“حراس المعبد” يعرقلون إصلاح المادة الدينية

الخبير التربوي المكي ناشيد قال إن الجهات الداعمة للإيديولوجية الدينية المهيمنة تعرقل التوجيه الملكي قال المكي ناشيد، الخبير في النظريات التربوية وعلوم الإدارة والتشريع المدرسي، إن مؤامرة تحاك ضد التنزيل الحقيقي للتوجيه الملكي الخاص بإصلاح المادة الدينية في المناهج المدرسية، متهما، في حوار لـ"الصباح"، "حراس المعبد" من الجهات الداعمة للإيديولوجية الدينية المهيمنة بزرع الألغام في طريق ثورة تربوية حقيقية. أجرى الحوار: يوسف الساكت انتهت الولاية الحكومية الحالية، دون الاستجابة الفعلية للقرار الملكي بإصلاح فعلي للمادة الدينية، أو مواد التربية الإسلامية، إذ مازال التخبط سيد الموقف إلى حد الآن. لعل أسوأ ما وقع للحكومة الحالية هو أن تنهي ولايتها بالانهيار المدوي لمنظومتنا التعليمية إلى درجة فشل معها كل من وزيري التربية الوطنية والأوقاف والشؤون الإسلامية في الاستجابة للقرار الملكي القاضي بإصلاح منهاج التعليم الديني بالمدرسة المغربية بعد ما استحال فك الحصار المضروب حول المقررات الجديدة بما أثير حولها من مشاحنات وصراعات ساخنة شوهت المنتوج وأعاقت عملية الإصدار، ليطرح السؤال: من المستفيد من هذا التعطيل المعيق لعملية إصلاح المادة الدينية ولو أن الأمر يتعلق بقرار ملكي؟ من المستفيد في نظركم من هذا التعطيل؟ قبل أن أقارب سؤالك، دعني أعود إلى السياق العام، وأخبرك بأن موضوع إصلاح المادة الدينية كثيرا ما أرقني، ومن غريب الصدف أنه في الوقت الذي كنت منشغلا، فكريا، في وضع الخطوط العريضة لفكرة ثورية لإصلاح لهذه المنظومة، صدر قرار سياسي من أعلى مستوى في الدولة عبر بلاغ صادر عن المجلس الوزاري المنعقد بالعيون يوم 6 فبراير الماضي، يؤكد على ضرورة "مراجعة البرامج والمقررات الدراسية للتعليم الديني حتى لا يستمر لدينا مثل هذا الفهم المنحرف لديانتنا الإسلامية السمحة"، كما يقول جلال الملك. هذا الفهم المعلن عنه في التوجيه الملكي يتقاطع مع ما كنا نفكر فيه، إذ سجلنا أن هناك في برامجنا لهذه المادة الدينية فهما سطحيا يستند إلى تأويل مغرض للدين يحتوي على شحنات قوية من الغلو والتعصب والتطرف. وفي المجلس الوزاري نفسه، صدرت تعليمات ملكية لوزيري التربية الوطنية والأوقاف والشؤون الإسلامية "بضرورة مراجعة مناهج وبرامج ومقررات تدريس التربية الدينية سواء في المدرسة العمومية، أو التعليم الخاص، أو في مؤسسات التعليم العتيق، أو في اتجاه إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة، والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية وفي صلبها المذهب السني المالكي الداعية إلى الوسطية والاعتدال وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية (.....) وعلى التفاعل الإيجابي والانفتاح على مجتمع المعرفة وعلى مستجدات العصر". كيف تفاعلتم مع هذا التوجيه الملكي؟ ما يمكن أن نخلص إليه من قراءتنا لمحتويات هذا البلاغ، أنه صادر عن قراءة تشخيصية دقيقة لواقع تعليمنا، ويكشف عما يعتري منظومتنا التربوية من أعطاب واختلالات يمكن تلخيصها من خلال نص البلاغ، في سيادة الفهم المنحرف لديانتنا الإسلامية. ولتجاوز ذلك الانحراف ومعالجة سوء الفهم، يطرح البلاغ توجها جديدا يقوم على محورين أساسيين وهما: أولا، اعتماد التعليم الديني مبادئ التسامح والتعايش مع الآخر كيفما كان لونه أو جنسه أو دينه أو عرقه، وثانيا، التفاعل الثقافي مع الغير والانفتاح على مختلف العلوم والمعارف الأخرى. إن القول، عن طريق البلاغ الملكي، بضرورة اعتماد هذا التوجه المنفتح أساسا لأي إصلاح في التعليم الديني، وأن يأتي ذلك في هذا الظرف بالذات من تاريخ المغرب المتسم بالكثير من مظاهر العنف والتشدد، والغلو في الدين، هو ما يسمح بالقول بأننا قد أصبحنا على مشارف ثورة تربوية غير مسبوقة في تاريخ منظومتنا التعليمية، ثورة من شأنها أن تخلخل أركان منهاجنا التربوي/التعليمي القائم، وتهد أركانه من أساسها لتعيد بناءه على ضوء متطلبات العصر ومعطياته الراهنة. ماذا وقع بعد ذلك، هل تحسون أن هناك أيادي خفية لعرقلة هذا التوجه، وكيف؟ دعني أشرح لك. إن جميع الثورات المجتمعية والفكرية والتربوية الحقيقية لم تجد الطريق أمامها سالكا لتحقيق مراميها، فبالأحرى أن يتحقق ما ترمي إليه من إصلاح للتربية الدينية بما في ذلك تحديث مواضيعها وعقلنة برامجها وتطوير أساليبها. ذلك لأنه، ومن أجل المحافظة على الوضع الراهن كما تريده بعض الجهات الداعمة للإيديولوجية الدينية المهيمنة، فقد سبق أن أقيم من طرف علماء الدين منذ زمن بعيد جدار سميك يحيط بالمسألة الدينية فيحصنها ويسيج امتداداتها المخترقة للنسيج الاجتماعي، وهو جدار ليس من السهل على أي كان تجاوزه بالتدخل في شأن التعليم الديني المحصن من قبل "حراس المعبد"، الذين لا يكتفون من الدين بما هو عقدي تعبدي فقط، وإنما يحتكرون بشكل تسلطي كل ما يتعلق بالدين ولو كان الأمر يعني المنهاج التربوي/التعليمي الذي يحتاج للبت فيه إلى متخصصين في مجالات علوم التربية وعلم نفس الطفل والبيداغوجيا حتى يتأتى اختيار المادة الدينية عن علم بما يناسب، أو لا يناسب فئة عمرية معينة من التلاميذ، وعلى أساس ذلك يتم انتقاء المواضيع بما فيها من سور قرآنية، وأحكام شرعية وغير ذالك من مواضيع ومحتويات مختلفة. هذا كلام خطير يمكن أن تكون له تداعيات في ساحة النقاش العمومي.. (يقاطع)، أنا لا أتحدث من فراغ، بل استنادا على وقائع وخبرة طويلة في الميدان، والدليل على ذلك أنه ما إن طرح موضوع إصلاح التعليم الديني في الساحة العمومية، حتى ثارت حفيظة العديد من الجهات المتأسلمة، أو ذات المرجعية الدينية: أحزاب سياسية وحركات جمعوية ودعوية، أو سياسية، كما ثار ضدها قياديون حزبيون وأعضاء برلمانيون، بل ومن بينهم من يعتبر عضوا في المجلس الأعلى للتربية والتكوين. ولربما أن هؤلاء الرافضين والمعارضين لم ينتبهوا إلى أن موضوع الإصلاح قد صدر بقرار من الملك الذي هو في الوقت نفسه أمير المؤمنين، ومع ذلك فقد صدرت عنهم ردود أفعال قوية ضد هذه الدعوة الملكية إلى الإصلاح، يمكن أن نسجل منها، أن من بين المعارضين من عبر عن تخوف من محاولة تحجيم التربية الإسلامية، وأن استهدافها يفسح المجال أكثر لتفشي هذا النوع من الانحراف الفكري والعقدي. ويوجد من بين المعارضين من تقدم يبرئ المادة وكأنها توجد في قفص الاتهام، حينما قال أحدهم في استجواب صحافي، إنه لا وجود لدراسة علمية موضوعية أثبتت صحة مزاعم مسؤولية التربية الإسلامية عن ظواهر التطرف والإرهاب، وإنما كل ما يقال في هذا الخصوص، هو مجرد انطباعات لمواقف إيديولوجية. بل ذهبت إحدى الجماعات الإسلامية المعروفة، إلى حد اعتبار الدعوة إلى مراجعة برامج التربية الدينية، عبثا بـ"الشأن الديني"، وقالت في إحدى الافتتاحيات على موقعها، إن قرار السلطة بمراجعة مناهج وبرامج تدريس التربية الدينية يحمل في رحمه مشاريع يراد بها ضرب آخر الحصون التي تحمي دين المغاربة من أن تخرقها الأيادي العابثة بأقدس مقدس لدى الشعب المغربي. جهات خارجية على الخط لكن هذه الدعوات تبقى معزولة في المجتمع. إن التيارات المناوئة لإصلاح مادة التربية الإسلامية مدعومة من قبل جهات قد تكون داخلية، أو خارجية أو هما معا، تهدف من وراء إصرارها في المعارضة والرفض، إلى الوقوف سدا منيعا ضد أي تغيير أو إصلاح يمس التعليم الديني، لأنهم يرون في ذلك امتدادا لإصلاح ديني شامل، ما يعتبر مسا بسلطتهم الدينية التي يتحكمون بواسطتها في البلاد والعباد، ما دام وحدهم من يدعي أنه يملك أسرار الغيب، ومن بيده مفاتيح الجنة يمنحها لمن يشاء،ويغلقها في وجه من يشاء. ويبقى السؤال نفسه يطرح باستمرار: كيف لهذا الإصلاح التربوي، ولتلك الثورة في التعليم الديني بالمغرب أن يتحققا مع وجود مثل هذه العوائق والألغام المزروعة في طريقهما بشكل سافر ومكشوف؟ في سطور شهادة الأهلية التربوية 1967. أستاذ علوم التربية ودرس في عدد من مؤسسات التكوين. مكون في علوم التربية والنظريات التربوية والبيداغوجيا وعلم النفس التربوي والمقاربات البيداغوجية والديداكتيك وعلوم الإدارة والتشريع المدرسي. له عدد من الإصدارات والمنشورات، منها كتاب "التربية بين الاقتباس وإشكالية التأسيس"، وكتاب "السياسة التعليمية بالمغرب بين أزمة الإصلاح وإصلاح الأزمة" ودراسة علمية حول "التربية والصورة النمطية للنوع الاجتماعي"، وعدد من البحوث الميدانية، إضافة إلى مقالاته التأسيسية المنشورة ضمن الملف التربوي لجريدة "الصباح" من 2006 إلى 2010.

“حراس المعبد” يعرقلون إصلاح المادة الدينية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

البيئة والتنمية في صلب التنافس بخريبكة

فدرالية اليسار بأكادير تراهن على خطف مقعد

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات