روح “مجنون ليلى” بمهرجان فاس للموسيقى الروحية

لوحة غنائية جسدت قصة الحب الشهيرة ببعدها الفني الراقي انبعثت روح ليلى عشيقة قيس المجنون بحبها، ليلة الجمعة الماضي، بفضاء باب الماكينة بفاس، لتربط الماضي بالحاضر، في تجانس عاد بآلاف الحضور، إلى قلب التاريخ، لاستحضار قصة حب مجنون غارق في عذريته وصوفيته، صدحت برمزيته، حناجر من عدة جنسيات بلغات مختلفة لم تكن حائلا دون الفهم. بحماس دقت طبول ولا أكبر في الوجود منها، إيذانا بانطلاق رحلة عودة إلى الماضي الذي لم ولن يدفن. صمت مريب في ساحة تستنشق عبق التاريخ، رغم ضيقها بما وسعت. الآذان في كامل الاستعداد للإنصات، والأعين التصقت بمنصة لم تخل من إبداع بلمسات ساحرة كما حب قيس لليلى. "ماتت ليلى ولم يعرف بموتها قيس"... هذا ما قاله راوي تلك اللوحة الغنائية الجميلة، المتحدث بإسهاب عن هذا الحب الذي قد لا يكون في تاريخ البشرية مثيل له ولا في قصة روميو وجولييت وعنتر وعبلة وكثير وعزة وآخرين ممن تداولت الأساطير، حكاياتهم المثال في الإخلاص، بشكل كتب له الخلود.حين مرضت ليلى وأحست بقرب الموت، ألحت في طلب قيسها الذي لم تكن تطيق فراقه ولو للحظة، لتراه لآخر مرة، ما لم يكتب لهما.. بست لغات بينها العربية والفرنسية والفارسية والتركية، سردت قصة غرام ليلى وقيس ببعضهما، في انطلاق مهرجان فاس الغارق في روحانيته وروحيته. أبدع الراوي ناصر خميس، وهو يستعيد شريط "مجنون ليلى" أو "الحب الصوفي"، في لوحة غنائية ممسرحة، شارك في إبداعها نحو 40 فنانا وفدوا على فاس، من عدة بلدان من آسيا والشرق والغرب، لإحياء هذه الحكاية ذات الصيت العالمي، داقين جرس انطلاقة الدورة 17 من مهرجان فاس. بحبكة سردية جميلة، حكى الراوي قصة هذا الحب المجنون، إلى حين وفاة ليلى وبعدها مجنونها قيس الشاب الوسيم والذكي والثري الموهوب شعريا، دون أن يؤثر على حبهما، إبعاده وحرمانه من رؤية عشيقته والتحدث، سبب جنونه، وانقطاعه عن كل ما له صلة بالحياة الاجتماعية.تحكي الأوبريت التي أبدعها أرمون عمار، تفاصيل ذلك، وكيف هام قيس على وجهه في الصحراء، في لوحة احتفت بالحب المطلق باعتباره صورة للسعي الصوفي الحقيقي، في سبع لحظات شعرية، بالعربية والفارسية والتركية وديكور يحيل على الصحراء بكل عذريتها. يقول فوزي الصقلي، المدير العام للمهرجان، إن اختيار ملحمة «مجنون ليلى»، ليس عبثا أو اعتباطيا، بل هو ربط للاتصال والتواصل مع كل تلك الذاكرة الهائلة التي مرت بها هذه القصة عير الفروع، وتجسدت معاينها بشكل عميق في كل الشعر الصوفي عبر العصور منذ وجودها قبل الإسلام. وتحدث خلال الندوة الصحافية المنظمة صباح الجمعة الماضي لتقديم بعض أعضاء الفرقة المستهلة بمقتطف من هذا العرض، عن دخول قصة العشيقين، في أدبيات الحضارة الإسلامية، وأخذها مفاهيم أخلاقية وإنسانية وصوفية، مشيرات إلى الكلام الكثير الذي زخر به الشعر الصوفي. هي حكاية للحب الأسطوري، ظهرت بالجزيرة العربية قبل مجيء الإسلام، وتناقلتها مختلف الأجيال والثقافات، لتمتد من الشرق إلى الغرب، وتربط بين ثقافات كثيرة تلونت القصة بألوانها وأشكالها الثقافية والتاريخية. وتلخص النموذج الأمثل للمفاهيم الصوفية الإنسانية الراقية في الحب. فوق خشبة باب المكينة، حاول الفنانون الأربعون، تجسيد القصة عبر لوحة فنية رائعة، على إيقاعات مختلفة بتباين اللغات الست وجنسياتهم، وفي خضم قصائد شعرية جسدت حكاية عشق جنوني تاريخي، مفعمة ببعد إنساني لا يخضع إلى أي بعد جغرافي، وحب تتقنه كل لغات العالم.رمال، منعرجات، صحارى.. تغطي الخشبة لتركيز هذا الحب العميق، بطريقة فنية رائعة أبدعها التشكيلي ماحي بينبين، وزادتها وسيلة العرض، روعة، لخصت سبعة أزمنة شعرية بالعربية والتركية و»البيرسان»، بأصوات راقصين وموسيقيين كلاسيكيين، أحيوا ذاكرة حب عالمي الشعور والإحساس. أرمان عمار مبدع هذا العمل، أبدى خلال الندوة الصحافية المذكورة، سعادته لعرضه في افتتاح المهرجان الذي قال إنه أكبر مهرجان روحي، متحدثا عن سعيه إلى تحقيق التواصل اللازم في اللوحة، بين الموسيقى العربية والإيرانية والأمريكية وألوان فنية أخرى من مختلف البلدان. وتحدث هذا المخرج السينمائي، عن رحلة موسيقية وشعرية من التراث العظيم للشرق والعرب وبلاد فارس وآسيا والغرب، تتخللها سبع محطات غنائية ومقدمة موسيقية دينية وخاتمة، قبل أن تبحر في قصائد وروايات وأغان بالعربية والكردية والهندية والبنغالية والباتشو والأوردو. وشارك عدة فنانين في هذه الملحمة، بينهم نزيهة مفتاح من المغرب، وسلار أغيلي وأريانا فاداري من إيران، وأسيف علي خان وماسوميح من باكستان، وغومبو دورج بيامباجارغال وانكهاجارغال داندارفاشيغ الملقب ب»ايبي» من منغوليا، وزملاء لهم من أذريبدجان وشنغهاي وراجستان وبوليفيا. حميد الأبيض (فاس)

روح “مجنون ليلى” بمهرجان فاس للموسيقى الروحية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مراكش تحتضن تظاهرة "رؤى متعددة"

رأي: جمعية هيآت المحامين ترفض فرض المفوض القضائي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات