إصلاح أعطاب الاغتصاب بالزواج “القسري”

إجبار المغتصب على الارتباط بالضحية لتفادي السجن والفضيحة تعرف جلسات غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالجديدة، من حين لآخر، مناقشة العديد من القضايا الجنائية، التي تنتهي بزواج المغتصب بالمغتصبة، حبا أو كرها، لتفادي العقوبة السجنية بالنسبة إلى (الزوج) من جهة ولتجنب الفضيحة (بالنسبة إلى الضحية الزوجة) من جهة ثانية. ويفرض هذا النوع من الزواج موافقة الطرفين للسماح بالولوج إلى السجن لتحرير العقد وتقديمه لهيأة الحكم، التي بعد الاطلاع، تقضي بمعاقبة المتهم عادة بـ"السورسي" لإخلاء سبيله. إنجاز: أحمد ذو الرشاد (الجديدة) تفضل الكثير من الأسر لم الشمل والاحتكام إلى لغة العقل في حالات اغتصاب القاصرات بالموافقة على الزواج طوعا أو كرها. وهي طريقة يسلكها عادة المتهم (المغتصب) بتواطؤ في أحيان كثيرة مع الضحية (الزوجة) بعد الوقوع في المحظور لفرض الواقع على أسرتيهما في حالة الرفض المسبق لاقترانهما، لكن في أحيان كثيرة، يجد المغتصب نفسه مضطرا للموافقة على الزواج من المغتصبة للإفلات من العقوبة. وتجد في هذه الحالات، هيأة الحكم نفسها في موقف حرج، بين تغليب كفة القانون بتطبيقه، أي بمعاقبة الجاني، وبين كفة الوضع الاجتماعي، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالحفاظ على مصلحة الضحية (المغتصبة)، وتشترط على الطرف الأول (الزوج) الصدق والرغبة الحقيقية في بناء أسرة والحفاظ على زوجته، وليس الرغبة في الانعتاق والهروب من الجزاء. اغتصاب وفرار تحفل جلسات الغرفة الجنائية لدى استئنافية الجديدة بقضايا ترتبط بهتك عرض القاصرات، الكثير منها تتم تسويته باللجوء إلى الزواج والقليل منها تتم فيه إدانة المتهمين بالسجن النافذ. من بين هذه القضايا التي انتهت بعقد قران المتهم على الضحية، قضية انطلقت بوضع شكاية، تتعلق بهتك عرض قاصر يقل عمرها عن 18 سنة بدون عنف، نتج عنه افتضاض وازدياد مولود. وأكدت الضحية أنها ربطت علاقة مع المتهم الحلاق، واستدرجها إلى غرفة يكتريها وهتك عرضها مفتضا بكارتها وتسبب في حملها. وأضافت أنه بعد علمه بذلك، اختفى عن الأنظار وعاد إلى مسقط رأسه بتاونات. واضطرت الشرطة القضائية إلى تحرير مذكرة بحث في حقه. وبعد وضع الضحية لمولود ذكر، ظل البحث جاريا عن المتهم، إلى أن تم إيقافه بمسقط رأسه، وبعد تنقيطه، تبين أنه موضوع مذكرة بحث بسبب تورطه في قضية هتك عرض قاصر. وانتقلت فرقة أمنية إلى هناك وعملت على استقدامه ووضعه تحت تدبير الحراسة النظرية. واستمعت إليه الضابطة القضائية، فلم يجد بدا من الاعتراف بالمنسوب إليه، موضحا أنه تعرف على القاصر وربط معها علاقة غير شرعية، وظلت تتردد عليه ومارس معها الجنس برضاها، إلى أن افتض بكارتها وتسبب في حملها، مقرا أن المولود ابنه. وأكد اعترافه الصريح والواضح أمام هيأة الحكم، وعبر عن رغبته في الزواج من المشتكية في أفق تسجيل المولود باسمه. افتضاض بوعد زواج بتت الغرفة الجنائية الابتدائية الأسبوع الماضي في قضية مماثلة توبع فيها شاب في العشرين من عمره، من أجل جناية هتك عرض قاصر نتج عنه افتضاض. توصلت الضابطة القضائية لدى الدرك الملكي بإرسالية من الوكيل العام للملك، التمس فيها تعميق البحث بالاستماع إلى كل الأطراف. واستدعت المشتكية بحضور والدتها وصرحت أنها بينما كانت تتابع دراستها الإعدادية وتقطن بدار الطالبة، تعرفت على شقيق صديقتها أثناء زيارته لها. وفوجئت به يتصل بها عبر تطبيق الواتساب دون تمكينه من رقم هاتفها، وعلمت في ما بعد أن أخته هي من مكنته من الرقم الهاتفي. وعبر لها عن رغبته في الزواج منها. وأضافت أنه بعد نجاحها نهاية السنة، انتقلت إلى دار الطالبة واستقرت بها. وفي نهاية الأسبوع فوجئت بالمتهم ينتظرها على دراجته النارية، وعرض عليها نقلها إلى منزل والديها. ورفضت في البداية، لكنه أصر ووعدها خيرا. وأثناء الطريق عرج على منزل فرعي، وأدخلها هناك وشرع في تقبيلها، واعترضت على تصرفه، لكنه أقنعها بأنه سيتقدم لخطبتها قريبا. ونزع ملابسها ومارس عليها الجنس سطحيا، قبل أن يفتض بكارتها. ونقلها إلى منزلها الأسري، وبعد مرور حوالي عشرين يوما، اتصل بها وطلب منها الخروج لمقابلته، لكنها رفضت، فأرسل لها صورا أثناء لقائهما الأول وهي عارية وهددها بنشرها، فاضطرت لتلبية طلبه ورافقها إلى المنزل الأول ومارس معها الجنس بالطريقة العادية. وبعد مرور عدة أيام طلبت منه التقدم لخطبتها، فأخبرها أنه غير مستعد. وانتقل إلى الأقاليم الجنوبية للعمل في قطاع الصيد البحري وغير رقم هاتفه المحمول. وأصيبت بخيبة أمل وحاولت الانتحار. وتم إيقاف المتهم بعد عودته، وأودع السجن، وعبر عن رغبته في إتمام مراسم الزواج بعد اتفاق أسرتيهما على ذلك. مسطرة التزويج إذا كان الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة، في الحالات العادية، فإن إشكالية توثيق عقد الزواج بالمؤسسة السجنية، تفرض سلك مسطرة خاصة. بعد الاتفاق على الزواج بين المتهم والضحية، يتقدم دفاع الأول بطلب أمام قاضي الأسرة مستوفيا للشروط، وبعد الاطلاع ودراسة الملف بالاستماع إلى الضحية ووليها القانوني، يصدر القاضي موافقته بتزويج القاصر من المشتبه فيه. ويطرح الزواج داخل السجن عدة إشكالات على المستوى العملي ويستلزم عدة إجراءات، منها الحصول على إذن من وكيل الملك، أو من قاضي التحقيق، حسب الأحوال والنوازل الطارئة. ويتضمن الترخيص اسمي العدلين المكلفين بتوثيق الزواج، واسمي الخطيبين، والحصول على إذن من قاضي الأسرة المكلف بالزواج، ومقررا بزواج قاصر في حال ما إذا كان أحد طرفي العقد قاصرا. يقول الأستاذ سليمان أدخول، عدل بتطوان، "عند استجماع هذه المستندات الجوهرية، يتوجه العدلان إلى المؤسسة السجنية، من أجل ممارسة الاختصاص التوثيقي الذي أسنده لهما القانون المغربي، مع مراعاة كل الأحكام القانونية الضابطة لعملية توثيق عقد الزواج، سواء تلك المنصوص عليها في القانون رقم 16.03 المنظم لمهنة التوثيق العدلي، أو تلك المنصوص عليها في مدونة الأسرة والقوانين ذات الصلة. رأب للصدع قال عبد الحميد صبري، محام بهيأة الجديدة، "مسألة الزواج بالقاصرات من خلال المسطرة الجنائية، وهذا هو الأغلب الأعم، تحدث متى كان الأمر يتعلق بالتغرير، نحن نتحدث عن الجرائم الجنسية البشعة، فأنا أعتبر بأن الاعتراف بالزواج، له خلفية اجتماعية، على اعتبار أنه يرأب صدعا ويجمع عائلة، خاصة إذا كان هناك ضحايا بالتبعية، أي أطفالا، ولكن هذا لا يمنع أن المشرع المغربي في هذا الباب لا يعتبر الزواج ظرف إعفاء من العقوبة، أو ظرف تخفيف، لاستقلال البابين، الباب الجنائي عن الباب الأسري المنظم بشروط معينة. وأضاف صبري في حديث مع "الصباح"، أن العمل على مستوى الواقع، كشف أن المحاكم تأخذ بعين الاعتبار عقد الزواج، في إطار ظروف التخفيف على أساس، أن الأمر انتهى إلى إنهاء خصومة وتوحيد عائلة والحفاظ على أسرة، وهو ما يجعل هذه العقوبات المقابلة لهذا النوع من القضايا، تراعي هذه المسألة، وغالبا ما تكون عقوبات مخففة إلى أقصى حد. وهناك بعض الحالات الشاذة يكون فيها الزواج وسيلة ومطية للإفلات من المسؤولية الجنائية، وهنا يتم استبعاد هذا الوضع بتشديد المحكمة الجنائية أسئلتها في باب، هل العلاقة الزوجية بطريقة واقعية، أم أنها هروب من تبعاته؟. ولا يمكن التحكم في نوايا الأشخاص ولا يستقيم مع بعض الحالات، لأن هناك من يعترف بخطئه ويريد إصلاحه والتوكل على الله وهناك من يخالف هذا المبدأ. في السابق كان هناك توجه، كنت أحبذه، إذ كانت النيابة العامة تعتبر عقد الزواج خلال فترة الشكاية، سببا من أسباب الحفظ المؤقت للشكايات، وهو توجه رائع لا علم لي ببقائه أم زواله، لأنه يعفي حتى المحاكم، من تبعات مناقشة قضية تنتهي بالصلح. وثقافة الصلح هي ثقافة مغربية وثقافة قانونية، لأن أغلب القوانين المغربية تنص على باب الصلح، وتعتبره من شروط إقامة بعض الدعاوى، مثل حوادث الشغل ونزاعاته والصلح موجود حتى في المساطر التجارية، والأصل في هذه المسائل تطبيق القانون، طبقا للفصول المنظمة لمختلف القضايا. وفي ما يخص تراجع الزوج عن مسؤوليته باللجوء إلى التنصل منها بالتطليق بعد مرور مدة معينة، يكفينا تكييف المسطرة الجنائية إلى مسطرة أسرية، من خلال الصلح والحرص على التصالح الاجتماعي، ولكن متى ثبت أن هناك قياما وإخلالا بأفعال مخالفة للقانون الجنائي، تأكد أن هناك مجموعة من الفصول تتصدى لها، لأن الأصل هو أن يعود الزوج إلى الاستقامة والتمسك بأسرته والتراجع عن خطئه، رغم أنه جرم. أضرار نفسية للضحايا شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلا مع قضايا تزويج القاصرات، رغم إلغاء الفصل 475 من القانون الجنائي، سنة 2014، الذي كان ينص على منع ملاحقة المغتصب في حال تزوجت به الضحية، واستبعاد إمكانية متابعته إلا بناء على شكوى من شخص له الحق في طلب إبطال الزواج. ونددت العديد من تعليقات رواد الفضاء الأزرق بهذه الطريقة، التي تضر بمصلحة الضحايا القاصرات، وحملت المسؤولية للسلطات القضائية، التي لا تضرب بيد من حديد على الجناة لزجرهم، والحد من مثل هذه الأفعال الجرمية، التي تخلف أضرارا كبيرة على نفسية الضحايا وتجعلهن عرضة لأمراض اجتماعية تلازمهن طيلة حياتهن. وأكد رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أن العديد من الفتيات القاصرات يجدن أنفسهن مجبرات على القبول باتفاق بين الأسرتين (أسرهن وأسر الجناة) دون حتى أخذ رأيهن أو موافقتهن.وعلقت سعيدة قائلة:"من غير المعقول أن يتم تزويج قاصر، تعرضت للاغتصاب من قبل مغتصبها، الذي لم يراع وضعها ولم يرحم ضعفها". وتساءلت، "كيف يمكن تصور بناء أسرة بين ضحية مغلوبة على أمرها مع وحش آدمي، أدمى جسدها وترك به ندوبا لم ولن تندمل أبدا". وأكدت فتيحة في عقدها السادس، في تدوينة جريئة، "مع الأسف تلجأ بعض الأسر إلى طي ملف اغتصاب فتاة قاصر، رغبة منها في تجنب متاهات المساءلة والنظرة الدونية التي تأتي من أفراد العائلة، وتلجأ بذلك إلى قبول مبدأ الصلح بتزويجها من جلادها". واستنكر عدد من المدونين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والصفحات الخاصة، تواطؤ الضحايا في أحيان كثيرة مع الجناة، لوضع أسرهم أمام الأمر الواقع، للجوء أخيرا إلى مسطرة التزويج، سيما في حالات رفض أسرة الفتاة السماح لها بالزواج ممن تريد. وعلق محمد وهو أب لعدة أبناء قائلا: "من الأفضل أن يتم اللجوء إلى مسطرة الصلح بين المغتصب والمغتصبة، شريطة أن تكون النية سليمة، تجنح نحو إصلاح الخطأ والنظر إلى المستقبل بنظرة الود والرحمة والتفاؤل".

إصلاح أعطاب الاغتصاب بالزواج “القسري”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إطلاق مشروع أنطولوجيا الكاتبة الإفريقية

اعتقال وسيطة فتحت خمس شقق للدعارة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات