رئيس جمعية حماية المال العام قال إن الجفاف وغلاء الأسعار يستدعيان ترشيد النفقات عوض التبديد والاختلاس قال محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إن بعض المنتخبين الساعين للاغتناء غير المشروع، يعتمدون طرقا آمنة تقيهم شر المحاسبة، بابتداع أساليب جديدة، من بينها التفكير في تنظيم مهرجانات أسموها مهرجانات، متسائلا، كيف لجماعة تفتقر إلى ضرويات العيش صرف مبالغ خيالية على حفلات تفاقم أزمة تدبير المرافق العمومية؟ وكشف الغلوسي في حوار مع "الصباح"، أن الذي عزز فوضى تبديد المال العام، أن وزارة الداخلية لا تسائل رؤساء الجماعات حول مدى تفعيل وتطبيق الدوريات المتوصل بها، إذ أن ضعف أو غياب آليات التتبع شجعا على انتشار منطق "كلا يلغي بلغاه". في ما يلي تفاصيل الحوار: أجرى الحوار: محمد بها ما هي قراءتكم لقضية التلاعب بالمال العام باسم المهرجانات؟ بعض المنتخبين يبحثون دائما عن الآليات والوسائل التي بإمكانها أن تضفي طابع الشرعية على تبديد واختلاس أموال عمومية ومراكمة الثروة، ولذلك فإنهم فطنوا إلى أن الطريقة التقليدية في التبديد والاختلاس أصبحت مكشوفة وأضحت تؤدي إلى السجن. وبالتالي بحث الساعون للاغتناء غير المشروع عن طرق آمنة تقيهم شر المحاسبة، وهكذا ابتدعوا أساليب جديدة من بينها التفكير في تنظيم مهرجانات أسموها مهرجانات ثقافية يطلقون عليها تارة، الفن، وتارة أخرى، التراث، من أجل إدماج المنطقة في التنمية، وأسماء متعددة يبدعون فيها، ويستغلون هذه الوسيلة لتبديد واختلاس أموال عمومية. ونجد جماعات محلية تفتقر إلى الماء الصالح للشرب والطرقات ومسالك تربط بين مركز الجماعة والدواوير ومختلف وسائل العيش الكريم، ورغم ذلك فإن مسؤولي هذه الجماعات لا يتورعون في تخصيص مبالغ مالية مهمة لهذه المهرجانات، إذ يتم صرف أموال طائلة في الإطعام وبعض التعويضات التي تكون مبالغ فيها، لتبرير هذا الهدر الفظيع للمال العام، وبالتالي فإن هذه الحيلة تأتي في هذه الظرفية يشهد فيها المغرب أزمة ماء وغلاء الأسعار واحتقان اجتماعي، وقيام الدولة بمجهودات كبيرة من أجل ضمان الاستقرار الاجتماعي وتعويض بعض الفئات الاجتماعية التي تعاني الفقر والهشاشة. كيف تقرؤون تواطؤ رؤساء جماعات مع جمعيات يؤتى بها لاقتسام "كعكة" المال العام تحت مسميات "الدعم" وكذا شركات خاصة لتولي التنظيم؟ هذه السلوكات هي من بين الأساليب الجديدة التي تم ابتداعها، وتتعلق بدعم جمعيات تكون تحت الطلب ومؤسسة من قبل المنتخبين أنفسهم. وهذه الجمعيات تكون في الواجهة لتتبنى المهرجان، ولكي يظهر للمواطنين أن الذي أقام التظاهرة الفنية أو الثقافية هي جمعيات محلية أو المجتمع هو الذي طلب هذه المهرجانات وأن السكان هم الذين يرغبون في تنظيم تلك الحفلات وأن الجماعة تجاوبت فقط مع مطالب وانتظارات الناس وقامت بإبرام شراكات مع هذه الجمعيات التي تستفيد أيضا من المال العام وهي جزء من بنية الريع والفساد في تلك المناطق، إذ يتم وضع الجمعيات في الواجهة لإضفاء الشرعية على اختلاس وتبديد المال العام وهدر أموال عمومية في ظرفية قاسية وصعبة جدا على المغاربة، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى التضامن ونهج سياسة ترشيد النفقات، وجاء ذلك في عدد من دوريات وزارة الداخلية، خاصة أن هذه التظاهرات لا تهدف إلى التنمية وإنما هي عبارة عن قنوات لاستفادة بعض المنتخبين وجمعيات من "كعكة المال العام". لكن ما المعمول في ظل هذه الفوضى ومنطق "كلا يلغي بلغاه"؟ لذلك على وزارة الداخلية والولاة والعمال ألا يسمحوا بإقامة هذه المهرجانات، وليس معنى ذلك أننا ضد المهرجانات الفنية والثقافة والتراث الذي نفتخر به وكذا الترفيه عن المواطنين، ولكن لأن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر منها البلاد لا تسمح بتنظيم مثل هذه التظاهرات، خاصة أن هناك جماعات تفتقر إلى أبسط الحاجيات الضرورية للعيش، وبالتالي فإن هؤلاء الذين يصرفون الأموال بهذه الطريقة، رغم كل الظروف الصعبة والإكراهات، فإنهم لصوص مقنعون يجب على المجلس الأعلى للحسابات أن يفتحص تلك الأموال، وأن يسائلهم ليس فقط عن أين صرفت تلك الأموال وكيف تم صرفها، بل عن جدوى ومدى ضرورة صرف تلك الميزانيات. رغم أن وزارة الداخلية راسلت الجماعات لترشيد النفقات إلا أننا نجد العكس، هل ذلك يعود إلى غياب المراقبة والمحاسبة؟ هذه القضية لها وجهان، الوجه الأول يتمثل في أن هناك منتخبين فهموا جيدا بأن تلك الدوريات هي للاستهلاك الإعلامي فقط، وأنها ليست موجهة إليهم، بقدر ما هي موجهة للرأي العام لكي يعتقد أن هناك رغبة في تخليق الحياة العامة، وأن هناك سعيا حثيثا في اقتصاد النفقات وترشيدها، وبالتالي فإن هؤلاء المنتخبين استوعبوا هذه الدوريات على هذا المنحى. والأمر الذي عزز ذلك وجعلهم يتمادون في اعتماد هذا النهج، هو أن وزارة الداخلية لا تسائل رؤساء الجماعات حول مدى تفعيل وتطبيق الدوريات المتوصل بها، بحيث إن تلك الدوريات والمراسلات رغم مضمونها الإيجابي، الذي يهدف إلى ترشيد النفقات وعقلنة السلوك الجماعي، ومحاولة إشاعة الحكامة في تدبير الشأن العام، إلا أن ضعف أو غياب آليات التتبع والمراقبة جعلا فوضى تنظيم المهرجانات والسعي لهدر أموال عمومية بدون حسيب ولا رقيب، أمرا مشاعا. وكأن هؤلاء المنتخبين يقولون لأم الوزارات إن ما تتضمنه الدوريات حدودها مكاتب الوزارة في الرباط وأن تلك القرارات لن تسري على الجماعات المحلية. ولهذا، فإن وزارة الداخلية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتفعيل مطالب ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإرسال لجان تفتيش لمحاسبة هؤلاء المنتخبين، وإنجاز تقارير حول مدى اهتمام الجماعات المحلية بترشيد النفقات والاستهلاك، في ظل ظروف خاصة يجتازها المغرب يتصاعد فيها الطلب الاجتماعي على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتطمح فيها مختلف الشرائح إلى تحسين وضعها وكذا حاجة قطاعات مهمة، من بينها الصحة والتعليم والماء إلى ميزانيات مهمة للنهوض بأدوارها ومهامها التي لا تحتمل التأجيل. في ظل عدم تفعيل آليات المراقبة، ما دور جمعيات حماية المال العام لوضع حد لهذه الفوضى ومحاسبة المتورطين؟ نحن في الجمعية المغربية لحماية المال العام، لا نتردد في كل مناسبة في التنبيه إلى خطورة هدر وتبديد المال العام والفساد على البرامج والسياسات العمومية الموجهة للتنمية. وأكدنا مرارا وتكرارا على أن الفساد وتبديد الأموال العمومية واختلاسها يفوت فرصا حقيقية ويهدد الدولة والمجتمع ويقوض الثقة في المؤسسات، ولذلك تدخلنا في أكثر من مناسبة عبر شكايات إلى وزارة الداخلية والمجلس الأعلى للحسابات والجهات القضائية، ونظمنا ندوات من أجل القول إن دوريات الوزارة والنصوص القانونية لا تكفي، ولكن لا بد من تفعيلها، وضروري أن يعرف المنتخبون والمسؤولون بأن التعليمات ونصوص القانون وضعت لكي يطبق مضمونها ومحتواها على أرض الواقع. ولكن في ظل غياب آليات الرقابة وتفعيل سياسة ربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن بعض المنتخبين والمسؤولين يعتبرون المواقع والوظائف العمومية مجالا خصبا لمراكمة الثروة ولخدمة مصالحهم الشخصية، ضدا على الصالح العام.