هروب النخب من السياسة

فقدان الثقة في الأحزاب والنقابات بحجة أنها مطية للحصول على الامتيازات وتبادل المنافع سيكون من السهل على البرلمان انتخاب الكفاءات والنزهاء، وهذا يفترض في المواطنين الناخبين اختيار الأفضل، ويحتم على الملايين من الناخبين الرافضين للعملية الانتخابية الخروج من دوائر الصمت والتواطؤ مع الفاسدين إلى دائرة المشاركة في الحياة السياسية لإحداث التغيير المنشود، ولو بالتصويت على الأفضل في المرشحين لعضوية الجماعات الترابية، من مجالس الجهات، والبلديات والأقاليم والعمالات. ولو اقتنعت الأحزاب والنقابات بأهمية ترشيح الكفاءات والنزهاء والقادرين على إحداث الفارق والذين بإمكانهم اقتراح حلول عملية مبتكرة، فإن المؤسسات ستعرف تحولا إيجابيا مطردا. وعوض الاعتماد على الكفاءة وتقديم المقترحات والجرأة في اتخاذ القرار والتعبير عنه والترافع عليه في المؤسسات المخول لهم الاشتغال فيها، أصبحت الأحزاب والنقابات تضم عناصر تشتغل بمنطق النفاق السياسي" للتقرب من الزعيم لنيل منصب ما، وتحارب الكفاءة، التي تغادر وقد تجرب حزبا آخر، ونقابة أخرى، وتعيش تقريبا المشاكل نفسها، ما جعلها تنفر من العمل السياسي. وإذا كانت النخبة المتميزة تهرب من الأحزاب والنقابات، وتترك الراغبين في الحصول على المناصب يتعاركون بطريقتهم، فمعنى ذلك أن هؤلاء يهتمون أكثر بمصالحهم في الترشيح الانتخابي لتحقيق الفوز، وبعد الوصول إلى مقاعدهم سالمين، لا ينجزون ما وعدوا به المواطنين، ومن ثم يفقد المجتمع الثقة في الأحزاب والنقابات، ويعتبرها مجرد مطية للحصول على الامتيازات، وتبادل المنافع والمصالح. وتعيين الأسماء الحزبية والنقابية نفسها في مناصب مختلفة، خاصة من قبل الشيوخ، يعني أن الشباب لا قيمة لهم في العمل الحزبي والنقابي، إذ يراد لهم أن يكونوا مجرد « مناضلين»، لذلك كله وجب تغيير طريقة اشتغال الأحزاب والنقابات وتعيين الكفاءات في المناصب العليا، وتولي المسؤوليات في تدبير البرلمان بمجلسيه، والمجالس الترابية والغرف المهنية. وقال جلالة الملك في رسالة موجهة إلى البرلمانيين لمناسبة احتفاله بالذكرى 60 لتأسيسه، لقد « كان الربع الأخير من القرن العشرين حاسما في ورش استكمال بناء الصرح الديمقراطي والمؤسسات المنتخبة وطنيا، وعلى المستوى المحلي، وفي تقوية المؤسسات الوطنية وتعزيز سلطاتها، وإعمال إصلاحات كبرى أطرها تعديلان دستوريان هامان في 1992 و1996. وهذه المرحلة الهامة والفاصلة في تاريخ المغرب، كانت أساسية في مسلسل الإصلاح المؤسساتي، وكان من أبرز معالمها العودة، منذ 1996، إلى نظام الثنائية البرلمانية، الذي يتمتع فيه كلا المجلسين بالصلاحيات نفسها، مع توسيع اختصاصات المؤسسات المنتخبة، ووضع أسس الجهوية، سيرا على هذا النهج، ومنذ اعتلائنا عرش أسلافنا الميامين، حرصنا على إطلاق ورعاية إصلاحات كبرى، في مختلف المجالات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية والثقافية». ويرفض المواطنون الانخراط في الأحزاب والنقابات، لأنهم يعتبرون أن «النضال» لا طائل منه ما دام لا يحقق الشعارات التي تم رفعها في خدمة مصلحة السكان، والأقاليم والمؤسسات، والمصالح العليا للوطن والمواطنين. تحتاج الأحزاب والنقابات إلى إعادة تأهيل نفسها على طريقة تأهيل المقاولات، وتحتاج إلى الصدق في الخطاب، والشفافية في تسيير الهياكل المسيرة، والحكامة في صرف المال العام، وإبعاد كل المفسدين، والمشتبه تورطهم في فضائح مالية وأخلاقية، لأن المفسد الذي يصرف ماله للفوز في الانتخابات سيعمل بكل الوسائل المشروعة وغيرها، لإرجاع ما صرفه وربح حتى فوائد ذلك، ما يؤدي إلى توقيف بعض المشاريع التنموية في بعض مناطق المغرب على مستوى المجالس الترابية. ورغم كل هذه الصورة القاتمة التي يمكن إطلاقها على الأحزاب والنقابات والبرلمان والمجالس الترابية المنتخبة، فإن لديها القدرة على تصحيح المسار، واستقطاب الكفاءات رجالا ونساء، بعيدا عن النزول بالمظلات وهيمنة العائلات التي أضحت ظاهرة جديدة تستنسخ ما سبقها من هيمنة القبيلة، إذ رغم التحول التكنولوجي، ودراسة الأبناء في أحسن المدارس والمعاهد العليا بالمغرب وخارجه، فإنهم أعادوا إنتاج السلوك السياسي لآبائهم في ممارسة الهيمنة على المناصب وتولي المسؤوليات بشكل فاضح، وهو سلوك تقليدي، يخالف التصور الحداثي للدولة، ما يعني تهميش باقي الكفاءات. أ. أ

هروب النخب من السياسة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شغور المناصب يعكس تفتت "بوليساريو"

مسؤولية الأحزاب ثابتة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات