النساء وقضية ستروس كان

الفرنسيات يفتحن النقاش حول وضعيتهن وينتقدن فرنسا «الذكورية» استفاق الرأي العالم الفرنسي، ومعه الدولي، يوم 14 ماي الماضي، على خبر إيقاف رئيس صندوق النقد الدولي، دومينيك ستروس كان. لم يشكل الأمر صدمة في حد ذاته بالقدر الذي شكلها سبب الإيقاف، لتنطلق بعد ذلك التعليقات وردود الفعل، ذات الحمولة الذكورية، حول القضية، التي ما زال يجهل عنها الكثير. ها هي فرنسا، بلد حقوق الإنسان والحرية والمساواة، والأخوة، تميط اللثام عن جانبها الجنسي. «سئمنا من الذكوريين»، تقول جريدة «ليبراسيون»، «فرنسا الذكرية»، تعنون «لونوفيل أوبسيرفاتور» أحد مقالاتها . أثار الخبر الجدل أيضا في شاشات التلفزيون، إذ علق مكسيم لوفوريستيي، «أشعر وكأننا رجعنا أربعين سنة إلى الوراء». ومع كل المكتسبات التي حققتها الحركات النسائية، مثل موانع الحمل وحق الإجهاض، يبدو أن الفرنسيين كانوا يعيشون في حلم مغشوش، مبني على وهم المساواة بين الجنسين.فرنسا تستفيق من سباتها«ننتقل من فضيحة إلى أخرى»، تقول ميشيل فيتوسي، كاتبة وصاحبة عمود في مجلة «إيل». «فرنسا، إذن، بلد ذكوري؟»، ونحن لم نكن نعرف؟ شكرا على المعلومة». يبدو أننا كنا عميانا واستعدنا الرؤية. فالعقلية الذكورية الجنسية لم تختف، بل تعرف بعدا جديدا بفضل «الفياغرا الفكرية». في نظر الكثير من النساء، فإن هذه الاستفاقة المفاجئة هي بلا شك أكثر ما يلفت الانتباه في آثار لقضية ستروس كان. «إذا كانت النخبة، الرجال الأذكياء المتعلمون المثقفون يجهلون أو ينكرون أن النساء يتعرضن لاضطهاد ذكوري، وأحيانا يتعرضن للعنف أو التحرش، فهذا يعني أن فرنسا كلها تجهل ذلك»، تقول كورالي، مديرة وكالة صغيرة للعلاقات العامة، البالغة من العمر 36 سنة، والتي تستغرب كيف أنه كان على الرأي العام الانتظار إلى حين تفجر قضيتي ستروس كان وجورج ترون (سياسي فرنسي اتهم بالاغتصاب)، لفتح نقاش حول وضعية النساء في فرنسا. نتحدث عادة عن النساء يوما واحدا في السنة، هو 8 مارس. في 2011، كسبنا 15 يوما إضافيا. أبدت تاليا بروتون، الناطقة باسم جمعية «أوزي لوفيمينيزم»، ارتياحها لهذه الصدمة التي «جاءت ليستفيق الفرنسيون من سباتهم». «أظهرت هذه القضية بطريقة واضحة السخط العارم على العقلية الجنسية الذكورية، لكن أيضا الفارق ما بين الخطاب المتداول الذي يحث على المساواة، وواقع على الميدان مخالف تماما لهذا الخطاب»، تقول تاليا. الباحثة الاجتماعية فرانسواز إيريتيي، تعتبر من جانبها، أن هذه الصدمة قد تكون ذات تأثير إيجابي كبير، «إنها ساعدت على تخطي درجات كثيرة في الوقت نفسه، لسلم كنا نحاول منذ مدة اجتيازه»، تقول إيريتيي، «قبل عشرين عاما، لا أحد كان سيبدي أي رد فعل، إلا من باب الدعابة، بينما الآن، عبر كثير عن صدمته، إنه تحول كبير». لكن، كم سيستغرق من الوقت القضاء على آخر الديناصورات التي تمشي على قدمين من التراب الفرنسي؟لنبدأ بالغابة الكبرى، البرلمان الفرنسي، الذي يضم 577 نائبا، بينهم 107 نساء. «فرنسا بلد «متجاوز»، تقول مارييل دو سارنيز. «عالم السلطة هو ذكوري بامتياز. إنه مثل ناد، حيث الأمور الجدية يناقشها الرجال. ليست هناك مساواة، وليس هناك احترام، لأن النساء يشكلن أقلية وهن مهمشات. 18 في المائة فقط من النواب هن نساء. نسبة ضعيفة تضعنا في المرتبة 64 عالميا. إن الأمر مخجل».إذا كان بإمكان الأحداث الحالية أن توصل صوت المرأة «فهذا أمر جيد جدا...لأنه من المعيب أن نكون في ما نحن عليه في سنة 2011»، تتذمر نائبة رئيس التيار الديمقراطي في فرنسا. في إسبانيا، هناك نساء يتولين عمودية عدد من المدن الكبرى منذ أكثر من 15 سنة. وفي البرلمان الأوربي، كلمة النساء مسموعة كما هو الشأن بالنسبة لكلمة الرجال. في فرنسا...نحن أعضاء من الدرجة الثانية. الأحزاب تلتف حول قانون تكافؤ الفرص أو تتجاهله، وتفضل دفع الغرامة الكبيرة التي تفرض عليها على أن تخضع له. يجب تغيير أسلوب الاقتراع، تقول دو سارنيز، التي تعتبر الذراع اليمنى لبايرو. «طالما لم نخصص للنساء حصة نسبية في الانتخابات التشريعية، فمقاعد البرلمان لن تمثل أبدا المجتمع الفرنسي.أي حرية للنساء؟منذ بضعة أسابيع، في المقاهي كما في قاعات التحرير، يتم خلط جميع المصطلحات ووضعها في سلة واحدة: الإغواء والدعارة والتحرش والشطط في استعمال السلطة، وغيرها. الأمر الذي يفتح الباب أمام البعض لتجريم كل أنواع المتعة. لكن الأخلاق والموعظة لا مكان لها في غرفة النوم، وما يمكن لراشدين فعله بالتراضي لا يدخل أبدا في هذا الجدال. الإغراء ليس جريمة، وممارسة الجنس بكل أنواع ليس كذلك. «للنساء الحق في التزين دون أن يهاجمن»، يقول الكاتب بيير لوي كولان، صاحب كتاب «دليل نساء باريس الجميلات»، الذي يضيف «تؤكد الصحافيات السياسيات أنهن لا يواجهن أي مشكل من هذا النوع في الميدان، لكنهن يصرحن أنهن يتعاملن بخشونة وصرامة حتى لا يساء فهمهن، بل إن كثيرات منهن لا يرتدين التنورات، لتفادي التعليقات السلبية!السياسيات يخرجن عن صمتهنمنذ قضية دومينيك ستروس كان، انكسر حاجز الصمت وتنطلق النساء في سرد قصصهن التي كن يحكينها سرا في ما بينهن. «إذا كانت امرأة سوداء تعمل في فندق تجرأت على التقدم بشكوى ضد رئيس صندوق النقد الدولي، لم لا أفعل أنا؟»، تقول المناضلة النسائية كليمنتين أوتان. تتذكر ليندا أسماني، المستشارة في الحركة الشعبية، والتي وجدت نفسها سنة 2001 في مكتب أحد قيادات التجمع من أجل الجمهورية من أجل مهمة عمل، ليبادرها بالقول «أين ستجلس الصغيرة؟ على ركبتي؟». منذئذ وأسماني تتجنب الوجود بمفردها مع ذلك السياسي، رغم أنها تعتبر أن جميع السياسيين مهووسون جنسيا، ولهم طريقة مهينة في معاكسة النساء، على عكس الرجال العاديين، ويفهمون النساء أن من أراد شيئا فعليه أن يدفع».ترى مسؤولة عن العلاقات مع الصحافة في وزارة هامة أن النساء اللواتي يقتحمن مجال السياسة، يتعرضن للمضايقات أكثر كلما كن صغيرات في السن ولسن في مراكز سلطة، فالمتدربة الصغيرة مثلا عليها أن تتحمل أحيانا كثيرة مضايقات كبيرة، وإذا حاولت المقاومة والرفض فقد تجهل كيف ستكون عاقبتها.بالإضافة إلى التحرش، تشتكي النساء اللواتي يعملن في مجال السياسة من بعض الممارسات الصغيرة اليومية والتلميحات ذات البعد الجنسي. أسبوعا واحدا بعد تفجر قضية ستروس كان، سمعت نائبة الحزب الاشتراكي ساندرين مازيتيي نائبا في البرلمان يقول «عندما ترتدين ملابس مثل هاته، لا يجب أن تستغربي إذا ما تم اغتصابك». «يتم تفحصنا من الرأس حتى أخمص القدمين. ونسمع تعليقات مثل «إنها مؤهلة»، لا يقصدون بها الجانب المهني طبعا. لا أستطيع مثلا أن أقول لرجل إن سروالك يظهر تفاصيل جسدك الجميلة. هم بلى»، تقول النائبة فاليري روسو دبور.التحرش...في حي «لاديفانس» أيضالاديفانس، حي الأعمال بباريس. جزيرة من 160 هكتارا على أبواب العاصمة الفرنسية، تضم 180 ألف عامل يرتادونها يوميا، من بينهم مهندسون وأطر عليا وتجار وباعة في أسواق ممتازة وغيرهم. .. هنا، لم تزعزع قضيتا ستروس كان وجورج ترون أبواب البنايات الكبرى العتيدة. «إذا كانت النساء اللواتي يتعرضن للتحرش لا يشتكين، فذلك خوفا من فقدان عملهن. إذا لم نكن محميات، فذلك قد يتسبب لنا بمشاكل كبيرة»، تقول إيلين، بائعة في أحد متاجر المواد التجميلية. نستغل انتظارنا أمام جهاز للقهوة لسؤال العاملات حول رأيهن وما غيرته قضية الزعيمين السياسيين. «إن الأمر أضحى محل دعابة»، تقول ماري، 26 عاما، مكلفة بالشؤون البشرية في مجموعة بيئية كبرى. تعتقد الفتاة الشابة أن لا شيء سيتغير، ستكون هناك دائما حالات مشابهة، في عالم السياسة والأعمال وغيرهما. «هذه خاصية فرنسية محضة»، تقول إيلين، التي توضح أنه في الشركة التي تعمل بها، لم يتم انتظار تفجر قضية ستروس كان للعمل على المساواة بين الرجل والمرأة. في «أش أند إم» أيضا، تحدثنا عن الأمر، من أجل أن نضحك أكثر منه من أجل إجراء إسقاط على ظروف عملنا»، تقول مارجوري، 36 عاما، التي لا تتردد في الدعاية للمجموعة السويدية التي تعمل لها، «هنا، جميعا متساوون، ليس هناك أي مشكل. وإذا كان، فسنتحدث عنه».لكن، بالنسبة إلى بعض النساء في «لاديفانس»، فإن قضية ستروس كان كانت لها آثار كارثية، بتحريرها لكلمة...الرجال. نادية، 25 عاما، تعمل بائعة في محل للمجوهرات. عالم نسائي محض، لذلك فإنها قد تكون محمية من التسلط الذكوري. لكنها، كادت تقع من كرسيها عندما سمعت، الأسبوع الماضي، خلال اجتماع في العمل، رئيسها يقول لعاملات النظافة «لا تتذمرن. فنحن لسنا في فندق سوفيتيل بنيويورك!».إذا كانت العقلية الذكورية منتشرة في المؤسسات الاقتصادية الكبرى، فكيف هو الحال في المقاولات الصغرى والمتوسطة، حيث يغيب الوجود النقابي؟ وحيث المشاكل والخلافات تحل رأسا لرأس، بين الرئيس والمستخدم؟ «إذا كان التحرش الجنسي في الشركات الكبرى يتجسد في حالات متفرقة، فإنه منتشر بكثرة في الشركات الصغرى والمتوسطة والمعامل. لكن اليوم، المكاتب مفتوحة، والعمل الجماعي يقلل من احتمال تحول هذا التحرش إلى عمل فعلي. رئيس العمل الذي يتربص بالعاملة دون رقيب، لم يعد ممكنا. بالمقابل، فإن المشكل ما زال مطروحا في المؤسسات الصغرى، حيث لا يجد العاملون شخصا يتحدثون معه»، يقول مكلف بالموارد البشرية في مجموعة صناعية كبرى في «لاديفانس»، الذي يلخص كلامه في جملة «في المؤسسات الكبرى، المتحرش هو الذي يفقد عمله. لكن في المقاولات الصغرى، فالمتحرش بها هي التي تطرد».في جانب آخر من حي «لاديفانس»، التقينا عدد من الرجال العاملين. إنهم لا يصدقون كل هذه القصص حول التحرش. بالنسبة إليهم، فدومينيك ستروس كان قد يكون ضحية مؤامرة. في محل «فيرجن»، المسألة أصبحت مثار جدل ونقاش ساخن في صالة الاستراحة، «إن الأمر مدبر»، تقول جوستين، بائعة في المحل، التي تؤكد أن تصرفات زملائها تغيرت، وتضيف ضاحكة «بدأت أسمع الكثير من الرجال يقولون: لا يمكننا أن نعاكس النساء دون أن يتقدمن بشكوى. إنهم يمزحون، لكنني أعتقد أنهم قلقون فعلا. أرى ذلك أمرا إيجابيا، لأن التحرش يدوم خمس دقائق، لكنه أحيانا يكون ثقيلا»، وثقيلا جدا أيضا! عن مجلة «ماريان» الفرنسية ترجمة: صفاء النوينو

النساء وقضية ستروس كان

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الفرقة الوطنية تستمع إلى طبيبين في قضية كمال عماري

حاتم علي ينهي تصوير "بيوت من مكة" بالمغرب في يوليوز

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات