العياسي: القضاة ضد تسييس المجلس الأعلى للقضاء

رئيس الودادية قال إن العضوية خارج جهاز القضاء ضرب لمبدأ استقلاليته يرى عبد الحق العياسي، رئيس الودادية الحسنية للقضاة، أن الخطاب الملكي لتاسع مارس يعتبر قفزة نوعية من أجل ترسيخ الديمقراطية الحقة وإرساء ثوابت دولة الحق والقانون، وأكد العياسي، في حوار أجرته معه «الصباح»، أن استقلال القضاء ليس مطلبا في حد ذاته، وإنما وسيلة لضمان الحقوق التي أقرها القانون، ومن ثمة تكريس مبدأ دولة الحق الذي يحميه القانون، واستقلال القاضي في جانبه الذاتي. وأبرز العياسي أن القضاة يرفضون تسييس المجلس الأعلى للقضاء، وأن أي عضوية خارج جهاز القضاء ضرب لمبدأ الاستقلال، ولم يفت رئيس الودادية تأكيد أن الودادية الحسنية للقضاة، ومنذ أن تولى شؤونها المكتب المركزي السابق برئاسة مصطفى فارس، وضعت نصب عينيها برنامجا متكاملا حددت فيه خارطة طريق الغرض منها تكريس مبدأ استقلال القضاء. تضمن الخطاب الملكي لتاسع مارس مسألة الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، باعتباركم قاضيا ورئيسا للودادية الحسنية للقضاة، ما هي الوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك؟إن الخطاب الملكي لتاسع مارس يعتبر قفزة نوعية من أجل ترسيخ الديمقراطية الحقة وإرساء ثوابت دولة الحق والقانون، وقضاة المملكة يسجلون بكل فخر واعتزاز استجابة جلالة الملك، القاضي الأول، لأحد المطالب الأساسية للقوى الديمقراطية، ألا وهو الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة عن باقي السلط والتنصيص على ذلك دستوريا، علما أنه سبق لقضاة العالم أن ناضلوا بدورهم من أجل هذا المبدأ خلال المؤتمر الثاني والخمسين للاتحاد العالمي للقضاة المنظم من طرف الودادية والمنعقد بمراكش شهر أكتوبر 2009، والذي كان من أهم محاوره استقلال القضاء. نحن كقضاة نتبنى كل ما جاء في الخطاب الملكي السامي، ونعتبر مضمونه مكسبا مهما مازالت كثير من دول العالم لم ترق إليه، وهو ما يستوجب التأكيد على أننا سنظل جنودا مجندين وراء جلالة الملك في سبيل تحقيق كل ما جاء في مبادرته التاريخية الخاصة بتعديل الدستور، ملتزمين بالعمل الجاد والانخراط الفعلي في مسلسل الإصلاح العميق والشمولي للعدل، وفق تطلعات جلالة الملك السامية والشعب المغربي قاطبة. هذا من جهة، أما في ما يخص الإجابة على سؤالكم، أود أن أوضح أن استقلال القضاء ليس مطلبا في حد ذاته و إنما هو وسيلة لضمان الحقوق التي أقرها القانون ومن ثمة تكريس مبدأ دولة الحق الذي يحميه القانون، واستقلال القاضي في جانبه الذاتي يعني التجرد والشجاعة في إعطاء صاحب الحق حقه دون خوف من أي كان سوى الخالق عز وجل، ودون انحياز أو محاباة ودون غلو أو تقصير، فالاستقلال ليس امتيازا للقاضي وإنما هو حق للمواطن في الحصول على محاكمة عادلة، وأذكر هنا الندوة الوطنية التي عقدتها الودادية الحسنية للقضاة قبل أربع سنوات والتي كان موضوعها استقلال القضاء بمشاركة عدة فعاليات قانونية وقضائية وفقهية.إن الدستور الحالي في فصله 82 ينص على أن القضاء مستقل عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، إلا أنه لم ينص صراحة على أنه سلطة مستقلة، ومع ذلك قد تلاحظون أن صاحب الجلالة في الكثير من خطبه السامية كان يستعمل مصطلح السلطة القضائية، إذ قال أمير المؤمنين حفظه الله في أحد خطبه ما معناه أن إمارة المؤمنين تجعله هو الضامن لاستقلال القضاء.أما الوسائل الكفيلة بالارتقاء بالقضاء إلى سلطة فهي متعددة منها على سبيل المثال لا الحصر تتمثل أولا في الاستقلال المالي واللوجستيكي للقضاء كسلطة،وثانيا إعطــاء صلاحيـات موسعـــة للمجلس الأعلى للقضاء وتمكينـه مـــن آليـات العمـل في استقلال مادي ومعنوي.وثالثا وجود بنيات تحتية تليق بمستوى الجهاز القضائي.ورابعا إعادة النظر في الترسانة القانونية بصفة عامة.وخامسا إعادة النظر في النظام الأساسي لرجال القضاء.وسادسـا تحسين الوضعية المادية للقضاة خاصة قضاة الدرجة الثالثة والثانية،وسابعا تحسين الوضعية المالية لكتابة الضبط.وثامنا عدم التدخل من أي جهة في العمل القضائي سواء قبل أو أثناء أو بعد البت في النزاع،وتاسعا الحرص على تنفيذ القرارات القضائية من قبل السلطة التنفيذية، خاصة منها الصادرة ضد الإدارات العمومية.كل ذلك يجب أن تراعى خلاله مسألة بالأهمية بمكان وهي عدم تسييس المجلس الأعلى للقضاء وانحصار العضوية فيه على القضاة أنفسهم لأن أي عضوية خارج جهاز القضاء ضرب لمبدأ استقلال القضاء. يرى البعض أن القضاء المغربي يعاني اختلالات نتيجة سلوكات معينة لبعض القضاة والمسؤولين، هل يشكل ذلك عائقا أمام الارتقاء به إلى سلطة مستقلة؟بداية لا بد أن أوضح أن القضاء لا ينبغي أن يكون شماعة يعلق كل واحد عليها فشله، فالقضاء في أغلبه يتصف بالصفات الحميدة والأخلاق العالية كالنزاهة والاستقامة والكفاءة، خلاف لما يشاع، إذ أصبحت موضة أن كل متدخل في أي محفل يتعرض للقضاء، وكأن القضاء هو الواقف حجرة عثرة أمام العجلة والعكس هو الصحيح، والتاريخ يشهد على أن القضاة من خلال الودادية هم من تكفل بمراسيم جنازة من التحق منهم بالرفيق الأعلى، لأن أسر البعض لم تجد ما تنفقه في مثل هذه الظروف... وحتى أعود إلى صلب الموضوع، لابد من التأكيد على أن محيط القاضي يتدخل بطريقة أو بأخرى في مسار القضية، إلا أن الاتهام يوجه للقاضي، فالخبير مثلا يحكم القضية قبل القاضي، إلا أن الوزر يقع على هذا الأخير، أضف إلى ذلك أن كل طرف في قضية ما، وإن كان ظالما، يطلـــق نيرانــه على القضاء ما لم يحكم لفائدته، وكما قـال الفقيه الجليل الزاهد ابن الوردي في ما معناه « إن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل « ؛ وهذا لا يعني أن الجسم القضائي سليم مائة في المائة، إلا أن الإخلالات الموجودة نادرة والنادر لا حكم له، ونحن في إطار الودادية، بعد إنجازنا لمدونة القيم القضائية، جادون في تفعيلها وتحصين الجسم القضائي من كل شائبة، وهذا كله لا علاقة له ولا يشكل أي عائق أمام الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة.في نظركم هل ستحد مسألة الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة من فيروس التعليمات والرشوة؟إن استقلال القاضي ينبثق منه أولا، إذ على القاضي، كما تنص على ذلك مدونة القيم القضائية التي أعدتها الودادية الحسنية للقضاة وساهم فيها القضاة أنفسهم، أن يكون مستقلا عن أي جهة كانت، وعليه هو أن يفرض استقلاله، وهنا تحضرني كلمة قالها الدكتور مشيشي العلمي، وزير العدل السابق في أحد لقاءاته مع الهيأة القضائية بالدارالبيضاء حيث قال: «إن استقلال القضاء موكول لكم أنتم القضاة الذين عليكم فرضه ولا تنتظرونه مني»، فالقاضي المستقل لا يقبل التعليمات من أي كان ولا يقبل التدخل في القضية المعروضة عليه من أي جهة، فهو المسؤول الوحيد عنها أمام الخالق أولا، ثم أمام التطبيق السليم للقانون، كما يجب عليه أن يتشبث باستقلاله أمام أي سلطة أخرى، مادية أو معنوية كانت، وهذا بدوره كذلك لا علاقة له بمسألة الارتقاء بالقضاء إلى سلطة.يرى البعض ضرورة الفصل بين القضاء والسلطة التنفيذية، والحد من الاختصاصات المخولة إلى وزير العدل داخل المجلس الأعلى للقضاء، ما رأيكم؟من آليات استقلال القضاء والارتقاء به سلطة، أن يتبوأ المجلس الأعلى للقضاء المكانة اللائقة به، وتمتيعه بالاستقلال المادي والمعنوي، وإعطائه صلاحيات موسعة للقيام بعمله على الوجه الأكمل، وأن يتفرغ أعضاؤه المنتخبون لأعمال المجلس حتى يتمكنوا من دراسة دقيقة ومستفيضة لملفات السادة القضاة وزيارتهم للإطلاع على معاناتهم، وأن يكون الترقي والانتقال والتفتيش من اختصاص المجلس الأعلى للقضاء، إذ في كل ذلك ضمانة لاستقلال القاضي وشعوره أنه يعمل تحت مظلة جهاز دستوري خول له القانون وحده صلاحية تتبع عمله، ونحن مع المطلب العام لجميع الفعاليات القانونية والفقهية والقوى الديمقراطية التي تنادي بفصل السلط بشكل تكون معه نيابة رئاسة المجلس الأعلى للقضاء للرئيس الأول للمجلس الأعلى، كما يتولى الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى وحده رئاسة مؤسسة النيابة العامة، ففي هذا كله ضمانة كبرى لتحقيق العدالة. من جهة أخرى، نحن مع تمثيل المرأة القاضية بالمجلس الأعلى للقضاء وضد أي جهة أخرى غير القضاة في تركيبته، لأن في ذلك ضربا كبيرا لاستقلاله ولمبدأ فصل السلط.المواطن يبحث داخل القضاء عن النزاهة كيف يمكن تحقيقها له؟ إن مدونة القيم القضائية التي جاءت بمبادرة من الودادية الحسنية للقضاة وبمساهمة القضاة أنفسهم تنص في مبدئها الثاني على أن النزاهة هي سمة يتحلى بها القاضي فكريا وأخلاقيا، وهي لا تخص القرار القضائي فحسب، بل تشمل أيضا الإجراءات التي تؤدي إلى هذا القرار، وهذا المبدأ لا هوادة للقاضي عن التحلي به في عمله وسلوكه ومعاملته مع أطراف النزاع، فالتحسيس بجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه عن طريق اللقاءات والأيام الدراسة والتكوين المستمر وتحسين الجانب المادي، كلها عناصر تدخل في إطار التحصين والوقاية من الابتعاد عن هذا المبدأ، والنزاهة لا تعني القاضي وحده، بل جسم العدالة برمته، بما في ذلك مساعدي القضاء من ضابطة قضائية ومحامين وكتاب الضبط وخبراء وغيرهم.. هؤلاء كلهم مطالبون بالتحلي بهذا المبدأ لأنهم جميعا يساهمون في صنع الأحكام، مع أن اللوم كله، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، يبقى على عاتق القاضي فحسب. في خضم النقاش الدائر حول الارتقاء بالقضاء سلطة مستقلة ما هو برنامج الودادية لمرافقة ذلك؟ الودادية الحسنية للقضاة، ومنذ أن تولى شؤونها المكتب المركزي السابق برئاسة الأستاذ الفاضل مصطفى فارس، وضعت نصب أعينها برنامجا متكاملا حددت فيه خارطة طريق الغرض منها تكريس مبدأ استقلال القضاء، ورفع النجاعة القضائية وإعادة ثقة المواطن في قضائه وإشاعة ثقافة التخليق، ومن هنا جاءت فكرة إعداد مدونة القيم القضائية التي كان الفضل في إعدادها، وإخراجها إلى حيز الوجود، ونشر مبادئها، والمطالبة بتدريسها، للودادية الحسنية للقضاة فقط، وذلك كله بغاية الوصول إلى قضاء مستقل، كفؤ، ونزيه وقوي؛ وبعد ما تسلم المكتب الحالي رئاسة الودادية أخذ على عاتقه السير على النهج نفسه والعمل على تحقيق تلك الأهداف النبيلة بعقد دورات تكوينية ولقاءات دراسية وحملات توعوية تحسيسية الهدف منها، إغناء الوازع الديني وتحصين ووقاية الجهاز القضائي من كل شائبة تسيء إليه وحث جميع القضاة على ضرورة الانخراط الكلي والفعلي في برنامج الإصلاح الشمولي للعدالة، والغرض من كل ذلك، كما سبقت الإشارة، هو الوصول إلى قضاء مستقل، كفؤ وقوي ونزيه في إطار سلطة مستقلة هدفها إحقاق الحق وإزهاق الباطل طبقا لقواعد توفير شروط المحاكمة العادلة. أجرت الحوار: كريمة مصلي فارس قاد السفينة بحكمة ومرونة أكد عبد الحق العياسي أن المهمة الجديدة التي أنيطت به لرئاسة الودادية الحسنية للقضاة، هي تكليف قبل أن تكون تشريفا، وأنها تتطلب تضافر الجهود لأجل إصلاح شمولي للعدالة وحماية القانون، مع الحفاظ على ما حققته الودادية من انجازات سواء محليا وعربيا وإفريقيا ودوليا، ما يضع، حسب العياسي دائما، على عاتق القضاة مسؤولية جسيمة لرفع نجاعة القضاء والتأكيد على المشاركة القوية في ورش الإصلاح من خلال فتح قنوات التواصل مع القضاة ومعرفة انتظاراتهم من الودادية عبر جولات في المحاكم. واعتبر عبد الحق العياسي أن التشريف الملكي له، باختياره رئيسا للودادية الحسنية للقضاة هو تزكية لرغبة القضاة الذين انتخبوه بنسبة عالية، وفي الوقت نفسه تكليف، اعتبارا لأن سلفه مصطفى فارس قاد السفينة، حسب العياسي، بحكمة ومرونة مكنت من الحصول على مكتسبات عدة لفائدة القضاة ما يتطلب منه المحافظة عليها، وتحقيق أخرى تكون في مستوى المسؤولية المناطة به من طرف صاحب الجلالة. ك.م

العياسي: القضاة ضد تسييس المجلس الأعلى للقضاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بنكيران: مستعد لأغادر الأمانة العامة

التقدم والاشتراكية يقترح ملكية برلمانية بخصوصيات مغربية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات