دراسة: المصادقة على البروتوكول الاختياري للاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب (الحلقة الأولى)

خطوة في الاتجاه الصحيح وللقطع مع ممارسات الماضي أعلن وزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة، عقب مجلس الحكومة المنعقد يوم الخميس 26 مايو الماضي عن مصادقة هذا الأخير على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة. بهذه المبادرة التي تنسجم مع توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، يتقدم المغرب خطوة إلى الأمام في الاتجاه الصحيح للقطع مع كل ممارسات الماضي، البعيد والقريب، وترسيخ بناء دولة الحق والقانون، قوامها احترام الدولة بكل أجهزتها، المعلنة وغير المعلنة، للحقوق والحريات الشخصية والجماعية المعترف بها دوليا، وانضباط الجميع دولة وأفراد وجماعات لما يفرضه القانون من حقوق وواجبات.ولا شك أن كل المعنيين بمجال حقوق الإنسان والمتتبعين له قد استبشروا خيرا بهذه الخطوة وتمنوها، إلا أن تفعيل هذه الأداة يمر عبر التعريف بمضمونها، وإبراز أهدافها وتوضيح طرق اللجوء إليها، حتى يكون كل مواطن على علم تام بما تضمنه له من وسائل قانونية لمواجهة خطر التعذيب.قبل ذلك، لا بأس من تقديم لمحة مقتضبة عن المساعي الدولية للقضاء على ظاهرة التعذيب الذي كان وما يزال يعد من أنجع وسائل الاستنطاق وانتزاع الاعتراف، وضرب من ضروب العقاب. وقد خلفت لنا الحضارات القديمة أدوات عديدة وطرقا تفننت في إبداعها ابتدعتها وحشية وسادية محترفي التعذيب.ومع حلول عصر الأنوار، وبزوغ فلسفة حقوق الإنسان، تعززت الأصوات التي ما فتئت تندد مند العصور القديمة بظاهرة التعذيب، وقد أكد التصريح المتعلق بحقوق الإنسان والمواطن الصادر عن الجمعية الوطنية الفرنسية سنة 1789 حق مقاومة الظلم كحق طبيعي، كما نص على أن تُعاقب بشدة كل صرامة زائدة لا تفرضها ضرورة ضبط الشخص المشبوه فيه.إلا أن الإشارة صراحة إلى التعذيب جاءت مباشرة بعد ما عاشه العالم من انتهاكات رهيبة لحقوق الإنسان خلال الحرب العالمية الثانية، إذ جاء في المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 1948/12/10." لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة ".هذه الإدانة الصريحة للتعذيب والمعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة، سوف ترد في ما بعد، وبشكل منتظم، في العديد من الإتفاقيات الدولية كالعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية 1976/3/23 ( المادة 7) والمعاهدة المتعلقة بحقوق الطفل 1990/9/2 (المواد 19، 28 و 37) والمادة 5 من نظام المحكمة الدولية الجنائية الخاصة بيغوسلافيا سابقا لسنة 1993، التي أوردت التعذيب ضمن الجرائم التي تختص المحكمة ذاتها بالنظر فيها.الاختصاص نفسه خولته المادة 3 من نظام المحكمة الدولية الخاصة برواندا لسنة 1994، وأوردته المادة 7 من نظام المحكمة الجنائية الدولية.وبذلك أصبح التعذيب ضمن الجرائم الخطيرة التي ينبدها القانون الدولي الإنساني ويحث على تجريمها والمعاقبة عليها دوليا.أما الاتفاقية الدولية التي اعتنت بالتنديد بظاهرة التعذيب فهي اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة، التي صادقت عليها الجمعية العمومية لهيأة الأمم المتحدة يوم 1984/12/10، إلا أن هذه الاتفاقية لم تعالج مشكل الوقاية من التعذيب الذي كان يشغل بال العديد من الحقوقيين ورجال القانون، إذ في سنة 1978 اقترح الكاتب العام للجنة الدولية لمحكمة العدل الدولية إحداث خلية لزيارة أماكن الاعتقال، كما تقدمت كوسطاريكا سنة 1980 بمقترح بروتوكول اختياري في هذا الصدد. إلا أن المجهودات الدولية كانت منصبة آنذاك على هدف واحد هو إخراج الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب إلى الوجود.وبعد دخول الاتفاقية حيز التطبيق يوم 1987/6/26، انكب المجتمع الدولي على وضع البروتوكول الاختياري الذي صادقت عليه الجمعية العامة يوم 18 دحنبر 2002 ودخل حيز التطبيق يوم 2006/6/22. II) ملاءمة التشريع المغربي للاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب:بعد أن صادق المغرب على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب في 21 يونيو1993، أصدر القانون رقم 1-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية الذي أورد مقتضيات تفرض على النيابة العامة أو قاضي التحقيق، حسب الحالة، إجراء فحص طبي على المشتبه فيه، إذا طلب منهما ذلك، أو عاينا عليه آثارا تبرر هذا الإجراء، كما أورد القانون نفسه ترتيبات تسمح للمشتبه فيه الموضوع تحت الحراسة النظرية بالاتصال بمحام في ظروف تكفل سرية المقابلة.بعد ذلك، وإثر التوصيات التي توصل بها من اللجنة الأممية لمناهضة التعذيب، المنبثقة من الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، في سياق التقرير الذي رفعه إليها سنة 2003، باشر المغرب في 23 فبراير 2006 تعديلا على القانون الجنائي، بإصداره القانون 04/43 الذي تمم الفرع الثالث من الباب الثاني من الجزء الأول من الكتاب الثالث الذي أصبح يحمل عنوان " شطط الموظفين في استعمال سلطتهم إزاء الأفراد وممارسة التعذيب"،. وأضاف إليه المواد من1-231 إلى 8-231 التي تناولت تعريف التعذيب وتجريمه.كما بادر المغرب سنة 2006 كذلك إلى رفع التحفظات التي كان قد سجلها على المادتين 20 و21 من الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، التي تخول للجنة مناهضة التعذيب الاختصاص بالتحقيق في المعلومات التي تتلقاها أو البلاغات التي ترفعها إليها دولة طرف ضد دولة طرف أخرى لا تفي بالتزاماتها المترتبة عن الاتفاقية. وأعلن بالمناسبة نفسها اعترافه باختصاص اللجنة المذكورة في تلقي ودراسة البلاغات الواردة عليها من الأفراد الذين يدعون أنهم ضحايا لانتهاك دولة يخضعون لولايتها القانونية، أو دولة طرف في الاتفاقية.ومنذ أن رفع المغرب تحفظاته على المادتين 20 و 21، واعترف باختصاص اللجنة المقرر في المادة 22، لم يعد هناك أي مبرر لعدم المصادقة على البروتوكول الاختياري للاتفاقية، الذي صادقت عليه الجمعية العامة لهيأة الأمم المتحدة يوم 2002-12-18 ودخل حيز التنفيذ ثلاثين يوما بعد تلقي صك التصديق العشرين، أي يوم 2006/6/22. بقلم: محمد بن عبد الصادق: محام

دراسة: المصادقة على البروتوكول الاختياري للاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب (الحلقة الأولى)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ورزازات تحتضن الدورة الثانية لمهرجان إكلان

تجارية الرباط تبت في نزاع بين مقاولة ومدير شركة لمولاي هشام

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات