لماذا نكره الغشاشين؟ وأي ذنب اقترفه هؤلاء كي "نعتقلهم" في مقالاتنا وقصاصات أخبارنا، ونضعهم في غرف زجاجية مكشوفة، ونسلط عليهم أضواء ساطعة كأنهم ليســــــوا منا؟ ولماذا نصر على تصويرهم، كائنات غريبة نزلت للتو من الفضاء، رغم أن الغشاشين كائنات جميلة تعيش بيننا ونتعايش معها طيلة ساعات النهار، ولم يحدث يوما أن اشتكوا من "نزاهتنا" المفرطة و"استقامتنا" حد السكين، ولا خصصوا لنا حلقات في برامجهم الحوارية، ولا حولونا إلى مواضيع للتسلية والنميمة. فلماذا نبادل حبهم الجارف كرها وغلا إلى هذا الحد؟ الغشاشون كائنات شفافة وواضحة وصريحة وغير منافقة. يغشون ويفرطون في الغش لأنهم يعرفون أن"الفيلم كلو غادي غير بالغش". فمن لم يغشك اليوم، فسيغشك غدا بكل تأكيد، ومن تهاونت في غشه اليوم، فستجهز عليه غدا، بلا رحمة. منذ الصباح الباكر، وحتى ساعات متأخرة من الليل، يواجه الغشاشون غشاشين أكثر حنكة منهم، ومراسا وخبرة، فلماذا نريدهم أن يفعلوا عكس ذلك؟ الغش في كل مكان وزمان، والغش لا يولد غير الغش، بدءا من البقال المجاور الذي يلقي عليك تحية الصباح، ثم يدس في يدك نصف كيلوغرام مغشوش من الدقيق، وقارورتي حليب دون تاريخ صلاحية. يفعل البقال ذلك، دون أي إحساس بالذنب، لأنه يعرف أنك أيضا تغش، حين تعطي دروسا خصوصية مغشوشة إلى تلاميذ يضطرون إلى الغش للنجاح في امتحانات، ثم يغشون أيضا حين يحررون طلبات عمل بشهادة يعرفون أنهم حصلوا عليها عن طريق الغش. يغش الطبيب في عيادته، حين يفرض على المريض لائحة طويلة من الأدوية، أو الأجهزة الطبية، ثم يطلب منه التوجه إلى صيدلية بعينها، ثم يغش الصيدلي، حين يضع خاتمه على ورقة يعرف أنها مغشوشة، ويغش المريض أيضا، حين يعبئ استمارة تأمينات بمعطيات مغشوشة. الغش في كل مكان، في الصحافة وفي النجارة وفي الحدادة والسباكة والجزارة، حين يدس لك طرف من العظم وسط اللحم والشحم. الغش في الصباغة والحياكة، وعند محل الميكانيك، حين تأتمن غشاشا على سيارتك، فيسرق منها "البياس" الجديد، ويضع مكانه القديم. الغش أيضا، حين لا تختار من فتيات الحانة، إلا الفاتنة بقوام رشيق وشعر طويل "مسبسب" وصوت أنثوي يقطر غنجا، لكن حين تختلي بها، يتغير صوتها إلى رجل، و"أراك الفراجة". الغشاشون في كل مكان وزمان، لأن الغش، لم يعد سلوكا اجتماعيا غير مرغوب فيه (من غشنا فليس منا)، بل تحول إلى أسلوب حياة. نمارسه جميعا، كل بطريقته، وحسب "نيته". للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma