رأي: إصلاح منظومة العدالة من خلال الخطب الملكية (2/2)

الضمانات المخولة للقاضي لا يجوز أن تفسر بأنها امتياز تفضيلي في إطار النقاش الدائر حول إصلاح القضاء، والارتقاء به إلى سلطة مستقلة، يعمل طيب محمد عمر محام بالبيضاء، خلال هذه الورقة على بلورة النقاط المهمة في الإصلاح من خلال جرد ما تضمنته الرسائل والخطب الملكية في هذا الشأن، والتي أكدت أن المفهوم الجديد للسلطة المعلن عنه منذ سنة 1999 يسري على العدالة بجعل القضاء في خدمة المواطن، والإعلان عن التفكير في خلق هيأة استشارية قارة، تتيح للقضاء الانفتاح على محيطه، وتشكل إطارا مؤسسيا للتفكير وتبادل الخبرات، بشأن القضايا ذات الصلة بالعدالة. "وإننا لنعتبر الإصلاح الجوهري للقضاء، حجر الزاوية في ترسيخ الديمقراطية والمواطنة لدى شبابنا وأجيالنا الحاضرة والصاعدة، لذا ننتظر من الجميع الانخراط القوي في كسب هذا الرهان الحيوي، بروح الثورة الدائمة للملك والشعب، على درب استكمال بناء مغرب العدالة، التي نريدها شاملة، بأبعادها القضائية والمجالية والاجتماعية (خطاب يوم 20 غشت 2009).إن الخطب الملكية موجهة إلى كل مكونات منظومة العدالة، ولا تقتصر على القضاة وحدهم، فالمحامون مسؤولون عن الإسهام في أن يسود القانون، وفي إحقاق الحقوق ورفع المظالم وترسيخ دولة الحق والمؤسسات، والعمل بكافة الوسائل على توسيع مجال الحريات، وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان، بكل أبعادها الكونية.كما أن توطيد الثقة والمصداقية في القضاء الفعال والمنصف ليكون عمادا للأمن القضائي، والحكامة الجيدة، ومحفزا للتنمية وليواكب التحولات الوطنية والدولية، ويستجيب لمتطلبات عدالة القرن الحادي والعشرين، من مسؤوليات المحامين قبل غيرهم من ضباط الشرطة القضائية وخبراء وموثقين وكتاب الضبط والمفوضين القضائيين، ومن مسؤوليات الجميع تعزيز ضمانات استقلال القضاء وتحديث المنظومة القانونية، وتأهيل الهياكل والموارد البشرية بالتكوين والتكوين المستمر والرفع من النجاعة القضائية وتبسيط وشفافية المساطر، وتسريع وتيرة معالجة الملفات، وتنفيذ الأحكام .ومن مسؤوليات المحامين الإسهام في الوساطة والتحكيم والصلح والرفع من جودة الأحكام بتحسين مستوى خدماتهم المقدمة للمحاكم وللمتقاضين، بأن يكون أداؤهم كأداء القضاة مسؤولا، مع شعورهم بأن تخليق الحياة العامة، والمنظومة القضائية خاصة يقتضي ربط ممارسة المهنة بالمراقبة والمحاسبة، دون أن يغفلوا هم وغيرهم من المهنيين عن تعميق دمقرطة وتحديث هيآتهم وعقلنتها، وحسن اختيار ممثليهم تنبذ العبث والمزايدات والديماغوجية والوصفات الجاهزة وفي هذا الإطار، يقول جلالة الملك، "على أساس برامج ملموسة وهادفة، وليس شعارات فارغة مبتذلة للإصلاح والتغيير، فمن شأن ذلك أن يفضي إلى مزايدات عبثية، شعارها: "إصلاح الإصلاح وتغيير التغيير". (خطاب يوم 30 يوليوز2007)."فتحديات مغرب اليوم، لا يمكن رفعها بوصفات جاهزة أو بإجراءات ترقيعية أو مسكنة أو بالترويج لمقولات ديماغوجية ترهن الحاضر بالهروب إلى مستقبل نظري موهوم، إن أساس نجاح أي إصلاح، يكمن في ترسيخ الثقة والمصداقية والتحلي بالأمل والعمل والاجتهاد، وعدم الانسياق لنزوعات التيئيس والتشكيك والعدمية، خاصة في الظروف الصعبة "(خطاب يوم 30 يوليوز2008).فالنصوص مهما بلغت دقتها ومسمياتها تبقى غير كافية ما لم تعرف حسن التفعيل، وهكذا فإن الواضح من نص الخطاب الملكي يوم 10/10/2003 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابعة : "وجهنا رسالة ملكية إلى وزيرنا في العدل، وقد أوضحنا فيها أن هذه المدونة، مهما تضمنت من عناصر الإصلاح، فإن تفعيلها يظل رهينا بإيجاد قضاء أسري عادل، وعصري وفعال، لاسيما وقد تبين من خلال تطبيق المدونة الحالية، أن جوانب القصور والخلل لا ترجع فقط إلى بنودها، ولكن بالأحرى إلى انعدام قضاء أسري مؤهل، ماديا وبشريا ومسطريا، لتوفير كل شروط العدل والإنصاف، مع السرعة في البت في القضايا، والتعجيل بتنفيذها"."بيد أن هذا النص المؤسس (المقصود هو قانون الأحزاب) سيبقى، مهما تكن مصداقيته، مجرد إطار تشريعي، ما لم يبادر الفاعلون السياسيون إلى إضفاء الدينامية الضرورية عليه، وذلك بحسن تفعيل مقتضياته، واستلهام روحه". (خطاب يوم 14 أكتوبر 2005)."شعبي العزيز، إن المحك الحقيقي لهذا الإصلاح الجوهري، لا يكمن في مجرد وضعه، وإنما في القدرة على حسن تفعيه وتدبيره" (خطاب يوم 20غشت 2009).تؤكد على القيم الأخلاقية الرفيعة وربط الاستقلال بالنزاهة، "ولا يمكن للقضاء أن يحقق المكانة الجديرة به، إلا حين يكتسب ثقة المتقاضين التي لا تتحقق إلا من خلال ما يتحلى به القضاة من نزاهة وتجرد واستقامة واستقلال عن أي تأثير أو تدخل."..." إن استقلال القضاء ... ليس فقط إزاء السلطتين التشريعية والتنفيذية، الذي يضمنه الدستور، ولكن أمام السلط الأخرى شديدة الإغواء وفي مقدمتها، سلطة المال المغرية بالارتشاء، وسلطة الإعلام التي أصبحت بما لها من نفوذ متزايد وأثر قوي في تكييف الرأي العام سلطة رابعة في عصرنا، وسلطة النفس الأمارة بالسوء." (الرسالة الموجهة إلى أسرة القضاء بمناسبة افتتاح الدورة الجديدة للمجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 12أبريل 2004 )."لذا يتعين على كل المؤسسات والهيآت والجمعيات المؤطرة للمواطن والمجتمع، العمل على ترسيخ منظومة القيم الأخلاقية الرفيعة، التي تشكل جوهر حضارتنا المغربية العريقة، قبل أن تكون مرجعية كونية "(خطاب يوم 20 غشت 2004)."وسيظل نجاحنا في هذه المسارات، بل وفي كل الإصلاحات، التي أطلقناها، رهينا بأخذنا بالحكامة الجيدة، باعتبارها الآلية الناجعة لتحقيق المواطنة المثلى، وفي هذا الصدد، يتعين، على وجه الخصوص، مواصلة إصلاح القضاء، بكل جدية وحزم، باعتبار العدالة المستقلة والنزيهة، عاملا أساسيا لتوفير الثقة، وسيادة القانون، اللازمين لتحفيز الاستثمار والتنمية، كما يجب الإسراع بتحديث الإدارة، بما يكفل فعاليتها، حتى تجعل من خدمة الصالح العام، ومن القرب من المواطن شغلها الشاغل، وبموازاة ذلك، نؤكد على وجوب تخليق الحياة العامة، بمحاربة كل أشكال الرشوة، ونهب ثروات البلاد والمال العام، وإننا لنعتبر أي استغلال للنفوذ والسلطة، إجراما في حق الوطن، لا يقل شناعة عن المس بحرماته، وفي هذا الشأن، نؤكد على الالتزام بروح المسؤولية والشفافية، والمراقبة والمحاسبة والتقويم، في ظل سيادة القانون، وسلطة القضاء، بما هو جدير به من استقلال ونزاهة وفعالية، وتلكم سبيلنا لتحقيق المواطنة المغربية البناءة، وتأهيلها للانخراط في منظومة القيم الكونية، ولاسيما في عالم أصبح قرية صغيرة " (خطاب يوم 30 يوليوز2005)...." إن النهج القويم للإصلاح يرتكز على ترسيخ ثقة المواطن في سيادة القانون والأمن القضائي، ومن هنا، نحرص على مواصلة تحديث جهاز القضاء وصيانة استقلاله وتخليقه، ليس فقط لإحقاق الحقوق ورفع المظالم، وإنما أيضاً لتوفير مناخ الثقة والأمن القضائي، كمحفزين على التنمية والاستثمار، لذا نجدد التأكيد، على جعل الإصلاح الشامل للقضاء في صدارة أوراشنا الإصلاحية، ولهذه الغاية، ندعو حكومتنا للانكباب على بلورة مخطط مضبوط للإصلاح العميق للقضاء، ينبثق من حوار بناء وانفتاح واسع على جميع الفعاليات المؤهلة المعنية، مؤكدين، بصفتنا ضامنا لاستقلال القضاء، حرصنا على التفعيل الأمثل لهذا المخطط، من أجل بلوغ ما نتوخاه للقضاء من تحديث ونجاعة، في إطار من النزاهة والتجرد والمسؤولية". (خطاب يوم 30 يوليوز2008).إن حرصنا على ترسيخ دولة القانون وتخليق الحياة العامة، منهج متكامل" (خطاب يوم 10 أكتوبر 2008 ).الخطب الملكية تؤكد أن القاضي مسؤول كسائر الناس، "ومن ثمة وكما هو شأن كل مسؤول من الوزير المسؤول سياسيا أمام الملك والبرلمان وأمام المحكمة العليا في حالة خرقه للقانون إلى البرلماني الذي ترفع عنه الحصانة في حالة إخلاله بالدستور والقانون، فإن القاضي المطوق بأمانة صيانة سيادة القانون لا يعتبر بالأحرى فوقه وليس منزها عن متابعته عند الإخلال بواجباته، علما بأن الضمانات المخولة له لا يجوز أن تفسر بكونها امتيازا تفضيليا وإنما هي ضمانات لأداء مهمته باستقلال وفي تقيد بالقانون وإلا فمن يراقب المراقب."وتجعل إصلاح القضاء من جوهر القيم الديمقراطية، المؤسسة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومؤهلا للمواطنة المغربية البناءة للانخراط في منظومة القيم الكونية:"...وتلكم سبيلنا لتحقيق المواطنة المغربية البناءة، وتأهيلها للانخراط في منظومة القيم الكونية، ولاسيما في عالم أصبح قرية صغيرة". (خطاب يوم 30/7/2005)."كما أننا عازمون على الإصلاح الجوهري والعميق للقضاء، وإرساء الجهوية المتقدمة، باعتبارهما الركيزة الأساسية للحكامة الجيدة، ولفصل السلط، وصيانة الحريات الفردية والجماعية، وسيادة القانون ومساواة الجميع أمامه، إن هذه المقاصد المثلى ليست أهدافا وطنية فحسب، وإنما هي جوهر القيم الديمقراطية، المؤسسة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وباعتبارها ثمرة لنضالات كل الأمم والشعوب"(خطاب يوم 10/12/2008).وأكدت على إصلاح العنصر البشري ذي الضمير الحي القادر على اتخاذ قرارات جرئية وفعالة،"واننا لنعتبر أن استقلال القاضي بمعناه الحق عن هذه المؤثرات الجامحة لا تكفله الوسائل القانونية مهما كانت متوافرة وإنما يكفله قبل كل شيء الميثاق الذي بينه وبين ضميره فهو رقيبه الذاتي الدائم والوسيلة المثلى لتحصين نفسه من كل تأثير أو انحراف وهو يقوم برسالته النبيلة (الرسالة الموجهة إلى أسرة القضاء بمناسبة افتتاح الدورة الجديدة للمجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 12 ابريل 2004)."تغيير ما بالأنفس، واتخاذ قرارات جريئة وفعالة، ونبذ التواكلية والانتظارية، إذ لا صلاح للبلاد بدون صلاح العباد" (خطاب 14 أكتوبر 2005)...." على أن حسن تنفيذ مخطط الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، لا ينحصر فقط في عمل الحكومة والبرلمان/ وإنما هو رهين، أساسا، بالأداء المسؤول للقضاة " ( خطاب 20 غشت 2009).كما وعدت بخلق هيأة استشارية قارة، تتيح للقضاء الانفتاح على محيطه، وتشكل إطارا مؤسسيا للتفكير وتبادل الخبرات، بشأن القضايا ذات الصلة بالعدالة، وتأهيل القضاء ليواكب التحولات الوطنية والدولية، ويستجيب لمتطلبات عدالة القرن الحادي والعشرين، وإعادة النظر في طريقة انتخابه المجلس الأعلى للقضاء، بما يكفل لعضويته الكفاءة والنزاهة، ويضمن تمثيلية نسوية مناسبة لحضور المرأة في سلك القضاء، وعقلنة تسيير عمله، ومراجعة النظام الأساسي للقضاة، في اتجاه تعزيز الاحترافية، والمسؤولية والتجرد، ودينامية الترقية المهنية، وإخراج القانون الأساسي لكتاب الضبط، وإعادة النظر في الإطار القانوني المنظم لمختلف المهن القضائية، ونهج سياسة جنائية جديدة، تقوم على مراجعة وملاءمة القانون والمسطرة الجنائية، ومواكبتهما للتطورات، بإحداث مرصد وطني للإجرام، وذلك في تناسق مع مواصلة تأهيل المؤسسات الإصلاحية والسجنية، وتطوير الطرق القضائية البديلة، كالوساطة والتحكيم والصلح، والأخذ بالعقوبات البديلة، وإعادة النظر في قضاء القرب، وتحديث المنظومة القانونية، سيما ما يتعلق منها بمجال الأعمال والاستثمار، وضمان شروط المحاكمة العادلة، والعمل على تحسين الأوضاع المادية للقضاة وموظفي العدل، وإيلاء الاهتمام اللازم للجانب الاجتماعي، بتفعيل المؤسسة المحمدية.وأخيرا، فإننا إذا كنا ننتقد واقعنا، وهي ظاهرة صحية، وأصح منها أن لدينا آمالا لتحقيق الأفضل، فإن الفرق بين الواقع والأمل يمكن العثور عليه في الخطاب الملكي ليوم 12 أكتوبر2007 الذي جاء فيه " فالفرق بين الواقع والأمل، هو العمل، ثم العمل، ثم العمل الذي جعله الله مقدما على العبادة". بقلم: طيب محمد عمر: محام بهيأة البيضاء

رأي: إصلاح منظومة العدالة من خلال الخطب الملكية (2/2)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

برمجة تسليم أول طائرة "إف 16" إلى المغرب

توقيعات لعقد مجلس وطني استثنائي للاتحاد الاشتراكي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات