بقلم: خالد المختاري عادة تعرف السياسة بأنها "فن الممكن"، يفهمها البعض على أنها فرصة سانحة أمام السياسي لتحقيق إنجازات للوطن، ويؤولها البعض الآخر أنها فرصة لتحقيق إنجازات شخصية؛ وبين الفرصتين تتأرجح السياسة. منذ أسبوعين، صرح وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، بأن الإقامة في الفنادق المغربية لا تستدعي الإدلاء بعقد الزواج لعدم وجود سند قانوني ينص على ذلك، تصريح أقام الدنيا ولم يقعدها، وانبرت له أقلام من هنا ومن هناك تتهم الوزير بـ "التحريض على الفساد، وتشجيع الرذيلة". وإذا كان من الطبيعي أن تُلقي مثل هذه التصريحات بظلالها على الحياة العامة، وتثير موجات من الغضب والسخط، خاصة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وهو أمر محمود على كل حال، أو لربما هذا هو الغرض المأمول من مثل هذه التصريحات؛ فإن انخراط رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بنكيران، في هذه الحملة، منحها التوابل التي كانت تنقصها للاستواء والنضج. بنكيران اعتبر أن وهبي لم يكن ليُقْدِم على الأمر بمفرده وأن هناك من وصفهم بـ "الشياطين التي تؤزه أزا"، وبغض النظر عن خلفيات هذه الزوبعة "اليوتيوبية"، فإن هذه الحملة أعادتنا إلى "حلقة" السجال الذي ميَّز النقاش السياسي منذ سنوات خلت، حيث كان البحث عن "التماسيح والعفاريت" في محرك البحث على "غوغل"، يعطي نتائج أكبر من البحث عن التنمية الاقتصادية والبرامج الحكومية في المغرب. وبعد انتهاء زمن تلك الحكومة أصبح تقاعد رئيسها هو المادة الأكثر بحثا في كل المواقع، ومنذ ذلك التاريخ جرت مياه كثيرة تحت الجسر، ولم يبق في أذهان الناس سوى تراكمات الإحباط، من إجهاز على صندوق المقاصة، وتفقير للأجراء، وارتفاع للضرائب والاقتطاعات، والإجهاز على القدرة الشرائية للمواطنين. شخصيا كنت أتمنى أن يساهم رئيس حكومة سابق في إغناء النقاش السياسي في بلادنا بأفكار مبتكرة، خاصة أنه خلع عنه رداء المسؤولية وأصبح متحررا من أي التزام رسمي، وأن يقدم للأجيال القادمة خلاصة تجربته السياسية والتدبيرية كما فعل سياسيون آخرون، وأن يساعد بلده في اقتراح حلول لمعضلات البطالة والصحة، أما أن يخرج بين الفينة والأخرى في مواقع التواصل الاجتماعي، شأنه شأن المؤثرين الباحثين عن رفع نسب المشاهدة و"اللايكات"، فذاك أمر لا يليق بناصح أمين. إن الإدلاء بعقد الزواج من عدمه في الفنادق، لن يشجع على الدعارة ولن يَحُدَّ منها، وليس ضمن أولويات الناس، لكن توفير مناصب الشغل والعيش الكريم وتأمين الحقوق وحمايتها، والاهتمام بالقطاعات الاجتماعية، وشق طريق التنمية، هي الأهداف التي يجب على السياسيين الانكباب عليها، أما التظاهر أمام متجر يبيع الخمور أو إثارة ضجة حول تصريح بخصوص عدم وجود سند قانوني لطلب عقد الزواج أثناء الولوج إلى الفنادق، فهما مجرد ديماغوجيا وأخلاق في ثوب السياسة، وتفكير "في" الأسفل. وقديما قال أحد الحكماء: "إن الأخلاق المبنية على المنفعة ليست أخلاقا حقيقية، لأنها تنتمي إلى عالم السياسة أكثر من انتمائها إلى عالم الأخلاق".