"اللهطة" باللسان العامي، يختلف معناها عن مدلول اللهط في المعجم العربي. وإذا كان من بين معاني اللهط في اللغة العربية، الضرب باليد والسوط، والرمي بالرماح والسهام، فإن المعنى المتعارف عليه في اللسان الدارج يمكن تفسيره بأنه النهم والشره والمبالغة في سعي المرء وراء أشياء بشكل أكبر من الحجم الذي يحتاجه. وككل موسم عيد، تتراءى مشاهد من "اللهطة" التي تنتاب أفرادا من المجتمع، وترى الأسواق مملوءة عن آخرها، كما تقل السلع وتزداد المصاريف لتواكبها موجة غلاء باستغلال هذا المعطى الظرفي. وتبدو السياسات العمومية، بوصفها التدابير والإجراءات التي تتخذها الحكومة لتحقيق أهداف محددة في المجتمع، عاجزة عن مواجهة هذا السلوك أو تقويمه، إذ عوض ذلك يكون جهدها الجهيد هو الدفع بالأسواق إلى توفير هذه الحاجيات، ما يسقط ميزان العرض والطلب رهينة للسماسرة و"الشناقة". وكما يقبل المصطلح العامي "اللهط" تصريفه في مختلف الأزمنة وتوليد اشتقاقات منه، فإن مستغلي هذه "العاطفة الزائدة"، يتقلبون بدورهم بشكل يسمح لهم باغتنام الفرصة للكسب السريع، ويساعدهم في ذلك وجود أرضية خصبة للاستغلال، كأن الأمر يتعلق بحنين المتسوقين إلى "الشناقة". مناسبة هذه المقدمة الطويلة أن أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء استقرت، بل وتراجعت عن الخط التصاعدي الذي كانت عليه قبل الإعلان عن إلغاء شعيرة نحر الأضاحي، بل وبلغت نسبة التراجع، حسب تقارير رسمية، 57 في المائة بالنسبة إلى الأغنام، و30 في المائة بالنسبة إلى الأبقار، بل حتى أسعار الدواجن التي كانت تزداد كل يوم، عرفت استقرارا وثباتا، منذ تاريخ الإعلان عن إلغاء أضحية العيد. هذا الثبات في الأسعار والتراجع، لم يصمد مع اقتراب العيد، إذ ارتفعت الأسعار من جديد، وسط إقبال متزايد على اقتناء الأسر لكميات كبيرة من اللحوم لتخزينها لأيام العيد، كما ساهمت إشاعات إغلاق المجازر وغيرها من التخوف من "البقاء دون لحم"، وهي الأساليب نفسها التي يسهم فيها المضاربون ويأتيها "الشناقة" لإلهاب الأسعار، لدرجة أن المرء لا يسأل عن سعر الكيلوغرام بقدر ما يخشى أن يعود إلى بيته بخفي حنين، فالأخبار التي سيطرت على عقله أوحت له بوجود أزمة في تموين الأسواق، وأنه إن لم يسارع سيجد نفسه محروما. ملاحظة لها علاقة بما سبق أصبح المواطن يستقي أخباره من "تيكتوك" و"يوتوب" أكثر من القنوات الرسمية، ورغم خروج شركة "الدار البيضاء للخدمات" بنفي لما أشيع عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول توقف خدمات المجازر الحضرية خلال فترة العيد، وتأكيدها أن المجازر ستعمل بشكل طبيعي قبل العيد وبعده، لضمان تموين السوق المحلي باللحوم الحمراء دون انقطاع، إلا أن الريبة سيطرت على الأذهان لتخلق أزمة جديدة في الأسعار. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma