هندسة دستورية لبناء دولة عصرية

إعادة بناء العلاقة بين السلط وتكريس الملكية الثانية ضمن الاستثناء المغربي ضبط الدستور الجديد ساعة الإصلاح الدستوري والسياسي على المرحلة المقبلة، التي تبدأ بإجراء انتخابات سابقة لأوانها وحل الحكومة، لتكون بذلك آخر ما تبقى من مظاهر مرحلة ما قبل الدستور. الهندسة الدستورية للوثيقة الجديدة التي تعرض على الاستفتاء بداية يوليوز المقبل، ستكون محط نقاش داخل الأحزاب السياسية، بين موافق ومتردد وعدمي في رفض إصلاح دستوري شاركوا فيه منذ البداية ضمن الآلية السياسية للتشاور والتتبع.الهندسة الدستورية للقانون الأسمى للبلاد، تأسست، وفق التوجيه الملكي، على دعامتين، الأولى تكمن في “التشبث بالثوابت الراسخة للأمة المغربية.. ضمن دولة إسلامية، يتولى فيها الملك، أمير المؤمنين، حماية الملة والدين، وضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية»، مقابل بناء «دولة عصرية متشبثة بالمواثيق الأممية، وفاعلة ضمن المجموعة الدولية». أما الدعامة الثانية، فترمي إلى ترسيخ «مقومات وآليات الطابع البرلماني للنظام السياسي المغربي، في أسسه القائمة على مبادئ سيادة الأمة، وسمو الدستور، كمصدر لجميع السلطات، وربط المسؤولية بالمحاسبة.. وفصل السلط، واستقلالها وتوازنها، وغايته المثلى حرية وكرامة المواطن».وهكذا فقد تمحورت الخطوط العريضة للدستور، كما قدمها الخطاب الملكي ليوم الجمعة (الماضي)، بين ثمانية محاور، بدأت بـ»التكريس الدستوري للملكية المواطنة وللملك المواطن»، وذلك من خلال التنصيص على «أن شخص الملك لا تنتهك حرمته، وعلى الاحترام والتوقير الواجب له، كملك، أمير للمؤمنين، ورئيس للدولة»، فيما هم المحور الثاني، من الهندسة الدستورية، «دسترة الأمازيغية كلغة رسمية للمملكة، إلى جانب اللغة العربية»، وذلك من منطلق أن الهوية المغربية متعددة اللغات والثقافات، وانطلاقا من تعدد «روافدها العربية -الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الإفريقية، والأندلسية، والعبرية والمتوسطية».وجاءت قضايا حقوق الإنسان والتصديق على الاتفاقيات الدولية في مرتبة متقدمة من التفصيل الدستوري، وذلك بالتنصيص على «دسترة كافة حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها عالميا، بكل آليات حمايتها وضمان ممارستها. وهو ما سيجعل من الدستور المغربي، دستورا لحقوق الإنسان، وميثاقا لحقوق وواجبات المواطنة»، كما شمل توسيع دائرة الدسترة في هذا المجال، «سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية، والمساواة... في كافة الحقوق السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية والبيئية».مبدأ الفصل بين السلط كان حاضرا بقوة داخل الهندسة الدستورية الجديدة، فقد نص الدستور على إلزامية «الانبثاق الديمقراطي للسلطة التنفيذية، بقيادة رئيس الحكومة.. الذي يتم تعيينه من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب»، بالمقابل يحول الدستور للسلطة التنفيذية صلاحية اقتراح أعضاء الحكومة، «وإنهاء مهامهم، وقيادة وتنسيق العمل الحكومي، والإشراف على الإدارة العمومية، حيث تم تخويله صلاحية التعيين، بمرسوم، في المناصب المدنية، وفقا لقانون تنظيمي».وبخصوص السلطة التشريعية، أقر الدستور «قيام سلطة برلمانية، تمارس اختصاصات تشريعية ورقابية واسعة»، وذلك عبر تكريس سمو المكانة الدستورية لمجلس النواب، بـ»تخويله الكلمة الفصل في المصادقة على النصوص التشريعية، وتعزيز اختصاصاته في مراقبة الحكومة، وسيما بتكريس مسؤولية الحكومة الحصرية أمامه»، مقابل ذلك تم «توسيع مجال القانون، ليرتفع من 30 مجالا حاليا، إلى أكثر من 60 في الدستور المقترح»، و»منع الترحال البرلماني، وحصر الحصانة البرلمانية في التعبير عن الرأي فقط، وعدم شمولها لجنح وجرائم الحق العام»، في حين اقترح الدستور ألا يتعدى عدد أعضاء مجلس المستشارين 120 منتخبا.«ترسيخ سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، تكريسا لاستقلال القضاء»، رهان جديد للدستور المقبل، «على أن النطق بالحكم إن كان يتم باسم الملك، فإنه يتعين أن يصدر بناء على القانون»، في إشارة واضحة إلى أن الأحكام الصادرة باسم الملك يجب أن تكون مبنية على القانونية ونزاهة الأحكام بين المتقاضين. كما شملت الهندسة الدستورية الجديدة «دسترة بعض المؤسسات الأساسية، مع ترك المجال مفتوحا لإحداث هيآت وآليات أخرى، لتعزيز المواطنة والمشاركة الديمقراطية، بنصوص تشريعية أو تنظيمية»، تصدر عن البرلمان هذه المرة الذي بات يمتلك آليات التشريع الحصري، مقابل «تعزيز آليات الحكامة الجيدة، وتخليق الحياة العامة، ومحاربة الفساد، بإحداث منظومة مؤسسية وطنية منسجمة ومتناسقة في هذا الشأن». إحسان الحافظي

هندسة دستورية لبناء دولة عصرية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تقليص أعضاء مجلس المستشارين يشعل "حرب" التزكيات

مافيا دولية تستخدم قوارب صيد في تهريب المخدرات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات