جـدلـيـة عـلاقـة الإعـلام بـالـقـضـاء

أكدوا أن العلاقة تحكمها في الغالب حالة من المد والجزرناقش قضاة المغرب وهولندا ورجال الإعلام المغاربة، الثلاثاء الماضي، بالمعهد العالي للقضاء، علاقة القضاء بالإعلام من خلال أوجه التلاقي والاختلاف، خلال الندوة التي نظمتها الودادية الحسنية للقضاة بشراكة مع جمعية القضاة والنواب الهولنديين. وتناولت المداخلات التي كانت مبرمجة في ذلك اللقاء، تفسير علاقة القضاء بالإعلام، بالنظر أن هذه العلاقة تطبعها في الكثير من الأحيان حالة شد وجذب، باعتبار أن السلطة القضائية تنظر إلى وسائل الإعلام في حالات معينة على أنها تستهدفها، وهي النظرة نفسها التي تحملها وسائل الإعلام للقضاء بشأن قضايا الصحافة من خلال الأحكام الصادرة. إلا أن خلال تلك المناقشات لم يكن الاختلاف حول وصف تلك العلاقة بأنها تكاملية في الكثير من الحالات، بالنظر إلى الدور المرتبط بكل واحد منهما، الشيء الذي يفرض إشاعة ثقافة حقوقية لدى جميع مؤسسات المجتمع المدني والطبقة السياسية من أجل الارتقاء بالطرح الإعلامي للشؤون القضائية والحقوقية في إطار إعلام حقوقي وقانوني متخصص. الصباح حضرت أشغال الندوة وعمدت إلى نشر بعض ما جاء في مداخلات الإعلاميين والقضاة. على مدى يوم كامل ناقش رجال الإعلام وقضاة مغاربة وهولنديون، إشكالية علاقة الإعلام بالقضاء، من خلال محاولة فهم ما تتضمنه تلك العلاقة، هل يطبعها التنافر والشد والجذب أم التكامل والتجانس؟ على اعتبار أن العلاقة بين السلطتين يكتنفها الغموض، وحاول رجال الإعلام إظهار وجهة نظرهم في تلك العلاقة من خلال رصد وقائعها ووضع اليد على مكامن الخلل. كانت البداية مع محمد البريني، مدير نشر جريدة الأحداث المغربية، الذي عمد في خواطره التي قدمها في ندوة الإعلام والقضاء، وهي عبارة عن انشغالات يحملها الجسم الصحافي من جراء تعاطي القضاء معه من خلال واقعتين تترجم حسب البريني نوعية العلاقة في القضايا الحساسة، الأولى تلخصت في واقعة مر عليها 20 سنة توبعت فيها جريدة الاتحاد الاشتراكي بتهمة القذف في حق المجالس القضائية بالبيضاء، وصدر حكم بالإدانة في المرحلة الابتدائية، وخلال المرحلة الاستئنافية فوجئ الحاضرون في قاعة الجلسات بعون يتقدم نحو ممثل النيابة العامة ويسلمه ورقة طلب بعدها الكلمة لتلتمس التأخير إلى أجل غير مسمى، ومنذ ذلك الحين لم تعقد أي جلسة لمتابعة النظر في القضية. والثانية حدثت منذ أقل من عامين إذ أدينت ثلاث صحف مغربية بتهمة القذف في حق العقيد معمر القذافي، بناء على طلب من السفارة الليبية، وامتثال الحكومة المغربية، واعتبر البريني الواقعتين كافيتين للقول بعدم تساوي كفتي العدالة بين الحكومة والصحافة أمام القضاء، الأمر الذي يطرح اشكالية علاقة الصحافة بالقضاء عندما تكون السلطة التنفيذية هي المحرك للدعوى، إذ يبدو للصحافيين أن القضاة مكتوفي الأيدي أمامها، وأنه يتم إرضاؤها ولو على حساب العدالة ودولة الحق والقانون واستقلال القضاء. ولم يفت مدير الأحداث التأكيد على الجانب الإيجابي لتلك العلاقة بعد إحداث غرفة خاصة بمحاكمة الصحافيين والجرأة التي طبعت بعض الأحكام الصادرة، مثل قضية الصحافي الاسباني اغناسيو سبريرو ضد يومية "أوجوردوي لو ماروك" سنة 2004 إذ قضى بإلغاء الحكم الابتدائي وعدم مؤاخذة المشتكى بهم والحكم ببراءتهم "وحيث إن حرية الرأي مكفول وحق التعبير وحق النشر الأخبار والرد عليها مكفولة بمقتضى الدستور المغربي وبمقتضى قانون الصحافة، وحيث دأب العمل القضائي في جرائم النشر على ضرورة تقدير مرامي العبارات التي يحاكم عليها الناشر وتبيان مناحيها، وفي هذا الصدد اقتنعت المحكمة بكون جنحة القذف في نازلة الحال تفتقر إلى القصد الجنائي". التدخل الثاني كان ليونس مجاهد رئيس النقابة الوطنية للصحافة الذي الذي تساءل عن العلاقة بين الإعلام والقضاء هل هي علاقة تنافر وصراع أم علاقة تكامل وتآزر؟ واعتبر مجاهد أن أخلاقيات مهنة الصحافة تستوجب الانضباط إلى الميكانزمات التي تقيد تلك الأخلاقيات والتي تتطلب أن لا يتم نشر إلا الأخبار الصحيحة وأن يتم نشر بيانات الحقيقة، ومن تم يأتي حق الصحافي داخل المؤسسة من خلال دمقرطة التحرير واحترام حق العمل النقابي. ولم يفت مجاهد الحديث عن بند الضمير الذي يعتبر الركيزة الأساسية لأجل دمقرطة التحرير وحماية الصحافي من كل المنزلقات، والتمس في الأخير إحداث المجلس الوطني للصحافة حتى يكون الصحافي مساهما ومكملا لعمل القاضي في إطار علاقة تكاملية بين الصحافيين ورجال القضاء.واعتبر خالد المختاري، رئيس جمعية الأعمال الاجتماعية بوزارة العدل ومستشار إعلامي سابق، أن المغرب خلال هذه الفترة هو في أمس الحاجة إلى أخلاقيات مهنة الصحافة، فالمغرب يشهد منذ نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي، ثورة هادئة ومستمرة في سياساته العمومية، ثورة تتميز فعليا بانتشار متواصل لثقافة حقوق الإنسان، أو "لنقل "لإيديولوجيا" حقوق الإنسان، وما تلا ذلك من اتساع في مجالات حرية الرأي والتعبير". وأكد المختاري أن أول التقاء يتم بين السلطتين يكون على مستوى المحاكم، وتحديدا أثناء نقل وقائع الجلسات، فمن المبادئ القانونية الراسخة في القضاء مبدأ علانية الجلسات باعتباره ضامن الشفافية والنزاهة، وهو ما يوازيه حق الجمهور في حضور الجلسات، وما دام القضاء يجيز ذلك جاز بالتبعية نشر وقائع المحاكمات للعموم، مع مراعاة القيود التي يفرضها القانون، وإن كانت هذه القيود لها ارتباط وثيق بخصوصيات البحث والتحقيق بخلاف المحاكمات التي تقتضي عدالتها أن تكون علنية، مع التمسك دائما بحظر نشر ما له علاقة بحرمة الحياة الخاصة أو الأسرار الشخصية، فهذه المنطلقات تؤكد عدم جواز استبعاد ممثلي وسائل الإعلام من حضور المحاكمات سواء بصفتهم الشخصية أو المهنية ما دام عملهم منضبطا بالأحكام القانونية والأنظمة المطبقة ومراعيا للخصوصيات الفردية وحرمة الحياة الشخصية. إلا أن هذه الإشكالية ذات وجهين، الأول إيجابي والثاني سلبي، الأول يعزز شفافية الجهاز القضائي ويضمن الاطمئنان للمتقاضين، ويحرص على أن يقدم للرأي العام والمجتمع المعلومات والتفاصيل المرتبطة بقضية أو نازلة ما، والثاني يسعى إلى التأثير في مسار القضايا، خارقا سرية التحقيق والأبحاث ،ومتعديا على الحياة الخاصة للأفراد، ومنتهكا حق المتابعين في البراءة، التي هي الأصل، أو لنقل بجملة بسيطة إن هذا التوجه الثاني يميل إلى التأثير في عمل القضاء دون مراعاة استقلاليته.وبمتابعة دقيقة للمسار الذي سلكته العديد من وسائل الإعلام في تعاملها مع الأخبار والقضايا ذات الصلة بالعمل القضائي، نلاحظ نوعا من السلبية والاستخفاف بالضوابط القانونية المنظمة لنشر القضايا. ولتجاوز هذا الوضع يقترح المختاري، توسيع مجالات الحوار بين الفاعلين في الحقلين الإعلامي والقضائي، وتكوين الصحافيين في مجال نقل وقائع المحاكمات، والمعجم القانوني، وتكوين القضاة في مجال التواصل وإحداث منصب المكلف بالعلاقة مع وسائل الإعلام، والتفكير في مراجعة القانون الجنائي بما يتيح لأعضاء النيابة العامة الإدلاء بتصريحات حول قضايا تهم الرأي العام، حتى قبل أن تبت المحكمة في موضوع القضية، شرط ضمان قرينة البراءةعبد الله البقالي، رئيس تحرير العلم، اعتبر في مداخلته أن لتجاوز حالة الشد والجذب بين الإعلام والقضاء لابد من تحصين سلطة القضاء بما يجعلها محل ثقة جميع الفرقاء، وإنشاء القضاء المتخصص في قضايا النشر، وتشريع منظومة قوانين متقدمة ومتطورة في قضايا الإعلام والنشر، وتنظيم لقاءات تكوينية تجمع القضاة بالإعلاميين، ضرورة وجود مستشار قانوني في كل وسيلة إعلامية يكون متخصصا في قضايا النشر تعرض عليه المواد الإعلامية، وتشجيع اعتماد وتكوين الصحافيين المتخصصين في قضايا القضاء برمتها، وغيرها من المقترحات التي يروم من ورائها البقالي تجاوز أي تصادم محتمل بين الإعلام والقضاء، على اعتبار أن كلاهما يفضح التجاوزات ويتصدى لها، ويساهمان في القيام بالرقابة على الشؤون العامة باسم المجتمع. كريمة مصلي

جـدلـيـة عـلاقـة الإعـلام بـالـقـضـاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

القضاة يظهرون وجهة نظرهم في علاقة القضاء بالإعلام

تأسيس أول جمعية لنقاد السمعي البصري في المغرب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات