“عفة” المرأة لا تقابلها “عفة” الرجل

المجتمعات الشرقية تحدد شرف "القبيلة" في غشاء وقطرات دم الحديث عن موضوع البكارة لا يهم المغرب فقط، بل يمتد إلى مختلف الدول العربية، الشرقية على وجه الخصوص، وهي المجتمعات التي تنظر إلى الشرف من منظور الطهرانية والعفة، انطلاقا من عادات وتقاليد وتراكمات تحكمها نظرة «متعالية» للرجل و» دونية» للمرأة، ويغدو بالتالي كل حديث عن العفة قبل الزواج شهادة حسن سلوك للمرأة والأسرة، وهي رواسب المجتمع القبلي الذي لا يغفر «تنازل» العذراء طوعا أو قسرا عن عذريتها، دون أن يشمل الأمر ذاته الرجل الذي لا يحاسب على ماضيه الجنسي أثناء الزواج.البكارة تعني في المجتمعات المحافظة وضع شرف المجتمع في الميزان، فتصبح بالتالي شأنا جماعيا بامتياز، أما المرأة فتظل غائبة، وفق هذا المنظور، عن الإختيار لأن «شرفها» مرتبط بغشاء رقيق له رمزيته الكبرى لدى من تحمل اسمهم ونسبهم.التوجه الذي تنحو نحوه المجتمعات العربية في هذا المضمار يتسم بالتردد وازدواجية الخطاب، ذلك أن الشريك الجنسي للمرأة قبل الزواج ليس أحدا آخر غير الرجل، والقيم التي استبطنها هذا الأخير دون أن يتمكن من مقاومتها، تجعله يرضى بفقدان المرأة لغشاء بكارتها قبل الزواج ويرفضه لدى شريكة حياته من منطلق الحرص على العفة والطهرانية في مؤسسة الزواج، وبذريعة أن الشريك ليست لديه علاقات جنسية سابقة، وهذا ما ينتج نوعا من الاختلال في العلاقات ما بين الجنسين، ويختزل المرأة في صورتها الجسدية، ما يكرس دونيتها.ويرى علماء الاجتماع أن الاختلالات والتفاوتات بين الجنسين لا تجد أسبابها في الرجل أو في المرأة رغم أهميتهما، بل في الأسرة والمجتمع وفي التغيرات الاجتماعية والسياسية والتنشئة الاجتماعية التي يعرفها المجتمع التي تساهم في تكريس التفاوت واللامساواة في التعامل مع النوع الاجتماعي، وفي اختزال كرامة المرأة وشرف القبيلة في قطرات دم.إن المتأمل في الواقع الأسري داخل المجتمعات العربية عموما، يلحظ عدم تكافؤ الفرص والعلاقات والتناقض في التعامل مع الذكور والإناث، فالمرأة تحمل دائما صور الخنوع و»الشيطنة»، ويحتل الرجل على العكس من ذلك مركز القوة وعدم المحاسبة حتى في حال تعنيف أخته والتي ينظر إليها من منظور الذكورة والفحولة في المجتمعات البدائية، وما تزال صور من هذا القبيل طاغية على المخيال الجمعي للمجتمعات العربية والإسلامية رغم شيوع مظاهر «التحضر» ، ما يجعل المرأة ضحية لهذا التصور الخاطئ ويجبرها على الانصياع له أثناء حفل الزفاف، من خلال البحث عن مخرج ل «الفضيحة»، ما دام القرار ليس بيدها، وأن «عذريتها» لا تحددها بنفسها، وتعني لدى المجتمع قطرات دم ناجمة عن فض البكارة يدلى بها ليلة الزفاف للرجل والأسرة معا.تمر كل هذه المنطلقات عبر قنوات التنشئة الاجتماعية في شكل قوالب تنقل إلى شخصية الأطفال بغية إعادة إنتاج القيم ذاتها التي لا يؤمن بها الأفراد إلا وهم مجتمعون في ما بينهم.استمرار منظومة ثقافية من هذا النوع، يفسر الإقبال الكبير لفتيات على عمليات استصلاح العذرية التي ارتفعت بشكل غير مسبوق في المغرب، خلال السنوات الأخيرة، إذ يلاحظ أن الطلبات ترتفع بشكل لافت خلال فصل الصيف باعتباره موسم الزواج في البلاد، وتقصد المقبلات على الزواج قبل شهر أو حتى أسبوع من ليلة الزفاف وأحيانا في يوم الزفاف نفسه عيادات الأطباء بحثا عن شهادة "العذرية الزائفة".استصلاح العذرية يتم برتق غشاء البكارة أو بزرع غشاء اصطناعي باستعمال أشعة الليزر، ضمن عملية "خداع" للعريس، الذي قد لا يدرك تفاصليها، فيصعب عليه التفريق بين الغشاء الاصطناعي وبين الغشاء الطبيعي، وهو راض عن كل ما من شأنه أن يجعله بعيدا عن شبهة التشكيك في فحولته ليلة الزفاف. ومعلوم أن أعدادا غير قليلة من الفتيات العربيات يفقدن عذريتهن خلال علاقات جنسية خارج إطار الزواج، وفي كثير من الأحيان، يعتبر ابتعاد الفتاة عن الأهل للدراسة أو العمل عاملا مواتيا لتكون الفتاة علاقات تحظرها العائلات لاعتبارات دينية واجتماعية بالأساس. وأكدت استطلاعات مختلفة، نشرت في السنوات الاخيرة، أن 80 في المائة من الشباب و58 في المائة من الفتيات في دول عربية مختلفة يمارسون الجنس دون زواج، فيما أفادت دراسة أخرى أن فتاة واحدة من بين كل 10 فتيات عربيات لا تعارض إقامة علاقة جنسية قبل الزواج مقابل 6 من بين كل 10 شباب، وهو الواقع الذي تعيه هذه المجتمعات وتشارك في صنعه، إلا أنها لا تقبل الاعتراف به علنا. يرى علماء الاجتماع أن المرأة المقبلة على الزواج، وفق هذا المنظور، تنظر إلى البكارة حتى وإن كانت مصطنعة على أنها «شهادة صلاحية ومطابقة لمعايير الجودة، وتجعل حظوظها وافرة في سوق الزواج الذي يعتبر فيه الرجل عذرية المرأة مؤشرا على عفتها وشهادة على حسن سيرتها وسلوكها قبل الزواج، ويساهم هذا الاعتقاد في ترسيخ صورة «طهرانية» غير موجودة على أرض الواقع، ما يكرس استمرار ازدواجية البنى الثقافية في المجتمع، ويجعل الفرد، ذكرا كان أم أنثى، تابعا لمؤسسات ومعتقدات دينية واجتماعية تحدد مساره في الزواج والجنس وما يترتب عنهما من نتائج. رشيد باحة

“عفة” المرأة لا تقابلها “عفة” الرجل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الـنـقـاش حـول الـبـكـارة يـشـبـه الـرسـم عـلـى المـاء

غشاء البكارة... عفة أم تقاليد بالية ؟

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات