دراسة في القانون : العنف الأسري من منظور ديني وقانوني

المقاربة القانونية تتضمن مقتضيات من القانون الزجري وأخرى من مدونة الأسرة. بالنسبة إلى الجانب الزجري نجد أن القانون المغربي لا يحتوي إلا على قواعد محدودة تعاقب على بعض الأفعال والسلوكات الماسة باستقرار الأسرة، وفق مساطر محددة كالخيانة الزوجية والامتناع عن تقديم الطفل لمن له الحق في الحضانة وإهمال الأسرة المنصوص عليها في المادتين 479 و480 (ق ج) والمادة 482 (ق ج) المتعلقة بسوء معاملة الأبوين لأبنائهما وإن كان أحمد الخمليشي في مرجعه القانون الجنائي الخاص، (الجزء الثاني الصفحة 195)، اعتبر أن الجريمة المنصوص عليها في المادة 482 (ق ج) تبقى مكتوبة في النص وبعيدة عن التطبيق العملي، لأن ظروفا اجتماعية متنوعة لا تساعد على هذا التطبيق. وهناك نصوصا جنائية أخرى شددت العقوبة عندما يكون أحد مرتكبيها من أصول الضحية كما هو الشأن بالنسبة إلى المواد 487 و411 و466 و467 و467/1 و468 و 396 و397. ويلاحظ أن هذه النصوص لها حمولة زجرية وعقابية الهدف منها حماية كيان الأسرة، إلا أنه ينبغي التأكيد على أن البعد الزجري غير كاف لضمان استقرار الأسرة وحمايتها، وبالتالي ينبغي البحث عن البدائل لتحقيق هاته الغاية، ونظرا للدور المهم الذي تلعبه الأسرة كخلية داخل النسيج الاجتماعي، فإن قضاء الأسرة ووعيا منه بهذا الدور، فإنه يراعي الحمولة الاجتماعية التي جاءت بها مدونة الأسرة من خلال تسهيل وتبسيط المساطر وتقليص الآجال وتفعيل إجراءات الصلح قصد رأب الصدع، كما تم توسيع دور النيابة العامة طرفا أصليا للحفاظ على كيان الأسرة وتحقيق المصلحة الفضلى للأطفال. ورتبت مدونة الأسرة جزاءات زجرية على مخالفة بعض مقتضياتها كما هو منصوص عليه في المادة81 من مدونة الأسرة التي أحالت على المادة 361 (ق ج).وبالنسبة إلى النصوص التشريعية والتنظيمية أيضا، نجد أن المغرب صادق بتاريخ 21 نونبر 1996 على الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نونبر 1989 ، والتي عملت على أن ينشأ الطفل في بيئة عائلية وأسرية سليمة، وهذا واضح من خلال قراءة للمواد 18-19-20-27-32-34-36-37، ما يستوجب ملاءمة التشريعات الوطنية للمواثيق الدولية تكريسا لحماية وحصانة الأسرة. إن العنف الأسري تنتج عنه آثار سلبية تشكل في حد ذاتها تهديدا لاستقرار الأسرة وتوازن المجتمع وتعبيرا واقعيا عن وجود خلل في بنية الأسرة المشكلة للنسيج الاجتماعي وأنماطها، وتنعكس سلبا على الأداء الوظيفي لها، وتتجلى هاته الآثار في انعكاسها بشكل خطير على سلوكات الأطفال والمراهقين، وهذا واضح من خلال السلوكات التالية:1 - الهدر المدرسي وضعف النتائج على مستوى التحصيل الدراسي. 2 - التشرد وتعاطي المخدرات بكل أشكالها بما فيها الخطيرة والصلبة.ومن آثار العنف الأسري ارتفاع وازدياد عدد طلبات الإذن بالطلاق ومقالات التطليق المقدمة للمحاكم لعدم قدرة الزوجين على حل المشاكل العالقة بينهما مما يؤدي إلى حدوث خلاف وشقاق بين الأسر المتصاهرة، وهذا ما ينتج عنه حالة من عدم الاستقرار حيث تغيب معها كل القواعد وضوابط التنشئة الاجتماعية للأطفال والمراهقين مع إحساسهم بصراع وفراغ عاطفي في علاقتهم بآبائهم، ولمعالجة ظاهرة العنف الأسري نقترح الحلول التالية:1 - وضع إستراتيجية وقائية بتشارك مع كل المهتمين بالظاهرة من قانونيين وعلماء الاجتماع والمختصين في الطب النفسي، وتعتمد هاته الإستراتيجية على إعادة الاعتبار للمدرسة من خلال مراجعة المنظومة التربوية بشكل جذري وشمولي، وتحصين الموروث الثقافي مع التفتح على ما هو إيجابي وصحي في الثقافات الأجنبية. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تكاثف الجهود بين القائمين على الشأن الثقافي من جهة، والجهاز الإعلامي من جهة أخرى بكل أصنافه والمجتمع المدني، دون أن ننسى الجانب الروحي والعقائدي والديني، بحيث ينبغي تقوية هذا الجانب لأن الدين الإسلامي هو المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك، لما أولته الشريعة الإسلامية السمحاء للأسرة من أهمية كبرى، تعكس كل معاني التضامن وروح المسؤولية مصداقا لقول النبي (ص) كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته بعيدا عن كل أشكال العنف والإيذاء داخل الأسرة.2 - الجانب العلاجي: وفي هذا السياق ينبغي إعادة النظر في مسطرة الصلح المنصوص عليها في مدونة الأسرة، وذلك بإعطائها شحنة اجتماعية قوية وإشراك متخصصين نفسيين واجتماعيين خلال هاته المسطرة، وأن لا يبقى الأمر مجرد إجراء شكلي منصوص عليه في القانون، وأن تعتمد المحاكم على إنجاز خبرات نفسية لمعرفة حجم آلام الضحايا. فحسب موقع ( la vie eco)، فإن 75% من حالات الاعتداء الجنسي يكون الجاني فيها من الأقارب، وبالرغم من ذلك فإن المحاكم لا تتحرى في إنجاز خبرات نفسية، لمعرفة حجم آلام الضحايا، وأيضا يجب دعم تقنيات العلاج الجماعي مع المواكبة، قصد إعادة إدماج الضحايا داخل محيطهم بشكل عاد.العنف الأسري من خلال الندوة المنظمة بالمحكمة الابتدائية بفاس بتاريخ 28/02/2013في هذا الإطار وبمناسبة الحوار الوطني لإصلاح القضاء نظمت المحكمة الابتدائية بفاس بشراكة مع هيأة المحامين بفاس والمجلس الجهوي للعدول والمجلس الجهوي للمفوضين القضائيين بفاس، ندوة تحت عنوان «العنف الأسري تجلياته وأثاره»، وإن جاءت الندوة خطوة إيجابية في سياق انفتاح المنظومة القضائية على محيطها الاجتماعي، فإن هناك عدة مآخذ نسجلها كالتالي:- العروض التي تم إلقاؤها في الندوة غيبت البعد السوسيولوجي لظاهرة العنف الأسري، على اعتبار أن هذه الظاهرة هي ظاهرة اجتماعية.- تم اختزال مفهوم العنف الأسري في العنف الموجه ضد المرأة دون التطرق إلى الأسرة، كبنية اجتماعية لها مقومات ومرجعية ثقافية معينة، تتفاعل داخل محيط له هوية اجتماعية، وأن الأسرة تتحدد من خلال فاعلين يؤثثون الفضاء الأسري من أصول وفروع وأزواج وذوي الرحم.- تم التطرق إلى العنف الأسري من خلال سرد إحصائيات وأرقام ونسب معينة للعنف الموجه ضد المرأة، مع مقارنتها مع القانون الفرنسي ومعالجته لهاته الظاهرة. * تم التطرق إلى البعد القانوني والزجري في التعاطي مع الظاهرة، واقتراح إحداث خلية للأسرة خارج مبنى المحكمة، كما هو عليه الأمر بمدينة فاس غير أن هذا المعطى يبقى غير كاف، ولا يشكل مؤشرا كافيا للحد من استفحال مظاهر العنف الأسري.- العروض لم تتطرق بشكل مقنع للآثار الناجمة عن العنف الأسري، ولا للحلول التي ينبغي اعتمادها في هذا السياق. بقلـم : محمد القوص مفوض قضائي بفاس

دراسة في القانون : العنف الأسري من منظور ديني وقانوني

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حكــايــات اللاعـب "زاز" : كيود: العنصرية سبب عدم احترافي بفرنسا

إدانة متهم بترويج عملة أجنبية مزورة بمكناس

مقالات ذات صلة