيؤدي إلى الإخلال بالأمن العمومي، ويشكل تحديا للشعور العام، لأنها مكلفة بالحفاظ على الأمن العمومي. وإلا فنحن ننطلق من المبدأ العام من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، لكن على أن لا يكون ذلك بطريقة علنية مستفزة.بالنسبة إلينا، إذن، تخوفنا من التنصيص على «حرية المعتقد»، نابع من أننا ما زلنا نشكو الهشاشة في الكثير من المجالات، وأنا واحد من الذين تمكنوا من الاطلاع على واقع التنصير بصفتي محاميا، لكي أكتشف أن الأمريكيين، يسعون بقوة إلى تنصير أبنائنا الصغار، ولا يترددون في التوجه إلى أعالي الجبال والمناطق النائية، من أجل ذلك، حيث يظهر المنصر الأمريكي بمظهر الملائكة ولكن في عمقه شيطان. أقول بصراحة، إذا غير مسلم دينه ليس لدي مشكل، ولكن ستكون لي مشاكل، إذا كان هناك من يستغل فقر الناس ليمارس التنصير فيهم، ويسعى إلى تغيير دينهم. مصطفى منار: في علاقة بالهوية، دائما، هناك تخوف، بالنسبة إلى وثيقة الدستور، مرتبط بالقوانين الدولية في علاقتها بالقوانين الوطنية، بحيث أثار ذلك نقاشا حادا، ويمكن أن تثار في البرلمان بعض القوانين التي تطرح إشكالا، خاصة القوانين والمواثيق المتعلقة بالحقوق والحريات العامة، والتي من شأنها أن تكون مخالفة لبعض مبادئ الدين الإسلامي، مثل تلك المتعلقة بالمساواة والتكافؤ بين المرأة والرجل، والمناصفة في الإرث بين الرجل والمرأة، ويمكن مستقبلا، أن يثار موضوع الإعدام، وبالتالي، فهذه معضلة دستورية، ولا يمكن للبرلمان أن يبت في قوانين مخالفة للمبادئ الإسلامية... من ناحية أخرى، تبقى المسألة الأمازيغية مطروحة، خاصة ربط الهوية الأمازيغية بالأرض، وأن على الأجيال أن تندمج، رغم اختلافها اللغوي والإثني، وبالتالي، حينما نربط المسألة بالأرض، فذلك يعني أنه لم يعد لديها روابط بالإسلام، الجدل يهم بعض الأفراد داخل التيار الأمازيغية،الذين يتحدثون عن «علمانية الدولة»، وهذه مسألة خطيرة بالنسبة إلى الوضع داخل البلاد. أضف إلى ذلك، الحديث عن الأمازيغية، سابق عن الحراك الدائر، إذ هناك حراك على مستوى منظمة الأمم المتحدة، هناك لجنة تتحدث عن التمييز العنصري على مستوى اللغة. ونحن نتحدث عن الهوية، ينبغي الإشارة إلى الرافد العبري، الذي حسب البعض، قد يحدث تشويشا على الهوية، خاصة في ما يتعلق بالدولة العبرية في علاقتها مع الفلسطينيين، في ظل خرقها للقانون الدولي، وتمييزها العنصري ضد الفلسطينيين، الدولة العبرية أساسها هو الدين... الاستنتاجات الأساسية التي يمكن أن نخلص إليها، هي أنه أمامنا محطة لترسيخ دمقرطة المؤسسات. الغلو مرفوض، خاصة إذا أدركنا وجود مساع لدى المستعمر الفرنسي، بتقسيم المغرب إلى عرب وبرابرة، في ظل الظهير البربري، وهو ما لم يتحقق، على اعتبار أن المغاربة، أثبتوا تشبثهم بالدين، وانتفضوا ضد أي محاولة انشقاق، ونحن لا نريد الانشقاق، بل نحرص على الوحدة، لأننا نحتاج إلى بناء الدولة الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والكرامة. لحبيب بلكوش: لدي ملاحظة حول ما قاله السيد منار حينما أشار إلى التشويش على الهوية ارتباطا بالرافد العبري، وأنا لا أتفق معه حول هذه المسألة، أعتقد أن الرافد العبري من مكونات المجتمع المغربي... الرميد: هذه مسألة تاريخية... لحبيب بلكوش: بالنسبة إلي، لحظة الدستور، ليس فيها انتصار لأي جهة ضد جهة أخرى، أعتقد أنها لحظة انتصر فيها المغاربة جميعا، من أجل فتح أفق لمستقبل ديمقراطي للبلاد، مع تثبيت مرتكزاتها وثوابتها، لكن مع الانخراط في العصر، وفي الزمن الذي نعيش فيه. أعتقد أن هذا أهم ما يمكن أن يعكسه الدستور الحالي، على اعتبار أنه يعبر عن الإرادة السياسية لدى الدولة ولدى جلالة الملك، للمضي في هذا التوجه، وثانيا أن الدستور يترجم طموح المغاربة، والقوى السياسية، في ترسيخ الاختيارات الديمقراطية، والانتصار لها. ليس لدينا أفق آخر، إما أن نعيش زمننا، وإما أن نؤدي الثمن غاليا، لا قدر الله. بالنسبة إلي، اللحظة هي انتصار الجميع، وللمؤسسة الملكية، أعتقد لا أحد يجادل في المؤسسة الملكية في النسق الدستوري، بالضمانات. قطعنا أشواطا كبيرة على مستوى الصلاحيات داخل المؤسسات. المأمول في هذه اللحظة، أن نكون، باعتبارنا قوى سياسية، في مستوى هذا الرهان على المستوى التدبيري، وعلى مستوى المسؤولية السياسية، والقدرة على إنتاج نخب قادرة على ترجمة روح ونص الدستور، إلى واقع ينعكس على حياة المغاربة. ترسيم الأمازيغية والهوية الرميد: كان لدينا تحفظ نابع من أن الأمازيغية إذ يتكلمها الكثيرون، إلا أن قلة قليلة من تستطيع قراءة الحرف الأمازيغي بحكم ألا تلازم بين الحديث بالأمازيغية وقراءتها بالحرف تيفناغ الذي لم يعلن عن رسميته إلا مند سنوات قليلة. كما أن حجم معرفته وتعلمه من ذلك الوقت إلى الآن بقي محدودا، فعن أي لغة رسمية نتحدث؟. إذا علمنا أن الرسمية تقتضي أن تكون هذه اللغة لغة الدولة ومؤسساتها، ولذلك اقترحنا أن تكون الأمازيغية لغة وطنية، لكي تصبح بعد ذلك لغة رسمية، إذا تطورت الأمور وحصل تفاعل مع اللغة وصل من حيث الايجابية إلى درجة القدرة على التفاعل مع قراءتها وكتابتها والتخاطب بها، على نطاق واسع من المغاربة. كنت أقول دائما ما يضر الإخوان الأمازيغ إذا اعتبرنا الأمازيغية في المرحلة الراهنة، وطنية، وبعد استكمال ونضح الشروط تصبح لغة رسمية. الآن ذهب مشروع الدستور إلى أن تكون الأمازيغية لغة رسمية، إذ أدرك مشرعو الدستور توجساتنا وتوجسات غيرنا بدليل أن الفصل 5 نص على أنه يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. سيكون هذا التفعيل على مراحل، خصوصا ما يتعلق بإدماجها في التعليم وفي الحياة العامة، لكي تتمكن من القيام بوظيفتها، وسيقول الدستور منذ المصادقة عليه أن اللغة الأمازيغية لغة رسمية، لكن دخول الرسمية حيز التنفيذ سيأخذ زمنا تأهيليا للغة، من جهة وللمواطنين، من جهة ثانية. هذه الصيغة أجابت بطريقة جيدة ومقبولة على التخوفات التي عبرنا عنها، حينما اقترحنا أن تكون الأمازيغية لغة وطنية وليست رسمية. مصطفى منار: مشروع الدستور اعتمد مقاربات تشاركية في إطار الفقه الدستوري المقارن، لا بد من استحضار طريقة التحضير لدستور 1962 الذي اعتمد منهجية معينة، خصوصا أن المغرب ما بعد الاستقلال كان هدفه تشكيل دولة المؤسسات.جاء القانون التأسيسي عام 1961 ليعطي تصورا حول مشروع الدستور، إلا أن وفاة الراحل محمد الخامس يوم 16 فبراير 1961 ، لم يشهد ميلاد دستور جديد، فكان الأمير آنذاك يقوم بوضع دستور جديد، وأعتقد أن المنهجية التي اعتمدت في تلك الفترة مغايرة لهذه الفترة، بسبب صراع حول البنيات السياسية، علما أن المغرب عرف إطار الدولة منذ الأدارسة والمرابطين والموحدين والمرينيين والوطاسيين إلى غاية العلويين. على مستوى تأسيس الدولة، أعتقد أن وجود لجنة، بالإضافة إلى عدم اعتماد المجلس طرح إشكالا يتجلى في أنه لم يكن هناك تشاورا حول هذه الوثيقة من قبل، وطرح الدستور، وتم التصويت عليه، بعد أيام من النقاش. هناك من يقول الدستور المنحة، وهو طابع لمن له خلفية سياسية، لكن كفقه دستوري، نقول إن وضع دستور 1962 كان ديمقراطيا، لأنه اعتمد على استفتاء شعبي.أما بالنسبة إلى مشروع دستور 2011، يلاحظ على المستوى المنهجي أنه مشروع اعتمد مقاربات تشاركية من خلال وجود لجنة استشارية مكلفة بتعديل الدستور، وإلى جانبها آلية سياسية لمتابعة المستجدات، فكان إشراك فعاليات سياسية ونقابية وشبابية ومن المجتمع المدني.وانعكس الحوار والنقاش على مضمون المشروع، إذ أننا اعتمدنا على وثيقة تدمج بين المعيار الشكلي والمعيار الموضوعي، الشيء الذي أعطانا، كضريبة، مجموعة من الدساتير داخل دستور واحد، بمعنى هناك دستور المواطن، ودستور يؤسس للدولة، ودستور يؤسس للمجال الترابي، وآخر يؤسس للحكامة الجيدة.إن الدستور في مضمونه جاء بمجموعة من الأمور التي من خلالها يتم تفسير مفهوم الدولة، فضريبة التشاور والتوافق والحوار تتجلى في وجود كم هائل من المواد، ولو اعتمدنا أسلوبا غير الذي اعتمد، لكنا أمام دستور يتضمن على الأقل 34 مادة. واعتبارا للمحطة الحالية واللحظة التاريخية والحراك القائم على مستوى الدول العربية وعلى الصعيد الداخلي، كان لا بأس من الأخذ بعين الاعتبار كل المقترحات ومطالب الفعاليات سواء السياسية أو النقابية أو المدنية. نادية البوكيلي - جمال بورفيسي

الصباح تناقش المرجعية الإسلامية في مشروع الدستور

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أكبر المترشحين لنيل الباكالوريا بالبيضاء عمره 55 عاما

زين العابدين بن علي: خدعوني لأسافر إلى جدة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات