واردات الحبوب… عودة الرسوم الجمركية

الاستفادة من الدعم مرتين وارد لعدم ضبط الكميات المستوردة قررت الحكومة إعادة فرض الحقوق الجمركية على واردات القمح اللين ابتداء من فاتح ماي الماضي، وذلك بنسبة 135 في المائة، وشهدت الأربعة أشهر الأولى من السنة الجارية ارتفاعا ملحوظا في واردات الحبوب عموما والقمح اللين على وجه الخصوص، علما أن هذه الفترة كان هناك إعفاء من الحقوق الجمركية. يتساءل متتبعون حول ما إذا كانت السلطات العمومية تتوفر على الإمكانيات البشرية واللوجيستيكية لضبط الكميات المستوردة ومسارها، لتلافي أن تحتسب على أنها كميات جديدة وتستفيد من دعم ثان، بعد أن استفادت من دعم جزافي في حدود 30 درهما للقنطار، خاصة أن هناك بعض الفاعلين في القطاع يسيطرون على كافة الحلقات، ابتداء من الاستيراد، مرورا بالتخزين والطحن ووصولا إلى الوحدات الإنتاجية للمواد الغذائية المستخرجة من الحبوب، ما يجعل إمكانيات التلاعب واردة. تشير إحصائيات المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني إلى أن مخزون الحبوب المتوفر بالمغرب وصل إلى غاية نهاية أبريل الماضي 17.3 مليون قنطار، أي ما يعادل أربعة أشهر من حاجيات المطاحن. ووصلت الكميات المستوردة خلال الفترة ذاتها إلى 58 مليون قنطار من الحبوب، مسجلة بذلك ارتفاعا بنسبة 55 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من الموسم الماضي. واستورد المغرب ثلثي كميات من القمح اللين من فرنسا وثلاثة أرباع الكميات المستوردة من القمح الصلب من كندا، وثلثي واردات الشعير من فرنسا، وثلث الواردات من الذرة من فرنسا. من جهة أخرى، استطاع تجار الحبوب والتعاونيات، المصرحون لدى المكتب، جمع، حسب المصدر ذاته، ما لا يقل عن 18.2 مليون قنطار، 99 في المائة منها مشكلة من القمح اللين. وتجدر الإشارة إلى أن الكميات المجمعة من طرف التجار تمثل 65 في المائة من الكميات الإجمالية، مقابل 29 في المائة للمطاحن و 6 في المائة للتعاونيات.وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الحكومة كانت قررت، بعد الارتفاع الملحوظ لأسعار الحبوب في الأسواق الدولية، تعليق الحقوق الجمركية على واردات الحبوب من أجل تموين السوق والمطاحن بالحاجيات المطلوبة، كما تخصص الدولة دعما جزافيا يصل إلى 30 درهما للقنطار، ودرهمين عن كل قنطار مخزن على رأس كل 15 عشر يوما، وذلك من أجل أن يصل قنطار الحبوب إلى المطاحن بسعر لا يتعدى 280 درهما للقنطار.لكن، الحكومة قررت إعادة فرض الحقوق الجمركية على واردات القمح اللين بنسبة 135 في المائة ابتداء من بداية ماي الماضي، كما سترفع الحقوق الجمركية على القمح الصلب إلى أعلى مستوياتها خلال يونيو الجاري ويوليوز المقبل، وذلك بعد أن بينت التوقعات أن محصول الحبوب خلال الموسم الحالي سيصل إلى ما يناهز 88 مليون قنطار، منها 45 مليون قنطار من القمح اللين، وقررت رفع السعر المرجعي للقمح اللين المباع للمطاحن إلى 290 درهما للقنطار، بدل 280 درهما، كما مددت الدعم المخصص لتخزين القمح اللين بالنسبة إلى الكميات المخزنة من الموسم الماضي، إلى غاية أبريل الماضي، بدل منتصفه كما كان معمولا به سنة من قبل.وفي هذا الصدد، يتساءل عدد من المتتبعين عن إمكانيات استفادة الفاعلين في القطاع من الدعم مرتين، مادام أن بنيات التخزين لا تخضع إلى مراقبة دقيقة، وهناك كميات كبيرة من الحبوب تمر خارج بنيات التخزين المصرح بها والخاضعة إلى مراقبة المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني، خصوصا أن هناك فاعلين يسيطرون على مختلف الحلقات منذ الاستيراد مرورا بالتخزين والمطاحن ووصولا إلى إنتاج المواد النهائية، إذ نجد أن بعض الأشخاص سواء الذاتيين أو المعنويين حاضرين في كل الحلقات، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام التلاعب بالفواتير والكميات المتداولة. شركات تحتكر كافة حلقات القطاعوتجدر الإشارة إلى أن قطاع الحبوب يتضمن القمح الصلب الذي يعتبر محررا بالكامل ولا تتدخل الدولة فيه، والقمح اللين، ويشمل بدوره شقين: القمح اللين المدعم والمخصص بالأساس إلى إنتاج الدقيق الوطني، ويتعلق الأمر بكميات محددة في 10 ملايين قنطار، وسوق القمح اللين المحرر، الذي بدوره يستفيد من الدعم رغم تحريره في حال ارتفعت الأسعار إلى مستويات معينة، إذ تشترط الدولة على المستوردين أن لا يتعدى سعر وصول القمح اللين إلى المطاحن 280 درهما، من أجل أن تتمكن الأخيرة من تسويق الدقيق إلى المخابز بسعر في حدود 350 درهما، لكي تتمكن الأخيرة من تسويق الخبز من فئة 200 غرام بسعر لا يتعدى 1.20 سنتيم. وهكذا، وفي حال ارتفاع أسعار القمح في الأسواق الدولية إلى ما فوق السعر المحدد من طرف الدولة، فإن الأخيرة تتدخل من خلال منح الدعم للمستوردين للحفاظ على أسعار هذه السلسلة.وفي هذا الإطار، فإن دعم الدولة أصبح يشمل كل حلقات القطاع، إذ أن سوق القمح الصلب المحرر كليا يستفيد أيضا من دعم الدولة، من خلال إعفائه من الواجبات الجمركية خلال مراحل معينة من السنة. الغريب في الأمر أن أسعار هذا النوع من الحبوب، ورغم الإعفاء، ارتفع إلى أكثر من 4 دراهم للكيلوغرام عند الخروج من الميناء، في حين لم يكن يتعد 3.40 دراهم مع احتساب الواجبات الجمركية، كما أن سعر السميدة يصل حاليا إلى 5.80 عوض 4.90 دراهم سابقا، الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال حول دور سلطات المراقبة، التي من المفروض وحسبما يخول لها القانون أن تراقب مختلف الحلقات التي تشكل القطاع. ومن خلال الوضع الراهن، يتضح أن سياسة التحرير المعتمدة منذ أكثر من 15 سنة لم تحقق الشيء الكبير، إذ ساهمت في تحويل الوضع من احتكار عمومي إلى احتكار خاص تتحكم في دواليبه أقلية من الفاعلين الاقتصاديين. فهناك شركات معدودة تتحكم في مختلف حلقات القطاع، من الاستيراد مرورا بالتخزين والطحن، وصولا إلى إنتاج مشتقات الحبوب، ما يجعل من الصعب على المكتب الوطني للحبوب والقطاني مراقبة العلاقات بين مختلف الحلقات المكونة لهذه السلسلة، إذ يسهل التلاعب في ما بينها بالفواتير والكميات المتبادلة. بطبيعة الحال لا يمكن التعميم أو الجزم بتلاعبات، لكن الوضع الحالي وطبيعة العلاقات بين مختلف الشركات الناشطة في كل حلقات القطاع يصعب معها التحقق من الكميات المتبادلة من القمح، إذ يمكن أن تجد أن مجموعة شركات تتحكم في السلسلة بكاملها، إذ تتكلف بعض شركاتها بالاستيراد وأخرى بالتخزين والثالثة بالطحن وإنتاج الدقيق ورابعة بانتاج سميد القمح ومشتقاته. إمكانيات التلاعب واردة لكن يصعب ضبطها وإذا افترضنا أن مجموعة اقتصادية تتوفر فيها هذه الشروط، فإن إمكانيات التلاعبات تصبح أكبر، إذ يمكن لوحدات التخزين أن تصرح بأنها اقتنت مباشرة من الفلاحين كميات معينة من القمح اللين المخصص لإنتاج الدقيق الوطني، دون إمكانيات بالنسبة إلى سلطات المراقبة للتحقق من ذلك، لأن الفلاحين لا يتوفرون على فواتير، من أجل التأكد، من خلالها، من الكميات التي قاموا بتسويقها، وتتسلم هذه الوحدات دعما من الدولة على التخزين يصل إلى درهمين للقنطار لكل 15 يوما من التخزين، ومن المفترض أن المخزنين يسوقون الكميات المخزنة لديهم للمطاحن بسعر محدد في 258 درهما للقنطار في ما يتعلق بإنتاج الدقيق الوطني، على أن تنتج المطاحن الدقيق الوطني بسعر لا يتعدى 182 درهما للقنطار عند الخروج من المطاحن ليصل إلى المستهلك النهائي بسعر في حدود رهمين للكيلوغرام، علما أن الدولة تؤدي دعما يصل إلى الفرق بين سعر البيع والكلفة لفائدة المطاحن.لكن يمكن أن تكون كل هذه العمليات وهمية، إذا كانت الشركات التي تنشط في مختلف هذه الحلقات تربطها علاقات خاصة، إذ أن التلاعب يبدأ من الكميات المصرح بتخزينها، ما دام أن وحدة التخزين المفترضة يمكن أن تصرح بأنها اشترت من الفلاحين كميات معينة دون أن يحصل ذلك في الواقع، وذلك في غياب وثائق وفواتير تضبط هذه الكميات، وانطلاقا من ذلك يمكن أن تدخل مع وحدات الطحن وإنتاج الدقيق في تلاعبات أخرى من خلال التصريح عبر الفواتير بتسويق الكميات الوهمية التي كانت مخزنة لديها لمطحنة معينة تنتمي إلى التجمع المصلحي عينه، ويمكن للأخيرة، بناء على الفواتير التي تسلمتها من وحدات التخزين، أن تستغل هذه الفواتير الوهمية للاستدلال على الكميات التي طحنتها في إطار إنتاج الدقيق الوطني، وتستلم على ذلك دعما من طرف الدولة مقابل الكميات المدلى بها التي تظل على مستوى الفواتير فقط، ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل يتعين لتحقيق ذلك أن يتواصل التلاعب إلى الحلقة الأخيرة، إذ أن بعض تجار الجملة وفي غياب المراقبة المطلوبة يوقعون فواتير لمثل هذه المطاحن عن فراغ مقابل عمولات، وتقوم هي بملئها بالكميات المطلوبة، وبذلك تكتمل السلسلة وتحبك اللعبة ويصعب ضبطها، علما أن التلاعب في هذه الكميات من الدقيق الوطني يعني حرمان شرائح معينة من المجتمع من هذا المنتوج، إذ أن الكميات المدعمة محددة في 10 ملايين قنطار من القمح اللين، وذلك بناء على خريطة مدققة لعدد الأسر المعوزة التي من أجلها تدعم الدولة إنتاج هذه الحبوب، وهذا ما يفسر غياب هذه المادة من بعض الأسواق والأحياء، التي تقطن بها أسر معوزة. كما أن الدولة تؤدي دعما على عمليات وهمية، ويصبح الدعم بذلك ريعا يستفيد منه بعض المتلاعبين وسماسرة تجارة الحبوب.حصيلة سياسة التحريرمن خلال تقييم السياسة العمومية منذ قرار التحرير في مجال الحبوب، يتضح أن هذه العملية لم تحقق الأهداف التي كانت متوخاة منها، فالدولة ما تزال تدفع مبالغ هامة من الدعم للمطاحن والمخزنين، في حين أن التحرير كان يفترض أن يلغي هذا الدعم، أو على الأقل أن يقلص من مستواه، الأمر الذي لم يحدث حاليا، فالدولة اصبحت تدعم قطاع القمح اللين بشقيه، بل تحرم أيضا من المداخيل الجمركية، بعد تعليقها على واردات القمح الصلب.على مستوى البنية التحتية للتخزين، ساهمت سياسة التحرير في جعل الدولة رهينة الفاعلين الخواص، إذ بدل أن تعمل على التكفل بإنجاز بنية تحتية من التخزين والتوفر على طاقة تخزينية تستجيب للمعايير الدولية وتقوم بكراء هذه المحلات إلى الفاعلين الخواص، على غرار بعض البلدان مثل تونس، وبذلك تضبط الكميات المخزنة وتراقب الاحتياطي، فإن السياسة المتبعة حاليا في هذا الجانب تجعل المغرب في حالة لا أمن غذائي، إذ يصعب مراقبة الكميات المخزنة، للأسباب المشار إليها سابقا.في السياق ذاته، فإن المستهلك بدوره لم يستفد من سياسة التحرير، إذ أن الأسعار تعرف ارتفاعا متواصلا، خاصة في ما يتعلق بالدقيق الممتاز وبعض مشتقات القمح مثل السميدة والكسكس والعجائن، وحتى الخبز الذي ما زال يحافظ على سعره في 1.20 درهم للخبزة من فئة 200 غرام، فإن البعض يتحدث عن أن الأسعار حافظت على استقرارها، لكن الوزن يمكن أن يتم التلاعب فيه في غياب مراقبة مستمرة.وفي ظل إمكانيات التلاعبات الواردة في قطاع بسبب احتكار البعض لكل الحلقات، فإن مجلس المنافسة مطالب بتسليط الضوء، وإبداء رأيه حول مدى وجود منافسة حقيقية داخله، كما أن قضاة المجلس الأعلى للحسابات مطالبون بإدراج المكتب الوطني، باعتباره المشرف على تدبير القطاع والدعم الذي تخصصه الدولة للحبوب، في قائمة المؤسسات التي يتعين مراقبتها لا حقا ما دام أن الأمر يتعلق بملايير من الدراهم، وأن هناك قضايا أثيرت في السابق أبانت فعلا عن وجود لوبيات تستفيد بطرق ملتوية من أموال الدعم. واردات الحبوب فاقت 6 ملايير درهم خلال أربعة أشهر أشار بنك المغرب في تقريره الأخير حول السياسة المالية أن المساحات المزروعة بالحبوب وصلت، خلال الموسم الحالي، إلى 5.1 ملايين هكتار، مسجلة بذلك نسبة نمو ناهزت 3 في المائة، بالمقارنة مع الموسم السابق، وسجلت المساحات المزروعة بالقمح اللين ارتفاعا بنسبة 10 في المائة خلال الفترة ذاتها. وتوقع البنك المركزي أن يصل محصول الحبوب خلال الموسم الحالي، بناء على نماذج رياضية، ما يناهز، في المتوسط، 85 مليون قنطار، تتوزع بين القمح اللين، الذي سيصل محصوله إلى 36 مليون قنطار، والقمح الصلب بحوالي 23 مليون قنطار، في حين أن محصول الشعير سيناهز 26 مليون قنطار.من جهة أخرى، أشار التقرير إلى أن واردات الحبوب وصلت خلال أربعة أشهر الأولى من السنة الجارية إلى 6.3 ملايير درهم، مقابل 1.9 مليار درهم خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية. وأوضح التقرير أن الكميات المستوردة ارتفعت، إلى غاية نهاية أبريل الماضي، بنسبة 100 في المائة، بالمقارنة مع السنة الماضية، ليصل حجم الكميات إلى مليونين و90 ألف قنطار. وأرجع التقرير هذا الارتفاع، أيضا، إلى تطور أسعار الحبوب، إذ وصلت، خلال أربعة أشهر الأولى من السنة الجارية، إلى 3 آلاف و21 درهما، مقابل سعر لا يتعدى ألفا و793 درهما للطن سنة من قبل.وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة، من أجل ضمان تزويد السوق المغربية بالحبوب بأسعار في المتناول، مددت فترة تعليق الحقوق الجمركية على واردات الحبوب إلى غاية أبريل الماضي، ما دفع العديد من موردي الحبوب إلى التزود بكميات هامة من الأسواق الخارجية إلى درجة أن الطاقة الاستيعابية لميناء الدار البيضاء، الذي تمر منه النسبة الكبرى من واردات الحبوب، لم تعد، في بعض الفترات، بإمكانها استيعاب هذه الكميات، وكانت البواخر تضطر إلى الانتظار أياما قبل أن يسمح لها بتفريغ حمولاتها. عبد الواحد كنفاوي

واردات الحبوب… عودة الرسوم الجمركية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الاتحاد الأوربي يشيد بالإصلاحات الدستورية بالمغرب

بدء العمل بمدونة البناء السنة المقبلة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات