أقر المجلس الوطني للعدالة والتنمية، برلمان الحزب، في دورته المنعقدة أخيرا، تعديلا في القانون الداخلي للحزب، تقدمت به الأمانة العامة التي يوجد على رأسها عبد الإله بنكيران، يسمح لقادة الحزب بمراكمة المناصب، برفع التحريم عن مبدأ حالة التنافي. ويشكل القرار، انزياحا جديدا ولافتا للانتباه في المبادئ والقيم الأخلاقية التي طالما تميز بها العدالة والتنمية، على مستوى الترشيح للمسؤوليات وتولي المناصب وضبط الأهواء والطموحات الشخصية، حتى أن سليمان العمراني، نائب الأمين العام للحزب، لم يتردد في وصف القرار بـ»الثورة». ويهم رفع التحريم عن مراكمة المناصب من قبل الفرد الواحد، قضية الجمع بين مهام الكتاب الجهويين والإقليميين والمحليين للحزب، ومهام رؤساء مجالس الجماعات والمقاطعات والغرف المهنية، فصار، مثلا، بإمكان قيادي في الحزب حصل على منصب كاتب جهوي، أن يتولى منصبا ثانيا من قبيل رئيس مجلس جماعي. ولم تقم الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عبر التعديل الذي أحالته على المجلس الوطني للحزب، واعتمده، سوى بتكريس وضعية غير قانونية، لعدد من قادة الحزب، منذ ظهور نتائج انتخابات 4 شتنبر الماضي، إذ احتفظ عدد منهم بمناصب المسؤولية الحزبية، وأضافوا إليها مناصب المسؤولية الانتدابية في الجماعات الترابية والجهوية، في حين أن القانون الداخلي قبل تعديله، يضعهم في حالة تناف، تستوجب التخلي عن واحد من المنصبين. وتكلف سليمان العمراني، الذي يعد، عين عبد الإله بنكيران على الحزب، منذ انشغاله برئاسة الحكومة، بالإعداد النفسي وإيجاد التبريرات الملائمة لهذا الانزياح عن مبادئ الحزب والأخلاق المؤطرة لتوزيع المناصب والمنافع على أعضائه، فقال إن «التعديل أملته حاجة واقعية برهانات ذاتية وإرادية". ولاحتواء وقع صدمة الانزياح عن «الزهد» في المناصب، قال سليمان العمراني، مخاطبا المتحفظين على التعديل، أنه «لا ينبغي أن يثير الأمر الحرج، طالما أن البواعث على المبادرة واضحة ومؤسسة». وصدم العمراني، أمين سر عبد الإله بنكيران في قيادة الحزب، قواعد العدالة والتنمية، بإشارته إلى أن تحريم الجمع ومراكمة المناصب، لا يعد اختيارا ثابتا في قوانين الحزب، كما يسود الاعتقاد، بل هو مسألة مرحلية وانتهت، بقوله: «وجب الحذر من الجمود، أو تقديس بعض النصوص، أو المقتضيات أو الاختيارات التي قد تناسب مرحلة، لكن ليس من الضروري أن تناسب غيرها». وجرب سليمان العمراني، الذي اعتبر رفع التحريم عن مراكمة المناصب «ثورة»، في تبرير الانزياح عن المبادئ، إقناع المتحفظين، عبر فكرة أن وجود ندرة في الموارد البشرية والأطر لدى الحزب، هي التي اقتضت شرعنة أن يتولى القياديون الحاليون أكثر من منصب. وفي هذا الصدد قال المتحدث ذاته، إن إعمال قاعدة التنافي بفعالية، «تكتنفه صعوبة مدى القدرة على النجاح في مواجهة ندرة الموارد البشرية المؤهلة وصناعة الطاقات والنخب الجديدة، حيث لا يستقيم بداعي التنافي أن نسند المسؤوليات للمرجوحين وإن قلت مهامهم ونصرف الاختيار عن الراجحين ولو تعددت مسؤولياتهم». ومن التبريرات التي غلف بها، نائب عبد الإله بنكيران، عملية فتح الباب أمام قادة الحزب لمراكمة المسؤوليات والمناصب، اعتباره أن "وجود قاعدة التنافي"، أصلا، "يخلق الكسل ويحول دون السعي المتحفز المقترن بالتأهل الذاتي لتولي المسؤوليات"، مشددا، على أن "قاعدة التنافي تخل بالجودة والتنافسية وتضعف العرض حين يدعو داعي المؤسسات لاختيار المؤهلين لتولي المسؤوليات التنظيمية، أو الانتدابية". ويقتنع مراقبون، أن الانزياح الذي دشنه المجلس الوطني للحزب، يدخل في إطار تمهيد الأجواء الملائمة ليقوم حكام العدالة والتنمية الحاليون، بإغلاق المنافذ أمام الطاقات الجديدة، وتحضيرا نفسيا لإقناع القواعد بحتمية احتفاظ قادة في الحزب بمناصبهم، رغم انتهاء المدة القانونية لفترات انتدابهم، باعتبار أنهم مازالوا في أوج عطائهم، ولا يستقيم إسقاطهم بمنطق "آمولا نوبة". وفي هذا الشأن قال سليمان العمراني، نائب الأمين العام للحزب: "بصراحة، إن من أخطر ما يتهدد التنظيمات الحية أن تتكرس داخلها ثقافة "مولا نوبة"، أي إحداث طوابير المنتظرين لتولي المسؤوليات، والحكم على من انتفت وضعياتهم، أو انتهت مدد انتداباتهم بترك أماكنهم لغيرهم ولو كانوا في أوج عطائهم، أو ما يزال في وسعهم التوفيق بين المسؤوليات التي قد تبدو متنافية". امحمد خيي