من جديد، ينشر المجلس الأعلى للحسابات غسيل الأحزاب، ويصدر تقريره المتعلق بتدقيق حساباتها للعام 2023، وفحص صحة النفقات المصرح بها من الدعم العمومي الممنوح لها، للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها، وتنظيم مؤتمراتها الوطنية العادية. ويفيد التقرير بأن المجلس الأعلى توصل بحسابات 27 حزبا من أصل 33، ويشير إلى أن 22 حزبا احترمت الأجل القانوني لتقديم الحسابات، في حين تخلفت البقية عن تقديمها. ولاحظ المجلس أن 23 حزبا من بين الأحزاب التي أدلت بحساباتها، قدمت حسابات مشهودا بصحتها من قبل خبير محاسب مقيد في هيأة الخبراء المحاسبين، منها 19 حسابا مشهودا بصحته بدون تحفظ، وأربعة حسابات مع تسجيل تحفظات، بينما أدلت أربعة أحزاب بحساباتها السنوية دون الإشهاد بصحتها، من قبل خبير محاسب. ولكن ماذا بعد؟ خصوصا أن أحزابا "عريقة" لم تقدم الكشوفات البنكية المتعلقة بالحسابات المفتوحة بأسمائها، كما لم تدل بجرد تفصيلي للنفقات المنجزة في 2023، ولا بوضعية المقاربات البنكية، وهو ما وضعها في موقف لا تحسد عليه أمام أنصارها ومنخرطيها وكتلتها الناخبة، التي ظلت تعتبرها أحزابا "طاهرة" لا تأكل السحت أو المال العام. وإذا كان "صناع القرار" في المجلس الأعلى للحسابات، لا يترددون لحظة واحدة في إحالة العديد من ملفات رؤساء مجالس على جرائم الأموال، لم يرتكبوا "جرما ماليا" شبيها بما فعله بعض زعماء الأحزاب، فلماذا اكتفى قضاة المجلس نفسه، بمطالبة الأحزاب المرتكبة لخروقات مالية خطيرة بإرجاع الأموال، بدل إحالة الملفات على محاكم جرائم الأموال؟ هل المحاسبة حلال على البعض، وحرام على البعض الآخر؟ أليس الجميع سواسية أمام القانون؟ وإلى متى سيستمر هذا المجلس في "انتقائيته" في معالجة ملفات الفساد المالي؟ ويرى الكثيرون أن ما تتضمنه تقارير المجلس الأعلى للحسابات لا يتم تنفيذه والعمل به، لكن الوضع لن يدوم، فقد أحدثت رئاسة الحكومة وحدة متخصصة، من أجل تتبع الإجراءات المتخذة لتنفيذ التوصيات المتضمنة في التقارير التي ينجزها المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات. الآن، وبعد تورط أحزاب سياسية في مخالفات مالية صريحة، بالحجة والدليل والبرهان، ضمنها أحزاب تملك عقارات وتوظف العشرات من المستخدمين، وتخصص أظرفة مالية محترمة لنشطائها وخبرائها المفترى عليهم، هل ستتم إحالة ملفاتها على القضاء، من أجل تفعيل مبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة"؟ أم سيتم "ضمس الكارطة"، في انتظار صدور تقرير جديد؟ وكل تقرير "عدوي"، وأنتم بألف خير يا معشر السياسيين والحزبيين... للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma