بنكيران ويتامى طنجة… إحسان واستغلال

المدينة تضم أكبر ذراع إحساني للحزب بتمويل خليجي وتسيره داعية تابعة لوزارة الأوقاف ربط الخصوم بين تفوق العدالة والتنمية انتخابيا بالعمل الإحساني والخيري اتهام ليس جديدا ويفقد بريقه بمجرد انتهاء لحظة توجيهه، التي تكون في الغالب تجمعا خطابيا، لكن، في طنجة، يختلف الأمر كليا، هذه المرة، هنا، اكتشفت "الصباح"، صورا تؤرخ لزيارات سرية لرئيس الحكومة وأسماء شخصيات وعلاقات وآثار أموال، نرويها في قصة، تعد في النهاية، مجرد حجر صغير نرمي به في بركة آسنة. إنجاز: امحمد خيي (موفد "الصباح" إلى طنجة) دجنبر 2015، في طنجة، مرت ثلاثة أشهر على ظهور نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية، التي انتهت بإحداث لوائح حزب العدالة والتنمية زلزالا انتخابيا حركت ارتداداته الأرض تحت أقدام الطبقة السياسية بالمغرب، بحصدها 49 مقعدا، من أصل 85 يتكون منها المجلس، وبفارق 36 مقعدا عن الحزب الوصيف في الترتيب، الأصالة والمعاصرة (13 مقعدا)، وبعد إحراز مجموع أصوات ناهز 60 ألف صوت منحت للإخوان، الأغلبية في مجالس المقاطعات الأربع للمدينة بمجموع 169 مقعدا. إنه اكتساح عندما تطلب تفسيرات بشأنه، لدى بعض فعاليات المدينة، يأتيك الجواب: أهم عنصر هو العمل الإحساني والخيري. وهو جواب يبدو للوافد الجديد على المدينة، جاهزا، وآلف سماعه في أكثر من مناسبة بمدن أخرى، وعلى لسان الحزبيين، لكن دون وجود معطيات ملموسة تبرز حقيقة الأمر. يحاول السائل طي الموضوع، لكن مصدره، يبدي نوعا من الجدية، حينما يتحدث عن صور للقاءات سرية لعبد الإله بنكيران، الأمين العام للعدالة والتنمية، وعن أسماء جمعيات وشخصيات عمومية نظير الداعية الإسلامية المشهورة نعيمة بنيعيش، ووثائق رسمية حكومية حول تمويل أجنبي، وفئات اجتماعية: أرامل، ويتامى، وأمهات عازبات، فتتشكل الفرضية، وتظهر مسارات للبحث فيها، لتظهر قصة تستحق أن تروى، عن شبهات استغلال انتخابي ليتامى وأرامل بطنجة، وبتمويل أجنبي ! بنكيران وبنيعيش... عطف متبادل 13 أكتوبر 2015، تاريخ كانت فيه النقطة الوحيدة في أجندات وزراء الحكومة هي شد الرحال إلى طنجة للمشاركة في أشغال المجلس الوزاري تحت رئاسة جلالة الملك محمد السادس، لكن، وحده عبد الإله بنكيران، وبواقعيته المعهودة، جعل من رحلته "حجة وزيارة"، فانتهز الفرصة، ليقوم بأنشطة أخرى: مرتديا اللباس ذاته الذي ظهر به على يمين الملك في المجلس، ومحتفظا بصفته الحزبية والحكومية، يقوم بتدشين مركز تمحو فيه النساء الأمية. وتؤرخ صورتان، لنشاط رئيس الحكومة، بالمركز المذكور: الأولى، تظهره يقطع شريط التدشين، والثانية، جالسا تحت السبورة، وقبالته النساء المستفيدات من الدروس، لكن الغريب، أن الصورتين، لا وجود لهما في الأرشيف الرسمي للحكومة ولحزب العدالة والتنمية، كما أن النشاط لم يعلن عنه إلى الآن، من قبل الضيف والمستضيف، رغم وجود أكثر من مسوغ ومبرر لتسويق مبادرة رئيس الحكومة إعلاميا: تاريخ 13 أكتوبر، الذي اختير لانعقاد المجلس الوزاري، صادف اليوم الوطني لمحو الأمية. بعبارة أوضح، إن نشاط رئيس الحكومة ذاك، كان سريا. فما الذي يدفع عبد الإله بنكيران، رئيس حكومة المغرب، الذي استدعي إلى طنجة لغرض المجلس الوزاري، يحيط زيارة إلى مركز لمحو الأمية بكل تلك السرية. أليست المبادرة مبعثا للفخر ؟ هل في الزيارة خرق للقانون أو يشوبها انتهاك أخلاقي؟ إنها أسئلة، يبدأ الجواب عنها من التمحيص، أكثر، في الصور، سيما باقي الشخصيات الظاهرة في الصور. في الصورة التي كان فيها رئيس الحكومة بصدد قص الشريط، نتعرف على امرأة تقف بجانبه وتمد له يد "العون" ليقوم بذلك، ويتعلق الأمر بنعيمة بنيعيش، "سيدة"، لم يعد خافيا، أنها تعتلي مكانة خاصة في قلب عبد الإله بنكيران، الأمين العام للعدالة والتنمية، إذ يشير الأرشيف، أن كثيرا من زياراته إلى طنجة، تكون من أجلها. واحدة من تلك الزيارات، جرت في 12 أبريل 2013، بانتقال عبد الإله بنكيران، ومعه قيادات من الصف الأول بالحزب، إلى طنجة لحضور مراسيم جنازة رجل يدعى عبد السلام بنيعيش، الذي لم يكن سوى والد نعيمة بنيعيش، امرأة رأت النور في 1961 بوزان، وهي داعية نسائية إسلامية معروفة على الصعيد الوطني، بتقديمها برامج تلفزيونية وإذاعية، بقنوات منها إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، وقناة الأندلس الفضائية، هي الحاصلة على إجازة للوعظ والإرشاد من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية منذ 1996. وتملك نعيمة بنيعيش، صفات أخرى تؤهلها للقاء بعبد الإله بنكيران، في أكثر من مناسبة وأكثر من فضاء، فهي عضو سابق بالمكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح خلال ولاية الرئيس السابق محمد الحمداوي، وذلك الجهاز (المكتب التنفيذي)، يعد، من المجالس الرسمية التي تلتقي فيها قيادات العدالة والتنمية بنظيراتها في حركة التوحيد والإصلاح، الجماعة الأم للحزب ودراعه الدعوي، وحينما كانت نعيمة عضوا فيه، كان الراحل عبد الله بها، زميلا لها فيه وهو وزير للدولة. تعد المرأة أيضا، مؤسسة لمنتدى الزهراء للمرأة المغربية، وتولت مهام نائب الرئيس فيه، وهو المنتدى الذي يعد التنظيم النسائي الموازي لحزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، وتنتمي إليه وزيرات وقياديات وزوجات القياديين في التنظيمين السياسي والدعوي. كما مرت نعيمة من المجلس الوطني لمنظمة تجديد الوعي النسائي، ومن أجهزة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وتتولى مهام مديرة المعهد النسوي للتكوين الشرعي أم المؤمنين عائشة بطنجة، ومسؤولة الاتصال والعلاقات العامة ومستشارة شرعية بمكتب جمعية كرامة لتنمية المرأة بطنجة، ومسؤولة العلاقات الخارجية بجمعية العون والإغاثة. وتبقى الصفات الثلاث الأخيرة، الأكثر أهمية، على المستوى الميداني بطنجة، وبها تتحرك كثيرا نعيمة بنيعيش، وتمس بهما الوضع المعيشي المزري لآلاف الأرامل والأيتام والأمهات العازبات بالمنطقة، إذ تقوم القيادية الإسلامية، بعمل اجتماعي متميز على مستوى المتابعة والتكفل والتكوين وجمع المساعدات وتوزيعها، ومرجعيتها في ذلك تعاليم الإسلام حول الإحسان والتكافل والأدبيات المؤطرة للعمل الاجتماعي والإحساني، موضوعة مركزية توليها الحركات الإسلامية العناية الفائقة، الشيء الذي جعل من نعيمة بنيعيش، مرجعا وتجربة وطنية ودولية تعد نموذجا ناجحا. ولما انتهز عبد الإله بنكيران، في ذلك اليوم، فرصة حضوره المجلس الوزاري بطنجة، لتفقد واحدة من البنايات الكثيرة التي تملكها جمعية العون والإغاثة بطنجة، التي حصلت على صفة المنفعة العامة، في الزمن نفسه الذي وصل فيه العدالة والتنمية إلى الحكومة، وحصلت فيه حركة التوحيد والإصلاح على الشخصية القانونية بشكل رسمي، لم يكن الأمر، سوى عنصر تأكيد قوي نسبيا، لبعض الشكوك التي تراود بعض الفعاليات حول وجود "ثمار دنيوية" يجنيها حزب العدالة والتنمية من أعمال خيرية وإحسانية ضخمة ومتميزة تقوم بها نعيمة بنيعيش، وزوجها نور الدين بنصبيح، عن طريق "العون والإغاثة" بطنجة. وقبل انكشاف قيام الأمين العام للعدالة والتنمية بتلك الزيارة، التي تصنف سرية مادام الضيف والمستضيف قد شعرا بالحرج أو بعض العار فلم يعلنا عنها للرأي العام، توصل محمد العمراني، مدير الموقع الإخباري "طنجاوي.ما"، إلى معلومة تؤكد أن عبد الإله بنكيران، فخور كثيرا بتجربة "السيدة بنيعيش"، وحينما يبحث في ذهنه عن نماذج يقدمها عبرة ومثالا قابلا للتعميم، تحضره صورتها. ويقول محمد العمراني: "في 21 دجنبر 2014، أصر عبد الإله بنكيران في معرض كلمة له أمام مسؤولي حزبه بالمقر المركزي بالرباط، وهو يشحذ هممهم، على الإشادة بالجهود الجبارة التي تبذلها نعيمة بنيعيش، الداعية الإسلامية بالقناة السادسة، وقال لهم إنها، وزوجها نور الدين بنصبيح، أخبراه في لقاء جمعه بهما، أنهما يكفلان اليوم، آلاف اليتامى، معتبرا ذلك نصرا من الله، وعلى مسؤولي الحزب الاقتداء بهما". إلى هنا، نكون أمام خلاصة: تعني نعيمة بنيعيش، الشيء الكثير بالنسبة إلى الأمين العام للعدالة والتنمية، ويوجد نوع من العطف المتبادل بينهما، لكن أين توجد المشكلة في ذلك؟ وقبل ذلك، ما الذي يجعل جمعية العون والإغاثة وأدوار نعيمة بنيعيش فيها، تلقى كل ذلك الاهتمام والعناية، دون سواها من جمعيات ونساء مرتبطات بالعدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح؟ زوجة بنكيران تعطف على نعيمة حتى نبيلة بنكيران، زوجة رئيس الحكومة أصيبت بعدوى إعجاب زوجها واهتمامه بعمل نعيمة بنيعيش، وجمعيتها العون والإغاثة، فحظيت بدورها في ماي 2013، مرفوقة بصديقتها فاطمة معنان، زوجة وزير الدولة الراحل عبد الله بها، بزيارة إلى المركب الاجتماعي للجمعية بحي السوريين في طنجة، حيث استقبلتهما نعيمة بنيعيش، وأطلعتهما على عمل الجمعية وطريقة اشتغالها، وهو اللقاء الذي تلته نقاشات في بعض الصالونات بطنجة حول العلاقة السببية بين الزيارة والإفراج عن دعم للمعهد النسوي لكريمة بنيعيش، من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ظل "معتقلا". لم تحصل "الصباح" في طنجة، عن تأكيد أو دليل على تلك المعلومة، لكن وجدت، في موريتانيا، خيطا يؤكد وجود علاقة بين نبيلة بنكيران مع نعيمة بنيعيش، إذ يشير أرشيف الحزب الوطني للإنماء الموريتاني، المعروف بحزب حواء، أن رئيسته سهله بنت أحمد زايد، قامت في يوليوز الماضي (2015)، باختيار المرأتين المغربيتين، لتكريمهما في مناسبة الحفل السنوي لتكريم السيدات الرائدات في العالم العربي والإسلامي، لأنهما "أعطتا الكثير وبذلتا كل غال ونفيس خدمة للمجتمع المغربي والإنسان العربي والإسلامي". "حكومة" في رداء جمعية على عكس السرية التي أحاطت بها جمعية العون والإغاثة زيارات عبد الإله بنكيران وزوجات قياديي حزبه العدالة والتنمية، إلى مبانيها ومقراتها بطنجة، تولي أهمية فائقة للتواصل والتسويق والتعريف بنفسها ومنجزاتها الخيرية، ولا تتردد حتى في التشهير بالأيتام والأرامل والأمهات العازبات وكل شخص مستفيد من خدماتها، بنشر تقارير وصور وأشرطة عن مختلف أعمالها. ومن بين تلك الوثائق المنشورة، تلك التي تعرف بالجمعية وفلسفة اشتغالها، فتقول واحدة منشورة بالموقع الرسمي للجمعية، إن العون والإغاثة، جمعية مغربية خيرية اجتماعية تنموية وطنية ذات منفعة عامة بموجب مرسوم رقم 2.11.617، "متخصصة في تصور وهندسة وتنفيذ الخدمات الرعائية المتكاملة المقدمة لأسر اليتامى والأرامل". والتتخصص في "احتضان ورعاية الأسر الهشة وبالتحديد أسر الأيتام والأرامل"، يتم حسب الجمعية، عبر تقديم "رعاية متكاملة ومندمجة تمتد من سد حاجياتها الأساسية إلى تنمية قدراتها ومؤهلاتها"، والهدف، "تحقيق التماسك والاستقرار الاجتماعي والأسري والنفسي، والاستقلال المالي والاندماج الايجابي والمتميز لتلك الأسر"، أما الآليات فهي: "الدعم المالي والمعنوي والتحفيز والمصاحبة والإشراك والتعليم والتحسيس والتوعية والتربية والتوجيه والإرشاد والمشورة والتكوين والتأهيل والتشغيل والتعهد والتتبع". ولما رفعت الجمعية السقف عاليا، وحددت "كفالة اليتيم خيارا استراتيجيا"، أعدت هيكلة دقيقة لتترجم ذلك على أرض الواقع، عنوانها مأسسة العمل الإحساني، وهي المأسسة، التي كشف نور الدين بنصبيح، زوج نعيمة بنيعيش ونائب رئيس الجمعية حاليا، ملامحها، في لقاء انعقد في بوزنيقة في دجنبر 2005، وأفردت له جريدة "التجديد"، التي تنشرها حركة التوحيد والإصلاح، تغطية مازالت موجودة في أرشيفها. "ميلاد فكرة مشروع كفالة اليتيم، راجع إلى دراسة إحصائية أنجزتها جمعية العون والإغاثة لجل الأسر المستفيدة من الخدمات الإحسانية العامة، والتي أبانت أن اليتامى يمتلكون حصة الأسد من خدمات الجمعية بنسبة 40 في المائة، فيما تتوزع نسبة 60 في المائة بين خمس خدمات، هي المرض والإعاقة وبطالة المعيل والتخلي عن الأسرة، والعجزة والطلاق"، يشير أرشيف "التجديد"، كاشفا أن تلك الخلاصة ولدت قناعة بضرورة إفراد تلك الفئة بمشروع تنموي متخصص، وتخصيص موارد بشرية لمباشرة أعمال المشروع تخضع للتأهيل المستمر، وفق فلسفة عامة هي "ضرورة الانتقال من العمل الإحساني إلى العمل التنموي". وتكشف الوثيقة ذاتها، أن "مشروع كفالة اليتيم سيشهد تطورا ملحوظا، تجسد في الانتقال من الرعاية المالية إلى الرعاية الشاملة، ومن اليتيم وحده، إلى احتضان أسرته وتمتيعها بخدمات مالية وصحية وتربوية وتعليمية والتكوين والتشغيل والسكن"، وبمعنى آخر، صارت جمعية العون والإغاثة، بتعبير الصحافي محمد العمراني، في لقائه مع "الصباح" بطنجة، بمثابة "وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والطفولة". ووصلت "الصباح" إلى بعض الأرقام والمعطيات اللافتة عن النتائج الجيدة التي تحققها الجمعية منذ بصمها على ذلك التحول، في 2001، ومنها الانتقال في تلك السنة من عدد 108 يتامى مكفولين إلى 302 في 2002 و573 في 2004 ثم الى 1032 في 2005، وصولا إلى 2000 يتيم و 500 أرملة و100 أسرة في 2008. وتواصلت، على مر السنوات، عملية توسع عدد أسر الأرامل وقاعدة الأيتام، الذين تكفلهم الجمعية وترعى شؤونهم وتمدهم بحاجياتهم اليومية، لتشير بعض أرقام الجمعية في 2015 إلى "تأمين الدخول المدرسي لـ3000 يتيم بمشروع: حقيبتي". وكما يتم تصوير الجمعية في صورة وزارة للأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية، يحلو لبعض المراقبين، تصويرها، من منطلق أساليب اشتغالها، بوزارة الداخلية، لأنها تعتمد هيكلة تنظيمية محكمة ومضبوطة، إذ تتوفر على خلايا بمختلف الأحياء والمناطق، والذي يريد الاستفادة من خدماتها، يتم توجيهه إلى واحدة من تلك الخلايا لتقوم بتحريات حوله، كما توجد لديها قاعدة معطيات معلوماتية، فيها ملفات مرقمة ومعطيات دقيقة عن كل أسرة تحظى برعايتها، وعشرات الموظفين والموظفات، الذين يحصلون على أجور حدها الأدنى 3000 درهم في الشهر، ويخضعون لتكوينات مستمرة في أساليب الاشتغال والتدخل والمتابعة. نلامس في المعطيات السابقة، أن جمعية العون والإغاثة بطنجة، منظمة مأسست العمل الإحساني الإسلامي بالمغرب، على نحو انتقل من مجرد توزيع الإعانات الموسمية، إلى الرعاية الشاملة اليومية تغذية وتربية وتعليما وتكوينا، بفلسفة ومرجعية إسلامية صرفة، مع حصر اليتيم المستفيد، كما تؤكد ذلك وثائق الجمعية وتصريحات مسؤوليها، في "اليتيم الحقيقي"، أي "أن يكون يعيش مع أمه أو أحد جديه أو إخوته أو خالته لا في دار الأيتام، وتكون الأسرة التي تحتضنه فقيرة أو عاجز، ويكون عمره دون سن العاشرة". كما أنه بالعودة إلى وثائق حركة التوحيد والإصلاح، نفهم كيف أن نعيمة بنيعيش وزوجها نور الدين بنصبيح العمراني، بوصفهما قطب الرحى في "ماكينة" جمعية العون والإغاثة، يشكلان فعليا نموذجا ومرجعا، فهما أفضل من تمكن، عبر مأسسة وتحديث العمل الإحساني، من التحرك وإحراز نتائج جيدة في آن واحد، في المجالات السبعة الرئيسية التي توصي الحركة أعضاءها بالعمل فيها: مجال الدعوة الفردية والعامة، والعمل الثقافي والفكري، والعمل العلمي والتعليمي، والمجال التربوي والتكويني، والمجال الاجتماعي والخيري، والمجال السياسي. والآن، يبرز سؤال أساسي: من أين تأتي جمعية العون والإغاثة بالأموال والإمكانيات؟ 20 ألف قفة في رمضان تكشف معلومات، أيضا، أن العون والإغاثة توزع 20000 قفة غذائية في رمضان، وتكفل 200 طالب جامعي يتيم، وتؤوي ما يفوق 100 طالبة يتيمة بدار رعاية تابعة للجمعية وتسمى "دار الطالبة فاطمة الفهرية"، بكلفة شهرية قيمتها 2000 درهم لكل طالبة وطالب في الشهر الواحد، وتوزيع أضاحي العيد وكسوة العيد على آلاف الأسر واليتامى بطنجة، وإسكان عشرات الأرامل وأبنائهن في شقق اقتصادية، ناهيك عن محو الأمية والتكوين الشرعي لـ2500 من الفتيات ليتحولن إلى داعيات ومرشدات دينيات، عبر معهد "عائشة أم المؤمنين" المملوك لنعيمة بنيعيش، واحتضان عدد مهم من الأمهات العازبات عبر مراكز جمعية بسمة لتنمية المرأة. تمويل أجنبي ١٠في المائة "إسلامي" لا تخفي جمعية العون والإغاثة، أسماء شركائها، لكنها لا تفصح عن حجم الأموال التي تحصل عليها منهم، وهكذا تبرز في وثائقها، جهات حكومية هي برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ووزارة التربية الوطنية، والتعاون الوطني، ووكالة التنمية الاجتماعية، وشركاء دوليون، هم سفارة كندا، وسفارة دولة الإمارات العربية المتحدة، وبلدية مدريد بوساطة من مؤسسة "أيدا" الإسبانية، ومؤسسة قطر الخيرية ومؤسسة الهلال الأحمر القطري ومؤسسة الهلال الأحمر الإماراتي، والأمانة العامة للجان الخيرية بدولة الكويت والندوة العالمية للشباب الإسلامي بالمملكة العربية السعودية، وهيآت الإغاثة الإسلامية عبر العالم سيما فروع بلجيكا وهولندا وبريطانيا. ورغم تعدد المؤسسات في الوثائق الرسمية للجمعية، إلا أنه في الواقع، وكما يكشف ذلك الأرشيف الإعلامي والتواصلي للجمعية، نجد أن الشركاء والممولين الحاضرين بشكل فعال هم فروع هيأة الإغاثة الإسلامية عبر العالم التي توجد الغرفة الرئيسية لقيادتها بالسعودية، وهي فرع لرابطة العمل الإسلامي، التي تشكل التنظيم الإخواني الوحيد الذي تتسامح معه السلطات السعودية ويوجد على رأسه عبد الله التركي، كما تحضر بشكل لافت في تقارير وصور أنشطة جمعية العون والإغاثة، مؤسسة قطر الخيرية، التي تعتبرها بعض التقارير الدولية المعارضة للتنظيم الدولي لحركة الإخوان المسلمين، بأنها من الأذرع التي تمول بها قطر أنشطتهم عبر العالم. وما لم ينتبه إليه كثيرون، قبل اليوم، أن "حرب التمويل الأجنبي للجمعيات"، التي اندلعت قبل سنتين ولم تنته فصولها بعد، كان من حسناتها، أنها رفعت الستار قليلا، ولأول مرة، عن الأموال "الإسلامية" التي تضخ بها جهات خليجية الأذرع الإحسانية لحزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح بالمغرب، ومن طرائف القدر، أن الوزير الذي سيكشف عن الأمر، هو الحبيب الشوباني، القيادي في العدالة والتنمية حينما كان وزيرا للعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، بتأشيره على نشر لائحة للجمعيات المستفيدة من التمويل الأجنبي بالمغرب. وحملت تلك اللائحة مفاجأة، لم تحظ بالانتباه اللازم، إذ جاءت فيها جمعية العون والإغاثة، من التنظيمات المدنية التي صرحت بحصولها على كثير من الأموال الأجنبية، تقترب من مليار سنتيم في سنة واحدة (700 مليون سنتيم، تحديدا): وهكذا نجد في الخانة رقم 16 من اللائحة أن برنامج الجمعية لكفالة اليتيم، تلقى من الفرع البلجيكي لهيأة الإغاثة الإسلامية، سنة قبل حصول الجمعية على صفة المنفعة العامة في 2011، على دفعات ما مجموعه 62 مليون سنتيم. وتكشف الوثيقة الوزارية ذاتها، أن العون والإغاثة، تلقت في الفترة ذاتها، من الأميرة البحرينية الشيخة منيرة بنت عيسى بن سلمان آل الخليفة، تمويلا لبرنامج كفالة الأرامل ومركز الصم والبكم وكفالة اليتيم، على دفعات ما يناهز 140 مليون سنتيم. وتلقت الجمعية، من جمعية قطر الخيرية وسفارة الإمارات ومؤسسة الوفاء للإغاثة بلندن وجمعية العون الإسلامي بلندن وجمعيتي الإصلاح بدولتي البحرين والكويت، تمويلات لبرامجها الخاصة بكفالة اليتيم وقفة رمضان وأضحية العيد، على دفعات ما مجموعه 250 مليون سنتيم. واللائحة نفسها، التي تعود لوزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، تبين شيئين: التمويلات الخليجية والإسلامية عند مقارنتها بالتمويلات القادمة من السفارات الأوربية وبرامج إسبانية، يتبين أنها ضخمة جدا وتذهب أساسا إلى برامج العمل الإحساني، أما الأوربية فهي شحيحة (سفارة كندا قدمت للجمعية 6 آلاف درهم)، لكنها تتوجه إلى برامج لا تنطوي على جدل أخلاقي أو شبهات سياسية، مثل مركز الصم والبكم، ومشروع تنمية قدرات سكان حي المرس (دعمته مؤسسة آيدا الإسبانية بـ164 ألف درهم). إخوة بنيعيش والإرهاب ليس العمل الإحساني وتكوين الواعظات، وحده، ما يصنع شهرة "السيدة نعيمة"، بل أيضا، شقيقاها، صلاح الدين بنيعيش، الملقب "أبو محجن"، وعبد العزيز بنعيش، إذ أدينا بالسجن على خلفية الأحداث الإرهابية لـ16 ماي 2003 في البيضاء، ومازالا يقبعان فيه إلى اليوم. وكان الأخوان بنيعيش، اثنين من 1200 متهما، تم إيقافهم بعد تفجيرات البيضاء، بعد أن كشفت التحريات التي باشرتها السلطات الأمنية، عقب تلك الاحداث، أن مغاربة كثيرين ينشطون داخل جماعات متطرفة ومتشددة مثل "السلفية الجهادية" و"الصراط المستقيم" وجماعة "التكفير والهجرة" و"حركة المجاهدين المغاربة" و"الجماعة الاسلامية المغربية المقاتلة". وفي ذلك السياق، كشفت التحريات أن الأخوين بنيعيش، كانا من المنتمين إلى "الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة"، وأبان التحقيق مع صلاح الدين بنيعيش، الملقب "أبو محجن"، كشف أنه تعرف على الفرنسي "ريشارد انطوان" المدعو «الحاج» و«ابو عبد الرحمان» في اسبانيا عن طريق شقيقه عبد العزيز، والتقى بضابط بريطاني اسمه «عمر» مكنه من الحصول على جواز سفر بريطاني مزور سمح له بدخول البوسنة حيث شارك في الحرب هناك لمدة سنة فقد على إثرها احدى عينيه. "العون" تقود شبكة وطنية ليست العون والإغاثة، التي تتوفر اليوم على ثمانية مراكز تغطي أغلب مقاطعات طنجة: مركب الرعاية الاجتماعية، ومركز للا فاطمة الزهراء، ومركز السلام، ومركز النور، ومركز الصم والبكم، ودار الطالبة فاطمة الفهرية، ومركز ابن بطوطة، ومركز الخير، (ليست) الذراع الخيري الوحيد الذي يرتبط بحركة التوحيد والإصلاح، الجماعة الأم للعدالة والتنمية، في المغرب، إذ يوجد الكثير منها في كافة ربوع المغرب، لكن العون والإغاثة، تتفرد بالتحديث والمأسسة والإجرائية، والحصول على صفة المنفعة العامة، التي تخولها التحرك بشكل أنجع. ولما كان الأمر كذلك، برز التفكير في تعميم تجربتها، فتم منحها في 2012 مسؤولية قيادة باقي الأذرع وتوجيهها وتأهيلها، وتشبيكها، فتأسست "الشبكة المغربية لرعاية اليتيم (شمري)"، في 28 يناير من تلك السنة، واختير المركب الاجتماعي لجمعية العون والإغاثة، الكائن في حي الزيزفون، بمنطقة البرانص في طنجة، مقرا لغرفة قيادتها. وتشير بعض وثائق تلك الشبكة، إلى أنها تضم الآن ما لا يقل عن 40 جمعية ذات خبرة مهمة في الحقل الاجتماعي والتنموي تتكفل بعدد مهم من أسر الأيتام والأرامــل في مختلف مناطق المغرب، وهي الشبكة التي لا تخفي أن طموحاتها كبيرة جدا، إذ تقول وثائقها: "نمتلك، في شخص أعضاء الشبكة من الجمعيات القوية، خبرة متميزة وعميقة تؤهلنا مستقبلا للعب أدوار طلائعية في مجال تطوير ومأسسة مشاريع رعاية أسر اليتامى والأرامل بالمغرب". شبهات انتخابية تبدو نعيمة بنيعيش، الماسكة بملفات العلاقات العامة، وأساسا مع المانحين والممولين، لجمعية العون والإغاثة، ومعها زوجها الذي يقدم للأجانب بصفة: الرئيس المؤسس، مدركان جدا أن السقوط الحر والمباشر في الخلط بين العمل الإحساني والسياسي، وعلى نحو دقيق: الانتخابي، أمر جلل، لذلك، يصران، تلميحا لا تصريحا، على "التمايز" بين حركة التوحيد والإصلاح وذراعها السياسي مجسدا في حزب العدالة والتنمية. ذلك ما يتبين على الأقل من غيابهما عن الواجهة الحزبية، مقابل الحضور في الواجهة الدعوية. ورغم ذلك، يمكن وضع اليد على بعض الثقوب، فيها آثار واضحة تجعل تهمة الخلط بين العمل الإحساني والسياسي، راجحة: < نور الدين بنصبيح، زوج "السيدة نعيمة" والرئيس المؤسس للجمعية، يوجد على رأس تنظيم خيري آخر، هو "مؤسسة بسمة للتنمية الاجتماعية"، ومقرها في شارع مدغشقر بالرباط، تلقت في 2010، حسب لائحة وزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، تمويلات من الهيأة القطرية للأعمال الخيرية، فقام بتحويل المبالغ إلى جهتين: مؤسسة العون والإغاثة (187 مليون سنتيم على دفعتين)، والباقي حوله إلى حسابات منتدى الزهراء للمرأة المغربية (8 ملايين سنتيم). وذلك المنتدى، ليس سوى الذراع النسائي التابع لحركة التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية، وفي مكتبه المسير، حيث تتولى نعيمة بنيعيش، مهمة رئيسة المجلس الإداري، تبرز شخصيات سياسية تنتمي إلى العدالة والتنمية وتتولى مناصب سياسية وانتخابية: سمية بنخلدون، الوزيرة السابقة وعضو الأمانة العامة للعدالة والتنمية، وجميلة المصلي، عضو الأمانة العامة للحزب ذاته والوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر. < يوجد أيضا دليل يوحي بأن تكون الأعمال الخيرية لفائدة الأرامل واليتامى والأمهات العازبات بطنجة، الذي تباشره الداعية نعيمة بنيعيش، من شبهات العمل الانتخابي لفائدة حزب العدالة والتنمية: في جمعية كرامة لتنمية المرأة بطنجة، التي أنشأت بالمدينة مؤسسة للرعاية الخيرية اسمها "دار الكرامة" ومتخصصة في ملف النساء في وضعية صعبة والأمهات العازبات، تتولى نعيمة بنيعيش، منصب مسؤولة الاتصال والعلاقات العامة ومستشارة شرعية، وإلى جانبها يبرز اسم امرأة ترشحت في الانتخابات الجهوية الأخيرة في لوائح العدالة والتنمية وفازت بعضوية مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة: إنها وفاء بن عبد القادر، رئيسة الجمعية. < في مكتب جمعية العون والإغاثة، نفسها، يوجد اسم فضل السقوط الحر في شبهة استغلال الأعمال الخيرية في الحملات الانتخابية، ويتعلق الأمر بمجيدة القطني، نائبة الكاتب العام للعون والإغاثة، ومسؤولة العمل المدني بجهة الشمال الغربي لحركة التوحيد والإصلاح (منطقة طنجة أصيلا): تتولى عضوية المكتب المحلي لحزب العدالة والتنمية بمقاطعة بني مكادة، التي يتولى الحزب رئاستها في شخص البرلماني محمد خيي، بعد أن حققت لائحته في الانتخابات الجماعية الأخيرة بها اكتساحا لافتا. الآن يمكن فهم السبب الذي جعل عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة والأمين العام للعدالة والتنمية، لم يعلن إلى اليوم، عن الزيارة التي خص بها، مقرات جمعية العون والإغاثة، في 13 أكتوبر الماضي (2015)، حيث احتفل باليوم الوطني لمحاربة الأمية، وجلس إلى أرامل الجمعية وهن يتلقين دروسا، بمجرد مغادرته قصر مرشان، حيث انعقد المجلس الوزاري تحت رئاسة جلالة الملك محمد السادس: لم يشأ الأمين العام للعدالة والتنمية أن يمنح للمراقبين مؤشرا ملموسا على أن العمل الإحساني والخيري، يشكل قطبا رئيسيا في الرحى الانتخابية لحزبه بطنجة.

اتهام إمام بالتزوير ببني ملال

أجهزة تقويم السمع تضبط إلكترونيا

مقالات ذات صلة

أنتم تستعملون حاجب إعلانات