الشأن التربوي بين مصلحة موظفيه وحقوق متعلميه

شهد قطاع التربية الوطنية خلال الموسم الدراسي الحالي ارتفاعا في وتيرة الاحتجاجات، التي يمكن إجمالها في وقفات أمام البرلمان، والوزارة، والنيابات الإقليمية، وإضرابات قطاعية على الصعيد الوطني، الجهوي، والإقليمي، وهي محطات يرى رجال التعليم أنها مشروعة من شأنها أن تساهم في انتزاع حقوق مهضومة، أو استرجاع مكتسبات التفت عليها الإدارة، وإذا كان الموت واحد، والأسباب متعددة، فإن أسباب قيام هذه الحركات الاحتجاجية وذرائعها، وإن كانت متعددة، فنتيجتها الحتمية واحدة، لا يكتوي بنيرانها إلا التلميذ، باعتباره أضعف حلقة في هذه المحطات التي يعتبرها منظموها "نضالية"، تشكل هاجسا مقلقا يعرقل المنظومة التربوية وتؤثر سلبا على المردودية، وبالتالي تحول دون بلوغ الأهداف المتوخاة من البرنامج الاستعجالي، ودعاماته، خصوصا المتعلق منها بتأمين الزمن المدرسي وزمن التعلم.وقد أثرت الحركات الاحتجاجية سلبا على السير العادي للدراسة وعلى المرفق العمومي التربوي، الذي يتغذى من ضرائب تحصلها الدولة من مواطنين يحرم أبناؤهم من التحصيل.ويضاف وزر الحركات والإضراب عن العمل والوقفات التنديدية إلى وزر آخر تتجلى معالمه ونتائجه في تغيبات رجال التعليم، إما لأسباب موضوعية أو لأخرى ذاتية. فالأولى ناتجة عن الرخص المرضية، وما أدراك ما الرخص المرضية ورخصة الولادة، والأغراض الشخصية ومتابعة الدروس الجامعية، والثانية غير قانونية ناتجة عن ما يصطلح عليه"السليت" أو "حسي مسي" عدد أيامه المتستر عليها والتي لم تضبط من طرف المسؤولين، أكثر من التي تم اكتشافها.وكانت وزارة التربية الوطنية أعلنت مع بداية الموسم الدراسي الحالي عن إجراءات جديدة تتعلق بالتصدي لظاهرة الغياب، وأصدرت بتاريخ 06 شتنبر 2010 مذكرة تحمل رقم 154 في موضوع "تأمين الزمن المدرسي وزمن التعلم" اعتبرها بعض رجال التعليم مجرد اتهامات ضدهم، وهي مزاعم شأنها أن تضرب لكن واقع الحال يجعل من ضياع الزمن المدرسي ظاهرة تعصف بمستقبل المتعلمين وتحرمهم حقهم في التحصيل بغض النظر عن الأسباب والدواعي. وحددت المذكرة مساطر من شأنها التصدي لظاهرة الغياب الجماعي والفردي، عن طريق إرساء آليات الشفافية، وضبط التغيبات، مع الارتكاز على المقاربتين البيداغوجية والإدارية. ويرى الآباء وبعض رجال التعليم، أساتذة ومديرين ومفتشين، أن سن القوانين يبقى دون جدوى، إذا ما تعذر تفعيلها وتطبيقها تطبيقا صحيحا، وهذا يقتضي تحديد المسؤوليات، وإرجاع حق تطبيق مساطر الانقطاع عن العمل في حق رجال التعليم إلى المديرين بصفتهم رؤساء مباشرين للعاملين تحت إمرتهم، بدل سطو المصالح الإدارية والتربوية الراكنة داخل مكاتب بمقرات النيابات، وتحويله مقايضة لإرضاء النقابات. وقد يعتقد المرء أن رد الاعتبار إلى الإدارة التربوية كاف للتصدي لكل أشكال التغيبات، لكن هذا اعتقاد خاطئ ما دام لم يدعم برد الاعتبار لدور المفتش التربوي، ليصبح شاملا، لا يقتصر على تحرير تقرير زيارة أو تفتيش أو تحرير مراسلة تسلم لأعوان إداريين وملحقين تربويين، فتبقى رهينة الرفوف، وأحيانا المساومة والمقايضة، فتفقد المراقبة التربوية مصداقيتها وتضعف نجاعتها، ويصاب المفتش بخيبة الأمل والإحباط.أما الجانب الآخر المتسبب في ارتفاع هدر الزمن المدرسي، فيكمن في الإضرابات القطاعية، والتي نجملها في تلك التي تدعو إليها المركزيات النقابية، وأخرى تنفذها المكاتب النقابية الجهوية، وأشكال أخرى تلجأ إليها المكاتب المحلية وفروع النقابات التعليمية.ويرى كل من تحدثت إليهم "الصباح"، أن ظاهرة ضياع الزمن المدرسي أصبح يتخذ منحى خطيرا على مستقبل التلميذ، ويحدث تحت ذرائع مختلفة منها ما هو موضوعي، ومنها ما هو ذاتي، وهكذا تأتي الحركات الاحتجاجية لرجال التعليم تحت عناوين متعددة، تارة باسم التضامن مع فئة من الأساتذة، وتارة للمطالبة بتحسين الوضعية المادية والمعنوية، وتحقيق مطالب "مشروعة"، لكن بعضها لا يجد تفسيرا منطقيا، بقدر يدخل الإضراب في خانة "العطلة المؤدى عنها أو الغياب من أجل الغياب"، وهي حركات احتجاجية بعضها لا يخضع لمبدأ نقابي أو سياسي بقدر ما يجد فيه بعض المضربين فرصة لتوفير زمن وحصص لتقديم دروس بمؤسسة خصوصية، أو ساعات إضافية داخل منازل سكنية شخصية تحولت إلى مدارس للتعليم الخصوصي غير مرخص لها، وهي منازل لا تخضع للمراقبة الإدارية والتربوية وخارجة عن القانون المنظم لمثل هذه المدارس والمعاهد. ويعتبر فاعلون تربويون تحدثت إليهم "الصباح" بعض الحركات الاحتجاجية التي ينظمها رجال التعليم واحدة تلو الأخرى منكرا، يجب التصدي إليه ضمانا وصونا لحق التلميذ في التعليم، واعتبروا الأخير أضعف حلقة عند المحتجين والمتغيبين عن مقرات عملهم تحت ذريعة الإضراب عن العمل حق يكفله الدستور، غير آبهين بأن حق الإضراب مشروع فعلا، لكن حق الدولة في اقتطاع أجره تصونه التشريعات الرسمية من جهة، وأن حق الإضراب عن العمل لا يعني مغادرة مقرات هذا الأخير، إذ أن المضرب مطالب بالحضور إلى مقر عمله وله أن يزاول عمله، أو أن يضرب عنه مع بقائه خلال حصص استعمال الزمن بالمؤسسة التي ينتسب إليها.ويتضح من خلال دراسة أولية لانتماءات بعض الأساتذة إلى نقابة معينة ذات لون معين، لا يترددون في المشاركة في كل الإضرابات التي تدعو إليها نقابات أخرى لم تنسق مع نقاباتهم، وهو سلوك يفرغ الاحتجاج من مبادئه ومن أهدافه النضالية الرامية إلى انتزاع حقوق والحفاظ على مكتسبات، فيتحول إلى عطلة مؤدى عنها، غير واردة في مقررات ومراسيم وزارة التربية الوطنية.إن ارتفاع وتيرة الحركات الاحتجاجية واسترسالها على امتداد الموسم الدراسي، لم يواكبه تفعيل مساطر الغياب، وتدخل الوزارة للحد من العبث الذي يكون أحيانا نواب الوزارة من بين أبطاله كما هو الحال بالنسبة إلى نيابة تازة( نموذجا).واستنفرت هذه الوضعية، التي عصفت بالسنة الدراسية، فأصبحت قاب قوسين أو أدنى من سنة بيضاء، آباء وأمهات التلاميذ وأوليائهم، وأصبحوا يتحدثون عن الانتفاض ضد رجال التعليم الذين سحب معظمهم أبناءهم من التعليم العمومي، وسجلوهم في المؤسسات الخصوصية، وهو ما ينطبق عليه القول "وشهد شاهد من أهلها". فهل من منقذ لتأمين الزمن المدرسي وزمن التعلم؟ عبد السلام بلعرج (تازة)

الشأن التربوي بين مصلحة موظفيه وحقوق متعلميه

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

القفطان المغربي نجم حفل نوال الزغبي

جودة التعليم تتوقف على حل مشاكل رجاله

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات