مجلس المستشارين تحت مجهر الإصلاح

دعاة إلغاء الغرفة الثانية يعتبرونها مضيعة للوقت والمال وجبهة الدفاع عنها تقر بمراجعة طرق اشتغالها أكد الخطاب الملكي، 9 مارس الماضي، سمو الغرفة الأولى (مجلس النواب)، على الغرفة الثانية (مجلس المستشارين)، وذلك بالإشارة إلى أن مرحلة ما بعد التعديل الدستوري، ستعرف تشكيل "برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة، يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة، مع توسيع مجال القانون، وتخويله اختصاصات جديدة، كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية".كان الهدف من تبني الثنائية البرلمانية، بإحداث مجلس المستشارين، سياسيا بالدرجة الأولى. وحينما قرر الملك الراحل الحسن الثاني اعتماد هذا الخيار بموجب التعديل الدستوري لسنة 1997، كان يروم التحضير لانتقال ديمقراطي ينقل المعارضة إلى الأغلبية، في حين يكون مجلس المستشارين العين التي تراقب الحكومة، بينما يتولى الملك توفير الأغلبية لحكومة عبد الرحمان اليوسفي، داخل مجلس النواب، حتى يتسنى له تدبير الشأن العام بعيدا عن البوليميك السياسي.غير أن الغرفة الثانية تثير اليوم الكثير من لغط الفاعلين السياسيين وحماة المال العام في المغرب، بالنظر إلى أن شروط التوافق السياسي بين المعارضة والملك الراحل انتفت، وأصبحت العلاقة بين الطرفين مبنية على الشرعية الانتخابية وليس شرعية الصراع السياسي بين الطرفين. الغرفة الثانية... فعالية محدودةدعاة إلغاء مجلس المستشارين، يرون فيه مضيعة للوقت وهدرا للمال العام، ذلك أن مبررات المطالبة بإلغاء الغرفة الثانية كثيرة ومتعددة، بينها أن مجلس المستشارين أشبه بنسخة باهتة للغرفة الأولى، التي لا تملك أصلا أدوات القيام بدورها سلطة تشريعية قادرة على مراقبة السلطة التنفيذية، هذا الوضع يجعل الغرفة عبارة عن مؤسسة صورية تعيد طرح الأسئلة المكررة التي سبق بسطها بالغرفة الأولى برتابة مملة، وتعيق وضع القوانين، وهو ما يقتضي إلغاء الغرفة الثانية، مع توسيع صلاحيات الغرفة الأولى (مجلس النواب) وتقوية سلطاتها. تجربة الثنائية البرلمانية التي تقدمها الغرفة الثانية، أثبتت عدم فعالية هذا النظام بالمغرب حتى لو بالمعيار العملي، ذلك أن الأمر، من وجهة نظر دعاة إلغاء المؤسسة، لا يتعلق بفضاء لتمثيل فئات معينة تستحق أن تتوفر على صوت داخل المؤسسة التشريعية، لأن الأمر من وظائف واختصاصات المجلس الاقتصادي والاجتماعي، باعتباره منبرا يستوعب هذه الفئات والشرائح ويعبر عن أصواتها، بل يتعلق فقط بإطار لإرضاء مجموعة من النخب المتطلعة للاستفادة من ريع النظام وحماية منظومة من المصالح الخاصة.منتقدو إقرار الغرفة الثانية يعتبرون أن الأمر يتعلق بمؤسسة تشريعية تكرر الأدوار نفسها التي تقوم بها الغرفة الأولى (مجلس النواب)، كما أنها مجال لصراع المصالح ومستشارين يفسدون العملية الانتخابية في سبيل الحصول على مقعد داخل الغرفة الثانية، إذ أن تجربة الثنائية بالشكل الذي اتخذته في المغرب، تنبني على اعتبارات سياسية ومصلحية ضيقة، ووجودها هدر للوقت والجهد بالنظر إلى الشروط التي حكمت المؤسسة البرلمانية، وجعلت منها حاجزا احتياطيا في مواجهة إمكانية حدوث مفاجأة في الانتخابات التشريعية، كما أنها تعكس خللا في كيفية اشتغال هذه المؤسسة التشريعية التي تحولت إلى مكان للدفاع عن المصالح والاشتغال المكرر والتناقض في تناول القضايا ومعالجة مشاريع القوانين. الغرفة الثانية... آلية لممارسة الديمقراطيةبالمقابل، يرى المدافعون عن بقاء الغرفة الثانية، أنها تتويج لمسار تحولات الانتقال الديمقراطي، ذلك أن إقرار هذه الغرفة جاء ضمن سيرورة تحول ديمقراطي اقتضى إرساء آليات الممارسة الديمقراطية التي لا يمكن أن يشكل مجلس المستشارين إلا جزءا منها. أهمية مجلس المستشارين، تعني بالضرورة فتح نقاش رزين ومتعقل وشامل حول التصور المفترض لاشتغال الغرفة الثانية، فالمطلوب إعادة النظر في عدد من القضايا المرتبطة بمؤسسة مجلس المستشارين، منها مسألة الطبقات الاجتماعية الممثلة داخل هذه الغرفة، وأساليب اشتغالها وطريقة وصول البعض إلى هذه المؤسسة التشريعية، سيما أن الاستحقاقات الخاصة بمجلس المستشارين التي همت تجديد ثلث الغرفة، كشفت فضائح الفساد المالي الذي جر العديد أمام القضاء على امتداد التراب الوطني بتهمة إفساد العملية الانتخابية واستمالة أصوات الناخبين عبر استخدام المال، كما يمكن أن يشمل النقاش حول الغرفة الثانية، من وجهة نظر جبهة الدفاع، تقليص حجمها ومراجعة دقيقة للأدوار المنوطة بها، علاوة على بعض الإجراءات التقنية المتعلقة بترشيد النفقات والمال العام ومصاريف المؤسسة.مطلب إلغاء مؤسسة الغرفة الثانية، كلام غير مبرر وفيه الكثير من العبث بالمؤسسات التشريعية للبلاد بسبب بعض الحسابات السياسية الضيقة والاختلاف في تقدير دور فئات اجتماعية معينة في مجال التشريع، إذ أن الأمر، من وجهة نظر المدافعين عن نظام الثنائية البرلمانية، لا يتعلق بوجود غرفتين تعيد الثانية مهام الأولى، وإنما برلمانين، بالنظر إلى أن النقاش الدائر، في بعض الأحيان داخل مجلس النواب، لا يشكل امتدادا لما يجري داخل الغرفة الثانية، ولو تعلق الأمر بموضوع واحد كما حدث بالنسبة إلى قانون التصريح الإجباري بالممتلكات حينما رفضه أعضاء الغرفة الثانية، رغم أن مشروع القانون هو تعبير عن رغبة تخليق الحياة العامة وحماية المال العام. الأمر نفسه بالنسبة إلى الغرفة الأولى حينما رفضت مشروع قانون ينظم المحافظة العقارية صادقت عليه الغرفة الثانية.يبدو أن الخلل ليس في تبني نظام برلماني يعتمد الثنائية، بقدر ما هناك خلل في كيفية اشتغال هذه المؤسسة التشريعية التي تحولت إلى مكان لازدواجية الخطاب الحزبي والدفاع عن المصالح الخاصة بسبب القوى الضاغطة المنتخبة. إحسان الحافظي

مجلس المستشارين تحت مجهر الإصلاح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ورش الجهوية يسرع إصلاح الغرفة الثانية

مسيرو محطات الوقود بمكناس يتدارسون مشاكلهم

مقالات ذات صلة