انتهت زحمة امتحانات الباكلوريا، فهدأت الأعصاب المتوترة، وانتهت مشاهد الصمت بالمؤسسات التعليمية، لكن الحقيقة الوحيدة التي تفرض نفسها بقوة: لا شيء تغير. يعيد المشهد السنوي نفسه بأدق تفاصيله، بل يزداد سوءا مع كل سنة، فالامتحانات تقدم بأسئلة عتيقة، لا علاقة لها بتحولات المغرب، الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولا واقع التحصيل الدراسي، الذي تدهور بشكل غير مسبوق، والتلاميذ أنهوا سنة دراسية حبلى بالمقررات الجافة والدروس المحفوظة عن ظهر قلب، ليجدوا أنفسهم في مواجهة أسئلة لا تشبههم، ولا تشبه ما عاشوه من انحدار تدريجي في جودة التعليم. وراء هذا الركود، تظهر مؤسسة التعليم الخصوصي، تلك التي أدمن بعضها تجاوز القانون، بلا حسيب أو رقيب، إذ تستثمر في "ساعات الدعم" غير القانونية، وتروج لها تحت يافطة "المراجعة المكثفة"، في حين أن هدفها الحقيقي استنزاف جيوب الآباء، وبيع وهم التميز والتفوق. أما التأطير التربوي، فحدث ولا حرج، فهناك تراجع صارخ في الكفاءة، واختفاء شبه تام للأطر المؤهلة نفسيا وتربويا لمرافقة المتعلمين، حتى تحول الفعل التربوي إلى مجرد وظيفة إدارية أو روتينية، ينتقل فيها المدرس من قسم إلى آخر، دون شغف أو وعي بحجم مسؤوليته في تشكيل وعي جيل بأكمله. يحكي أحد الآباء، بحسرة، عن حادثة مؤلمة، عاشها ابنه في ثانوية ابن ياسمين بحي الألفة في البيضاء، ويقول إن ابنه فوجئ بالمكلف بالحراسة، وهو أستاذ سبق له أن اختلف معه في السنة الماضية، فتحول يوم الامتحان إلى وسيلة لتصفية الحسابات، فلم يكتف "الأستاذ" بمهمة المراقبة، التي ينص عليها القانون، بل مارس ضغطا نفسيا واضحا، ما جعل التلميذ ينهار ويقضي ساعات مثل دهر، في قاعة أقرب إلى مكان استجواب منها إلى فضاء تربوي. كيف يمكن لتلميذ أن يمتحن في ظل أجواء كهذه؟ وأين هي مبادئ المواكبة النفسية والبيداغوجية في لحظة دقيقة من مستقبل الشاب؟ في برشيد أيضا، يحكي أب عن معاناة طفلته مع مشرفة على الحراسة، إذ لم تستسغ أن ترفض التلميذة "الساعات الإضافية" طيلة السنة، فجعلت يوم الامتحان فرصة للانتقام منها بالضغط عليها نفسيا طيلة ثلاثة أيام، تحت يافطة "البحث عن الهاتف"، الذي لم تعثر عليه. الواقع أن الباكلوريا لم تعد معيارا للجدارة، بقدر ما أضحت مرآة عاكسة لعجز منظومة بأكملها عن مواكبة الزمن، فالتعليم أصيب بداء الإهمال وتسلل إليه الدخلاء. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma