تفاصيل عملية فك لغز تفجير “أركانة”

العبوتان الناسفتان تقليديتا الصنع عبارة عن مزيج من نترات الأمونيوم ومتفجر TATP ومسامير وقطع معدنية أعلنت وزارة الداخلية، مساء أول أمس (الخميس)، عن إيقاف ثلاثة مشتبه في تورطهم في تفجير "أركانة" بساحة جامع الفنا بمدينة مراكش، بينهم منفذ العملية الإرهابية، المتحدر من قرية تقع بضواحي مدينة آسفي. "الصباح تنشر تفاصيل التحضير للعملية من طرف المتهم الرئيسي وطريقة التنفيذ والمواد التي استخدمها في صناعة المتفجرات وإعداد العبوتين الناسفتين وكيف غير شكله قبل وبعد التفجير؟ اتسمت ظهيرة يوم الخميس 28 أبريل الماضي بتسجيل واقعة إرهابية خطيرة، تركت أصداء مدوية في مجموع التراب الوطني، وكانت لها ردات فعل متطابقة بمختلف عواصم الدول الغربية والعالمية، تجمع على الاستهجان الشجب والتنديد بهذا العمل البربري الجبان.تلاحقت الأحداث، وتضاربت المعطيات الأولية بين قائل بحادث عرضي وبين مرجح لعملي إجرامي، قبل أن تتدخل الشرطة العلمية والتقنية لتجزم عن طريق بلاغ لوزارة الداخلية بأن العملية ذات طبيعة إرهابية، وأن عدد الضحايا ناهز 16 قتيلا و21 جريحا، يحملون جنسيات فرنسية وكندية وهولندية ومغربية وبرتغالية، وأن منفذي هذا العمل استعملوا جسما متفجرا موصولا بجهاز هاتف محمول، مما يوحي بتحول جذري في طريقة عمل التنظيمات الإرهابية بالمغرب، التي اعتادت في أحداث 2003 و2007 انتهاج أسلوب العمليات الانتحارية.بعد أسبوع تقريبا من هذا الحادث الإرهابي، تميز بشح في المعلومات وبسرية مطلقة للبحث، جاء بلاغ لوزارة الداخلية مساء الخميس 5 ماي الجاري مؤداه أن مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني استطاعت فك لغز هذه العملية، واستجلاء حقيقة منفذيها، ما مكن مصالح الشرطة من إيقافهم وإخضاعهم للبحث التمهيدي، مُردفة ذلك بأن عدد الموقوفين بلغ ثلاثة أشخاص من جنسية مغربية، يحملون الفكر الجهادي التكفيري، ويدينون بالولاء لتنظيم القاعدة ورموزه من أمثال أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.جولة في مسرح الجريمةوقفت جريدة "الصباح"، عند تغطيتها لتداعيات عملية تفجير مقهى أركانة، على مجهود كبير لخبراء مسرح الجريمة، سواء التابعين للمديرية العامة للأمن الوطني أو أولئك الذين يمثلون الشرطة العلمية الفرنسية والإسبانية والبريطانية ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي.فهذا الفريق العلمي المتخصص، استطاع تشخيص هويات جميع الضحايا، سواء المغاربة أو الأجانب، باستعمال تقنية الحمض النووي والبصمة الوراثية وكذا العلامات التشخيصية للأسنان، كما استطاع الاهتداء إلى تحديد طبيعة وماهية المتفجرات المستعملة في العملية، والتي تبين أنها تقليدية الصنع، عبارة عن مزيج من نيترات الأمنيوم ومتفجر TATP بالإضافة إلى مسامير وقطع معدنية مختلفة.وفي سياق متصل، استطاع المحققون العثور على شظايا هاتف محمول، اتضح أنه المستعمل في افتعال التفجير، بالنظر إلى تركيبته، التي اتضح أنها مشحونة ببطاريتين من قياس1.5 فولت وموصول بخيوط كهربائية تم إتلافها كلية بسبب الانفجار. هذا المعطى ساعد خبراء الشرطة العلمية والتقنية على تكوين قناعة شديدة مفادها أن العملية اعتمدت على تقنية التفجير عن بعد وليس عملية انتحارية، خاصة بعدما تأكد أن مسرح الجريمة لا توجد فيه أشلاء جثة متناثرة، ما استبعد فرضية العمل الانتحاري.تحريات أمنية وصمت مطبقاستمرت تحريات الشرطة العلمية أكثر من أربعة أيام تقريبا قبل أن يقرر الوكيل العام للملك المشرف على البحث الأمر بإخلاء مسرح الجريمة، في ذلك الوقت كانت عناصر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني وضباط الفرقة الوطنية للشرطة القضائية وعناصر المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمراكش تباشر أبحاثا في كل الاتجاهات وعلى أكثر من صعيد.ووفقا لمصدر أمني، انطلقت أولى التحريات من إفادات شاهدين بريطانيين، ومواطن إنجليزي، وبعض الشهود المغاربة، الذين أكدوا أنهم شاهدوا شخصا بأوصاف مريبة يدخل المقهى مرتديا زيا رياضيا، ومتأبطا قيثارة، وحاملا حقيبة كبيرة وأخرى على الظهر، قبل أن يختفي وتعقبه انفجارات قوية خلفت العديد من الضحايا. هذه المعلومات شكلت مادة خام لصورة تقريبية للمشتبه فيه عممتها مصالح الأمن على جميع مراكزها ومنافذ الحدود في محاولة لتشخيص هذا الأخير وإيقافه قبل أن يتمكن من الفرار خارج أرض الوطن.في خضم ذلك، بقيت الأبحاث سرية ومشمولة بالكتمان، ولم تكن تتسرب إلى الصحافة والرأي العام سوى معطيات عرضية لا تسمح بتركيب سيناريوهات هذا الحادث الإرهابي، وذلك إلى حدود يوم الأربعاء الماضي، حين تناقلت وسائل الإعلام الدولية تصريحات لوزير الخارجية الفرنسي في جلسة أمام البرلمان مفادها أنه توصل بمعلومات بشأن احتمال تشخيص مصالح الأمن المغربية لمشتبه فيهما اثنين في العملية، دون أي إضافات أخرى.بعد أقل من 24 ساعة من تلك التصريحات، صدر بلاغ لوزارة الداخلية المغربية يتضمن معلومات قطعية تتحدث عن إيقاف ثلاثة أشخاص مغاربة، من ضمنهم المتورط الرئيسي في تفجير مقهى أركانة، بعد سلسلة من التحريات الميدانية التي قامت بها مصالح الأمن.التحضير قبل التنفيذجاء بلاغ وزارة الداخلية مقتضبا كما تفرضه قواعد صياغة البلاغات، إذ اكتفى بالقول إن المتشبه فيهم من جنسيات مغربية، وإنهم متشبعون بالفكر السلفي الجهادي، وإنهم حاولوا أكثر من مرة المشاركة في عمليات قتالية في أماكن مختلفة من العالم، مما يعرف بأماكن التوتر، من قبيل العراق وليبيا والشيشان، مع التشديد على أن المتفجرات المستخدمة في العملية محلية وتقليدية الصنع، وأنها نتاج عمل فردي ساهمت فيه المعلومات التي تقدمها شبكة الأنترنت خاصة المواقع المحسوبة على أتباع التيار السلفي التكفيري.وفي اتصال مع مسؤول أمني حول تفاصيل الحادث لتحديد ملابساته وخلفياته والأسباب الكامنة وراء تنفيذه، أوضح أن المشتبه فيه الرئيسي حاول أكثر من أربع مرات الهجرة خارج أرض الوطن، الأولى سنة 2004 في اتجاه أوربا قبل إيقافه وإبعاده نحو المغرب، والثانية سنة 2007 في اتجاه الشيشان مرورا بجورجيا قبل أن تضطره موجات البرد القارس إلى العدول عن مخططه والالتحاق بالعراق عبر سوريا، وهناك سيتم إيقافه من طرف مصالح الأمن السورية وترحيله صوب المغرب، الذي مكث به نحو السنة ليعاود مجددا الهجرة نحو بلاد الرافدين، لكن هذه المرة عبر ليبيا، وهناك سوف يتم إجهاض محاولته وطرده مجددا نحو المغرب.هذه المحاولات الفاشلة، سوف تضطر المعني بالأمر إلى تغيير مخططه الجهادي من جهاد الطلب إلى جهاد الدفع، مفضلا تنفيذ عملية بالمغرب ضد مصالح أجنبية، مستعينا في ذلك بمداركه في مجال صناعة المتفجرات وما تتيحه شبكة الأنترنيت من معلومات في هذا الصدد. ولإنجاح هذه العملية، اقتنى المعني بالأمر مجموعة من الوسائل الحارقة والمواد الكيماوية التي سوف تمكنه من صنع عبوة ناسفة محدودة التفجير، ستدفعه في وقت لاحق إلى زيادة الخليط الكيميائي ما ساعده على إنتاج أكثر من 14 كيلوغراما من المتفجرات.تفاصيل دامية عن عملية التفجيربعدما أيقن المعني بالأمر بنجاح تجارب التفجير الأولي، التي كان يتدرب عليها بمنطقة قروية بمسقط رأسه بضواحي آسفي، سوف يعمل على برمجة التفجير عن بعد باستعمال جهاز هاتف محمول تم شحنه ببطارية إضافية وبرمجته على رنة واحدة لافتعال التفجير. بعدما عزم توجه فجر الخميس الدامي إلى مدينة مراكش مستقلا القطار القادم من آسفي، وهناك وضع شعرا مستعارا وحمل معه قيثارة وولج مقهى أركانة حاملا حقيبة للظهر وأخرى للسفر محشوة بكمية من المتفجرات.بعد فترة تربص بالمقهى المذكور لمدة ناهزت خمسا وأربعين دقيقة تقريبا، وبعدما تأكد المعني بالأمر من توافد عدد كبير من السياح الأجانب، بارح المقهى مخلفا المتفجرات بعين المكان، وما أن ابتعد بعض الشيء حتى أجرى مكالمة هاتفية مبرمجة مع الهاتف الموصول بالمتفجرات مما أفضى إلى انفجار كبير تسبب في إحداث ثقب في أرضية المقهى على مساحة تقدر ب 70 سنتمترا تقريبا فضلا عن 16 قتيلا و21 جريحا.دقائق بعد الحادث، تؤكد مصادر "الصباح"، كان الإرهابي قد حلق شاربيه وتخلص من خصلة الشعر المستعارة ومن ملابسه وتمكن من الفرار صوب مسقط رأسه، حيث أطلع باقي المساهمين في عملية التفجير على نجاحها، ولقي منهم المباركة والتأييد، لأن العملية حسب معتقداتهم التكفيرية تعد ضربا من ضروب الجهاد.وعلمت "الصباح" أن الأبحاث التي قادت إلى إيقاف المشتبه فيهم وفك لغز عملية تفجير "أركانة" قادتها عناصر من مديرية مراقبة التراب الوطني وضابط من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ومحققون من الشرطة القضائية بولاية أمن مراكش، ومكنت من تحديد هويات المشتبه فيهم، في إطار التوجيهات الملكية بفتح تحقيق موسع وتزويد الرأي العام بالحقائق. المتهم أجرى تجارب على التفجير بمنطقة "سيدي دانيال" بآسفي أجرى المتهم عادل العثماني تجارب عديدة لصناعة متفجرات تقليدية، وفجرها بمنطقة خلاء بضواحي "سيدي دانيال" بنواحي آسفي. ونجح المتهم في صناعة جسم متفجر بالاستعانة بمجموعة من المواد المتاحة والمعروضة للبيع بمحلات بيع العقاقير، قبل أن يقرر زيادة كمية المتفجرات المصنوعة لتبلغ تسعة كيلوغرامات بالإضافة إلى كمية أخرى تناهز ستة كيلوغرامات، وقتها قرر إيصالها بجهاز هاتف محمول مبرمج، إيذانا بالبحث عن هدف لتنفيذ غزوته البربرية التي أزهقت أرواح أبرياء، ذنبهم الوحيد أنهم وجدوا في المكان والزمن الذي اختاره هذا الإرهابي.وحرصا على اختيار موقع بالغ الحساسية، وله رمزية شعبية، تضيف مصادر "الصباح"، قرر المعني بالأمر القيام بزيارة استطلاعية في بداية شهر أبريل إلى مدينة مراكش، وهناك لفت انتباهه مقهى ومطعم أركانة، المكان الرحب الذي يتسع للمغاربة والأجانب، والذي تنصهر فيه الجنسيات وتتزاوج فيه الاثنيات، ليقرر حينها استهداف هذا المكان بحكم توافد السياح الغربيين عليه على امتداد ساعات اليوم.وبعد الانتهاء من سيناريو التحضير والتخطيط، حان موعد الانتقال إلى التنفيذ المادي للعمل الإرهابي، وقتها سيعمد المشتبه فيه إلى اقتناء خصلات شعر مستعارة وقيثارة في محاولة للتوهيم، ثم امتطى فجر الخميس الأسود القطار من مسقط رأسه بآسفي نحو مراكش، وهناك حدد مكان قريب من صومعة الكتبية محطة للضغط على زر التفجير، ثم توجه صوب مقهى أركانة التي كانت تعج بمرتاديها الاعتياديين والعرضيين.وحسب مصادر "الصباح"، مكث المعني بالأمر زهاء ساعة إلا ربعا تقريبا بالمقهى، منتحلا صفة سائح غربي، طلب خلالها عصير ليمون ثم مشروبا ساخنا، قبل أن يغادر مخلفا وراءه حقيبة سفر وحقيبة أخرى للظهر محشوة بالمتفجرات التقليدية، ومباشرة بعد ابتعاده عن المقهى ركب رقم الهاتف الموصول بالجسم المتفجر، لتنجم عنه رجة قوية مقرونة بانفجار ضخم خلف العديد من الضحايا في صفوف الأبرياء من المغاربة والأجانب، خاصة الفرنسيين.وللإشارة فإن البحث الذي باشرته مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، مدعومة بعناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية وخبراء الشرطة العلمية والتقنية، في هذه النازلة ، تميز بالفعالية والنجاعة، وجاء منسجما مع التوجيهات الملكية السامية القاضية بفتح بحث شفاف ونزيه، إذ اقتصر التحقيق على المتورطين المباشرين في تنفيذ العملية، وتمت المبادرة إلى إعلام الرأي العام الوطني بالموضوع فور الاهتداء إلى الجناة، وهو ما يشكل منعطفا إيجابيا في تعامل السلطات المغربية مع قضايا الإرهاب والتطرف، يتلاءم ومرحلة ما بعد خطاب 9 مارس 2011. حكاية بائع أحذية من البرتغال إلى تفجير مراكش يسمى المشتبه في تنفيذه العملية الإرهابية "عادل العثماني"، وهو من مواليد آسفي، ومهنته تاجر أحذية مستعملة، وأوقف بتاريخ 4 ماي الجاري من طرف عناصر من مديرية مراقبة التراب الوطني من أمام منزله بشارع عبد الرحمان الوزاني بحي سيدي واصل بآسفي، وذلك على الساعة العاشرة ليلا.وتفيد معلومات أن عادل العثماني صرف بتاريخ 5 أبريل سنة 2007 مبلغ 8 آلاف درهم إلى الأورو، وفي يوم 26 يناير الماضي صرف مبلغ 9524 درهما إلى العملة نفسها.وعمد عادل العثماني قبل تنفيذ العملية بأيام إلى بيع كل محتويات محل بيع الأحذية المستعملة، مدعيا أنه يريد فتح محل للملابس الجديدة.وسبق للمتهم نفسه أن سافر إلى ليبيا وتركيا وجورجيا وسوريا والبرتغال، والتي رحل منها إلى المغرب عند ضبطه بدون وثائق إقامة رسمية. وقرر عادل العثماني بعد ترحيله من البرتغال قبل سنتين الاستقرار بمدينة آسفي وفتح محل لبيع الأحذية المستعملة، قبل إيقافه بتهمة "تنفيذ عملية تفجير مطعم أركانة".ويشار إلى أن المتهم متزوج وزوجته حامل، مستواه الدراسي توقف في مرحلة الثانوي.وحسب مصدر مسؤول، فإن المعني بالأمر حاول سنة 2004 الهجرة سرا نحو أوربا، لكن محاولته باءت بالفشل بعد إيقافه بالبرتغال وترحيله نحو المغرب، لكن إصراره على الهجرة سوف يدفعه سنة 2007 إلى السفر مجددا، لكن هذه المرة، نحو تركيا بمعية أحد أتباع السلفية الجهادية في محاولة للالتحاق بالشيشان مرورا عبر جورجيا. لكن متغيرات مرتبطة بطبيعة الطقس بهذه البلدان، دفعت هذا الانتحاري المنذور للموت إلى السفر نحو العراق مرورا بسوريا، حيث سيتم إيقافه لأكثر من شهر، بالسجن المعروف بمعتقل فلسطين، قبل إبعاده صوب المغرب.ووفق المصدر نفسه، فإن إصرار المعني بالأمر على الجهاد، واغتنام مكرمات الشهيد كما يسوقها مشايخ التكفير، سيدفعانه إلى الهجرة بمعية الشخصين الموقوفين في إطار هذه القضية إلى ليبيا بعد تواصلهم مع بعض السلفيين الليبيين عبر الأنترنيت، وهناك تم التربص لبعض الوقت في انتظار الهجرة نحو العراق، قبل إيقافهم وإبعادهم مجددا نحو المغرب، وهو ما شكل منعطفا حاسما في مسار هذا الانتحاري المتلحف برداء الدين، إذ قرر التحضير والتخطيط لعملية إرهابية بواسطة عبوة ناسفة، كان قد تلقى تدريبا على صناعتها من خلال ارتياده بعض المواقع على شبكة الأنترنيت. رضوان حفياني

تفاصيل عملية فك لغز تفجير “أركانة”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الشرقاوي: منفذ تفجير مراكش معجب بالقاعدة

"الصباح" في بيت المتهم الأول في تفجير "أركانة"

مقالات ذات صلة