التشهير… جوانب من الشخصية المغربية

فضائح سياسيين تحولت إلى مِلك جماعي مُشاع بهدف الانتقام شكل الساسة والسياسة مادة تداول إعلامي ليس فقط على المستوى الحزبي، بل أيضا على المستوى الشخصي والعائلي أحيانا. فقد وجد عدد من السياسيين المغاربة أنفسهم وسط زوبعة تداول فضائحي لبعض أخبارهم أو لعلاقاتهم الاجتماعية الملتبسة. وبمجرد شيوع الخبر ينتقل كالنار في الهشيم يلتهم كل ما يجده في طريقه إلى التداول العمومي. وقد كان حظ الوزراء مثل حظ الساسة والمنتخبين وحتى رجال الدين، ممن يمارسون الإسلام في تنظيمات دعوية أو غيرها. وإذا كانت حكاية وزير المالية والاقتصاد السابق، فتح الله ولعلو، قد مرت بدون جدل مثير بالنظر إلى محدودية وسائل التواصل الاجتماعي وعدم قدرة الناس على اللحاق بالمعلومة في حينها، وتأويلها أو نشرها وإعطائها أبعادا خرافية أحيانا، فإن تطور وسائل التواصل والمواقع الاجتماعية ساهم في تدويل فضيحة قياديين في حركة التوحيد والإصلاح ضبطا في حالة تلبس جنسي صباحا، وحالة برلمانيين من العدالة والتنمية التقطت صورهما يسيران بود يحملان باقة ورد، أو حتى ما تسرب من أخبار عن علاقة بين رئيس فريق برلماني وعضو به، يشاع أنهما على علاقة حميمية داخل المؤسسة الدستورية. لقد تحولت أعراض بعض السياسيين إلى فضيحة أمام الرأي العام، وأضفى إخراج هذه العلاقات الخاصة إلى العلن، في تزامن مع الحملة الانتخابية حالة من الفرجة العابرة التي سرعان ما انمحت بعد إعلان نتائج الانتخابات. ولحسن الحظ أن ذاكرة المغاربة قصيرة لا تحفظ الأشياء التي تعبر سريعة، ويكفي أن تخرج فضيحة لتغطي على فضيحة أخرى، حتى ينسوا الأولى وينشغلوا بالتشهير بالثانية بحثا عن مصائب أخرى تصدر عن السياسيين المغاربة. وبالقدر الذي ينشغل فيه متتبعو مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليق أو التفكه على فضيحة، بالقدر نفسه الذي ينشغلون فيه عن فضائح الفساد المالي أو الإداري، التي لا يأخذ تفجيرها الزخم الفضائحي نفسه الذي تأخذه فضيحة جنسية أو مهاترات حول وجود علاقات حميمية، طرفاها فاعلان في حقل السياسة. في التعاطي الرسمي للدولة مع فضائح العلاقات الجنسية للسياسيين، بصفتهم شخصيات عمومية، تبرز حالتان، الأولى تكمن في التغاضي عن الواقعة وترك أصحابها فريسة التعليقات والتشهير والتشفي الاجتماعي، فيكون بذلك أصحاب هذه المواقف ملزمين بالدفاع عن أنفسهم، أو التواري عن الأنظار والاختفاء إلى حين أن تهدأ الأمور وينسى الناس فضائحهم بفضيحة جديدة. أما الحالة الثانية فيكون مصير أبطالها، إلى جانب التشهير، الوقوف في ردهات المحاكم والمتابعات القضائية، كما وقع في قضية الفضيحة الجنسية التي تفجرت داخل حركة التوحيد والإصلاح الدعوية، حينما ضبطت عناصر الأمن قياديين من الحركة في وضعية مخلة داخل سيارة، فكان مآلهما المتابعة القضائية والطرد من صفوف الحركة التي تخلت عنهما خوفا من الفضيحة. لاشك أن التحكم في الظاهرة، يتطلب دراسة معمقة لطبيعة المجتمع الذي يجعل من الفضائح، الأخلاقية تحديدا، مادة للتداول والتشفي من الآخرين بسبب وضعياتهم أو الاجتماعية أو مواقعهم السلطوية، وهي دراسة يفترض أن توكل إلى الباحثين في علم النفس الاجتماعي باعتبارهم مختصين في فهم السلوك المجتمعي، للكشف عن العوامل التي تثير سلوك الفرد في استجابته للإثارة الاجتماعية، باعتبار أن عوامل الإثارة والظروف التي تحيط بها والسياق الذي يتطور فيه "الخبر- الفضيحة"، كلها مؤثرات داخلية تشكل جزءا من الشخصية المغربية. لا شك أن التشهير بالسياسيين، كحالة نفسية، تغذيه رغبة في الانتقام من هذا السياسي الذي يرمز إلى السلطة في نهاية المطاف، وبذلك فإن التعاطي مع هذه الفضائح يكون من هذا المنطلق، ويدعمه جهل اجتماعي لا يعير لخصوصيات الناس اعتبارا، ويعتبر أن كل ما يرد إليه من صور أو مقاطع فيديو حول شخصيات عمومية، هو مِلكٌ جماعي مشاع للتشهير. إحسان الحافظي

التشهير… جوانب من الشخصية المغربية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المغاربة وثقافة "الشوهة"

حكماء "الكتاب" نصحوا بنعبدالله بالصمت

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات