المسكاوي: مسؤولية الدولة والمواطن

قال محمد المسكاوي رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام، إن دستور 2011 شكل قفزة على المستوى النظري لمحاربة الفساد، وجرى الارتقاء بهيأة النزاهة إلى مؤسسة دستورية، مضيفا أن هناك حاجة اليوم إلى إحداث تنظيم قضائي على غرار المحاكم المالية والتجارية. وأكد المتحدث نفسه أن المسؤولية تتحملها أجهزة الدولة والمواطنون معا، وألح على ضرورة استمرار التحسيس بمخاطر الفساد. أجرى الحوار:عبد الحليم لعريبي هل الآليات التي وضعتها الدولة لحماية المال العام فعالة؟ > صادقت الدولة في 2007 على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وقامت بعدة مبادرات تشريعية وإجرائية، منها إنشاء هيأة الوقاية من الرشوة وإخراج مجموعة من القوانين إلى حيز الوجود وأهمها التصريح بالممتلكات والمراسيم المتعلقة بذلك. وأكدنا في الشبكة المغربية لحماية المال العام ساعتها أن تلك الإجراءات غير كافية، بسبب حجم الفساد الذي كان يعانيه المغرب خاصة بعد صدور تقارير لجن تقصي الحقائق التي شكلها مجلس النواب في 1999 والتي بينت حجم الخروقات، وكان أهمها المتعلق بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي بلغ حجم أمواله التي ذهبت ما بين التبذير والنهب حوالي 115 مليار درهم، أي ما يمثل 34% من الناتج الداخلي الخام لسنة 2001 آنذاك بالإضافة إلى باقي المؤسسات والشركات التي عرفت بدورها نهبا كبيرا للمال العام، دون أن تتم الاستجابة لمطالبنا. غير أن دستور 2011 شكل قفزة مهمة في مسار مكافحة الفساد على المستوى النظري فتم الارتقاء بهيأة النزاهة إلى مؤسسة دستورية بالإضافة إلى الاختصاصات المهمة التي أسندت إلى المجلس الأعلى للحسابات بنظام القضاء المالي، وسن مجموعة من القوانين التي اعتبرناها مبتورة أمام تزايد نسب الفساد، ومن بينها غسل الأموال والحق في الحصول على المعلومة وعدم التنفيذ الكلي للإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. ومن جهة أخرى مازالت الحكومة تتهرب من وضع مشاريع قوانين مهمة يمكنها المساهمة في مكافحة الفساد أيضا، ومن أهمها ما يتعلق بالإثراء غير المشروع وتضارب المصالح. والخلاصة فالآليات التي وضعتها الدولة كانت محتشمة ولم يتم تفعيل العديد منها، ما دفعنا إلى الاستنتاج أن هناك غيابا للإرادة السياسية الحقيقية لمكافحة الفساد. ما هي قراءتك لما قاله رئيس الهيأة الوطنية للنزاهة السابق حول تكلفة الفساد المقدرة سنويا في 50 مليار درهم؟ > بخصوص هذا الرقم المتداول فلابد من تصحيح بعض المعطيات، صرح رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران في 2015 أن المغرب يخسر سنويا 2% من الناتج الداخلي الخام بسبب الفساد، وفي سنة 2018 صرح أيضا رئيس الحكومة العثماني أن المغرب يخسر 5% من الناتج الداخلي الخام سنويا أي ما يعادل 50 مليار درهم. هذا الرقم الأخير هو ما أعاد التذكير به الرئيس الأسبق للهيأة الوطنية للنزاهة الراشدي، عند تقديم التقرير السنوي للهيأة لسنة 2023 وبالتالي فإن الرقم ليس بالجديد. أما الجديد هنا وللتصحيح وللتاريخ فأول من أعلن الرقم هي الشبكة المغربية لحماية المال العام في 2009 في تقرير قدم للصحافيين، إذ قلنا بالحرف أن تقديرات «ترانسبارنسي» الدولية تشير أن غياب الشفافية في إبرام الصفقات العمومية يكلف المغرب سنويا خسارة حوالي 3.6 مليار دولار ( 30 مليار درهم) من أصل 130 مليار درهم آنذاك و 26% من نسبة الاستثمارات العمومية، وحوالي 5% من الناتج الداخلي الخام. وبعد مطالبتنا بضرورة إخراج جميع اللوائح المتعلقة باقتصاد الريع ( رخص النقل، الصيد في أعالي البحار، مقالع الرمال وغيرها) فقد قلنا في الشبكة أن منطق «الكريمات» يضيع على خزينة الدولة ما يقارب 15 مليار من الدرهم أو 20 على شكل ضرائب، وبالتالي يجب إلغاؤه والانتقال إلى القطاع المهيكل. وللمناسبة فهي أرقام تقديرية، ويمكن أن تكون أكثر من المبلغ المصرح به في ظل البرامج الكبيرة التي عرفها المغرب ويعرفها وفي ظل استشراء الفساد. هل تقارير المجلس الأعلى للحسابات مجدية في محاربة هدر المال العام؟ > لقد طالبنا دائما بضرورة إحداث تنظيم قضائي جديد بالدولة على غرار باقي الأصناف مثل التجاري والإداري والمدني وغيرها، أي أن يصبح لدينا القضاء المالي يكون نواته أعضاء المجلس الأعلى للحسابات والأقسام الأربعة المالية بمحاكم الاستئناف. وفي انتظار الاستجابة لهذا المطلب لا يمكن إغفال الدور الذي يقوم به المجلس الأعلى للحسابات، خاصة في الملفات المتعلقة بالشبهة الجنائية في تدبير المال العام وممتلكات الدولة، وعلى باقي المؤسسات التفاعل مع التقارير السنوية التي يصدرها من حيث التشريع والبت المعقول في القضايا. هذا لا يمنع من ضرورة أن يضع المجلس آلية واضحة وشفافة من خلال برمجة سنوية معلنة ومتنوعة من حيث الاختصاص والتوزيع الجغرافي لعمليات المراقبة المزمع إنجازها، ومساعدته من قبل بعض الأجهزة الأخرى لاختصار الوقت ودقة اتخاذ الإجراءات مثلا، من خلال تعاون مشترك ما بين المجلس وإدارة الضرائب والمحافظة العقارية من خلال تزويده بالمعطيات في ما يخص الملزمين بالتصريح بالممتلكات. هل تقارير المفتشيات العامة للوزارات حيادية وذات مصداقية؟ > أمام تضخم عدد الأجهزة الحكومية والازدياد الملحوظ في الميزانيات السنوية للقطاعات الحكومية عبر سنوات الاستقلال كان إحداث آلية التفتيش الداخلية مسألة مهمة في مراقبة الحكامة وتدبير الصفقات العمومية بالخصوص. لكن من الناحية العملية تبين عدم فعالية مجموعة من تلك المفتشيات، باستثناء الأدوار الأساسية التي كانت تقوم بها المفتشية العامة التابعة لوزارة المالية بحكم الخبرة، وما تقوم به المفتشية العامة للإدارة الترابية المختصة في الجماعات الترابية، ورغم ذلك فالأمر يتطلب توسيع صلاحيات تلك المفتشيات الوزارية، ومنحها الاستقلالية عن الفاعل السياسي أو منح جميع الصلاحيات أو إنشاء آلية جديدة تدبر كل القطاعات الحكومية تكون تابعة لرئاسة الحكومة، وشخصيا أفضل الاقتراح الثاني بالمقارنة مع حجم الاستثمارات السنوية التي تبرمجها الحكومة، وهنا أيضا أذكر بمقترحنا الذي طالبنا به منذ سنوات القاضي بإنشاء وكالة وطنية لتدبير أراضي الدولة كآلية للتجميع والنجاعة في التدبير. هل تحد المحاكمات الجارية أمام غرف جرائم الأموال لمسؤولين عموميين ومنتخبين من اختلاس المال العام؟ > الحد من اختلاس المال العام أو بالأحرى مكافحة الفساد هو سلة متكاملة يتحمل مسؤوليتها الجميع أجهزة ومواطنين كل حسب حجم اختصاصه، فالمسؤولية الحكومية تختلف عن القضائية والتشريعية، بالإضافة إلى عامل التحسيس الذي يجب أن يكون مستمرا بمخاطر الفساد لخلق جو من روح المسؤولية ما بين مؤسسات الدولة والمواطنين ولحثهم على الانخراط في كل المبادرات، ومن بينها التبليغ عن قضايا الفساد. كما يتطلب الأمر أيضا تشجيع القطاع الخاص على الانخراط، وبخصوص المحاكمات الجارية الآن في غرف جرائم الأموال فهي آلية قضائية مهمة في مجال الردع والتصدي، علما أن العدد قليل أمام استفحال ظاهرة الفساد، فحسب تقرير النيابة العامة لسنة 2022 فهناك 716 قضية بالمحاكم، كما أن الخط المباشر للتبليغ عن جرائم الرشوة أوقع 243 حالة تلبس. لكن التساؤل المهم اليوم هو هل الفساد المالي في المغرب منتشر فقط في تسيير الجماعات الترابية التي لا تتعدى ميزانية استثماراتها مجتمعة 50مليار درهم مقابل ما يناهز 400 مليار درهم للقطاعات الحكومية دون الحديث عن المؤسسات والمقاولات العمومية؟. ما هي اقتراحاتكم لمجابهة ظاهرة هدر المال العام؟ > لا يتسع المجال لتعدادها كاملة لكن أهمها إعداد مخطط تشريعي خاص بمكافحة الفساد يتلاءم والاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، تتم من خلاله إعادة النظر في القوانين الحالية وعصرنتها لتواكب تطور مستوى الجرائم المالية، ومنها التصريح بالممتلكات الذي يجب أن يتضمن النشر العلني وإبراء الذمة، وتوسيع لائحة الهيآت والمؤسسات المعنية بقانون الحق في الحصول على المعلومات وتخفيف الشروط، ومنح المزيد من الضمانات للمبلغين عن الفساد، والإسراع بوضع إستراتيجية وطنية جديدة لمكافحة الفساد تعتمد على التنسيق والتجانس والبرامج الهادفة والتتبع الإلزامي لمشاريعها، إضافة إلى بعض القوانين التي لا زالت غير موجودة بالمغرب، مثل قانون تضارب المصالح والإثراء غير المشروع وغيرهما من القوانين التي تحتاج مجهودا تشريعيا وطنيا، لكي تساهم في محاصرة منابع الفساد. ورغم كل الاقتراحات والمبادرات المعزولة فإننا في الشبكة المغربية لحماية المال العام نؤكد أنها ستبقى حبرا على ورق، إذا لم تتوفر الإرادة السياسية الحقيقية لمكافحة الفساد وحماية الثروات الوطنية من قبل جميع أجهزة الدولة. في سطور: - من مواليد 1978 - أب لطفلين - إجازة في الحقوق - عضو الشبكة العربية للنزاهة ومكافحة الفساد - رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام

المسكاوي: مسؤولية الدولة والمواطن

رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام أكد ضرورة استمرار التحسيس بمخاطر الفساد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مكافحة الفساد ... التصريح بالممتلكات غير كاف

منتجون‭ ‬عالميون‭ ‬يراهنون‭ ‬على‭ "‬الراب‭" ‬المغربي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات