ليساسفة العليا و1 و2 و3، أحياء تلخص جحيم المعاناة والتهميش الذي تعيشه هوامش المدن، كما عبرت عن ذلك شهادات سكان المنطقة. قد يبدو أن أغلبهم تعايش مع ما يسمونه "الواقع المزري"، غير أن شهاداتهم عكس ذلك، وتبين أن نسبة قليلة فقط تعتبر هذا الواقع مصيرا لا هروب منه، فيما تنتظر الأغلبية تدخلا عاجلا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان. وهو واقع لخصته شهادة مسنة بالقول إن "الداخل إلى ليساسفة مفقود والخارج منها مولود". لا يقف زائر المنطقة، إلا على "البؤس" و"الفوضى" و"الهمجية" و"سوء التدبير" و"الفشل" و"العروبية"، وكلها طبعا مرادفات لدائرة ترابية منسية اسمها: "ليساسفة". غياب المرافق يبقى الحديث عن المرافق الضرورية للعيش بكرامة مجرد أحلام، إذ تعاني ليساسفة خصاصا مهولا في المرافق العمومية، والمساحات الخضراء، وملاعب الأحياء، ودور الشباب باستثناء تلك التي توجد بليساسفة العليا، ما دفع الأطفال والشباب لاتخاذ الشوارع، التي تحيط بها مطارح الأزبال من كل جانب، فضاءات للعب، وهو ما يفسر ارتفاع نسبة المصابين بالحساسية والأمراض الجلدية وأمراض العيون، دون الحديث عن خطر حوادث السير، التي تهدد حياتهم في كل لحظة وحين.ومن أجل تزويدهم بالمرافق الضرورية كتلك التي تتمتع بها أغلب أحياء الدار البيضاء راسل السكان مسؤولي المقاطعة الوصية وعقدوا لقاءات عديدة مع منتخبي المنطقة، إلا أن الواقع أظهر أن تلك اللقاءات لم تتعد جلسات شاي وحملات انتخابية، خاصة أنه لا توجد تباشير في الأفق، يمكن أن تضع حدا لهذه المأساة. مخدرات ودعارة أمام طول مدة البطــالة والهــدر المدرسي لم يجد بعض شبــاب المنطقـــة، إلا مــواجهة الواقع بالهرولة إلى أحضان المخدرات وما يترتب عن ذلك من خطورة، لتناسي واقعهم، في حين لم تجد بعض النساء اللواتي قدمن من مناطق ومدن مختلفة بحثا عن عمل، غير امتهان الدعارة والوساطة فيها، بعدما تعثر حظهن في الحصول على فرصة عمل في مصانع ومعامل ليساسفة. استفحال الجرائم وفيما يواجه بعض السكان الظروف القاهرة التي يعيشونها بالصبر أحيانا وبالاحتجاج أحيانا أخرى، إلا أن بعض الشباب العاطل عن العمل، يختار طريق التمرد والانحراف، ليلجأ إلى الاعتداء على الآخرين بسلبهم أمنهم وأمانهم."ما قدو فيل زادوه فيلة" مثل ينطبق على حال ليساسفة التي لم يمهلها سوء أوضاع التعليم والصحة والتعمير والأسواق، حتى زادها الوضع الأمني المتردي مصيبة وصارت تعرف بجرائمها التي تجاوزت أصداؤها المغرب. وعوض أن تشتهر بكرم سكانها وتلاميذها النجباء الذين تحدوا كل العوائق وصاروا يعملون ضمن كبريات المؤسسات الاقتصادية والإعلامية والسياسية أصبحت اليوم مرادفا لـ"التشرميل" والإجرام.الظاهر أن قلة المجالات الخضراء واستفحال البناء العشوائي وغيرها من مظاهر الفوضى التي تسبح فيها ليساسفة، تبقى الشجرة التي تخفي الغابة، وهو الواقع المؤلم الذي يجعل الشباب الغيور على منطقته يعتبر أن هناك اختيارا متعمدا لترك واقع "ليساسفة" يتراجع بشكل سلبي، من قبل بعض الأشخاص الذين لا تهمهم إلا مصالحهم الانتخابية.محمد بها