السكن الاجتماعي… تلاعبات في دفاتر التحملات

أرباح المنعشين العقاريين تتراوح بين 30 % و100 وغياب المراقبة يشجع الإنتاج الرديء تعالت أصوات ضحايا العقار بالمغرب لتخترق الحدود. احتجاجات ودعاوى أمام المحاكم في الداخل والخارج، في مواجهة المتلاعبين من المنعشين العقاريين، الذين تفننوا في تحويل حياة آلاف الأسر إلى جحيم. عيوب في البناء وتدليس في العقود، أجبرت الملاك على طرق باب أعلى سلطة في البلاد، فرفعت التعليمات الملكية الغطاء عن اختلالات مشروع «باديس» السكني بالحسيمة، وما خفي كان أعظم، فمشاريع السكن الاجتماعي حبلى بالتجاوزات، التي يشهد عليها دفتر التحملات الموقع بين الحكومة والمنعشين، وبموجبه يستفيدون من دعم جبائي حتى 2020، ويلتزمون في المقابل بتقديم منتوج سكني بجودة تبرر مبلغ 250 ألف درهم، المحدد لتسويق هذا المنتوج للمواطن. مجلس المنافسة لم يكن يبالغ حين كشف عن هامش ربح يتراوح بين 30 % و100 في السكن الاجتماعي، أي ما يفوق نسبة أٍرباح المنعش العقاري التركي مثلا، بزائد 300 %، على أساس كلفة إنتاج متر مربع لا تتجاوز 1200 درهم للمتر مربع في نواحي البيضاء، الأمر الذي يطرح التساؤل حول عدم التزام المنعشين بالجودة عند الإنتاج؟، والكلفة الحقيقية لإنتاج، هذا النوع من السكن. في التحقيق التالي، سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة، عبر معطيات موضوعية، مصدرها مهنيون وملاك وجمعيات حماية المستهلك. في رحلة البحث عن الأجوبة الصعبة، وجهنا بعض مهنيي البناء إلى ضواحي البيضاء، تحديدا إلى ما بات يعرف حاليا بالمدينة الجديدة، هناك انتشرت الأوراش المنتجة للسكن الاجتماعي مثل الفطر. خصوصا بعد توطين عدد مهم من مشاريع إعادة إسكان قاطني دور الصفيح هناك. لا تتوقف الجرافات ولا تخفت أصوات العمال، الذين يسابقون الزمن للانتهاء من هذا المشروع من أجل الانتقال إلى آخر، إلا أنهم لا يترددون في التعبير عن شكواهم من ظروف العمل والأجر الذي يتقاضونه، علما أن أغلبهم يعتبرون مهنة البناء «بريكول»، أي عملا موسميا، ولا يتخذونها نشاطا أساسيا لتحصيل رزقهم، وبالتالي لا تمثل الكتلة الأجرية عبئا ثقيلا على المنعشين العقاريين عند إنتاج السكن.وبهذا الخصوص، يوضح سعيد، صاحب مقاولة صغيرة لهندسة الكهرباء بالمباني، إن أغلب المنعشين العقاريين الذين يتعامل معهم، لا يتكلفون بأشغال البناء بشكل مباشر، بل يفوضون هذه المهمة إلى شركات بناء متخصصة «طاشرونات»، تتكلف بإنجاز المشروع وتسليمه إلى المنعش، الذي يسوقه بدوره إلى الزبناء، في الوقت الذي لا تتجاوز كلفة إنجاز متر مربع السكن الاجتماعي ألفي درهم، حسب مصدر مهني، لم يتردد في كشف هامش الربح الكبير الذي يحصله المنعش العقاري، إلى جانب الدعم الجبائي للدولة، موضحا أن الوعاء العقاري وحده، الذي أصبح يمثل الكلفة الأولى بالنسبة إلى المنعش. دفتر تحملات هلامي تشير معطيات السوق، حسب مصدر مهني، إلى بلوغ أنشطة السكن الاجتماعي مرحلة الإشباع، بسبب ندرة الأوعية العقارية، لذا تحرك المنعشون العقاريون إلى ضواحي المدن، من أجل تصيد أراض وأوعية منخفضة السعر، الأمر الذي أجج المنافسة على الأراضي ورفع أسعارها، لتبلغ حدتها تصاميم التهيئة الحضرية، من خلال الضغط لتحويل مجموعة من الأراضي الفلاحية والصناعية إلى حظيرة الأراضي المبنية، في الوقت الذي ما زال الطلب محركا رئيسيا لمشاريع السكن الاجتماعي، رغم الظرفية الاقتصادية الصعبة، التي أدخلت القطاع أخيرا في مرحلة ركود قسري.المنعشون العقاريون استفادوا، خلال السنة الماضية فقط، من إعفاءات جبائية بقيمة سبعة ملايير و93 مليون درهم، لكن مقابل هذه الامتيازات الممنوحة من قبل الدولة، تظل عصا المراقبة قاصرة عن ضبط تلاعبات وتجاوزات المنعشين العقاريين في جودة المنتوج، فرغم تأكيد نبيل بنعبد الله، وزير السكنى وسياسة المدينة، في تصريح سابق لـ»الصباح»، التزام الوزارة بمراقبة المشاريع عند تسليمها، وتدقيقها في مدخلات البناء، غير أن الواقع يثبت العكس، فصور الجدران المشقوقة والحمامات والمطابخ المتهالكة، تغزو مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، وتعدتها إلى مظاهر الاحتجاج المباشر، إذ أصرت مجموعة من الملاك الجدد في أحد المشاريع العقارية، على تعليق لافتات «للبيع»، احتجاجا على تدني جودة المنتوج المقدم إليهم من قبل المنعش العقاري، ورداءة التجهيزات في المشروع السكني.وبهذا الخصوص، فدفتر التحملات الذي تفرضه الدولة على إنتاج السكن الاجتماعي، يلزم المنعش العقاري في ما يتعلق بسلامة البناء والجودة، اللجوء إلى مكاتب المراقبة التقنية لتتبع مسار الأشغال والحرص على ضمان الجودة، واحترام مقتضيات النظام المضاد للزلازل، وتثبيت شبابيك واقية لنوافذ الطابق السفلي والطابق الأول من المبنى، وإحداث نموذج من الشبابيك الواجب تعميمها على بقية نوافذ البناية، والالتزام لمدة ثلاث سنوات بصيانة الكتامة أو «Etanchéité»، والقنوات الخارجية للماء الصالح للشرب. بالموازاة مع ذلك، أقر دفتر التحملات الجديد، في جانب التهيئة الخاصة والتنمية المستدامة، غرس عدد أشجار مساو لعدد المساكن المنجزة بطول يفوق 3 أمتار مع ضمان صيانتها لمدة سنة، وفي حال إذا كان الوعاء العقاري للمشروع لا يستوعب العدد المطلوب من الأشجار، فإن المنعش ملزم بزرع العدد المتبقي في منطقة معينة تحددها الجماعة التي يوجد بها المشروع السكني، كما يفرض دفتر التحملات على المنعش العقاري، توفير ممر خاص بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في بناية واحدة على الأقل من أصل عشر بنايات، من أجل تمكينهم من الولوج إلى مساكنهم. وبخصوص مواصفات السكن من الداخل، يتعين ألا يقل الحد الأدنى لمكونات السكن عن صالون وغرفة نوم رئيسية وغرفة للأطفال، وكذا مطبخ وحمام، لكن القانون أتاح للمنعش إنتاج مساكن تتضمن صالونا، وغرفة ومطبخا وحماما فقط، غير أنه يجب ألا يتجاوز هذا الصنف من المساكن 30 % من المشروع حدا أقصى، ويتعين إلصاق لوحة بمدخل المشروع تحمل اسم المهندس المعماري المكلف بالمشروع. أرباح غير مبررة بغض النظر عن مدى التزام المنعش العقاري بدفتر تحملات الدولة، أو نجاعة آليات الرقابة عليه، فإنه يحصل أرباحا لا تبررها جودة المنتوج الذي يقدمه، وتتراوح حسب عبد الرزاق خالدي، مستشار عقاري لدى بنك أعمال بالبيضاء، بين 30 % و20 من سعر بيع الشقة (250 ألف درهم)، يضاف إليها 40 % ضريبة على القيمة المضافة القابلة للإرجاع، في حدود 40 ألف درهم، وهي الأرباح التي لا تتأتى دون تدبير خصومات عدة، تهم تكلفة البناء بدرجة أولى، والتي تصل إلى ألف درهم للمتر مربع، ثم كلفة اقتناء الأرض أو الوعاء العقاري بدرجة ثانية، والتي تصل في المتوسط إلى ألف و200 درهم للمتر مربع، وفي بعض الصفقات الجيدة إلى بين 700 درهم و800، لتمثل إجمالا 25 % من التكاليف التي يتعين على المنعش العقاري تحملها.ويضاف إلى تكاليف المنعش العقاري، عند إنتاج السكن الاجتماعي، بين 10 آلاف درهم و20 ألفا لكل شقة، عبارة عن تكاليف للربط بشبكة التطهير السائل، والماء الصالح للشرب والكهرباء، وكذا خطوط الهاتف والإضاءة الحضرية وغيرها من التجهيزات. وتتراوح أرباح المنعش عن كل شقة بين 51 ألف درهم و85 ألفا.يشار إلى أن عددا من الملاك وقفوا، خلال الفترة الماضية، على حالات تلاعب في مساحة الشقق، إذ تفاجؤوا عند اقتنائهم شقة، حددت مساحتها في عقد البيع في 55 مترا مربعا، أي مساحة «جفاف»، حسب وصف المهنيين، بمساحة لا تتجاوز 50 مترا مربعا، وهو الأمر الذي يندرج تحت أفعال التدليس، وفق نعيمة، التي تحكي عن معاناتها بسبب ضيق المساحة، عند اقتنائها شقة في أحد المشاريع السكنية بحي الألفة بالبيضاء، مؤكدة أنها حجزت شقتها على أساس مواصفات ومساحة معينة، إلا أنها تفاجأت عند إجراء بعض الإصلاحات، بأن المساحة المصرح بها في عقد البيع غير حقيقية. مجلس المنافسة ينتقد إعانات الدولة انتقد مجلس المنافسة الإعانات المالية التي تقدمها الدولة للمنعشين العقاريين، إذ أفادت دراسة أنجزها في هذا الشأن، تجاوز هامش أرباح الشركات العقارية الكبرى، المدرجة في بورصة الدار البيضاء، سقف 30 % عند إنتاج السكن، وتتراوح هذه النسبة بين 25 % و30 عند إنتاج السكن الاقتصادي والاجتماعي. وإذا كانت تكلفة العقار بالنسبة إلى السكن الاجتماعي تبلغ 25 %، فإن كلفة إنتاج متر مربع في فئة السكن الاجتماعي تصل إلى ألف و200 درهم في نواحي الدار البيضاء، وتتراوح بين 600 درهم و800 للمتر مربع في نواحي الرباط، مع الإشارة إلى أن تكلفة العقار تختلف حسب أعداد المساكن المسموح بناؤها في الهكتار الواحد.ويضاف إلى الوعاء العقاري عنصر آخر في تكلفة إنتاج السكن. يتعلق الأمر بكلفة البناء التي تصل إلى ألفين و200 درهم للمتر مربع، أي حوالي 137 ألفا و500 درهم للسكن الواحد، علما أن حساب التكلفة يأخذ بعين الاعتبار المساحة الخام وليست المساحة الصافية للسكن، أي يتم احتساب كل المرافق الجماعية للسكن زائد المساحة التي تحتلها الأسوار. وبإضافة العنصرين المذكورين إلى تكلفة المصاريف المختلفة، التي تتأرجح نسبتها بين 7 % و8، لتستقر الكلفة الكلية لإنتاج وحدة سكنية من فئة السكن الاجتماعي، سعرها 250 ألف درهم، عند 205 آلاف درهم، بهامش ربح يصل إلى 6 آلاف و500 درهم، ونسبة أرباح تبلغ 26 % دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة، التي ترجعها الدولة إلى المنعش العقاري، ليرفع هامش ربحه في المسكن الواحد إلى 31 %. العقار أكثر القطاعات المشتكى بها كشف بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحماية حقوق المستهلك، أن الشكايات الواردة على الجامعة ضد تجاوزات المنعشين العقاريين، تتجاوز ثلث إجمالي الشكايات المتوصل بها، تحديدا نسبة 23.3 %، ويرتبط القسط الأكبر من هذه الشكايات بالعقارات التي تباع قبل إنجازها أو في طور الإنجاز، إذ أن الصعوبات المرتبطة بالقانون المتعلق ببيع المنتوجات العقارية في طور الإنجاز، والمشاكل المرتبطة بالآجال وبجودة المواد المستعملة تكون السبب الرئيسي لتقديم الشكايات. كما تمثل العقارات التي يعيد مقتنوها بيعها بعد أن دفعوا تسبيقا نسبة مهمة من إجمالي الشكايات، إضافة إلى المبالغ غير المصرح بها «النوار» التي يطلبها المنعش العقاري لإتمام الصفقة، علما أن الفدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين باشرت واعتمدت العديد من المبادرات من أجل الحد من هذه الظاهرة، لكن عددا من الزبناء ما يزالون يشتكون من مطالبتهم من قبل بعض المنعشين العقاريين بأداء مبالغ إضافية عن المبلغ المعلن عنه، خاصة من قبل صغار المنعشين العقاريين الذين ينجزون برامج السكن الاجتماعي، رغم أن سعر هذا الصنف من العقارات مقنن، إذ حدد في 250 ألف درهم. بدر الدين عتيقي

السكن الاجتماعي… تلاعبات في دفاتر التحملات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحبس لرجل أعمال متهم بالنصب

خديجة بن سديرة ... مضيفة استقبال عوض المطبخ

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات