دراسة: دسترة المجلس الأعلى للإعلام

منع اعتقال الصحافي يجب التنصيص عليه في قانون الصحافة اندلعت الانتفاضات الشعبية في عدد من البلاد العربية والإفريقية، مثل تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن وكوت ديفوار، وقمعت الانتفاضة في مهدها في بلدان أخرى باستخدام العنف المفرط، وخرجت الجماهير، بعد أن أعياها القهر والظلم والتسلط، سلميا تطالب بعدة مطالب ومنها تغيير الدساتير البائدة، ووضع دستور جديد متطور يضمن الحرية والكرامة وينظم السلطات، في ظل نظام ديمقراطي تكون فيه الكلمة للشعب. إذا كانت تلك الانتفاضات السلمية لم تجد تجاوبا من طرف بعض الحكام، وتسبب قمعها مع الأسف في قتل الأبرياء، وجرح المنتفضين، وإلحاق الخراب والدمار ببعض المنشآت الحكومية، فإن الانتفاضات فجرت في مختلف الأوساط سيما وسط الشباب مواهب منها موهبة مناقشة القانون الدستوري حتى غدا الصغير والكبير يناقش الدستور ومواده وما يمكن أن يدخل عليه من تعديلات، مع أن هؤلاء لم يتلقوا أي دراسة جامعية تتعلق بالقانون وفروعه ومنها الفرع المتعلق بالقانون الدستوري، وهو فرع معقد ومتشعب نظرا لكون الدساتير في العالم تختلف باختلاف أنظمة الحكم التي لا تتشابه، فهناك النظام الديكتاتوري ونظام الحكم الفردي المطلق، والنظام البرلماني، والنظام الرئاسي، ونظام الحكم في الدولة البسيطة، ونظام الحكم في الدولة المركبة.مناقشة تعديل الدستور نابعة من عمق الفطرة الإنسانية وميلها إلى التطور وحب التطلع للكمال، وما جبل عليه الخلق من حب للحرية والكرامة واحترام الإنسان الذي كرمه الله على سائر المخلوقات، ولا تحتاج إلى تخصص معمق في العلوم الدستورية.الدساتير أنواع، فهناك ما يعرف بدستور المنحة وهو الدستور الذي يكون عطية ومنحة وتفضلا من الحاكم على المحكومين، وقد يكون الدستور نتيجة تعاقد بين الحاكم والمحكومين، و يصاغ من طرف لجنة مختارة، أو منتخبة، وقد تشارك في التحرير والصياغة الفعاليات المجتمعية، وقد تقصى تلك الفعاليات وهكذا.وهذا المخاض العسير مرت به الدول التي كانت تبحث عن العيش الكريم والخروج من أنفاق الاستبداد، وسرقة الحكام للمال العام، ومنها فرنسا قبل الثورة، حيث كان لحركة وضع الدستور فلاسفة ومفكرون، في مقدمتهم جان جاك روسو صاحب كتاب ( العقد الاجتماعي)، ثم امتدت الثورات إلى انجلترا ثم المانيا وإيطاليا، وعمت حركة التحرير سائر القارة الأوربية.من حق كل مواطن أن يناقش ويبدي رأيه بكل صراحة وحرية، ونحن على أهبة تعديل الدستور، ولكن مناقشة مثل هذا الموضوع يجب أن تمتاز بالرصانة والبعد عن المزايدات السياسية، وأن لا تنطلق المناقشة من منطلقات سطحية، والمطالبة بإدخال تعديلات بعيدة كل البعد عما تنص عليه دساتير العالم، أو تقديم اقتراحات وتعديلات تدخل في إطار القوانين التنظيمية، فالقانون الدستوري قانون يمتاز بالسمو، وينص على المبادئ الكبرى ويترك للقوانين التنظيمية تفصيل تلك المبادئ وكيفية تطبيقها وممارستها، مثلا: الدستور ينص على حرية التعبير، ومنها حرية التعبير بواسطة الصحافة، لكن حماية حرية الصحافة، وكيفية ممارستها، ومنع اعتقال الصحافي موضوع يقع التنصيص عليه في القانون المنظم لمهنة الصحافة، وإذا صدر قانون عاد ينص على اعتقال الصحافي فإن ذلك القانون يمكن الطعن فيه بسبب مخالفته للدستور وعن طريق الطعن بعدم دستورية ذلك القانون، لذلك نأمل أن ينص الدستور المقبل على مبدأ الطعن بعدم دستورية القوانين وأن يمارس هذا الحق من طرف كل مواطن.وما دمنا في مجال الصحافة وحريتها، نشير إلى فصل غريب ورد في القانون المتعلق بممارسة مهنة الصحافة وهو الفصل 73 الذي ينص على ما يلي: ( يتعين على المتهم الإدلاء بما يثبت صحة الواقعة التي من أجلها وجه القذف وفق مقتضيات الفصل 49 أعلاه، ويجب عليه خلال 15 يوما الموالية لتوصله بالاستدعاء للحضور أن يعلن إلى وكيل الملك أو إلى المشتكي بالمكان الذي يعينه للمخابرة معه إذا كان المتهم قد أقيمت عليه الدعوى بطلب من وكيل الملك أو من المشتكي ما يأتي بيانه:1 ـ عرض الوقائع المبينة والموصوفة في استدعاء الحضور والتي يريد إثبات حقيقتها2 ـ نسخة من المستندات3 ـ أسماء ومهن وعناوين الشهود المراد الاعتماد عليهم في إقامة الحجةويتضمن هذا الاعلان تعيين موطن المخابرة لدى المحكمة وإلا فيترتب عن ذلك سقوط الحق في إقامة الحجة).الذي يعنينا في هذا الموضوع، هو الجزاء الخطير الماس بحق الدفاع، ألا وهو سقوط الحق في إقامة الحجة عند انصرام الأجل المذكور، ومحاكمة الصحافي وكأن الجرم ثابت في حقه ولا يستطيع بعد ذلك الأجل تقديم الحجة ولن تنفعه في إثبات براءته، وتكون النهاية مأساوية ويحكم على الصحافي بغرامة مالية باهظة إن لم يحكم عليه بالحبس النافذ أو موقوف التنفيذ كما يحكم عليه بتعويضات مدنية مبالغ فيها، تكون سببا في خراب بيته.إن هذا الفصل يحتم على الصحافي، عند متابعته بنشر خبر كاذب أو زائف، ويتابع من طرف النيابة العامة أو بواسطة شكاية مباشرة، أن يقدم خلال خمسة عشر يوما المصادر التي اعتمد عليها في نشر ذلك الخير، وإلا سقط حقه في تقديم الحجة ويحاكم ويبقى النقاش محصورا في موضوع الدعوى العمومية فقط والدعوى المدنية التابعة إذا كان هناك مطالب بالحق المدني.هذا فصل مخالف للمبادئ العامة، ومخالف للدستور، ومخالف للضمانات المتعلقة بالمحاكمات العادلة والمنصفة، وفيه هدر لحق كل مواطن في إثبات براءته في أي مرحلة من مراحل المحاكمة وما دام باب المناقشة مفتوحا، ولم يقع الإعلان عن اختتام المناقشة ويكون المتهم آخر من يتكلم، فمن حق الصحافي إثبات براءته في المراحل الموالية للمحاكمة عند الطعن بالاستئناف في الحكم الابتدائي القاضي بالإدانة.وكم من صحافي ذهب ضحية هذا الفصل الذي يعتبر مقصلة فوق عنق من يتعاطى هذه المهنة المتعبة كما يقال، وهذا الفصل يدفع الصحافي إلى عدم فضح ما وصل إلى علمه من مخالفات بل وجرائم قد تمس المصلحة العليا للبلاد.كان هناك فصل مماثل في قانون الصحافة المصري، وطرح هذا المشكل على القضاء في مصر وتحلى قضاتها بالشجاعة وصرحوا في أحكامهم بعدم دستورية مثل ذلك الفصل.ومما يمكن الاستشهاد به في هذا المقام، القرار الصادر عن المحكمة الدستورية العليا في مصر بتاريخ 20 ماي 2010 والذي نشرته كاملا مجلة «عــدالة جوست» في عددها الرابع تاريخ أكتوبر 2010، وهذا القرار وضع عدة قواعد نقتطف منها ما يلي:ـ لا شبهة في أن المدافعين عن آرائهم كثيرا ما يلجؤون إلى المغالاة، وأنه إذا أريد لحرية التعبير أن تتنفس في مجالها فإن قدرا من التجاوز يتعين التسامح فيه ولا يسوغ أن يكون الشطط في بعض الآراء مستوجبا إعاقة تداولها.ـ انحياز الدستور إلى حرية النقاش والحوار أمر محتوم في القضايا المتصلة بالشأن العمومي ولو تضمن انتقادا حادا للقائمين على تدبير العمل العام.ـ الدستور اهتم بإبراز الحق في النقد الذاتي والنقد البناء باعتبارهما ضمانتين لسلامة البناء الوطني.ـ انتقاد القائمين على الشأن العام وإن كان مريرا يظل متمتعا بالحماية المكفولة لحرية التعبير بما لا يخل بمضمون الحق لهذه الحرية.وختمت المحكمة قراراها بالمنطوق التالي:«حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الثانية من المادة 123 من قانون الاجراءات الجنائية، من إلزام المتهم بارتكاب جريمة القذف بطريق النشر في إحدى الصحف أو غيرها من المطبوعات أن يقدم للمحقق عند أول استجواب له، وعلى الأكثر في الخمسة أيام التالية، بيان الأدلة على كل فعل أسند إلى موظف عمومي، أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة، وإلا سقط حقه في إقامة الدليل المشار إليه في الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات، مع إلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة».فعسى أن يحذو القاضي المغربي حذو زميله القاضي المصري، وعسى أن يبوأ المشرع المغربي «صاحبة الجلالة» المقعد الذي تستحقه في الدستور المقبل وذلك بالتنصيص على المجلس الأعلى للإعلام والصحافة مؤسسة دستورية. بقلم: عبد الواحد بن مسعود: محام بهيأة الرباط

دراسة: دسترة المجلس الأعلى للإعلام

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ســقــوط الــكــوكــب

بارونات المخدرات يستثمرون أموالهم في اقتناء الطائرات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات