إطار سابق يستعرض في كتاب من جزءين التحديات التي تطرحها الثورة التكنولوجية على المراقبة الجمركية صدر، أخيرا، كتاب من جزءين من تأليف العربي بلبشير، إطار سابق في إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، يتناول التحديات التي تطرحها الرقمنة والتجارة الإلكترونية على مهام المراقبة الجمركية. وأشار إلى أنه طيلة مساره المهني بالإدارة، الذي امتد على مدى أربعين سنة، كان دائما يواجه المعادلة الصعبة للتوفيق بين متطلبات ضمان انسيابية أكبر في التدفقات عبر الحدود وضرورة ضبط وتقنين المبادلات التجارية التي تعرف نموا مطردا، مضيفا أنه كان شاهدا، مع المبادلات الإلكترونية، على بروز شكل جديد من الحدود بين البلدان، متمثلة في الحدود الإلكترونية. إنجاز: عبد الواحد كنفاوي مفهوم الحدود في عهد التكنولوجيا يتناول المؤلف في تمهيد الكتاب، الذي صدر عن دار النشر أبي رقراق، التطور الكبير الذي عرفته المبادلات التجارية، مشيرا إلى أنه خلال 1918، كان على الجمركي أن ينتظر وقتا طويلا لرؤية الدخان يتصاعد في الأفق، معلنا قدوم باخرة للرسو بالميناء، وأن استخلاص البضاعة وإتمام عمليات الجمركة كانا يتطلبان من المستورد ثلاثة أشهر لأداء الواجبات الجمركية، في إشارة إلى أن المبادلات التجارية كانت محدودة، لكن هذا المعطى سيتغير بشكل كبير، إذ في ظرف قرن من الزمن عرفت التجارة الدولية نموا كبيرا، خاصة مع العولمة، رفعت وتيرة حركات البضائع والأشخاص عبر العالم، ما فرض على الجمركي معالجة ملايين الأطنان من البضائع المنقولة عبر البر والبحر والجو في وقت وجيز، ما غير بشكل جذري مهمة المراقبة، وانطلاقا من هذه المتغيرات المتسارعة والمتلاحقة تتدخل التكنولوجيا لإيجاد حلول تقنية فعالة لمحاربة حيل محترفي الغش الجمركي. واعتبر أن مع مجيئ الذكاء الاصطناعي وتقنية "بلوكشين"، وقاعدات البيانات الضخمة، وغيرها من الآليات، فإنه بإمكان التكنولوجيا تقديم الخدمة المطلوبة لتحسين المرفق العمومي لفائدة المجتمع. وساهمت ثورة تكنولوجيات الاتصالات في إعادة النظر في عدد من المفاهيم، مثل مفهوم الحدود، إذ أن المبادلات الإلكترونية فرضت على الجمركي اعتماد آليات جديدة للمراقبة وملاحقة ممارسي الغش الجمركي. الرقمنة لمواكبة التطورات يتناول المؤلف في الجزء الأول الرقمنة باعتبارها وسيلة، أيضا، للجريمة، من خلال مناقشة مخاطر اختراق البيانات الآلية والبرامج المعلوماتية الجمركية. وأوضح، بهذا الصدد، أن المنحى نحو رقمنة المساطر الجمركية والخدمات المقدمة للمرتفقين أملته التحولات العميقة والمتسارعة، التي عرفها العالم خلال العقود الأخيرة، خاصة في ما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات، التي أثرت في جميع المجالات، سواء في القطاعين الخاص أو العام، خاصة في مجال الجمارك. وأكد المؤلف أن إدارة الجمارك أبانت، مبكرا، عن رغبتها في المواءمة مع عصر الرقمنة، ما ساهم في إنجاز عدد من عمليات مواكبة التحولات الرقمية، بدأ برقمنة بعض الأنشطة المرتبطة بتدبير الوارد، ونجحت الإدارة في كسب هذا الرهان، ليتم تعميم هذا المسلسل تدريجيا على مختلف العمليات الجمركية من رفع الطابع المادي عن تصريحات الاستيراد والتصدير. وأوضح الإطار السابق في إدارة الجمارك أن هذا التحول نحو الرقمنة، الذي سلكته مختلف الإدارات الجمركية في العالم كان ضروريا من أجل ضمان تحصيل والمحافظة على الحقوق الجمركية والرسوم الأخرى، بالموازاة مع تجويد مراقبة حركات البضائع والأشخاص ووسائل النقل والرساميل، إضافة إلى تأمين التجارة الدولية من العمليات الإجرامية على الصعيد الدولي، وعلى رأسها الإرهاب الذي يذهب ضحيته المواطنون عبر العالم. "أعلمة" الإجراءات... أسباب التخوف تثير "أعلمة"، من المعلوميات، عددا من الإجراءات والمساطر المرتبطة ورفع الطابع المادي عنها، عن طريق الرقمنة، تخوفات على المستويين الداخلي والخارجي. وأوضح المؤلف أنه يمكن، على المستوى الداخلي، أن تتعرض المعطيات المتضمنة في التصريحات التي تتم عبر النظام المعلوماتي لإدارة الجمارك إلى الاستهداف، مشيرا، بهذا الصدد، إلى أنه مباشرة بعد اعتماد النظام المعلوماتي الخاص بمعالجة المركبات المستوردة في إطار القبول المؤقت، سجلت محاولة الاختراق للتحايل على القواعد الخاصة بهذا النظام، كما أن النظام المعتمد، أيضا، لتدبير القبول المؤقت للاستثمار (ATPA) تعرض لمحاولات الاحتيال من قبل متعاملين، إذ أن مقاولين حاولوا التلاعب بمعطيات لتسوية وضعية مواد تم استيرادها في إطار هذه الأنظمة الجمركية، باستعمال عمليات الغش. وأكد المؤلف أن خرق القوانين والقواعد الجمركية واكب التطور والتقدم التكنولوجي الذي عرفه مجال الرقمنة، منذ 1970 إلى الوقت الراهن. وأشار إلى أنه لوحظت طيلة هذه الفترة نماذج من عمليات الغش تعود لكل فترة من فترات التطور الذي عرفته رقمنة المساطر واعتماد التقنيات المعلوماتية، ما يعكس قدرة مخترقي الأنظمة المعلوماتية على التأقلم مع التطور التكنولوجي، بفعل وجود بعض الهفوات المسطرية. لكن الغش المعلوماتي، يضيف الكاتب، لا يرتبط فقط بالجوانب المسطرية، ولكن بوجود عوامل إجرامية أخرى. وبالموازاة مع كل هذه الانحرافات، التي تعزز المخاوف تجاه "أعلمة" الأنظمة الجمركية، فإنها تمثل، أيضا، محفزا، إضافيا، بالنسبة إلى الجمارك، العازمة على تحديث إجراءاتها، على رفع التحدي، من خلال التصدي لكل الهفوات والمنافذ التي يمكن أن تكون مصدرا للاختراق. إيجابيات وسلبيات تناول المؤلف في الجزء الثاني من الكتاب التحولات التي يعرفها الاقتصاد العالمي والمخاطر وسبل الوقاية منها. وأشار إلى الثورة الرقمية التي يعرفها العالم والتحولات التي ساهمت فيها، خاصة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. وساهمت ثورة تكنولوجيا الاتصالات في تعزيز هذا التوجه، إذ أصبح عدد مستعملي الأنترنيت يعدون بالملايير، وتعددت منصات التجارة الإلكترونية، إثر ذلك، ما أحدث تغيرا كبيرا في عادات الاستهلاك والتسوق. وتشير معطيات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية إلى أن الاقتصاد الرقمي يمثل ما بين 4.5 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي العالمي و14. وأشار الكاتب إلى أنه في الوقت الذي يثني فيه الجميع على أهمية هذه الوسائل الحديثة، فإن أصواتا عديدة تتعالى محذرة من مخاطر الاحتيال المحدقة، باستعمال هذه التقنيات الجديدة. واعتبر أنه يتعين على الجمارك، من أجل مواجهة الواقع الذي أملته التحولات التكنولوجية وانعكاساتها على المبادلات التجارية وتحركات الأشخاص ورؤوس الأموال، التخلي عن المفاهيم المهنية التقليدية وتعبئة الموارد المالية الضرورية، لتجاوز التحديات التي تطرحها الرقمنة. وأكد أن التحدي الرئيسي الذي تواجهه الجمارك، يتمثل في القدرة على الولوج إلى عالم الرقمنة مسلحة بالترسانة القانونية وأساليب المراقبة المطلوبة لمواكبة التطورات، التي أحدثتها الثورة التكنولوجيا والتحولات التي تعرفها التجارة العالمية. ويتعين مواءمة التشريعات مع المستجدات لضمان مواكبة التحولات وسد مختلف الثغرات، التي يمكن أن يتسرب منها ذوو النيات السيئة. ولخص الكاتب في الجزءين من مؤلفه مختلف التحديات المطروحة على الجمارك، إثر الثورة الرقمية التي يعرفها العالم وما تحمله في طياتها من مخاطر، ما يفرض اعتماد مقاربة جديدة وإعادة النظر في الأساليب القديمة، بما يسمح بمواكبة المتغيرات. وتطرق إلى الجوانب التي تتطلب مراجعة، لضمان التوفيق بين الاستفادة من الإيجابيات، التي تحملها تكنولوجيات الاتصالات في مجال المبادلات التجارية عبر العالم، وضمان اليقظة المطلوبة في مراقبة حركات السلع والرساميل والأشخاص عبر العالم. ويتضمن الكتاب نظرة مفصلة حول التطورات، التي عرفتها الجمارك بالمغرب، طيلة سنوات، استنادا إلى تجربتها بإدارة الجمارك والضرائب المباشرة، التي امتدت على مدى أربعين سنة. في سطور تخرج العربي بلبشير الأول في دفعة خريجي المدرسة الفرنسية للجمارك بـ"نويلي"، خلال 1973، وتابع الدراسات العليا في القانون، بالموازاة مع دبلوم من السلك العالي من المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات. ويدرس، حاليا، في عدد من مؤسسات التكوين العمومية والخاصة، لتقاسم خبراته في مجال الجمارك ومحاربة الغش والاتجار في المخدرات.